كما قلت في العديد من المقالات إن عوالم الفن لها مرجعيات متعددة ، تجعل المتلقي يربط ذهنيا أو بصريا أشكالها وألوانها بأشياء أخرى سبق له أن رآها، مما يفقدها بعضا من هالتها. فكثير من الأعمال التصويرية تتناص بوضوح مع تيارات ومدارس غربية، واقعية، انطباعية،سريالية...وكذلك حال الأعمال التجريدية، فهي إما هندسية ذات مساحات مسطحة من الألوان الأساسية أو غنائية ، وفي دراستنا لبعض التجارب المغربية يكون الهدف بالدرجة الأولى إماطة اللثام عن اللمسة الشخصية للفنان داخل هذه المدارس أو تمرده عنها بصيغة الإنزياح الفني الصريح أو المحتشم. وهذا ما ساسعى لدراسته من خلال تجربة الفنانة لمياء حدوش.
في دراستي لأعمالها و تتبع مسارها الفني منذ بداية مسارها كطالبة للفنون التشكيلية إلى الآن أقف عند مجموعة من الإشكاليات بشكل مفصل كالتالي : ماهية المدرسة التشكيلية التي يمكن أن نصنف فيها أعمال الفنانة ؟ من أين تستلهم مواضيع لوحاتها ؟ ما هي الفلسفة الجمالية التي حركت إبداعها ؟ كيف تعاملت مع المنجز التشكيلي من حيث الفضاء والخلفية والموضوع والتركيبة اللونية؟ كيف تعاملت مع الكتلة اللونية والضوء وتوزيعهما ؟ ما هي القيمة الفنية التي يمكن أن تشكل إضافة فنية لها كبصمة شخصية في بحثها عن ذاتها وانزياحها الفني ؟
إن التشكيلية لمياء حدوش من خلال تكوينها الأكاديمي ولعملها الطويل بالواقعية التشكيلية وبعد ضبطها للغة التشكيلية تقنيا وفكريا، بقيت مشدودة إلى الطبيعة كمصدر للإبداع وكمصدرللإلهام، فهي في علاقتها مع طلابها تعمل على تدريس المداريس التشكيلية بجل مدارسها إلى جانب تدريسهم لتقنيات الرسم وسبل التحكم فيها ممارسة وتطبيقا. هذه المتعة الفكرية والعلمية في ممارساتها اليومية للعمل في التأطير الفني جعلها أكثر إصرارا على البحث في جميع مكونات المادة التشكيلية، لأنها أكثر دراية من غيرها بغناها المادي والمعرفي لإبداع فني يعبر الحدود المادية والنفسية والفكرية للمتلقي ويقحمه في المسائلة الفكرية والجمالية المحضة. لقد ظلت مشدودة إلى ما يأتينا من الطبيعة أو ما يفرزه وجودنا داخلها. وبرهنت من خلال مجموعتها التشكيلية الأخيرة أن في حالات الفن وحده نستطيع، من خلال الشكل الجمالي الخالص، خلق حالة تقودنا إلى امتلاك ما يَمْثُل أمام العين واضحا بلا تداعيات سوى تداعيات الوجود المادي ذاته، إنها حالة خاصة تشير إلى تماس مباشر مع الأشياء من خلال أخذ ألوانها البسيطة والمركبة وتوظيفها بأعمالها الفنية ، موضحة ما كان يسميه هيجل "العيان العيني وتمثل الروح المطلقة في ذاتها باعتبارها المثل الأعلى"، أو تخلق لك من خلال أعمالها نوع من الفرح أو النوستلجيا لزمن ما بألوانه الخريفية بين البرتقالي والبني والأصفر بجميع تدرجاتهم من حيث الكتلة او القوة أو انعكاس الضوء أو الزمن الشتوي من خلال ألوانه الغامقة كالأسود والرمادي إلى الزرقة الداكنة أو الربيعية الغنية بتنوعها أو الحارة مثل ألألوان الصيفية وهذا التماهي بين الألوان والإحساس الذي يتولد لدينا هو ما يطلق عليه كانط "الإحساس الذي يُعد معطى خالصا يُنظر إليه كما يمكن أن يتلقاه الرائي خارج كل الوسائط"، وأحيانا تختزل الأشياء وتركزها في أعمال رغم صغر حجمها لتعكس لنا فكرة هي "عرض للكمال الحسي " ذاته، كما يقول شنايدر. ويتعلق الأمر في هذه الحالات مجتمعة، بما يشبه "التجربة الحية" بعد قدومها من المنطقة المتوسطية طنجة و أستقرارها بمنطقة الأطلس المتوسط والتي تستهويها وأغنت ذاكرتها اللونية البصرية ، هذه المنطقة التي تعرف الفصول السنوية فيها تعاقب منتظم بالوصول إلى العتبات القصوى من حيث الحرارة أو انخفاضها تحت الصفر ومما ينتج عن ذلك من تقلبات مناخية وإجتماعية ونفسية مرافقة لها و التي تتحقق في الإنفعال والمتعة والنشوة، وكل ما يقود إلى الضياع أو التلاشي في لحظة تتحقق خارج اللحظة الزمنية المألوفة مبرهنة إننا نضع، في الفن كممارسة يومية في حياتنا الحسيَ في مقابل الحسي خارج وساطة المفاهيم. فكانت عطاءاتها خصبة وغنية بالمفاهيم والرموز والوسائل......فعملت في كل الإتجاهات أفقيا وعموديا على مستوى المادة والملمس والتركيبة والكتلة والتوزيع والموضوع وبلوتها مع معارفها التي تلقتها بشعبة الفنون التشكيلية بمدينة طنجة ....... مع التغذية الراجعة من تكوينها بالتربية الفنية بمركز التكوين التربوي لأساتذة التربية التشكيلية بمراكش، خصوصا أنها ابنة فنان تشكيلي وفتوغرافي عبد القادر حدوش الذي تربت على يده عدة أجيال لتبلورها مع مكتسباتها اليومية من خلال عملها التطبيقي مع طلابها في أعمالها الواقعية الأولى التي حاولت من خلالها البرهنة للآخر مدى تحكمها بالجانب التقني والفني الواقعي لتتمرد بعباءة فصول السنة
بالتجريدية الغنائية لتحاول أن تنكب في الأخير على البحث في إطار الرمز والهوية في علاقتما مع التركيب اللوني والتي ستعمل مستقبلا على تطوير بحثها في هذا الإتجاه.
عموما إن المتأمل لأعمال لمياء حدوش يرى أنها أعمال تعج بالحركية والانفعالات النفسية والأفكار المعاصرة والكثير من التعابر في مجال اللغة التشكيلية والتي تمارسها عن دراية وتمكن تقني وفكري ، وان إبداعاتها تطورت بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة من القيمة الجمالية البسيطة في إطار المدرسة الواقعية التي تحكمها التمكن التقني إلى قيمة الجمال والأخلاق والقيم الملامسة لقضايا الفلسفة المعاصرة من خلال التجريدية الغنائية والتي توجهها الرغبة في التمرد الفني والتقني . كما تعبر عن حركيتها وحيرتها في البحث المستمر عن أشياء جديدة لتنزلها في لوحاتها بالساحة الفنية بتطويع المادة التشكيلية في يدها، مما يعبر عن طاقتها الإبداعية الكبيرة و بحثها في المجال التشكيلي شبيه بالبحث في الاشتقاق اللغوي وأصول الكلمات في اللغة التشكيلية الكونية والتي لا تقتصر على المجال المغربي فقط بل موجهة للمتلقي الكوني ككل ، فهي بذلك تؤسس لتمرد فني معقلن وتوجهه بممارستها اليومية للفن عملا وهواية وتخصصا .....خيرة جليل
بعض المراجع:
. " جون ديوى": الفن خبرة - ترجمة زكريا إبراهيم - مراجعة زكى نجيب محمود - ( دار النهضة العربية - بالاشتراك مع مؤسسة فرنكلين) - (القاهرة - بيروت ) سبتمبر 1963.
"هربرت ريد": التربية عن طريق الفنّ - ترجمة عبد العزيز توفيق جاويد - مراجعة مصطفى طه حبيب - الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة – 1996..
جيروم ستولنيتز ": النقد الفني - دراسة جمالية وفلسفية - ترجمة فؤاد زكريا - الهيئة المصرية العامة للكتاب - الطبعة الثانية - القاهرة - 1980 .
انظر صليبا، جميل: المعجم الفلسفي - جـ1 - دار الكتاب اللبناني - الطبعة الأولى - بيروت - 1971.
"هريرت ريد" معنى الفن - ترجمة سامي خشبة - مراجعة مصطفى حبيب - الهيئة - المصرية العامة للكتاب القاهرة - 1998 -
هنرى لوفافر" : في علم الجمال - ترجمة محمد عيتاني - دار المعجم العربي - الطبعة الأولى - بيروت 1954 .ا.
*9 Croce, Bendetto: The Essence of Aesthetic - Translated by Douglas Ainslie - The Arden Liberary, 1978.
في دراستي لأعمالها و تتبع مسارها الفني منذ بداية مسارها كطالبة للفنون التشكيلية إلى الآن أقف عند مجموعة من الإشكاليات بشكل مفصل كالتالي : ماهية المدرسة التشكيلية التي يمكن أن نصنف فيها أعمال الفنانة ؟ من أين تستلهم مواضيع لوحاتها ؟ ما هي الفلسفة الجمالية التي حركت إبداعها ؟ كيف تعاملت مع المنجز التشكيلي من حيث الفضاء والخلفية والموضوع والتركيبة اللونية؟ كيف تعاملت مع الكتلة اللونية والضوء وتوزيعهما ؟ ما هي القيمة الفنية التي يمكن أن تشكل إضافة فنية لها كبصمة شخصية في بحثها عن ذاتها وانزياحها الفني ؟
إن التشكيلية لمياء حدوش من خلال تكوينها الأكاديمي ولعملها الطويل بالواقعية التشكيلية وبعد ضبطها للغة التشكيلية تقنيا وفكريا، بقيت مشدودة إلى الطبيعة كمصدر للإبداع وكمصدرللإلهام، فهي في علاقتها مع طلابها تعمل على تدريس المداريس التشكيلية بجل مدارسها إلى جانب تدريسهم لتقنيات الرسم وسبل التحكم فيها ممارسة وتطبيقا. هذه المتعة الفكرية والعلمية في ممارساتها اليومية للعمل في التأطير الفني جعلها أكثر إصرارا على البحث في جميع مكونات المادة التشكيلية، لأنها أكثر دراية من غيرها بغناها المادي والمعرفي لإبداع فني يعبر الحدود المادية والنفسية والفكرية للمتلقي ويقحمه في المسائلة الفكرية والجمالية المحضة. لقد ظلت مشدودة إلى ما يأتينا من الطبيعة أو ما يفرزه وجودنا داخلها. وبرهنت من خلال مجموعتها التشكيلية الأخيرة أن في حالات الفن وحده نستطيع، من خلال الشكل الجمالي الخالص، خلق حالة تقودنا إلى امتلاك ما يَمْثُل أمام العين واضحا بلا تداعيات سوى تداعيات الوجود المادي ذاته، إنها حالة خاصة تشير إلى تماس مباشر مع الأشياء من خلال أخذ ألوانها البسيطة والمركبة وتوظيفها بأعمالها الفنية ، موضحة ما كان يسميه هيجل "العيان العيني وتمثل الروح المطلقة في ذاتها باعتبارها المثل الأعلى"، أو تخلق لك من خلال أعمالها نوع من الفرح أو النوستلجيا لزمن ما بألوانه الخريفية بين البرتقالي والبني والأصفر بجميع تدرجاتهم من حيث الكتلة او القوة أو انعكاس الضوء أو الزمن الشتوي من خلال ألوانه الغامقة كالأسود والرمادي إلى الزرقة الداكنة أو الربيعية الغنية بتنوعها أو الحارة مثل ألألوان الصيفية وهذا التماهي بين الألوان والإحساس الذي يتولد لدينا هو ما يطلق عليه كانط "الإحساس الذي يُعد معطى خالصا يُنظر إليه كما يمكن أن يتلقاه الرائي خارج كل الوسائط"، وأحيانا تختزل الأشياء وتركزها في أعمال رغم صغر حجمها لتعكس لنا فكرة هي "عرض للكمال الحسي " ذاته، كما يقول شنايدر. ويتعلق الأمر في هذه الحالات مجتمعة، بما يشبه "التجربة الحية" بعد قدومها من المنطقة المتوسطية طنجة و أستقرارها بمنطقة الأطلس المتوسط والتي تستهويها وأغنت ذاكرتها اللونية البصرية ، هذه المنطقة التي تعرف الفصول السنوية فيها تعاقب منتظم بالوصول إلى العتبات القصوى من حيث الحرارة أو انخفاضها تحت الصفر ومما ينتج عن ذلك من تقلبات مناخية وإجتماعية ونفسية مرافقة لها و التي تتحقق في الإنفعال والمتعة والنشوة، وكل ما يقود إلى الضياع أو التلاشي في لحظة تتحقق خارج اللحظة الزمنية المألوفة مبرهنة إننا نضع، في الفن كممارسة يومية في حياتنا الحسيَ في مقابل الحسي خارج وساطة المفاهيم. فكانت عطاءاتها خصبة وغنية بالمفاهيم والرموز والوسائل......فعملت في كل الإتجاهات أفقيا وعموديا على مستوى المادة والملمس والتركيبة والكتلة والتوزيع والموضوع وبلوتها مع معارفها التي تلقتها بشعبة الفنون التشكيلية بمدينة طنجة ....... مع التغذية الراجعة من تكوينها بالتربية الفنية بمركز التكوين التربوي لأساتذة التربية التشكيلية بمراكش، خصوصا أنها ابنة فنان تشكيلي وفتوغرافي عبد القادر حدوش الذي تربت على يده عدة أجيال لتبلورها مع مكتسباتها اليومية من خلال عملها التطبيقي مع طلابها في أعمالها الواقعية الأولى التي حاولت من خلالها البرهنة للآخر مدى تحكمها بالجانب التقني والفني الواقعي لتتمرد بعباءة فصول السنة
بالتجريدية الغنائية لتحاول أن تنكب في الأخير على البحث في إطار الرمز والهوية في علاقتما مع التركيب اللوني والتي ستعمل مستقبلا على تطوير بحثها في هذا الإتجاه.
عموما إن المتأمل لأعمال لمياء حدوش يرى أنها أعمال تعج بالحركية والانفعالات النفسية والأفكار المعاصرة والكثير من التعابر في مجال اللغة التشكيلية والتي تمارسها عن دراية وتمكن تقني وفكري ، وان إبداعاتها تطورت بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة من القيمة الجمالية البسيطة في إطار المدرسة الواقعية التي تحكمها التمكن التقني إلى قيمة الجمال والأخلاق والقيم الملامسة لقضايا الفلسفة المعاصرة من خلال التجريدية الغنائية والتي توجهها الرغبة في التمرد الفني والتقني . كما تعبر عن حركيتها وحيرتها في البحث المستمر عن أشياء جديدة لتنزلها في لوحاتها بالساحة الفنية بتطويع المادة التشكيلية في يدها، مما يعبر عن طاقتها الإبداعية الكبيرة و بحثها في المجال التشكيلي شبيه بالبحث في الاشتقاق اللغوي وأصول الكلمات في اللغة التشكيلية الكونية والتي لا تقتصر على المجال المغربي فقط بل موجهة للمتلقي الكوني ككل ، فهي بذلك تؤسس لتمرد فني معقلن وتوجهه بممارستها اليومية للفن عملا وهواية وتخصصا .....خيرة جليل
بعض المراجع:
. " جون ديوى": الفن خبرة - ترجمة زكريا إبراهيم - مراجعة زكى نجيب محمود - ( دار النهضة العربية - بالاشتراك مع مؤسسة فرنكلين) - (القاهرة - بيروت ) سبتمبر 1963.
"هربرت ريد": التربية عن طريق الفنّ - ترجمة عبد العزيز توفيق جاويد - مراجعة مصطفى طه حبيب - الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة – 1996..
جيروم ستولنيتز ": النقد الفني - دراسة جمالية وفلسفية - ترجمة فؤاد زكريا - الهيئة المصرية العامة للكتاب - الطبعة الثانية - القاهرة - 1980 .
انظر صليبا، جميل: المعجم الفلسفي - جـ1 - دار الكتاب اللبناني - الطبعة الأولى - بيروت - 1971.
"هريرت ريد" معنى الفن - ترجمة سامي خشبة - مراجعة مصطفى حبيب - الهيئة - المصرية العامة للكتاب القاهرة - 1998 -
هنرى لوفافر" : في علم الجمال - ترجمة محمد عيتاني - دار المعجم العربي - الطبعة الأولى - بيروت 1954 .ا.
*9 Croce, Bendetto: The Essence of Aesthetic - Translated by Douglas Ainslie - The Arden Liberary, 1978.