د. علي أسعد وطفة - الأدب في مصائد التحليل النفسي

" يتألق العمل الأدبي بالأصالة ويزدهر بالدلالة كلما ابتعد عن الحركة الحقيقية للواقع، وسيكون أكثر أصالة وجمالا إذا كان ينطلق من أحضان الخيال، وينبجس من أعماق اللاشعور وخفايا العقل الإنساني " غاستون باشلار (التحليل النفسي للنار).
يعتقد فرويد أن الأحلام التي يرسمها الفنانون والأدباء في أعمالهم الأدبية يمكنها أن تخضع لقانونية التفسير نفسها التي تخضع لها الأحلام الحقيقية. ومن هذا المنطلق يمكن القول بأن الأحلام المتخيلة تنطوي أيضاً على انعكاسات لا شعورية تتبدى في مستوى الشعور. لقد دفعت الروح المنطقية فرويد إلى بناء هذه الملاحظة العبقرية لماذا لا يكون الخيال الأدبي مشتملاً بنفسه على معطيات لا شعورية؟ لماذا لا تكون الأعمال الأدبية ترجمة لأفاعيل لا شعورية مثل التحويل Deplacement والتركيز Condensation والرمزية Sympolisation.. إلخ؟ ولماذا لا تكون تجسيداً لمركبات وعقد Complexes لا شعورية؟ ألا يمكن لهذه الأعمال الأدبية وفي إطار هذه الشروط أن تؤدي كالحلم وظيفة رمزية لا شعورية دالة ومحددة.‏​
ومن هذا المنطلق يرى فرويد أن التراجيديا الكلاسيكية تعكس إلى حد كبير العقد النفسية وتبلور الموضوعات التي ما زالت منذ الأزل تهاجم خيال الإنسان وعقله. وهو في هذا الخصوص يعطي لموضوع هاملت Hamlet بعض المؤشرات والتي كان يمكنها أن تشكل بالنسبة لجونيس Jomes منطلق دراسة تحليلية حول هذه التراجيديا حيث ألقى الضوء هنا وللمرة الأولى على تفسير الدوافع الحقيقية لشكسبير.‏​
لقد انطلق أوتو رانك، وهو تلميذ فرويد، في أبحاثه من أساس هذا التصور الفرويدي لدراسة قانونية اختيار الموضوع الأدبي عند الشعراء وكتاب الدراما وخرج بنتيجة قوامها: أن اختيار الموضوع يعبر عن الكاتب بالضرورة ليس عن شيء آخر. وهو في معرض الإشارة إلى غوته Goethe كاتب ويرزر Werther يبين إلى أي حد يختار الشعراء موضوعاتهم وفقاً للوضعية الأوديبية لديهم. ومن جهة أخرى يتضمن كتاباه: (أسطورة ولادة الأبطال) و(صدمة الولادة) إشارات هامة حول العلاقة التي تربط بين الأساطير والأدب وخاصة حول الأصول اللاشعورية للحاجات الأسطورية التي تعزي للأبطال ولادة ثانية أكثر نبلاً من الأولى.‏​
وبدا أن عدداً من المحللين النفسيين بدؤوا يتناولون الظواهر الأدبية بالدراسة والتحليل. ويمكن الإشارة في هذا الخصوص إلى كتاب إخفاق بودلير: (L' echec de Baudilair 1929) للدكتور لافورج Laforgue ثم كتابه علم النفس المرضي للإخفاق Psychopathologie de L' echec عام 1944 وهي دراسة هامة حول شخصية المفكر والأديب الفرنسي جان جاك رسو Jean Jacques Rousseau. لقد كان للتحليل الذي أجراه حول إدكار بو Edgar Poe في شخصية الأميرة ماري بونابرت أهمية خاصة في مجال التحليل النفسي للأدب في مستوى العمق والتكامل، حيث يبين لافورج الذكرى القهرية التي تسيطر على الجانب اللاشعوري عند الشاعر طيلة حياته وهي الذكرى التي شكلت عقدة عصابيته ولا بد في هذا السياق من الإشارة أيضاً إلى إحدى أعمال الكاتب الإنكليزي هاكيت C.A. Hacette حول غنائية ريمبود Le Tyrisme de Rimbaud. ثم إلى أعمال غاستون باشلار Caston Bachelare التي تحمل قيمة عالية جداً. ومن هذا المنطلق تم تحليل دون كيشوت Don Quechotte والأب كوريوت Pere Goriot وهوفمان Hoffmann الخ...‏​
يبين بودوان في كتابه التحليل النفسي للفن 1929 أهداف وإجراءات التحليل النفسي للأدب. ويجب علينا هنا أن نشير إلى دراسته الهامة حول الرمزية عند فيريهارين عام 1924، ثم التحليل النفسي لفيكتور هيغو.‏يكمن هدف التحليل النفسي للأدب عند بودوان، كما هو الحال عند لافورج في تحليله لماري بونابرت، في تحديد الأسباب الكامنة وراء الأعمال الأدبية وهي بالطبع الشروط اللاشعورية للأعمال الأدبية. إذ تتيح عملية التأمل والتفكير في العمل الأدبي للباحث التوغل داخل سيكولوجية الكاتب وتلك هي الوسيلة الوحيدة الممكنة لاستطلاع الجانب السيكولوجي واللاشعوري عند الأدباء والكتاب. حيث يجب من أجل تفسير العمل حصول على بعض العناصر حول حياة الكاتب كما يجب أيضاً استخدام المنهج التحليلي في الوقت نفسه وخاصة إذا كانت المقابلة مع الكاتب غير ممكنة كما هو الحال بالنسبة للشخصيات التاريخية التي عاشت في عصور سابقة. وفي كل الأحوال يتوجب على المحلل النفسي أن ينطلق من السيرة الذاتية للكاتب جنباً إلى جنب مع المواد الأدبية القائمة والتي تشكل موضوع التحليل بصورة أساسية وذلك كله من أجل الكشف عن المركبات والعقد اللاشعورية الكامنة.‏​
وهنا لا بد من إدراك المسائل التالية:‏
ـ ما المؤثرات المتعددة وفي أية ظروف حياتية بدأ اهتمام الأديب بالعمل الأدبي موضوع الدراسة؟‏​
ـ ما المركبات والعقد الشخصية الأولية التي تحرك المضمون الرمزي لهذا العمل؟‏​
ـ ما الاتجاه الذي تأخذه الرموز وما الاتجاه الذي تأخذه تفرعاته نحو الأهداف العليا للنفس الإنسانية.‏​
وكما يبدو لنا فإن بودوان يوظف جهوده للتمييز بين ما هو جمعي وما هو شخصي في مجال اللاشعور الأساسي في عملية الإنتاج الأدبي. ويؤكد بودوانفي هذا الخصوص أهمية الرموز الأدبية وأهمية الحركة الخيالية الأدبية التي تبدأ من العناصر الغريزية وترتقي بها عن طريق التحويل والتسامي إلى المصاف العليا لطبقات النفس الإنسانية عند الكاتب.‏​
فالرمز كما يوصف: نظام صادر عن القوانين الطبيعية للخيال والحلم، وهو نابع من عمق المركبات والعقد النفسية، إنه إسقاط دينامي للعقد النفسية Complexes على ساحة التصور، إنه الفعل الرائع للخيال المبدع، وهو بالتالي يأخذ مساره في سياق النشاطات الداخلية الخلافة للحلم. وهو بذلك يشكل مركز التصورات الأدبية. وعلى المحلل أن يكون قادراً على قراءة الصور والمجازات ينطلق المحلل النفسي لدراستها بوصفها رموزاً قابلة للتحليل. ومن جهة أخرى يشير بودوان إلى مفارقة هامة قوامها أن وظيفة الأدب تتجانس مع وظيفة الحلم. وهو في هذا السياق يؤكد على الخاصة التعويضية للعمل الأدبي التي تحرر بعض النزعات المكبوتة عند الأديب. وباختصار فإن بودوان يضع هذه الوظيفة في سياق دائرة الهيمنة اللاشعورية وهو في إطار ذلك كله يعمل على إيجاد العلاقة العميقة بين الإبداع الأدبي والغرائز الأولية مثل الغريزة الجنسية وغريزة السيطرة إلخ...​
ولكن إذا كان فرويد يؤكد أهمية التسامي Sublimation وهي العملية التي ترتقي بالغرائز الأولية المختلفة إلى أشكالها الراقية فإن المحلل النفسي لا يسعى أبداً إلى اختزال الأعلى إلى مستوياته الدنيا. ويضاف إلى ذلك أيضاً أن فرويد يؤكد أن التحليل النفسي لا يمكنه أن يقول شيئاً فيما يتعلق بالمسألة الخاصة بالموهبة الفنية والأدبية وحول الأدوات التي يستخدمها الفنان أو التقنيات التي يوظفها. فهناك جانب من العمل الفني يسمح لنا بإدراك عملية البناء وهو اختيار الموضوع. وهذا يعني أن هدف التحليل النفسي لا يسعى فحسب إلى وصف عمليات التأهيل الفني ومتابعة اتجاهات التطور عند الفنان ووصف الانتشارات الأولى وازدهار الحياة النفسية. فالتحليل النفسي كما يعتقد بودوان لا يسعى إلى تصغير الأعمال الأدبية بل إلى استجلاء مكوناتها الأولية الطفولية والجنسية وذلك إلى جانب العطاءات العليا للقلب والذكاء.‏​
إنه لمن المؤكد أيضاً أن العمل التحليلي الذي يتناول النصوص عمل بالغ التعقيد وهو يتطلب الصبر والجدية. إذ يمكن للكلمة البسيطة على سبيل المثال أن تشير إلى عمليات ربط أو تحويل خاصة بالعمليات اللاشعورية.‏ وبالتالي فإن المحلل الذي يعمل في مستوى التفاصيل مكره على تكرار الإشارات وتفسيرها دون انقطاع. لقد ترتب على شارل بودوان أن يمارس هذا العمل بمهارة بالغة وخاصة في دراسته حول التحليل النفسي عند فيكتور هيجو وهو العمل الذي تجدر قراءته والاطلاع عليه. حيث نجد فيه خارطة جغرافية للعمق والمركبات الخاصة بالشعراء الكبار: مركب "المشهدية" ثم مركب "أوديب والعقدة الأخوية" وهي المركبات التي أدت إلى بناء كتابه العمدة Le Burgrave وإلى بناء كتابه قاتل الأب Le Parrcide. ومن غير أن نضع في حسباننا كتابه الوعي La Cosience فإن عذاب القاتل يجسد رمزية النزعات الخاصة بعقدة القطع وذلك في إطار العلاقة مع عقدة التدمير التي نجدها عند هيجو بصورة دائمة. ونجد في أعمالها التالية توركمادا Torqueumada ثم إيفغانديس Evirandnus ثم الثالث والتسعون Quatre Vingt-treize عقدة الانسحاب Complexe De retraite وهو هروب أمام الأب. وتشهد على هذه العقدة أيضاً نزهة ملك كاليس الصغير. وتبدأ في عمله هيرناني Hernani عقدة القوة بينما تظهر عقدة الولادة Complexe De Naissan في الرجل الضاحك (L' Homme qui rit).‏​
وفي إطار رؤية إجمالية يعرض بيكوان في كتابه هذا ملامح الصراعات الأساسية في لا شعور الشاعر ويبين كيف لحظات التوازن النفسي عند الشاعر الكبير.‏ تنطوي مقدمة ألبيرت بيكوان (Albert Baguin) الخاصة بكتابة (النفس الرومانسية والحلم) (L'ame romantique et le reve) على نقد كبير ضد التحليل النفسي للفن: (يتناول التحليل النفسي للأدب العمل الفني بوصفه وثيقة أو مجموعة من الأعراض وهو ينتهي إلى تحليل لشخصية المؤلف وحياته وعصابه. وهذا الجهد التحليلي لا يأخذ بعين الاعتبار سوى المظاهر النفسية للكاتب وهي علاقات ومظاهر لها أهميتها الإنسانية ولكنها تبقى مع ذلك خارجة عن طبيعة النص أو النتاج الشعري والأدبي).‏​
وغالباً ما ينظر في واقع الأمر إلى التحليل النفسي للأدب بصفته معالجة إكلينيكية: فالرجل هو المعنى بالدرجة الأولى وبالتالي فإن الاهتمام بالعمل يشكل وسيلة من أجل الوصول إلى إدراك نفسية المؤلف الفرد.‏ ومع ذلك فإن بيكوان يجد ربما صعوبة في زعمه بأن علاقات العمل الأدبي مع البنية النفسية أو مع البنية النفسية اللاشعورية توجد خارج القيمة الخاصة للعمل الشعري. ففي إطار أعماله المخصصة لدراسة الخيال الأدبي يرفض باشلار الأساس الذي ينطلق منه النقد الموجه للتحليل النفسي حيث يأخذ دوراً يتمثل في الحكم على أصالة العمل الأدبي. وهو بمقتضى هذه الرؤية يشارك في حركة الخيال التي تتحدد اتجاهاته عبر هذه العقدة أو تلك. وهذا يعني أن باشلار ينظر إلى التحليل النفسي للأدب بوصفه جزءاً من قيمة الأدب نفسه.‏​
ويمكّن عمل باشلار حول لوتريامونت ـ الكاتب الغريب لأشعار مالدورور (Chants maldoror) ـ من إدراك أفضل لشاعرية منحرفة حيث يستطيع القارئ أي يصبح أكثر تآلفاً بالمعنى الاشتقاقي للكلمة مع المركب الذي ينهض به.لقد حاول باشلار في تحليلة للوتريامونت أن يستند إلى إيحاءات أدلر وهنا يكتشف باشلار مركباً حقيقياً للحياة الحيوانية عند الشاعر وهو مركب يصدر عن عدوانية فاضحة تميل إلى التحقيق الفوري. وذلك على أثر شعر عصابي يتطلب منا محاولة لإيجاد أنفسنا داخل نزقية كامنة.‏​
اتجهت بعض الدراسات الأخرى إلى تناول صدى اللاشعور داخل النفس الإنسانية من خلال عناصر أربعة هي: الماء والهواء والتراب والنار.‏ وهنا تظهر توجهات باشلار النقدية الخاصة بالأدب الذي يقوم على أساس من علم اللاشعور والخيال.‏ ويعلن باشلار (1938) عن دهشته لأن الأوهام استطاعت أن ترسم حدود التطور العقلي عند الإنساني. وذلك جعله متشبثاً بالتحليل النفسي للمعارف الموضوعية وذلك كله لتحديد هذه الأوهام الصادرة عن اللاشعور، التي قدر بأنها تشكل عوائق أمام المعرفة الإنسانية. وهو في إطار ذلك يلاحظ أنه وحول موضوع واحد من الموضوعات كالنار على سبيل المثال يوجد عدد كبير من الأوهام المستمرة. فإلى أي حد تكون فيه هذه الأوهام رائعة في صيغتها الحلمية! ومن هنا يبدأ باشلار بدراسة هذه الهواجس والأحلام بذاتها ويحاول أن يربط بين الاتجاهات الإبداعية الخاصة بالمواد الأساسية للخيال، الحلم والتي تتجسد في العمق اللاشعوري.‏​
ومن هذا المنطلق فإن العقائد الذاتية الخاصة بالنار تجد نفسها في كتابه ((التحليل النفسي للنار عام 1939 (La psychanaiys des Feu) وهو في إطار ذلك يحدد بوضوح وحدة الخيال الخاص بالنار والتي تتسم بمختلف المركبات والعقد مثل عقدة بروميتي (Compiexe de promethee) (نسبة إلى بروموتيوس إله النار الذي يرنو إلى الحضارة البشرية الأولى) وهو مركب يجعل المرء ينظر إلى النار كموضوع ممنوع ومقدس. ثم يشير بعدها إلى مركب أمبيدوكل (Empedoci)(2) ويعني هذا المركب رغبة المرء في الاختفاء جسداً وروحاً في ألسنة اللهب وهو نداء إلى الاحتراق حيث يتعانق الحب مع النار وغريزة الحياة مع غريزة الموت. ثم مركب نوفاليس (Novalis) (نسبة إلى الشاعر الألماني 1772- 1802) وهو من أبرز زعماء المدرسة الرومانسية الألمانية. ثم مركب هوفمان (Hoffman) ويعد تحليل عمل هوفمان من أكثر الأعمال أهمية وخصوصية في هذا المجال وذلك لأنها تشير إلى النار بوصفها نظام الإخلاص الشعري المتماسك.‏ ويتجلى في عمله الموسوم بالماء والأحلام عام (Reves et L' eau ) الشعور الذي يولده حلم النار في صورة الماء. حيث يشار هنا إلى مركب أوفيلي (Compiexe de Ophelie) (2). ثم إلى مركب كارون (Caron) ومركب نوسيكا (Naucica) فالماء يستدعي في الذاكرة صورة آلهة الماء وحواريه ويرمز إلى التفكير في الرحلة الأخيرة وإلى تحللنا النهائي وهنا يكتشف باشلار عند إيدكاربو (Edgarpoe) إخلاصه لماء خاص ثقيل ونائم والذي يعطيه وحدة خياله.‏​
في كتابه الهواء وأوهامه عام 1943 يحاول باشلار أن يحلل الأوهام الهوائية: وذلك لأن خيالنا يحلق في الأجواء وواحدنا يشعر كأنه يطير في مسابح الفضاء الخارجي. لقد عرف نيتشه (Nitzshe) الشاعر والفيلسوف بعقدة التحليق (Complexe d' Hauteur) حيث كتب في هذا الصدد يقول ((أرواحنا أرواح حرة هوائية، سعيدة!...) فهو في هذه الصورة يتبدى بوصفه شاعر القمم والصعود.‏​
وفي النهاية يدرس باشلار الخيال الأرضي (نسبة إلى الأرض) من خلال عمليتين أساسيتين: الأرض وأحلام الإرادة، ثم الأرض وأحلام الاستقرار عام 1948. فالأرض تثير طاقة الصراع والعمل أو تدعونا إلى الراحة والهدوء فنحن وبحسب توجه خيالنا يمكن أن نهتدي بهواجس الإرادة أو هواجس الراحة وأحلامها. ففي الحالة الأولى يمكن للطبيعة أن تتحول إلى حجر (مركب ميديوس Mwduse عند هيسمان Huysmans) أما في الحالة الثانية يمكن أن نعثر على الموضوعات الشعرية والأدبية للأرض الأم وعلى أساطير الكهوف والمتاهات وهنا يكمن مركب جوناس Jonas إلخ...‏​
هناك، كما يشير باشلار موضوعات خيالية متماسكة مترابطة مع عقد ومركبات متقاربة إذا كانت تعبر عن موضوع واحد. ويكون العمل الأدبي أصيلاً إذا كان بعيداً عن الحركة الحقيقية للواقع ،وإذا كان ينطلق من أحضان الخيال، ويكون أكثر أصالة إذا كان ينبجس من عمق اللاشعور الأصيل. كتب باشلار في هذا الصدد يقول: ((عندما يتم التعرف على مركب نفسي يكون الإدراك أكثر عمقاً وشمولية لبعض الأعمال الشعرية.)) وفي الواقع فإن العمل الشعري لا يمكنه أبداً أن يمتلك وحدته إلا من خلال مركب أو عقدة محددة، وإذا كان المركب ناقصاً فإن العمل ينفصل عن جذوره ولا يحقق تواصله مع اللاشعور وبالتالي فإنه يعاني من البرودة والتصنع.‏ ويمكن لنا أن نقرأ في كتابه الماء والأحلام ((إن النقد الأدبي الذي لا يريد أن يتقلص إلى المستوى الجامد للصور يتوجب عليه أن يتزاوج مع نقد نفسي يعطي الخيال سمته الدينامية وذلك وفقاً للمركبات (العقد) الأصلية)).‏​
وهذا التواصل مع العقد النفسة Complexe يهب الصورة الأدبية قيمتها اللاشعورية ويعطيها جمالا سحريا. وعلى خلاف ذلك إذا كانت هذه الصورة تفتقر إلى روابطها مع اللاشعور فإنه لن يكون لها أي صدى عند القارئ وستبدو صورة متكلفة صنعية غير نقية لأنها لا تنطلق من شيء ينطوي على أهمية.‏ وهنا يلاحظ أن باشلار يؤكد على أهمية المصادر اللاشعورية للإبداع الخيالي والأدبي وبالتالي فإن الصور الأدبية الطافحة بالغنى والثراء هي بالضرورة صور لا شعورية.‏
المصدر الأصلي : صحيفة المثقف - الأدب في مصائد التحليل النفسي
* هوامش المقالة :‏
------------------------
(1) شخصية ذات طابع أسطوري معقد وهو فيلسوف يوناني يعتقد أن الحياة تنشأ عن اجتماع العناصر الأربعة الماء والتراب والهواء والنار. إلى القرن الخامس قبل الميلاد ويروى عنه حكايات أسطورية منها أنه رمى نفسه في داخل فوهة بركان أثينا (Ethen) الملتهب بالنار إلى حد أن أحداً لم يعثر على أثر من جسده وكان معاصروه يعتقدون أنه صعد إلى السماء. ولكن البركان الخادع بعد أن ابتلع أمبيدوكل لفظ نعليه سليمتين دون ضرر وكأنه يريد أن يكشف حيلة الانتحار المفاخر فيه.‏​
(2) شخصية من شخصيات شكسبير في تراجيديته المشهورة هاملت (Hamlet) ـ (H) وتعد هذه الشخصية من أكثر شخصيات شكسبير عذوبة ورقة. يصاب أوفيلي بالجنون لخيبة أمله في الحياة ثم يبدأ بقطف الأزهار بالقرب من شاطئ أحد الأنهار ثم يسقط في النهر ويموت.‏​

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى