أحس بنفسه أنه يشبه ، إلى حد ما...
ليوناردو ديكابريو ...
يقولها لنجوى المتمردة ، وهي تتطلع إليه في المرآة بمآق كبيرة ، وواسعة كعيون المَها ، وقال في خلده :
ـ لا بد أن أتسلل إلى ... إلى تلك الخشبة...
من قلب الحشد الغفير ، كجمهور متيم بالفرجة و العروض المسرحية ، يبدو الرُّكـْحُ كمقصلة الممثلين ، ملفوفة في دثار أزرق كمزار سيدي بوغالب بفاس .
ـ إنها الخشبة الإيطالية .
قال لنجوى المتمردة : تسريحة شعري ، ونفسي المعطرة ... وهندامي رفيع .
ـ أليس كذلك يا نجوى ؟
ـ نظرت إليه بنظرة شزراءَ ، وقالت له بصوت خافت : إنك تبدو كرقعة في سروال المهرجين . استنشق هواء جديدا ، وأحس به يربت على فوديه الأشمطين ، ويشعر كأنه في سفينة تايتنك تمخر به العُبَاب و الرذاذ المالح ، دافعا إلى الأمام جؤجؤه كالعقاب . لم تتركه وحيدا على حافة الجَوار ، بل اقتربت منه نجوى المتمردة ، بخطى وئيدة ، متحسسة حرارة جبينه الأسخن .
في وسط هذا الجمهور ، الذي ينتظر العرض ، بقعة ضوء تكشف عن مهرج ملفوف في سروال كالمنطاد ، تتقاطع فيه خيوط ملونة ، وله عروة وحيدة من الخلف . سار بخطى كالمنتصر الغازي ، كراقص البالي ...
كالخدروف دار على جسده الرشيق نصف دورة... مخاطبا الجمهور، قائلا :
ـ إلى أين أنتم ذاهبون ؟ إلى أين أنتم مسافرون ؟
اقترب من نجوى المتمردة ، حتى بدأت تتحسس أنفاسه الساخنة ...
ـ إنه المسرح يا سادة ... إنه المسرح يا سادة .
وقفت نجوى منتصبة القامة ، فمشت في غنج و دلال ، تتفرس نظراتها عيونا مضيئة
ـ هل يكفي أن يكون المسرح احتفالا ؟
ـ أجابها ديكابريو من خلف الستار المعتم ، وصوت تايتنك يملأ الأسماع ، في حين يخبو أنين المرضى و المعطوبين .
ـ لا يا نجوى المتمردة . لا يا نجوى المتمردة . فالمسرح أبو الفنون ... أبو الفنون .
صعدت نجوى إلى الخشبة في رشاقة قطة وجلة ، وبقعة ضوء تبرز نهديها الأملسين ... كرمان خريفي . صاحت بصوت ملأ المكان صخبا :
المعطوبون ... المرضى ... القتلى . ماتوا للمرة الثانية في تايتانك ، وها نحن نشيعهم في جنازة مهيبة إلى مثواهم الأخير . المسرح ، يا سادتي ، ليس احتفالا بالموت و المعاناة والألم ، وإنما فرجة على صراط المعطوبين و الجوعى و المتمردين . هيمن صوت الأنين و الوجع والحزن رافقه خروج ديكابريو إلى الخشبة ، ومد كلتا يديه لنجوى المتمردة ، التي تظهر أنها تغرق في بحر لجي تتقاذفها أمواج عاتية .
اتجه المهرج نحو الجمهور يذرف دمعا ساخنا ، فاختلطت الألوان القزحية على صفحة وجهه المكتنز . فقال بعد تلكؤ :
ـ ماتت نجوى المتمردة ! ماتت نجوى المتمردة !
صاحب هذا المشهد ظلام تام . فغامت القاعة في العتمة الدامسة دون أن أتحسس المرأة ، التي كانت بجانبي تتابع المشهد بتركيز شديد .
ليوناردو ديكابريو ...
يقولها لنجوى المتمردة ، وهي تتطلع إليه في المرآة بمآق كبيرة ، وواسعة كعيون المَها ، وقال في خلده :
ـ لا بد أن أتسلل إلى ... إلى تلك الخشبة...
من قلب الحشد الغفير ، كجمهور متيم بالفرجة و العروض المسرحية ، يبدو الرُّكـْحُ كمقصلة الممثلين ، ملفوفة في دثار أزرق كمزار سيدي بوغالب بفاس .
ـ إنها الخشبة الإيطالية .
قال لنجوى المتمردة : تسريحة شعري ، ونفسي المعطرة ... وهندامي رفيع .
ـ أليس كذلك يا نجوى ؟
ـ نظرت إليه بنظرة شزراءَ ، وقالت له بصوت خافت : إنك تبدو كرقعة في سروال المهرجين . استنشق هواء جديدا ، وأحس به يربت على فوديه الأشمطين ، ويشعر كأنه في سفينة تايتنك تمخر به العُبَاب و الرذاذ المالح ، دافعا إلى الأمام جؤجؤه كالعقاب . لم تتركه وحيدا على حافة الجَوار ، بل اقتربت منه نجوى المتمردة ، بخطى وئيدة ، متحسسة حرارة جبينه الأسخن .
في وسط هذا الجمهور ، الذي ينتظر العرض ، بقعة ضوء تكشف عن مهرج ملفوف في سروال كالمنطاد ، تتقاطع فيه خيوط ملونة ، وله عروة وحيدة من الخلف . سار بخطى كالمنتصر الغازي ، كراقص البالي ...
كالخدروف دار على جسده الرشيق نصف دورة... مخاطبا الجمهور، قائلا :
ـ إلى أين أنتم ذاهبون ؟ إلى أين أنتم مسافرون ؟
اقترب من نجوى المتمردة ، حتى بدأت تتحسس أنفاسه الساخنة ...
ـ إنه المسرح يا سادة ... إنه المسرح يا سادة .
وقفت نجوى منتصبة القامة ، فمشت في غنج و دلال ، تتفرس نظراتها عيونا مضيئة
ـ هل يكفي أن يكون المسرح احتفالا ؟
ـ أجابها ديكابريو من خلف الستار المعتم ، وصوت تايتنك يملأ الأسماع ، في حين يخبو أنين المرضى و المعطوبين .
ـ لا يا نجوى المتمردة . لا يا نجوى المتمردة . فالمسرح أبو الفنون ... أبو الفنون .
صعدت نجوى إلى الخشبة في رشاقة قطة وجلة ، وبقعة ضوء تبرز نهديها الأملسين ... كرمان خريفي . صاحت بصوت ملأ المكان صخبا :
المعطوبون ... المرضى ... القتلى . ماتوا للمرة الثانية في تايتانك ، وها نحن نشيعهم في جنازة مهيبة إلى مثواهم الأخير . المسرح ، يا سادتي ، ليس احتفالا بالموت و المعاناة والألم ، وإنما فرجة على صراط المعطوبين و الجوعى و المتمردين . هيمن صوت الأنين و الوجع والحزن رافقه خروج ديكابريو إلى الخشبة ، ومد كلتا يديه لنجوى المتمردة ، التي تظهر أنها تغرق في بحر لجي تتقاذفها أمواج عاتية .
اتجه المهرج نحو الجمهور يذرف دمعا ساخنا ، فاختلطت الألوان القزحية على صفحة وجهه المكتنز . فقال بعد تلكؤ :
ـ ماتت نجوى المتمردة ! ماتت نجوى المتمردة !
صاحب هذا المشهد ظلام تام . فغامت القاعة في العتمة الدامسة دون أن أتحسس المرأة ، التي كانت بجانبي تتابع المشهد بتركيز شديد .