البلاغُ الذي أفْشل رُكبتيَّ، لم أجِدْهُ هذا المساء في عُلبة الرَّسائل بالواتْساب، رغم أنَّه صَادرٌ عن بيت الشِّعْر، لذلك توجَّسْتُ خِيفة ممَّا يكْتنِفه هذا البلاغ الذي لم يصِلْني ونَشَره أصدقائي الأدباء على نطاق شاسع ودامع، وقد صَدَق حَدْسي وليْته يكذب حين يتعلَّق الشِّعْرُ بالمرارة، ليتني لم أقرأ أنَّ الرئيس الذي يُرسل لي بلاغات البيت هو موضوع البلاغ هذه المرَّة !
صديقي مُراد القادري، لم أسْتسِغَ عبارة البلاغ المزعجة التي تصف وضعكَ الصِّحي بالحالة الحرجة، ليس لأنَّكَ معْصومٌ من المرض، ولكن ببساطة لأنَّكَ شاعرٌ من سِرْب اليمام الزَّاجل، ألَمْ تُجْمِع كل الأبحاث الطبية أنَّ الطيور التي تبْتكر للجرح سُلَّماً موسيقياً لا تُصاب بكورونا، وأنَّ هذا الدَّاء بُعِث هذه المرة لا أعرف هل من باطن الأرض أم من السماء، خصِّيصاً للبشر ولو اشْتَبَه بعضُه للأسف في زمننا مع البقر!
دَعِ الوضْعية الحرجة عزيزي مُراد لغيْر الشُّعراء الذين لا يركبون طرامواي الحياة، وللصُّدْفة التي لا تعرف محطَّة أنْ تتَّخِذ من "الطرامواي" عُنْواناً لديوانكَ الزَّجلي الجميل، عِلْماً أنَّكَ تحْتلُّ كل العناوين في قلوب مفتوحة على الطبيعة ولا تحتاج للطَّبع، ولِحُسْن الحُلم الذي نكتبه شِعْراً في النَّوْم واليقظة، أنَّ بعْض الحُكماء يفسِّرون الأحْلام لصالحنا، أنْتَ محظوظٌ عزيزي مُراد مثل كل الحالمين الذين رأوا أنفسهم في الشِّعر يركبون قطاراً، وإذا كان ابن سيرين يفسِّر القطار بالحياة المديدة، فقد سَبَقْتَ دون حاجة لمثل القصب الذي امتطيْنَاهُ في صِغرنا خيولاً مُطَهَّمةً وَطرَّزْتَ هذا القطار بيْتا.. بيْتاً، وها إنِّي أراكَ بنفس الابتسامة التي تُشِعُّ في مُحيَّاكَ بما يشبه الانتصار الذي يلي مخاض القصيدة، تنتقل من مقصورة لأخرى ومازالت المحطَّة الأخيرة في درب الحياة بعيدة !
أعلم أخي مُراد أنَّكَ تسْمعُني ولو لم تستطع الرَّدَّ على اتصالي، فالهاتف الذي بيننا كالأحرف التي تشُدُّ الكلماتِ بِشرْيَان المحبَّة ولا يحتاج لأرقام نُسجِّلها في مُفكِّرة النسيان، وإذا كانت الحالة الحَرِجة قد قيَّدتِ الجسد في الفِراش طريحاً، فإنَّها لنْ تَطال فراشة الرُّوح التي اخْتزنتْ من الضوء ما يُبدِّد كل العتمات، أعلم أنك تسْمعُني بالحواسِّ التي أكسبك الشِّعْرُ رهافتها، وهي نِعمةٌ تجعل كل من أوتِيَ فَضْلَها يقرأ اللغة في الأعين قبل أن تنطقها الألسن، قد يقول مائلٌ خرج للتَّو من الخيمة، وماذا بوُسْع شاعرٍ أن يصْنع لشاعرٍ في مِحْنةٍ بطلها فيروسٌ جبانٌ يضرب من حيث لا يُرى إلا بالمِجْهَر، ومتى كان للكلمات مفعول اللِّقاح المنيع ضدَّ وباءٍ فتَّاك، لكن عنادي الذي أسْتمِدُّه من الأمل يُحْبِط مثل هذه الأسئلة، خصوصاً أنِّي أحد الذين أنقذتْهُم الكلمة غير ما مرَّة وأنا على شفا حُفْرةٍ بين الوجود والعدم، فأيْقَنْتُ ولو واهِماً أن الشَّاعر يسْتعْصِي على الموت حتى وهو هناك في عِدَادِ الأموات !
لَنْ أُفْسِد عزيزي مُراد أدبية هذه الكلمة بالخطابة الإعلامية ذات النَّبْر والرَّبابة، لأنِّي لسْتُ الصَّحفي الذي يبحث لمقاله عن عنوانٍ يشبه عارضة الأزياء التي تغري بجاذبيتها القُرَّاء، ولن أتساءل عن العاتق الذي يُفْتَرَضُ أنْ ينوء بمسؤولية تَسرُّب فيروس كورونا إلى رئة الشاعر، لأني بمنأى عن عقلية المؤامرة وأعلمُ أن الدَّاء قد اختلط بالهواء، ولكن من حقِّي كعُضو في بيت الشِّعْر بالمغرب أن أسْتَنْفِر مع الدم في عروقي كل الجِهات الوصيَّة على قطاع الثقافة الذي لا يخلو في بلدنا من وزارة، لِتتحمَّل مسؤوليتها الرمزية والمادية تجْسيراً لكل الأسباب الممكنة وحتى المستحيلة الكفيلة بإنقاذ حياة رئيس البيت الشاعر الدكتور مراد القادري، ويكْفي البلد فخراً أنَّ أمثال مراد من الثروات البشرية تَرْفُد المجتمع المدني بعطاءاتها الثقافية والجمعوية وتحرك عجلته باتجاه الجمال، ويكْفي أيضاً ما قُلْتُه لِحَدِّ الآن ويصْلُح لكُلِّ آنٍ لأنه لا شيء يتغير في بلدي، بل إنِّي أكاد أسمع رجْعاً دون صدى لِكلِمَتي التي لنْ تَصِلْ !
عزيزي مُراد، عُذراً إذا أسهبتُ في ألمي، فالنزيف الذي لا يندمل - كما تعلم- يحتاج لِلُفافة ضِمادٍ أطول من المُعتاد، لكن عكس كل ما أوْرَثَنِي الشكُّ في هذه الحياة، مُوقنٌ أنَّ قَريحتكَ الإبداعية التي تقف على غُصْنِها كل أسراب اليمام الزاجل بين عبورٍ وآخر، ستقاوم بمخزونها الذي لا ينضب كل الأعطاب، فنحن لا نهتدي للشفاء إلا بِالتَّسَرُّب عبر شروخنا كالماء من تحْتَ الباب!
............................................
افتتاحية ملحق "العلم الثقافي" ليوم الخميس 22 أكتوبر 2020
صديقي مُراد القادري، لم أسْتسِغَ عبارة البلاغ المزعجة التي تصف وضعكَ الصِّحي بالحالة الحرجة، ليس لأنَّكَ معْصومٌ من المرض، ولكن ببساطة لأنَّكَ شاعرٌ من سِرْب اليمام الزَّاجل، ألَمْ تُجْمِع كل الأبحاث الطبية أنَّ الطيور التي تبْتكر للجرح سُلَّماً موسيقياً لا تُصاب بكورونا، وأنَّ هذا الدَّاء بُعِث هذه المرة لا أعرف هل من باطن الأرض أم من السماء، خصِّيصاً للبشر ولو اشْتَبَه بعضُه للأسف في زمننا مع البقر!
دَعِ الوضْعية الحرجة عزيزي مُراد لغيْر الشُّعراء الذين لا يركبون طرامواي الحياة، وللصُّدْفة التي لا تعرف محطَّة أنْ تتَّخِذ من "الطرامواي" عُنْواناً لديوانكَ الزَّجلي الجميل، عِلْماً أنَّكَ تحْتلُّ كل العناوين في قلوب مفتوحة على الطبيعة ولا تحتاج للطَّبع، ولِحُسْن الحُلم الذي نكتبه شِعْراً في النَّوْم واليقظة، أنَّ بعْض الحُكماء يفسِّرون الأحْلام لصالحنا، أنْتَ محظوظٌ عزيزي مُراد مثل كل الحالمين الذين رأوا أنفسهم في الشِّعر يركبون قطاراً، وإذا كان ابن سيرين يفسِّر القطار بالحياة المديدة، فقد سَبَقْتَ دون حاجة لمثل القصب الذي امتطيْنَاهُ في صِغرنا خيولاً مُطَهَّمةً وَطرَّزْتَ هذا القطار بيْتا.. بيْتاً، وها إنِّي أراكَ بنفس الابتسامة التي تُشِعُّ في مُحيَّاكَ بما يشبه الانتصار الذي يلي مخاض القصيدة، تنتقل من مقصورة لأخرى ومازالت المحطَّة الأخيرة في درب الحياة بعيدة !
أعلم أخي مُراد أنَّكَ تسْمعُني ولو لم تستطع الرَّدَّ على اتصالي، فالهاتف الذي بيننا كالأحرف التي تشُدُّ الكلماتِ بِشرْيَان المحبَّة ولا يحتاج لأرقام نُسجِّلها في مُفكِّرة النسيان، وإذا كانت الحالة الحَرِجة قد قيَّدتِ الجسد في الفِراش طريحاً، فإنَّها لنْ تَطال فراشة الرُّوح التي اخْتزنتْ من الضوء ما يُبدِّد كل العتمات، أعلم أنك تسْمعُني بالحواسِّ التي أكسبك الشِّعْرُ رهافتها، وهي نِعمةٌ تجعل كل من أوتِيَ فَضْلَها يقرأ اللغة في الأعين قبل أن تنطقها الألسن، قد يقول مائلٌ خرج للتَّو من الخيمة، وماذا بوُسْع شاعرٍ أن يصْنع لشاعرٍ في مِحْنةٍ بطلها فيروسٌ جبانٌ يضرب من حيث لا يُرى إلا بالمِجْهَر، ومتى كان للكلمات مفعول اللِّقاح المنيع ضدَّ وباءٍ فتَّاك، لكن عنادي الذي أسْتمِدُّه من الأمل يُحْبِط مثل هذه الأسئلة، خصوصاً أنِّي أحد الذين أنقذتْهُم الكلمة غير ما مرَّة وأنا على شفا حُفْرةٍ بين الوجود والعدم، فأيْقَنْتُ ولو واهِماً أن الشَّاعر يسْتعْصِي على الموت حتى وهو هناك في عِدَادِ الأموات !
لَنْ أُفْسِد عزيزي مُراد أدبية هذه الكلمة بالخطابة الإعلامية ذات النَّبْر والرَّبابة، لأنِّي لسْتُ الصَّحفي الذي يبحث لمقاله عن عنوانٍ يشبه عارضة الأزياء التي تغري بجاذبيتها القُرَّاء، ولن أتساءل عن العاتق الذي يُفْتَرَضُ أنْ ينوء بمسؤولية تَسرُّب فيروس كورونا إلى رئة الشاعر، لأني بمنأى عن عقلية المؤامرة وأعلمُ أن الدَّاء قد اختلط بالهواء، ولكن من حقِّي كعُضو في بيت الشِّعْر بالمغرب أن أسْتَنْفِر مع الدم في عروقي كل الجِهات الوصيَّة على قطاع الثقافة الذي لا يخلو في بلدنا من وزارة، لِتتحمَّل مسؤوليتها الرمزية والمادية تجْسيراً لكل الأسباب الممكنة وحتى المستحيلة الكفيلة بإنقاذ حياة رئيس البيت الشاعر الدكتور مراد القادري، ويكْفي البلد فخراً أنَّ أمثال مراد من الثروات البشرية تَرْفُد المجتمع المدني بعطاءاتها الثقافية والجمعوية وتحرك عجلته باتجاه الجمال، ويكْفي أيضاً ما قُلْتُه لِحَدِّ الآن ويصْلُح لكُلِّ آنٍ لأنه لا شيء يتغير في بلدي، بل إنِّي أكاد أسمع رجْعاً دون صدى لِكلِمَتي التي لنْ تَصِلْ !
عزيزي مُراد، عُذراً إذا أسهبتُ في ألمي، فالنزيف الذي لا يندمل - كما تعلم- يحتاج لِلُفافة ضِمادٍ أطول من المُعتاد، لكن عكس كل ما أوْرَثَنِي الشكُّ في هذه الحياة، مُوقنٌ أنَّ قَريحتكَ الإبداعية التي تقف على غُصْنِها كل أسراب اليمام الزاجل بين عبورٍ وآخر، ستقاوم بمخزونها الذي لا ينضب كل الأعطاب، فنحن لا نهتدي للشفاء إلا بِالتَّسَرُّب عبر شروخنا كالماء من تحْتَ الباب!
............................................
افتتاحية ملحق "العلم الثقافي" ليوم الخميس 22 أكتوبر 2020