علجية عيش - مخطط التطبيع مع إسرائيل إلى أين؟

الإمارات تستفز الشعوب الرافضة للتطبيع بقدوم 200 إسرائيلي في رحلة العودة إلى دبي


التطبيع يعني عدم تجاوز التبعية، و تجاوز هذه الأخيرة يتطلب إعادة النظر في مسار الوعي العربي الإسلامي منذ عصر النهضة حتى الآن و كشف العلاقة الحقيقية بين الغرب و الشرق و تحديد المصير العربي الذي يتحول شيئا فشيئا إلى أقلية تحكمها إسرائيل، و في ظل الوضع السياسيّ الراهن المضطرب والباعث على اليأس، قد تحتاج الأقلية العربية إلى ترخيص من السلطات الإسرائيلية لزيارة الأماكن المقدسة في القدس المحتلة، لا يمكن للصمت العربي أن يطول و على المؤسسات الدينية الإسلامية أن تعلن موقفها و على رأسهم الأزهر، الزيتونة و جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ذلك بقطع العلاقات نهائيا مع الإمارات و أخواتها و صمتها لا محالة أنه يكرس النفوذ الإستعماري الإسرائيلي في فلسطين


التطبيع يعني العَمَالَة المباشرة الصريحة لدولة تكن العداء للإسلام و المسلمين و تعمل على تدمير المسجد الأقصى ثاني مسجد بعد المسجد الحرام، و عملية التطبيع تسبقها اتصالات و مشاورات بين طرفين سواء كانت سرًّا أو علانية، في إطار مخطط مدروس، و تكون الخطوة الأولى إما بداية علاقة مع دولة ما، أو إعادة صياغة العلاقة بين بلدين بحيث تصبح علاقات طبيعية أي إنهاء القطيعة بينهما، و يمكن أن نعرفه اي التطبيع بالقابلية للترويض أو القابلية للإستعمار كما تحدث عنها مالك بن نبي، و يحمل التطبيع الإعتراف بدولة ما و وجودها ، و السعي إلى تحقيق مطامعها التوسعية، كما هو الحال في إسرائيل، التي ترى أن التطبيع السياسي والاقتصادي بينها وبين الدول العربية هو شرط أساسي لتحقيق السلام، و هي اليوم تكاد أن تسيطر على العالم العربي كله بفعل مخطط "التطبيع" ، بعد انظمام دول عربية إليها كـ: الإمارات، البحرين، الكويت ثم السودان في إطار ما يسمى بالشراكة، و هاهي الإمارات تمنع تسليم تأشيرة دخول 11 دولة ذات الأغلبية المسلمة إلى ترابها ، خاصة الدول التي تعيش الحروب الأهلية و الصراعات الطائفية كسوريا و العراق، اللتان كانتا ضمن قائمة الدول المحظورة، ماعدا الدول الحليفة لإسرائيل على غرار البحرين، في وقت تسمح فيه للإسرائيليين الدخول بدون تأشيرة بعد اتفاق التطبيع مع البلدين، حسبما أشارت إليه بعض الوكالات الإخبارية، تم ذلك في معاهدة وقعت عليها كل من إسرائيل و الإمارات في تل أبيب، وهي الإتفاقية الأولى التي تبرمها إسرائيل مع دولة عربية مسلمة، رغم أن حليفتها الولايات المتحدة لم تباشر بعد هذه الإجراءات و لم توقع مع إسرائيل أي اتفاقية بهذا الشأن.

تقول التقارير ان الإمارات خصصت طائرة خاصة لإستقبال الفوج الإسرائيلي مُعَزَّزًا مُكَرَّمًا، يتكون من 200 إسرائيلي قدموا من تل أبيب في رحلة العودة إلى دبي، و اعتبارا من 13 ديسمبر الجاري تنطلق 14 رحلة أسبوعية من تل أبيب إلى دبي، في محاولة منها استفزاز الشعوب الرافضة لعملية التطبيع، و بطابع هستيري عدواني، و الجزائر من بين هذه الدول، في ظل التوتر السائد بين البلدين بسبب رفضها التطبيع و إيمانها بالقضية الفلسطينية و عدم تخليها عن شعار بومدين: "نحن مع فلسطين ظالمة أم مظلومة" لدرجة أنها بعثت رسائل تهديد لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون بسبب انتقاداته تطبيع أبو ظبي مع إسرائيل و تحسين علاقاتها مع تركيا، و البحث في العديد من القضايا ، لاسيما الملف الليبي، بعدما أعلنت الإمارات وقوفها في صف خليفة حفتر، أما عن الموقف الفلسطيني لم يمنع الدول المُطَبِّعَة مع الكيان الإسرائيلي من زيارة المسجد الأقصى، فقد سبق و أن زار وفد من"مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي" إلى إسرائيل في أعقاب إقامة العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والبحرين في سبتمبر المنصرم، بإشراف من دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس المُعَيَّنَة من قبل المملكة الأردنية، وهذا من باب التسامح الديني و الحريات الدينية و التعايش السلمي.

كان موقف الفلسطينيين بالرفض، عندما أعربوا عن غضبهم من اتفافيات التطبيع بين إسرائيل والبحرين والإمارات العربية المتحدة ثم السودان، و التحاق هذه الدول بإسرائيل يجعل من هذه الأخيرة أكثر قوة، و قد يتملكها الغرور بأنه لا توجد أمّة تفوقها قوة، و هذا يعني أن لها الحق مع قوة كهذه في تولي قيادة تنظيم العالم ، و على الدول المُطَبِّعَة أن توفر لإسرائيل الحماية الكاملة، و هذا يعني ان إسرائيل ستضرب العرب بالعرب و المسلمين بالمسلمين، و هذا يستدعي إعادة النظر في مواثيق "حلف بغداد"، و مواقف القيادات الرجعية الحاكمة في الأقطار العربية التي ارتبطت بمبدأ إزنهاور " و الذي أصبح حلف بغداد مظهرا من مظاهره، هذا الحلف قبل أن ينهزم كما انهزم مبدأ إيزنهار كان قد تأسس لخدمة "الإمبريالية الأمريكية" و تحقيق أهدافها في إبقاء - كما يقال- شعرة معاوية مع دول أخرى، و تتيح لإسرائيل حرية المناورات مع هذه الدول، باعتبارها جزء من النظام الإمبريالي العالمي، إذن على الدول الرافضة للتطبيع أن تعيد النظر في مشروع إقامة "اتحاد عربي" و بعثه من جديد، حتى تتخلص من سيطرة الغرب و حماية حدودها و اقتصادها، و إلا ضاعت الفرصة أمامها إلى الأبد، فمشروع الإتحاد العربي كان يعتبر البعبع الذي يخيف الغرب، لاسيما و هو يهدف إلى محو كيان إسرائيل و نسف السيطرة الإمبريالية بجميع أشكالها.

في ظل هذا الوضع تحاول المؤسسات الدينية كشف الوجه الحقيقي لإسرائيل و الدول التي لها علاقات دبلوماسية معها، من خلال إعطاء نظرة سوداء لمسألة التطبيع مثلما ذهب إليه مجلس رؤساء الكنائس الكاثوليكية في الأرض المقدسة ، عندما اعتبر تطبيع دولة ما مع إسرائيل يعني تجاهل الحرب القائمة بين إسرائيل و فلسطين و تجاوز الإحتلال و التمييز العنصري والمواقف المتخدة منها، خاصة إذا تعلق الأمر بالجانب الإقتصادي، أي تقديم الدعم المالي للبلديات العربية، طالما الصراع بين الشعبين قديم و مستمر، و له أثر عميق على كل المستويات، و لا أحد يتنبأ بما يحث في المستقبل القريب، و إن كان هذا موقف الكنيسة الكاثوليكية ، فكيف للعلماء المسلمين يغيرون من مواقفهم، هو السؤال الذي طرحه ملاحظون، خاصة بالنسبة للأزهر الذي لزم الصمت إزاء التطبيع الإماراتي مع الاحتلال الإسرائيلي و هو الذي دعا في السابق إلى تطهير القدس من مغتصبيها، و أفتى بعدم ذهاب المسلمين إليها، حتى تتطهر أرضها و قال أن من يزورها آثمٌ.

طبعا ليس هناك من ضبط و إحكام لمفهوم أو مصطلح التطبيع، إلا أن يفصح عن نفسه بحسب وجهات النظر التي تدخل في إطاره، و لعل تعدد المفاهيم قد يشتت المصطلح و الطرق المؤدية إليه، و إن كانت الحياة في إسرائيل أو في فلسطين تقتضي بعض العلاقات مع السلطات الإسرائيلية و من ثم بإمكان الدول العربية التي وقعت اتفافية التطبيع مع إسرائيل قد يكون لها حق التدخل في حل مشاكل العرب ( سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين) الذين يحملون المواطنة الإسرائيلية، إلا أن ذلك لا يعني إخفاء حقيقة الواقع و ما يحدث للشعب الفلسطيني و ممارسة التعتيم على الظلم الموجود ، و اعتبر هذا التجاهل تطبيع وتعاون مع مؤسسات انتهجت أسلوب التمييز العنصري في تعاملها مع الآخر، و هي بالتالي تصر على استمرار الظلم ، فانفراد دولة من الدول في الوقوف بوجه إسرائيل هو خدمة لإسرائيل، و عدم إجماعها على موقف موحد يعد تمديدا للنفوذ العدواني، الذي من شأنه أن يقود إلى اللا إستقرار السياسي و انعدام السلام ، و السؤال الذي يطرحه الخبراء هو: هل الحكومات العربية قادرة بل جاهزة على خوض الحرب ضد إسرائيل و تحرير فلسطين في المرحلة الحالية؟ أم أنها ستظل كالدمية تحركها إسرائيل و حليفتها الولايات المتحدة الأمريكية كيفا تريد، و تكتفي هي برفع الشعارات و نشر البيانات عبر وسائل الإعلام.

قراءة علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى