تلحف بغطائه الثقيل واختبأ بين طياته، حتى لا يسمع صوت رأسه المثقل بالهموم، النوم عنده خير من يقظة الحياة القاسية، كل ما حوله يؤذيه، تَحَوَّلَ البشر أمامه إلي آلات مبرمجة، الكل يمشي كمُسوخ علي رأسها الطير.
تحالف عليه الجميع، رئيسه في العمل يوبخه ويهدده بالفصل بعد إنذاره، فهو يعشق الطريق المستقيم، وهذا الطريق لا يستقيم لمديره بالعمل!!زوجته تصرخ فيه دائما، تتهمه بالتقصير، تلقاه بوجه عبوس وهندام لا يليق بأنثى، وتلعن اليوم الذي جمعهما في هذه الزيجة المشئومة.!!
أولاده لا يعترفون بأنه أب علي غير مثال كما يظن هو في نفسه، فماذا يفعل وهو الذي يعمل من أجلهم ليل نهار؟!! ويحرم نفسه من كل ما يتمناه من ملبس جديد وطعام شهي ورحلة ترفيهية تعيد إليه النشاط وتُخرجه من بين تروس العمل التى كادت أن تسحقه.
حتى الصديق الوحيد الذي كان يجد عنده الراحة فقد تزوج وتخلى عنه وصار مهموما هو الآخر بمشاكل الحياة .
والدته تنظر إليه في أسي وتُشعره دوما أنه أضاع حلمها بأن يكون طبيبا مشهوراً أو ضابطاً تفتخر به ويهل عليها بزيه العسكري فينشرح قلبها!! .
تجلس مع الجارات تحكى لهن عن خيبة أملها في ولدها الوحيد، وتولول وتُعَدِدْ وتسمع منهن مواساة لخيبتها، حتى جاراتها ينظرون إليه وكأنه تَيَّتَمَ أول أمس ويحتاج إلى شفقتهن.
ضاعت هيبته وسط كل هذا الزحام ...
لا خير له سوى في النوم، يبتلع قرصا منوما حتى يتوه في غيابات لذة النوم، يستنجد بالموتة الصغرى ليهرب من واقعه ولو لساعات.
طبول ورعد يرعد في رأسه، خيالات مرعبة تهدده بافتراسه، أرواح خبيثة تتراقص علي فراشه الوثير، التهب رأسه بصداع خبيث.
هل أصيب بالجنون؟ أم هي هلوسات ما قبل النوم؟!
يُحكم الغطاء علي جسده، يتكوم بداخله كجنين لا يريد أن يخرج للحياة.
لا خير في شئ الآن سوى في النوم.
تتكالب عليه الكوابيس، ينهض ليبتلع قرصا آخر لينام دون إحساس بما حوله.
يعود لوضعية الجنين داخل غطاءه الدافئ، أذنيه لا تنام.. يسمع قهقهات تصك أذنيه وتُعنف أعصابه، وشريط من ذكريات الطفولة البائسة وخيبات شبابه المزدحم بالتفاصيل يمران أمامه فيزداد حنقا وغضبا وتضيق أنفاسه، شعر بحمى تعتريه، انتفض، ركل الغطاء، نهض ليتنسم بعضا من برودة الشرفة.
وقع قبل أن يفتح أبوابها.