في الميناء تماما مثل السجن ، توشك السجائر ان تكون عملة رائجة ، والحراس يسعدون كل السعادة ، وهم يغضون ابصارهم عن بعض تجاوزات عمال السفن الأسيويين ، حين ينزلون للبحر من أجل جمع صدفات الرخويات التي يعشقون طعامها ، فيكون المقابل حصولهم على علب سجائر من النوع الذي يدفع للغثيان مع أول نفس ..
أما أنا فليس لدي زوجة ترغمني على الاقتصاد في المصروف ، كما هو شأن زملائي الذين لايكفون عن الاتصال بي طوال ساعات العمل من مواقعهم ..
- صديقي .. أخوك في حاجة الى سيجارة ممكن ..؟!
- لامشكلة .. تعالى سأمنحك واحدة ..
- شكرا اخي ذات يوم سوف اشتري علبة مارلبورو واقدمها لك هدية .. اسمع سوف افعل ذلك يوم عيد ميلادك .. اخبرني متى عيد ميلادك ؟
- الله اعلم ..
أحدهم ، وكان يملك قبل موته ثلاث شقق فاخرة ، واحدة في قلب مدينة طنجة بشارع فاس ، كان يقايضني بوجبة عشائه في الدوام الليلي ، مقابل ثلاثة اعواد سجائر ، واحيانا يتكلف باطعام الكلاب وتنظيف اقفاصها مقابل سيجارة او سيجارتين . أما أنا فانني سيد راتبي الشهري ، اصرفه حتى اخر درهم مقابل كؤوس القهوة والتدخين ، هذا ومنذ عشقت السجائر ، لم يحدث ان تسولت سيجارة واحدة كما يفعل الكثير من الفقراء والأغنياء ...!!
الأغنياء ... ؟ هذا أمر يستدعي العجب أليس كذلك ؟ .. حسنا ، فلنكن منصفين ولنعترف أن الاغنياء لايتسولون ، لكنهم يمدون ايديهم لامثالي حين يتعلق الأمر بالرغبة في التدخين ..
حدث ذلك مرارا من طرف مهندسين ومقاولين كبار ، محامون ورجال اعمال في المدينة ، حيث خاطبني بتودد ، العديد من رجال الادارات وارباب المصانع ، عندما كنت أعمل حارسا في المباني العامة ، حين يشعرون بانهم في حاجة للتدخين ، خاصة عندما تنهار أعصابهم بسبب جشع المواطنين البسطاء والكادحين الذين لايسلمون مؤخراتهم لخوازيق الاستغلال بسهولة ..
- عفوا صديقي ، قال الطبيب الذي مد اصابعه الى علبتي واستل واحدة برفق ،
- نعم أنا من يتوجب عليه ان ينهاك عن حرق رئتيك ، لكن ما العمل ، لقد وقعت في شر الادمان ، قبل دخولي كلية الطب ، وذلك بسبب فتاة احببتها ، والان كلما تذكرتها لا استطيع مقاومة الرغبة في احداث المزيد من الثقوب في صدري بهذا الدخان اللعين ، حتى وان كان قد مضى على اقلاعي عنها عاما كاملا ..
سألته ممازحا :
- اقلعت عن حب الفتاة ؟
ضحك وقال : لا .. لا .. السجائر ..
قلت محاولا ان اهدىء من روعه :
- لاعليك استاذ ، تعلم أن طبقة الاوزون مثقوبة ؟ نعم تعرف ذلك ، لكن ها نحن نعيش على الارض رغم كل الثقوب الجائعة المتربصة بنا ، تلك التي تنتظر أن نسد جوعها ، قبل ان يخرج من جوفها نسل ياجوج ومأجوج ..
أما الفقراء فإننا لانستغرب حين يتنازل بعضهم عن وجبة غذاء او عشاء ان كان سيحصل بالمقابل على بعض السجائر المجانية ..
بفضل السجائر ، والسجائر وحدها اصبحت محبوبا لدى الجميع ، في كل صباح ينفرد بي رئيسنا الى زاوية بالادارة هامسا :
- ماذا اقول ؟ نسيت علبة السجائر في البيت ..
- لامشكلة .. كم يكفيك منها .. ؟
- ثلاثة فقط .. احاول التقليل ..
- اوكي ، من اجلكم احضر علبتين ..
اناوله نصيبه من الاثاوة ، وبالمقابل ، يناديني وأنا اهم بالانصراف الى موقعي :
- اسمع صديقي ، لاتتعب نفسك بالوقوف ، استرح في مكانك ..
- شكرا ايها الرئيس ..
- العفو .. انت عزيز جدا ، كما انني اعرف أنك تحب الكتابة ، كن مطمئنا لن يصل اليك المراقب اليوم ..
لكن المراقب يأتي .. ومبتسما كعادته ..
- أريد سيجارتين اثنتين من فضلك ..
- حاضر سيدي لامشكلة ..
ينصرف المراقب وهو يردد :
- خد راحتك ، اعرف انك تحب الكتابة على الهاتف ، لن يضايقك احد مادمت أنا هنا ..
بعد قليل يتقدم مني شرطي طيب الملامح ، يسألني عن مكان للصلاة ، وشاحن لهاتفه ، بعد انتهائه من الصلاة ، يتبسم ويقول :
- هل انت الكاتب ؟
- لا سيدي ، انشر فقط بعض الخربشات على فايسبوك ..
- اخبروني انك شاعر .. هل تعلم أنا ايضا اكتب الشعر ، لولا ظروف العمل .. قل لي صديقي هل عندك سجائر .. ؟
كان الشرطي عفيفا ، فلقد اكتفى بسيجارة واحدة ، قال انه يحاول ان يقلع عن التدخين بالتدريج ..
بعده بساعة .. دنت مني احدى المهاجرات الشابات ، وكانت تنتظر موعد صعودها الى سفينة ركاب تصل بين ميناء طنجة وميناء جنوة .. شقراء او سمراء لا اتذكر لونها جيدا ، وان كنت اصر انها كانت كذلك - شقراء او سمراء - طويلة نحيفة هيفاء وملامحها طفولية ، تبسمت وقالت بلهجة ركيكة :
- سلام .. انت .. ممكن واحدة .. كارو .. بليز ..
ناولتها قضيبي ولم أكن قد أشعلته بعد ، أمسكته برؤوس اصابعها بلين ثم قربته من شفتيها وقالت :
- مانحب والديا يشوفوني ..
قلت لها : لامشكلة ، ثم وقفت خارج قوقعتي الخشبية وتركتها تتلذذ بسيجارتها في الداخل ..
في المساء ، في المقهى .. وبعد العودة من الميناء ، التقيت صديقا عرفته عن طريق فايسبوك ، حيث كتب مقالات تسخر من عبثية موقع التواصل هذا الذي يرى انه لايخدم الادب .. وهو يحدثني عن أهمية النشر الورقي ، تخيلته كمن يتبول في آنية ويشرب منها ، وبالمناسبة هو ايضا يحاول الاقلاع عن التدخين لكن علبة سجائري كما هي العادة ملك لهيب ولاعته .. واقول ولاعته ، لأنه لو رغب (هيرمان ميلفل) في كتابة رواية اخرى بطول رواية ( الموببديك) ، وجاء يسألني عن موضوع مناسب ، لنصحته بالكتابة عن سارقي الولاعات ..
قبل أن أنام بقليل سمعت طرقا خفيفا على باب غرفتي .. فحت الباب فاذا بي ارى جاري الشاحب الوجه الذميم الخلقة يقف منحني الظهر أمامي كما لو أنه لم يتناول طعاما منذ سنة ..
- نعم ؟ سألته بتحريك حاجباي ..
- آآآآآ ه م ل ذ .. ماذا اقول ؟ نفذت مني السجائر وهذا آخر الليل ، والنوم خاصمني .. غدا سوف أحصل على النقود من رب العمل ، والله أعدك أنني ..
- أوكي ...اوكي لامشكلة .. أعطيته سيجارة يتيمة وأنا اعرف انه يرغب في ثلاثة ، لكنه يعرف أنه مهما استعطفني لن يحصل الا على واحدة ..
من أجل استدراج النوم ، دخلت على محرك البحث غوغل ، وشرعت في تنزيل صور الادباء المدخنين ، محمود درويش ، محمد شكري ، خوليو كورتاثر ، محمد الماغوط وغسان كنفاني .. ثم تساءلت ، واذن ما الذي يمنعني من المواصلة على نهجهم مادمت اعتبرهم قدوة ؟ .. فجأة تذكرت أبي ، كنت شابا طبيعيا يوم خاطبني متفاخرا امام نسوة بينه وبينهن اسرار :
- اياك ان تدخن ..
- انا لا ادخن يا ابي ..
- اعرف انك لاتدخن ، لكنك اذا ما دخنت يوما ، سوف تنال غضبي ومقتي للابد .
في مساء ذلك اليوم اشتريت اول علبة سجائر في حياتي ، وانهيت فصلا طويلا من الطاعة والامتثال .
في صباح اليوم الموالي ، كان الرصيف فارغا من السفن ، حيث لاصوت يعلو على نعيق النوارس ، وكنت افكر في كتابة قصيدة مطولة عن الحضارة البابلية ، والهنود الحمر وشعب المايا ، حين حطت رحالها على مقربة مني سيارة من نوع ( بيكوب ) وسرعان ماشرع العمال في حفر الارض وبسط بعض قضبان الحديد ، من أجل بناء حاجز اسمنتي بين رصيف السيارات ورصيف السلع ..
مرت قرابة ساعة حين لمحت الشبان الثلاثة ينظرون الي بعيون زائغة ويتهامسون ، قليلا ثم تركوا مافي أيديهم من معاول ، فاذا بأشجعهم يقترب مني تؤازره نظرات صاحبيه المستعطفة :
- أيها ( الشاف ) ، هلا اعطيتنا سجارتين او ثلاثة ، وان شاء الله نردها اليك عندما يعود رئيسنا الذي سيحضر لنا الغذاء والسجائر ..
قلت في نفسي وانا اسلمه اثنتين ..
- لن تعيدوها الي وان أفرغوا حمولة سجائر كاملة عند اقدامكم ..
عند متم الساعة الثانية بعد الزوال ، جاءهم رئيسهم بوجبة الغذاء والسجائر ، فكان أن تناولوا طعامهم كما الكلاب المشردة ، ثم اشعلوا السجائر ، وقد لمحت رئيسهم يسلم فور قدومه علبة ماركيز لأحدهم ..
بعد فراغهم ، قاموا بانتزاع ملابس العمل الرثة ، ثم لبسوا أخرى نظيفة ، وكانوا يتحاشون النظر الي ، كما لو كانوا ثلاث عاهرات سلبن زبونا ميسورا بعض النقود ثم اخلفن موعدهن معه .
أما أنا فليس لدي زوجة ترغمني على الاقتصاد في المصروف ، كما هو شأن زملائي الذين لايكفون عن الاتصال بي طوال ساعات العمل من مواقعهم ..
- صديقي .. أخوك في حاجة الى سيجارة ممكن ..؟!
- لامشكلة .. تعالى سأمنحك واحدة ..
- شكرا اخي ذات يوم سوف اشتري علبة مارلبورو واقدمها لك هدية .. اسمع سوف افعل ذلك يوم عيد ميلادك .. اخبرني متى عيد ميلادك ؟
- الله اعلم ..
أحدهم ، وكان يملك قبل موته ثلاث شقق فاخرة ، واحدة في قلب مدينة طنجة بشارع فاس ، كان يقايضني بوجبة عشائه في الدوام الليلي ، مقابل ثلاثة اعواد سجائر ، واحيانا يتكلف باطعام الكلاب وتنظيف اقفاصها مقابل سيجارة او سيجارتين . أما أنا فانني سيد راتبي الشهري ، اصرفه حتى اخر درهم مقابل كؤوس القهوة والتدخين ، هذا ومنذ عشقت السجائر ، لم يحدث ان تسولت سيجارة واحدة كما يفعل الكثير من الفقراء والأغنياء ...!!
الأغنياء ... ؟ هذا أمر يستدعي العجب أليس كذلك ؟ .. حسنا ، فلنكن منصفين ولنعترف أن الاغنياء لايتسولون ، لكنهم يمدون ايديهم لامثالي حين يتعلق الأمر بالرغبة في التدخين ..
حدث ذلك مرارا من طرف مهندسين ومقاولين كبار ، محامون ورجال اعمال في المدينة ، حيث خاطبني بتودد ، العديد من رجال الادارات وارباب المصانع ، عندما كنت أعمل حارسا في المباني العامة ، حين يشعرون بانهم في حاجة للتدخين ، خاصة عندما تنهار أعصابهم بسبب جشع المواطنين البسطاء والكادحين الذين لايسلمون مؤخراتهم لخوازيق الاستغلال بسهولة ..
- عفوا صديقي ، قال الطبيب الذي مد اصابعه الى علبتي واستل واحدة برفق ،
- نعم أنا من يتوجب عليه ان ينهاك عن حرق رئتيك ، لكن ما العمل ، لقد وقعت في شر الادمان ، قبل دخولي كلية الطب ، وذلك بسبب فتاة احببتها ، والان كلما تذكرتها لا استطيع مقاومة الرغبة في احداث المزيد من الثقوب في صدري بهذا الدخان اللعين ، حتى وان كان قد مضى على اقلاعي عنها عاما كاملا ..
سألته ممازحا :
- اقلعت عن حب الفتاة ؟
ضحك وقال : لا .. لا .. السجائر ..
قلت محاولا ان اهدىء من روعه :
- لاعليك استاذ ، تعلم أن طبقة الاوزون مثقوبة ؟ نعم تعرف ذلك ، لكن ها نحن نعيش على الارض رغم كل الثقوب الجائعة المتربصة بنا ، تلك التي تنتظر أن نسد جوعها ، قبل ان يخرج من جوفها نسل ياجوج ومأجوج ..
أما الفقراء فإننا لانستغرب حين يتنازل بعضهم عن وجبة غذاء او عشاء ان كان سيحصل بالمقابل على بعض السجائر المجانية ..
بفضل السجائر ، والسجائر وحدها اصبحت محبوبا لدى الجميع ، في كل صباح ينفرد بي رئيسنا الى زاوية بالادارة هامسا :
- ماذا اقول ؟ نسيت علبة السجائر في البيت ..
- لامشكلة .. كم يكفيك منها .. ؟
- ثلاثة فقط .. احاول التقليل ..
- اوكي ، من اجلكم احضر علبتين ..
اناوله نصيبه من الاثاوة ، وبالمقابل ، يناديني وأنا اهم بالانصراف الى موقعي :
- اسمع صديقي ، لاتتعب نفسك بالوقوف ، استرح في مكانك ..
- شكرا ايها الرئيس ..
- العفو .. انت عزيز جدا ، كما انني اعرف أنك تحب الكتابة ، كن مطمئنا لن يصل اليك المراقب اليوم ..
لكن المراقب يأتي .. ومبتسما كعادته ..
- أريد سيجارتين اثنتين من فضلك ..
- حاضر سيدي لامشكلة ..
ينصرف المراقب وهو يردد :
- خد راحتك ، اعرف انك تحب الكتابة على الهاتف ، لن يضايقك احد مادمت أنا هنا ..
بعد قليل يتقدم مني شرطي طيب الملامح ، يسألني عن مكان للصلاة ، وشاحن لهاتفه ، بعد انتهائه من الصلاة ، يتبسم ويقول :
- هل انت الكاتب ؟
- لا سيدي ، انشر فقط بعض الخربشات على فايسبوك ..
- اخبروني انك شاعر .. هل تعلم أنا ايضا اكتب الشعر ، لولا ظروف العمل .. قل لي صديقي هل عندك سجائر .. ؟
كان الشرطي عفيفا ، فلقد اكتفى بسيجارة واحدة ، قال انه يحاول ان يقلع عن التدخين بالتدريج ..
بعده بساعة .. دنت مني احدى المهاجرات الشابات ، وكانت تنتظر موعد صعودها الى سفينة ركاب تصل بين ميناء طنجة وميناء جنوة .. شقراء او سمراء لا اتذكر لونها جيدا ، وان كنت اصر انها كانت كذلك - شقراء او سمراء - طويلة نحيفة هيفاء وملامحها طفولية ، تبسمت وقالت بلهجة ركيكة :
- سلام .. انت .. ممكن واحدة .. كارو .. بليز ..
ناولتها قضيبي ولم أكن قد أشعلته بعد ، أمسكته برؤوس اصابعها بلين ثم قربته من شفتيها وقالت :
- مانحب والديا يشوفوني ..
قلت لها : لامشكلة ، ثم وقفت خارج قوقعتي الخشبية وتركتها تتلذذ بسيجارتها في الداخل ..
في المساء ، في المقهى .. وبعد العودة من الميناء ، التقيت صديقا عرفته عن طريق فايسبوك ، حيث كتب مقالات تسخر من عبثية موقع التواصل هذا الذي يرى انه لايخدم الادب .. وهو يحدثني عن أهمية النشر الورقي ، تخيلته كمن يتبول في آنية ويشرب منها ، وبالمناسبة هو ايضا يحاول الاقلاع عن التدخين لكن علبة سجائري كما هي العادة ملك لهيب ولاعته .. واقول ولاعته ، لأنه لو رغب (هيرمان ميلفل) في كتابة رواية اخرى بطول رواية ( الموببديك) ، وجاء يسألني عن موضوع مناسب ، لنصحته بالكتابة عن سارقي الولاعات ..
قبل أن أنام بقليل سمعت طرقا خفيفا على باب غرفتي .. فحت الباب فاذا بي ارى جاري الشاحب الوجه الذميم الخلقة يقف منحني الظهر أمامي كما لو أنه لم يتناول طعاما منذ سنة ..
- نعم ؟ سألته بتحريك حاجباي ..
- آآآآآ ه م ل ذ .. ماذا اقول ؟ نفذت مني السجائر وهذا آخر الليل ، والنوم خاصمني .. غدا سوف أحصل على النقود من رب العمل ، والله أعدك أنني ..
- أوكي ...اوكي لامشكلة .. أعطيته سيجارة يتيمة وأنا اعرف انه يرغب في ثلاثة ، لكنه يعرف أنه مهما استعطفني لن يحصل الا على واحدة ..
من أجل استدراج النوم ، دخلت على محرك البحث غوغل ، وشرعت في تنزيل صور الادباء المدخنين ، محمود درويش ، محمد شكري ، خوليو كورتاثر ، محمد الماغوط وغسان كنفاني .. ثم تساءلت ، واذن ما الذي يمنعني من المواصلة على نهجهم مادمت اعتبرهم قدوة ؟ .. فجأة تذكرت أبي ، كنت شابا طبيعيا يوم خاطبني متفاخرا امام نسوة بينه وبينهن اسرار :
- اياك ان تدخن ..
- انا لا ادخن يا ابي ..
- اعرف انك لاتدخن ، لكنك اذا ما دخنت يوما ، سوف تنال غضبي ومقتي للابد .
في مساء ذلك اليوم اشتريت اول علبة سجائر في حياتي ، وانهيت فصلا طويلا من الطاعة والامتثال .
في صباح اليوم الموالي ، كان الرصيف فارغا من السفن ، حيث لاصوت يعلو على نعيق النوارس ، وكنت افكر في كتابة قصيدة مطولة عن الحضارة البابلية ، والهنود الحمر وشعب المايا ، حين حطت رحالها على مقربة مني سيارة من نوع ( بيكوب ) وسرعان ماشرع العمال في حفر الارض وبسط بعض قضبان الحديد ، من أجل بناء حاجز اسمنتي بين رصيف السيارات ورصيف السلع ..
مرت قرابة ساعة حين لمحت الشبان الثلاثة ينظرون الي بعيون زائغة ويتهامسون ، قليلا ثم تركوا مافي أيديهم من معاول ، فاذا بأشجعهم يقترب مني تؤازره نظرات صاحبيه المستعطفة :
- أيها ( الشاف ) ، هلا اعطيتنا سجارتين او ثلاثة ، وان شاء الله نردها اليك عندما يعود رئيسنا الذي سيحضر لنا الغذاء والسجائر ..
قلت في نفسي وانا اسلمه اثنتين ..
- لن تعيدوها الي وان أفرغوا حمولة سجائر كاملة عند اقدامكم ..
عند متم الساعة الثانية بعد الزوال ، جاءهم رئيسهم بوجبة الغذاء والسجائر ، فكان أن تناولوا طعامهم كما الكلاب المشردة ، ثم اشعلوا السجائر ، وقد لمحت رئيسهم يسلم فور قدومه علبة ماركيز لأحدهم ..
بعد فراغهم ، قاموا بانتزاع ملابس العمل الرثة ، ثم لبسوا أخرى نظيفة ، وكانوا يتحاشون النظر الي ، كما لو كانوا ثلاث عاهرات سلبن زبونا ميسورا بعض النقود ثم اخلفن موعدهن معه .