نبيل يوسف العربي النفيعي - إطلالة على "جحيم شنكال".. للكاتب مهند صلاح

في مشهد وصفي مأساوي مركز يمثل مابعد النهاية المأساوية ، يفتتح المؤلف روايته به ، حيث تتداخل الضمائر بصورة غائمة مبهمة سرعان ما يتكشف القارئ حقيقتها.

١ - إنها تجلس/ تلطخ رأسها برماد أهلها / تدس...سرها .
٢ - جمجمة رائحة صراخها تملأ المكان .
٣ - خمس سنوات مرت و هم يعتقلون الموتى سياج طويل .
٤ - لينتظروا الحكومة النائمة علها .......الموتى تفرقهم ...بعد فحص DNA .

- الأظرف الفارغة للرصاص .....بقيت شاهدا على إبادة جماعية ، تتسرب من مخالبها أقنعة الوحوش ، وهم يهرولون خلف الدم والجنس والمال ، ويرتلون زورا اسم الله .

- عامر طفل خمس سنوات من عمر الإبادة......يلعب بظروف رصاص فارغة ، وبخياله الطفولي المتسم بالبراءة يفكر بطريقة أسطورية رغبة في عودة الموتى إلى الحياة ، ومواساة لصديقه مجدل ، وأملا في إخبار الله ( بأن شنكال مدينة التهم صغارها مارد يدعي قرابته منه ).
- يكشف الحوار بين عامر وأبيه عن براءة الطفل ورغبته في المشاركة بشمعة وحال الأب المتجهم الذي ينهره ( وسط هذا الوجع ) .
- يبادر محمدجليل الذي جاء من الجنوب " الديوانية" ؛ ليعطي عامرا شمعته
ويسرع بكاميرته ليوثق بالصورة اعتقال الموتى في مقبرة حردان والشمس في كبد جبل سنجار .
=صورة ملحمية جاءت متأخرة حيث قوات من الجيش مع قوات حماية أيزيدخان والشباب المتطوعين لحماية هذه الوقفة تمهيدا لليوم التالي لذكرى الإبادة .
= توصيف أشد مأساوية للأحياء من الأيزيديين ( ملغومين بشبح الخوف..........من جحيم الفقدان ) ص 11

= وتتداعى ذاكرة المؤلف تداعيا حرا في بنية سردية شاعرية تمثل دفقا عاطفيا حزينا يصف المكان والزمان والبشر في نسيج لوحة فنية بديعة تمتد من ( حلا سفيل) إلى كفيها إلى القلب الصغير المرسوم مرورا بشمعتها وهي تحيط بالقلب ونشيدها البابلي الممتد نحو معبد (يزدا ) وتستمر إلى زمن صدام حسين وإلصاق يزيد بن معاوية في بطاقاتهم الشخصية ؛ ليكونوا متهمين بدم الحسين الذي يحبونه بحجم حبهم للسلام .
= ويستمر التداعي الحر بصورة تسكب حزنا وتعاطفا مع شنكال وأهلها وصرخة الغضب من الخيانات والإبادات التي ارتكبتها طيور الظلام من أجل انتصار مزيف باسم الإسلام وباسم الله.

= تقديم ( حلا ) بهذه الصورة الشاعرية في علاقتها بالمكان والأهل والغرباء يغلب عليها الوصف السردي في ظاهرها إلا أنها بنية حوار داخلي عميق يعتمل داخل (حلا) وينساب في تداعيه الحر مسترجعا كل الذكريات المفعمة بالجمال والحب والبراءة التي لاتشوبها ظنون الشر - والشر منهم قريب - وبينهم من يغزلون خيوط الخيانة لهم .

= تتجسد فجيعة الخيانة في صرخة الطفلة ( آفين) وهي تبكي في الطريق إلى الجبل وسط أزيز الرصاص .( ماذا لو أن الحماة الجبناء أخبرونا قبل يوم من هروبهم ؟) . إنها الخيانة في أبشع صورها . الجميع قال سآوي إلى جبل يعصمني من الطوفان وطالما " كان المأوى لإبادتهم " . وكأن المؤلف استحضر قصة نوح عليه السلام بصورة مغايرة في واقعيتها .

= استدعاء قصة أبناء آدم عليه السلام وما فيها من إسقاط مباشر على القاتل / والمقتول / والمحايد الذي جعل حياده حفاظا على سلالته من خطايا البشر ؛ ليرتكب بذلك جريمة الخليقة إذ جعل سلالته قربانا شمسانيا " لاينفك عن ولادة الموت" وهي لمحة تحمل كل المحايدين مسؤولية المشاركة في المأساة التي ستطالهم وذرياتهم ولو بعيد حين .

=هكذا يجد القارئ نفسه بطريقة " الارتداد " من مشهد ما بعد النهاية المأساوية إلى بداية الطريق إلى جحيم المأساة مع " حلا "نحو قرية " قني ".

=وتتوالى الأحداث وتتشابك المآسي ؛ لتكشف المفارقات الفجة بين أبطال من الرجال والنساء والصبايا والشباب الأيزيديين عاشوا المأساة ، وكانوا ضحاياها أمام وحوش حيوانية من الذكور والإناث اتخذوا من أفكارهم المشوهة عن الدين سلاحا يمارسون به القتل والاغتصاب والاستعباد للبشر والحجر ولكل من يخالفهم .

هذه الوحوش من شذاذ الآفاق يتخذون من المظهر الإسلامي قناعا وستارا لدونيتهم المفرطة في السادية والشيفونية والانحطاط في أبشع صوره.

= تتشابك قصص البطولة وتتنوع ممزوجة بقصص الحب والوفاء والكرم والشهامة مع نقد العادات والتقاليد المجحفة كما في فاروق دين أو المجنون الذي اختفى كملاك في أتون الجحيم.
- بطولة عجاج والشباب وأسر أربعة دواعش واستجوابهم وإعدامهم .
- بطولة حيدر وسقوط ابنته أيفا من السياره والتضحية بها من أجل نجاة الكل .
- صرخات التحدي التي أطلقتها كوجر في وجه الدواعش واتهامهم بأنهم كفار وأنها لن تتنازل عن عقيدتها.
-بطولة المرأة الأيزيدية المجهولة الاسم التي ترتدي زي الدواعش ومحاولتها إنقاذ النساء والفتيات من مصيرهن في قبضة الدواعش.
**
( الحروب جائعة وهي لا تكتفي بالتهام الأبرياء بل تتقيأ جثثهم عند المفترقات وتجعل الجميع يؤمنون بأن الموت هو السبيل الوحيد للخلاص وأن برد الفقدان هو الأشد ألما من لحظات انقباض الأرواح وتشظي القلوب وهي تمارس أوجاعها بينما يجلس الساسة ومهندسو الإبادات خلف شاشات التلفاز ويضعون أكفهم أمام أعين أطفالهم كي لا يشاهدوا جرائمهم...) ف5 ص 43

.....تترى صور المأساة
- الأم المرضعة التي وعدوها بالطعام لإرضاع طفلها ثم الغدر بها وقتل الطفل وتقديم لحمه لها مطبوخا وإلقاء ثيابه في وجهها عندما سألت عنه.
- جيلان التي انتحرت في الحمام حفاظا على شرفها ولم تسلم من اغتصابها ميتة من عشرة دواعش وهم يرددون الله أكبر.
- قصة كامو وهي تحكي عن حبيبها درويش لصديقتها في المأساة شمي
سافر درويش ووقعت المأساة .
- أبو حميد يتصل بأحد أصدقائه الأوفياء من العرب فيلبي احتياجاته واستغاثته .
- شجاعة كمال وتحديه للدواعش ينتهي بتفجير رأسه بالرصاص.
- صدمة أمه شيرين ومحاولة خيرو لفك وثاقه ثم دفنه مقيدا ثم موت الأم شيرين على ظهر ابنها خيرو في الطريق إلى الجبل.
- شاعرية جمال بعد ان علم بموت عمه وجدته تنطق بها قصيدته ( الهروب لمكمن الحياة ).
- قتل رجال قرى بأكملها وسبي النساء.
- مأساة فاتن ومعرفتها بخبر قتل أهلها وكل الرجال .
-قاسم يروي ما حدث في سنجار من إبادة جماعية بدم بارد وسبي النساء.
(( الجميع في داخلهم يكمن نفس تكفيري ليس بحاجة إلا لفك قيوده كي يستبيح كل من يختلفون عنه باسم التطرف الديني أو القومي أو المذهبي.))
- شيمي " من سيدفن أبنائي وأحفادي الخمسة والثلاثين الذين بقيت جثثهم ملقاة في الفلوات بلا قبر يحتويهم "
سعيد قي قصيدته " كما السفن ........وهي تسحبه ببطء "
- حسن الهكاري وزوجته والحديث عن مظاهر الكرم والشهامة من الأيزيديين في استعداداتهم لاستقبال أبناء تلعفر والعوائل الهاربة من جحيم الدواعش.
- مراد ومروان وعمار و البطولة والإنسانية وكلب الجبل الوفي .
- مأساة ليلى والعودة إلى أحضان الأهل والوطن .
=ف 19 ( يستقر الأيزيديون بعد رحلة الإبادة في مخيمات تحمل في متونها الإبادة الخامسة والسابعين وهي تصهرهم لتحيل ذكرياتهم المليئة بالطفولة لغابات مليئة بالحرائق....)
لا تنتهي المآسي بمأساة الشتات فهذا خالد في ألمانيا بعد سفر عائلته بأربع سنوات وسيم ابنه لا يعرفه ويسأل أمه : من هذا ؟
رغم القهر والمعاناة يمزقه الحنين للوطن في غربته قد رافقه صديقه الجنوبي هاتفيا طيلة الخمس سنوات ونيف . وتأتي صرخة الجنوبي لتسدل ستار النهاية المفتوحة على مأساة .....
((( كيف لي أن أصرخ طويلا بحجم هذه الخرابات التي عشتموها ولا زلتم تعيشونها ))

وكأن المؤلف يعود بنا إلى مقبرة حردان والجثث المعتقلة
ليقول أن المأساة قائمة ، وإن خفتت حدتها.
.
------------------------------------------------------------------
***
= لغة فصحى واضحة المعاني مشحونة الدلالات . وعبارات جزلة البناء يغلب عليها الطابع الشعري المكثف بصوره المتلاحقة والمتداخلة
= بنية الأحداث متشابكة ومتداخلة تجمع بين بنية الوصف السردي المحكم وبنية الحوار الذي جمع بين الحوار الخارجي بين الشخصيات في مواضع عدة وكان له دوره في إبراز أحداث المأساة وما تتسم به الشخصيات .مع الحوار الداخلي النفسي قليلا .
= رسم الشخصيات والأماكن من خلال الأحداث بدقة تجعل القراء يشاهدونهم ويعيشون معهم في واقعهم المأساوي.
***
= شكرا للكاتب الأديب الشاعر/ مهند صلاح

= شكرا للفنان / Kheder Daham خضر حجي دحام الذي رافقتنا لوحاته عبر الصفحات بما تحمله من خطوط وألوان دالة بصورة واضحة على المأساة وعن حسه المرهف الذي يعتصره الحزن والوجع.
= دعواتي بالتوفيق وطيب الحياة.
**********************************************
=قراءة أعدها أبو لؤي النفيعي
نبيل يوسف العربي النفيعي - مصر
الاثنين ٦ / ٧ / ٢٠٢٠

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى