يمر الليل ثقيلا، عيناها اللتان تنتظران مجيئه تتعبان، تتألمان، لكنهما لا تنطبقان، تطفو جل الافكارو التخمينات في ذهنها، اكثرها تشاؤما، و بعدها المتفائلة تحل محلها" لم يفعلها قبلا، في المرات السابقة كان عندما يخرج من القرية، يعود قبل مغيب الشمس، اليوم استيقظ باكرا، كان متجهما كأنه رأى حلما مزعجا، حاولت معرفة ما يعانيه، لكنه لم يفصح عن اي شيء، قال:
- سأمضي الى تلك القرية، سأقابل صديقا لي.
"لم يحدث ان تركنا لوحدنا، ليس لنا احد في هذه القرية، انا و اطفالي لوحدنا، بعد ان فر من الخدمة في الجيش لم استطع ان اتحمل ضغوطات الامن وقدمت الى هنا، هو يعرف انه في غيابه لن يقر لنا قرار، لم نتعود على هذا الجو، قضينا جل حياتنا في المدينة و اليوم نعاني بسبب هذه الظروف السيئة" .
يمضي الليل ثقيلا، يزداد خوفها و قلقها، وضعت القنديل بجانبها، جالسة أمام النافذة الصغيرة المواجهة للباب الخارجي للمنزل، عندما غابت الشمس و عاد اطفالها من ازقة القرية، كانت تعد العشاء، رجفان قلبها لم يهدأ، اخرت العشاء قدر استطاعتها، تقول: سيجيء، كيف سيتركنا، بسببنا ترك الجيش، كان سيغيب عنا لاشهر عدة، كذلك هنا، بعد فراره، ارسل في طلبنا باكرا، كما انه لم يحمل سلاح اي فصيل لكي لا يبتعد عنا، مكث في القرية، يعمل احيانا في حقول اهالي القرية للحصول على ما يكفي معيشتنا.
قالت ابنتها ذات العشر- اثنتا عشرة سنة:
- اين ابي لمَ لم يات بعد؟
حاولت جاهدة ان تخفي الخوف البادي على وجهها:
- سيأتي، الآن سيأتي يا ابنتي.
اعدت العشاء، جمعت اطفالها و اطعمتهم، حاولت لكنها لم تستطع ان تأكل حتى لقمة واحدة، اطفالها غلبهم النعاس و ملعقة الطعام لم تزل في افواههم، وضعت كل واحد منهم في فراشه، اقنعت نفسها و قالت:
- سيأتي لا محالة، محال ان لا يأتي.
يغدو الليل بحرا لا متناهيا، يرتفع القمر في رقعة السماء، ينشر ضوءا خجولا على القرية و ما يحيطها، تنهض بين فينة و اخرى تتجول داخل الغرفة، تنظر الى اطفالها، غطوا في نوم هانيء، تلتقط اذناها في صمت ليل القرية جميع الاصوات، تمنحها تفسيرات شتى، تسمع نباح الكلاب قادما من محيط القرية، صفير الرياح تهز الاشجار، صوت شهيق و زفير اطفالها نائمين متراصفين بهدوء جميل و ببرائة في طرف الغرفة.
عيناها و من خلال النافذة الصغيرة للغرفة متعلقتان بباب باحة الدار، صوت الاذان يخترق صمت القرية، شيئا فشيئا يبدد ضوء الفجرظلام ليل القرية. يغيب القمر، تضيء نجمة الصباح و تغيب، كل الاشياء التي كانت تبدو لها كالاشباح في الليل تستعيد ملامحها، شجرة التوت، الملابس التي نشرتها على الحبل، بيوت الجيران، الجبل العالي المطل على القرية، عيناها تبدوان مغبشتان من النعاس، يميل رأسها من التعب و الاعياء بجانب الحائط، تتقدم الفرسان السود من الجهة الجنوبية للقرية، تستولي دون رحمة على القرية، لا يميزون بين كبير و صغير، امرأة و رجل، شيخ و شاب، ما لا يقدرون على حمله يحرقونه، يقتلونه، تغيب بين الدخان و الدم، لا تجد نفسها، لا تعثر على زوجها، تجد اطفالها لمَتهم عاصفة ترابية كبيرة جدا، ترتفع، تغيب، ابنتها ذات العشر-اثنتي عشرة سنة تطل عليها:
- امي... امي... ما بك تصرخين؟
تجفل، تنظر من النافذة الى باب الدار، لم يزل مغلقا، تنهض، تبسمل، تحاول اخفاء الخوف البادي على محياها، تصحي اطفالها، تغسل اياديهم و وجوههم، تطعمهم الفطور، تسمع ضجيجا قادما من القرية، تركض الى الخارج، الجميع أمسكوا بايدي اطفالهم، تشاهد هلعا كبيرا خلف عيونهم.
- وا ويلاه، ماذا افعل باطفالي؟!
ارادت ان تنتظر زوجها، لكنها لم تتحمل نداءات القرويين، فامسكت بأيدي اطفالها و تبعتهم.
2006
- سأمضي الى تلك القرية، سأقابل صديقا لي.
"لم يحدث ان تركنا لوحدنا، ليس لنا احد في هذه القرية، انا و اطفالي لوحدنا، بعد ان فر من الخدمة في الجيش لم استطع ان اتحمل ضغوطات الامن وقدمت الى هنا، هو يعرف انه في غيابه لن يقر لنا قرار، لم نتعود على هذا الجو، قضينا جل حياتنا في المدينة و اليوم نعاني بسبب هذه الظروف السيئة" .
يمضي الليل ثقيلا، يزداد خوفها و قلقها، وضعت القنديل بجانبها، جالسة أمام النافذة الصغيرة المواجهة للباب الخارجي للمنزل، عندما غابت الشمس و عاد اطفالها من ازقة القرية، كانت تعد العشاء، رجفان قلبها لم يهدأ، اخرت العشاء قدر استطاعتها، تقول: سيجيء، كيف سيتركنا، بسببنا ترك الجيش، كان سيغيب عنا لاشهر عدة، كذلك هنا، بعد فراره، ارسل في طلبنا باكرا، كما انه لم يحمل سلاح اي فصيل لكي لا يبتعد عنا، مكث في القرية، يعمل احيانا في حقول اهالي القرية للحصول على ما يكفي معيشتنا.
قالت ابنتها ذات العشر- اثنتا عشرة سنة:
- اين ابي لمَ لم يات بعد؟
حاولت جاهدة ان تخفي الخوف البادي على وجهها:
- سيأتي، الآن سيأتي يا ابنتي.
اعدت العشاء، جمعت اطفالها و اطعمتهم، حاولت لكنها لم تستطع ان تأكل حتى لقمة واحدة، اطفالها غلبهم النعاس و ملعقة الطعام لم تزل في افواههم، وضعت كل واحد منهم في فراشه، اقنعت نفسها و قالت:
- سيأتي لا محالة، محال ان لا يأتي.
يغدو الليل بحرا لا متناهيا، يرتفع القمر في رقعة السماء، ينشر ضوءا خجولا على القرية و ما يحيطها، تنهض بين فينة و اخرى تتجول داخل الغرفة، تنظر الى اطفالها، غطوا في نوم هانيء، تلتقط اذناها في صمت ليل القرية جميع الاصوات، تمنحها تفسيرات شتى، تسمع نباح الكلاب قادما من محيط القرية، صفير الرياح تهز الاشجار، صوت شهيق و زفير اطفالها نائمين متراصفين بهدوء جميل و ببرائة في طرف الغرفة.
عيناها و من خلال النافذة الصغيرة للغرفة متعلقتان بباب باحة الدار، صوت الاذان يخترق صمت القرية، شيئا فشيئا يبدد ضوء الفجرظلام ليل القرية. يغيب القمر، تضيء نجمة الصباح و تغيب، كل الاشياء التي كانت تبدو لها كالاشباح في الليل تستعيد ملامحها، شجرة التوت، الملابس التي نشرتها على الحبل، بيوت الجيران، الجبل العالي المطل على القرية، عيناها تبدوان مغبشتان من النعاس، يميل رأسها من التعب و الاعياء بجانب الحائط، تتقدم الفرسان السود من الجهة الجنوبية للقرية، تستولي دون رحمة على القرية، لا يميزون بين كبير و صغير، امرأة و رجل، شيخ و شاب، ما لا يقدرون على حمله يحرقونه، يقتلونه، تغيب بين الدخان و الدم، لا تجد نفسها، لا تعثر على زوجها، تجد اطفالها لمَتهم عاصفة ترابية كبيرة جدا، ترتفع، تغيب، ابنتها ذات العشر-اثنتي عشرة سنة تطل عليها:
- امي... امي... ما بك تصرخين؟
تجفل، تنظر من النافذة الى باب الدار، لم يزل مغلقا، تنهض، تبسمل، تحاول اخفاء الخوف البادي على محياها، تصحي اطفالها، تغسل اياديهم و وجوههم، تطعمهم الفطور، تسمع ضجيجا قادما من القرية، تركض الى الخارج، الجميع أمسكوا بايدي اطفالهم، تشاهد هلعا كبيرا خلف عيونهم.
- وا ويلاه، ماذا افعل باطفالي؟!
ارادت ان تنتظر زوجها، لكنها لم تتحمل نداءات القرويين، فامسكت بأيدي اطفالها و تبعتهم.
2006