تمنى لو شُلَّت يده قبل أن يصفعها تلك الصفعة القوية على وجهها والتي أسقطتها أرضًا وأدخلتها في نوبة جنون مفاجئ جمعت فيها بين البكاء والضحك زاحفة على الأرض نحوه لتلف ذراعيها حول ساقيه وتهزَّهما بقوة وهي تصرخ:
"أحبك ... أحبك"
لماذا لا تنشق الأرض الآن لتبتلعه أو تبتلعهم معًا بعد أن فجرت قنبلتها هذه في وجه الجميع؟ تسَّللت نظراته الخجولة إلى أمها ليجدها تجهش بالبكاء وهي تخفي بكفيها صبغة العار التي كست وجهها. تخلَّص بصعوبة من ذراعي الفتاه اللذين يكبلان ساقيه وأنفاسه راجعًا خطوات إلى الخلف. حاولت الساقطة على الأرض أن تزحف لتعاود التشبث به فأسرع هاربًا مغلقًا باب الشقة خلفه بقوة.
دلف سريعًا إلى شقته المواجهة لشقتهما وأحكم غلق الباب خشية هجوم مجنون مباغت أصبح متوقعًا. جلس على أقرب مقعد في الرَّدهة يلتقط أنفاسه بصعوبة حاملًا رأسه على كفيه ساقطًا بنظراته إلى لا شيء في الأرض. هرولت إليه زوجته سائلة إياه عما حدث فعجز عن الإجابة عليها. جلست أمامه في محاولة لقراءة ما تجهله وهي تجول بعينيها في وجهه ماسحة تقاطيع لم تألفها من قبل. ساد الصمت الثقيل لافَّا المكان لا يقطعه إلا صوت أنفاسه المتلاحقة فاحترمت صمته. سقط حائرُا أمام محكمة الضمير يلوم نفسه بشدة على تدخله في أمور جيرانه. هل أخطأ حين لبَّى طلب الأم ليصلح بينها وبين ابنتها الشابة للعديد من المرات؟ حقًا لم يدر في خَلَدِه أبدًا أن تجرفه الأمور إلى هوَّة النار هذه، لِمَ لَمْ يتمالك نفسه يوم أخطأت البنت في حق أمها فصفعها على وجهها بشدَّة؟ كان يشفق دائمًا على تلك الأرملة التي جار عليها الزمن فانحنى ظهرها من ثقل أعباء الدهر كما أخذته الشفقة أيضًا على ابنتها الذبيحة التي لا يعرف ضحية مَنْ هي؛ أحالتها الأيام العجاف-بعد أن أنهت دراستها الجامعية -إلى دمية مهمَلة من لحم ودم قابعة في بيت مُحكم الغلق بلا عمل أو زواج أو حتى بارقة أمل.
استعمل بحرفية خبرته في الحياة وكياسته ولباقته متنقلًا بين الشدة واللين مع كل منهما ليحل المشكلات بينهما والتي كانت تدور في معظمها حول رغبة الابنة الشابة في التَّحرُّر من قيود أمها البالية لتشق طريقها في الحياة وبين خوف الأم على وحيدتها الشابة من غدر ذئاب هذا الدهر فأحالت البيت إلى سجن صغير خانق لا يُحتمل ولا يُطاق. حاول إشراك زوجته لتعينه في مهمته التي لا تنتهي فضجرتهما سريعاً وملَّت الأم وابنتها معًا.
دوَّى صدى انفجار القنبلة المفاجأة ليصمَّ أذنيه من جديد. أدرك أخيرًا أنه سبب خلافهما الأخير. تذكَّر أنه تصرف بعفوية في كل المواقف ولم يقصد أبدًا أن يؤثر عاطفيًا على الفتاة. لم يجد ما يدافع به عن نفسه ضد طعنات الحراب المؤلمة لضميره كما لم يجد جوابًا لسؤاله المُحيِّر: كيف حدث هذا؟! أعياه التفكير فشرد طويلًا ثم أفاق فجأة على صوت زوجته وهي تهمس بنبرة ذات معنى:
"هيّا نتناول عشاءنا يا حبيبي ولننس هذا الجنون".
نهض بتثاقل وضعف وهو يمسح وجهه بكفيه ليمحو من عليه آثار الشظايا ولكنه عجز عن إزالة أثار شظية كبيرة نفذت إلى قلبه.
مجدي حشمت سعيد
مصر
"أحبك ... أحبك"
لماذا لا تنشق الأرض الآن لتبتلعه أو تبتلعهم معًا بعد أن فجرت قنبلتها هذه في وجه الجميع؟ تسَّللت نظراته الخجولة إلى أمها ليجدها تجهش بالبكاء وهي تخفي بكفيها صبغة العار التي كست وجهها. تخلَّص بصعوبة من ذراعي الفتاه اللذين يكبلان ساقيه وأنفاسه راجعًا خطوات إلى الخلف. حاولت الساقطة على الأرض أن تزحف لتعاود التشبث به فأسرع هاربًا مغلقًا باب الشقة خلفه بقوة.
دلف سريعًا إلى شقته المواجهة لشقتهما وأحكم غلق الباب خشية هجوم مجنون مباغت أصبح متوقعًا. جلس على أقرب مقعد في الرَّدهة يلتقط أنفاسه بصعوبة حاملًا رأسه على كفيه ساقطًا بنظراته إلى لا شيء في الأرض. هرولت إليه زوجته سائلة إياه عما حدث فعجز عن الإجابة عليها. جلست أمامه في محاولة لقراءة ما تجهله وهي تجول بعينيها في وجهه ماسحة تقاطيع لم تألفها من قبل. ساد الصمت الثقيل لافَّا المكان لا يقطعه إلا صوت أنفاسه المتلاحقة فاحترمت صمته. سقط حائرُا أمام محكمة الضمير يلوم نفسه بشدة على تدخله في أمور جيرانه. هل أخطأ حين لبَّى طلب الأم ليصلح بينها وبين ابنتها الشابة للعديد من المرات؟ حقًا لم يدر في خَلَدِه أبدًا أن تجرفه الأمور إلى هوَّة النار هذه، لِمَ لَمْ يتمالك نفسه يوم أخطأت البنت في حق أمها فصفعها على وجهها بشدَّة؟ كان يشفق دائمًا على تلك الأرملة التي جار عليها الزمن فانحنى ظهرها من ثقل أعباء الدهر كما أخذته الشفقة أيضًا على ابنتها الذبيحة التي لا يعرف ضحية مَنْ هي؛ أحالتها الأيام العجاف-بعد أن أنهت دراستها الجامعية -إلى دمية مهمَلة من لحم ودم قابعة في بيت مُحكم الغلق بلا عمل أو زواج أو حتى بارقة أمل.
استعمل بحرفية خبرته في الحياة وكياسته ولباقته متنقلًا بين الشدة واللين مع كل منهما ليحل المشكلات بينهما والتي كانت تدور في معظمها حول رغبة الابنة الشابة في التَّحرُّر من قيود أمها البالية لتشق طريقها في الحياة وبين خوف الأم على وحيدتها الشابة من غدر ذئاب هذا الدهر فأحالت البيت إلى سجن صغير خانق لا يُحتمل ولا يُطاق. حاول إشراك زوجته لتعينه في مهمته التي لا تنتهي فضجرتهما سريعاً وملَّت الأم وابنتها معًا.
دوَّى صدى انفجار القنبلة المفاجأة ليصمَّ أذنيه من جديد. أدرك أخيرًا أنه سبب خلافهما الأخير. تذكَّر أنه تصرف بعفوية في كل المواقف ولم يقصد أبدًا أن يؤثر عاطفيًا على الفتاة. لم يجد ما يدافع به عن نفسه ضد طعنات الحراب المؤلمة لضميره كما لم يجد جوابًا لسؤاله المُحيِّر: كيف حدث هذا؟! أعياه التفكير فشرد طويلًا ثم أفاق فجأة على صوت زوجته وهي تهمس بنبرة ذات معنى:
"هيّا نتناول عشاءنا يا حبيبي ولننس هذا الجنون".
نهض بتثاقل وضعف وهو يمسح وجهه بكفيه ليمحو من عليه آثار الشظايا ولكنه عجز عن إزالة أثار شظية كبيرة نفذت إلى قلبه.
مجدي حشمت سعيد
مصر