بلقاسم سداين - اَلأَوْراقُ الَْمَحْروقَةُ!!.. قصة قصيرة

تهب ريح خفيفة، من حين لآخر؛ تداعب بلطف، وبرفق طبيعي ساخر أوراقا مجتمعة على الأرض. وصلت إلى هنا متدافعة أحيانا. وأحيانا أخرى محتكة ببعضها البعض محدثة سمفونية صوتية تكاد تكون غالبا مهموسة وغير مسموعة إلى أن استقر بسعادتها المفقودة محاذاة حائط لبناية مهجورة. حيث وفر لها الحائط استقرارا عندما أوقف حركتها وشل مسيرها، وتقدمها إلى الأمام ..
أوراق بمختلف الألوان الباهتة. والأحجام المتآكلة. توميء بصريح شكلها انتهاء صلاحيتها. كيف لا وهي القادمة من مشارف مطرح النفايات العمومي البعيد.. !
جموع من مختلف الأوراق..تمنح خفتها لاهتزاز، وتمايل الريح. فيتواصل مجيئها تباعا لكي تحط رحالها بمهلل، و تلقائية عند عتبة حائط البناية..! وتلتف بمقدمته، وقد ارتخت ملامح صفحاتها...!
قد تتخذ هذه الأوراق شكلا لولبيا دائريا. فتعلو قليلا بفعل تموجات الريح. فيهزم الحائط تصاعدها فتسقط أرضا لتعانق مثيلاتها وتأخذ لها حيزا يتسع لحجمها. ويتوقف تململها فتخلد لاستقرار هاديء، ومكوث ساكن ..!
تضرب الريح في كثير من الأحيان بعضا منها بعرض الحائط / الحاجز. فتكسر تقلباتها..وتسقطها أرضا لانتظار مصيرها، بعد أن مرت من مهب ريح..! إلى مهب ريح آخر..!
أما الحائط فقد نال من ندوب تعاقب الأزمنة نصيبا وافرا من التهالك. ومن توالي العقود سقوطا لأغلبية اجزائه..! وتشويها لبراعة، واتقان بانيه..!
حائط ودع الكثير من أجزائه. وتداعت مكوناته، وتشقق صموده. بعدما عمر من الزمن الوقت الطويل. فنام ترابه و حجارته على وجه الأرض..!
فإذا تنفس الصبح، واطلت عليه نسائم شمس لصباح جديد ارسلت خيوطا بسخاء على أديم الأرض. ونشرتها على بقايا أطلال البناية المهجورة. فنشم عبق التحول العميق، و المنتشر..!
وعند مغيب الشمس مساء. تتشكل فوق ذات المكان خيوط مخالفة تكتب بحروف بارزة تاريخا منزلقا في منعرجات حياة هرمت. ثم توقفت كتوقف هذه الأوراق بعين المكان.
وبين المشرق، والمغرب حبل من مسد قوي، يلف رقاب و أعناق دقائق الزمن، وكل من يدور في فلك هذا الزمن المطل..!!
ترتدي البناية غير المسكونة وجها مخيفا، موحشا، وقبيحا. مغبرة، ومحطمة ملامحها. أركانها أصبحت ملاذاً حقيقياً، و مهربا فعليا لبعض الكائنات الزاحفة، والطائرة والعناكب، وخفافيش الظلام ..!! تظهر حيناً و تختفي طويلاً ..يهجعون إليها عبر الثقوب والمنافذ و الشقوق. ويتخذون منها مسكناً لهم، ومأوى آمنا لاستقرارهم. وقد وفرت لهم الأوراق المجتمعة هنا حمايةً و دفءً اضافياً أيضا.!!.
كل من مر بالقرب من هنا يخاف شديداً أن يُصاب بلدغةٍ قاتلة
وسامةٍ يتعرض لها من رواد هذا المكان : حشرات ..زواحف..عناكب..
المكان يغرق في ضجيج تاريخ محاط بالخرافة والاساطير ، بعدما دمرته ويلات الزمن العابر، بلا هوادة منذ سنين خلت ..
و لم يحمل التاريخ على عاتقه صدق الأسباب الكامنة وراء هجر البناية ، وفقدانها لمجد سابق..وتحولها إلى مساحة مخيفة..مهجورة.. ومهملة ....!!!
استيقظ الناس صبيحة ذات يوم اِستثنائي من أيام بداية فصل الشتاء، ونهاية أيام فصل الخريف على نبأ عظيم..وأمر غريب وعجيب.. وبرؤوس مثقلة جداً بضجيج معتقدات عابرة..
قال أحدهم في تعجب تام :
- 《الموضع المثير للدهشة تعرض لزيارة ليلة.. !!!》 .
وأضاف آخر و على وجهه تنتشر دهشة واضحة :
- 《 رأيت ناراً متمايلةً يمينا، ً وشمالاً ليلاً..وهي تعانق أركان الموقع 》
الأوراق المجتمعة في زوايا البناية المقفرة..أُحْرِقَتْ بالكامل، و التمام. بفعل فاعل غريب أيضاً. .فتحولت إلى حطام ورماد تذروه الرياح الذاريات في السماء..!
وقف الناس في حيرة من أمرهم على مشارف المكان كلهم تأمل شديد..وتركيز قوي وبعيد..!!
وفجأة قرأ زعيمهم على مسامعهم قوله تعالى وعيونه شاخصة إلى الأرض :
( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الحْيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِنًباتِ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشيماً تَذْروهُ الرِّياحُ ، وَكانَ اللهُ عَلى كُلٍّ شَيْء ٍ مُقْتَدِر ).
وفي أركان جد محددة هنا..وهناك..شاهد الجميع آثار إحتراق شموع أنارت ظلمة المنزل الموحش، الخرب. فكانت إضاءات احتفالية رمزية عميقة..وتاريخية لم تخل أبداً من نفحات،ٍ و طقوس عقائدية اِرتبطت بإشعال الشموع، واستحضار دلالا تها القوية عبر آلاف، ومئات السنين..والأعوام.. !!
فتحول البيت الموحش المهمَل بقدرة قادر في نفوس الناس إلى محج عقائدي للرجال، والنساء يوقدون بداخل فضاء هذا العالم الروحاني الأضواء، والأنوار .. و في نفوسهم أيضا شيء من المعتقدات، وفي عقولهم بقية من الخزعبلات...!!!

بلقاسم سداين



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى