أمين دراوشة - ثكافة.. قصة قصيرة

قبيل انتهاء الدوام بدقائق معدودة، جاء الخبر الصاعق الماحق، فقد نادى المنادي إلى اجتماع طارق. تنفست الحيوانات العادية بعمق، وعبرت عن ارتياحها شاهق. الاجتماع كان لأصحاب الشأن، من الثعلب إلى الدب. عددهم سبعون أو ثمانون أو تسعون، لا يعلم عددهم إلا البارئ.

دخل، جال ببصره الثاقب، أنحاء الغرفة، بضعة كراسي فارغة. امتعض، قطب حاجبيه، مال على مدير ديوانه. التقط المغزى.

الذئب يحاضر في مؤتمر للسياحة في دبي، والثعلب ينافق حول مكافحة الإرهاب في هولندا، وبدر البدور "اللبؤة الحليبية" مع الشبيبة في برلين تجادل حول ثكافة السلام.
همهم، ونعق محييا الحاضرين، ثم انتقل للحديث عن الغابة المهددة في كينونتها، وعن الترياق الشافي والحامي لعذريتها.

وقف الثور مشاركا: "هل تقصد هيكلية جديدة؟"

تبسم قائلا: "لا يشغلني هذا الموضوع بتاتا، فالشحرورة تقوم بالمهمة، بفم واسع، وشفاه غليظة، وصدر عارم. وخلفية معرفية موسوعية خالية من القدح الذم".

علت الأصوات متسائلة عن الحدث الأهم من الهيكلية.

قال: "جلبتكم اليوم، لمناقشة موضوع حياة أو موت لهذه الغابة السعيدة. إنها قضية الثكافة. على أنه ليس ذات أهمية إن كنتم مستهلكين أو منتجين لهذه الثكافة".

نهض الفيل بدمه الخفيف، وقال: "الدفع قبل الرفع".

فهم المغزى والغاية. كتم غيظه، واستمر في حكايته مع الثكافة.

"إن نشر الوعي القومي بثكافة الدفع هو عنوان المرحلة النضالية المقبلة، علينا أن نجعل الطيور والزواحف وغيرها، تعتاد على ثكافة الدفع. وعطفا على تجربة الأشقاء في الغابات الأخرى الذين لم يرحلوا رغم الأصوات الوقحة والمندسة والعميلة المنادية بذلك، فإنه قررنا بفرمان أن يدفع كل كائن بارة واحدة عن كل خدمة تقدمها له الغابة، وهذا يتضمن: الماء والهواء والغذاء، ودخول الحدائق. وهنا، وأعني الحاضرين، سنكون أنموذجا لثكافة الدفع، وسندفع بارة واحدة عن كل مشروب أو ساندويش فلافل".

وقف ابن آوى الذي حضر نيابة عن الثعلب، وقال:

"ولكن ساندويشة الشاورما بالصراصير، يتراوح ثمنها بين 12-15 بارة، فيا لعدالة سموكم!"

"يا لربات العذاب! وهل حقا ما تقول؟"

"لماذا؟ ألا تحب أكلها؟"

"أجل، أحبها. وعائلتي تأكلها يوميا، ولكن أصحاب المطاعم الموقرين، يرفضون أن أدفع لهم".

هنا، ضحك الجميع، وقالوا: "كلنا كذلك، كلنا كذلك".

وامتلأت القاعة بالهتافات الوطنية الشجية: "لتحيا الثكافة، لتحيا الثكافة. أدفع بارة، أدفع بارة، واركب حمارة، اركب حمارة".

وتوته توته وما خلصت الحتوته.

أمين دراوشة - فلسطين


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى