عبد الحفيظ بولزرق - كيف ينبغي أن يفهم أبناء الإسلام قوامة الرجل على المرأة؟

أورد الأستاذ عباس محمود العقاد في كتابه الماتع " الفلسفة القرآنية "، ص 48،نصا جميلا يقول فيه : " فحق القوامة مستمد من التفوق الطبيعي في استعداد الرجل، ومستمد كذلك من نهوض الرجل بأعباء المجتمع وتكاليف الحياة البيئية، فهو أقدر من المرأة على كفاح الحياة ولو كانت مثله في القدرة العقلية والجسدية لأنها تنصرف عن هذا الكفاح قسرا في فترة الحمل والرضاعة، وهو الكفيل بتدبير معاشها وتوفير الوقت لها في المنزل لتربية الأبناء وتيسير أسباب الراحة والطمأنينة البيئية ".

وإنما القوامة: رعاية ..وولاية .. وكفاية ..

قال الله تعالى : " الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم " [النساء: 34]

وهذه الآية جاءت تفسيرا لأية أخرى وردت في سورة ا لبقرة تكرس فهما للعلاقة، قوله تعالى : " ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة " [البقرة: 288 ] ففسر جل وعلا قوله : " وللرجال عليهن درجة " لبيان معنى الدرجة : " بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ".

وليس هذا امتهانا للمرأة بل هو كنه المساواة – كما يقول الشيخ رشيد رضا في كتابه " نداء للجنس اللطيف ": " اما القرآن فقد ساوى بين الزوجين في الواجبات والحقوق بالمعروف مع جعل حق رياسة الشركة الزوجية للرجل " (أنظر: روح الدين الإسلامي، عفيف طبارة، ص 366).
وإنما اختار الشارع الرجل لأنه أعلم بالمصلحة وأقدر على التنفيذ بقوته وماله.

ومن القوامة توضيح فلسفة الواجب، يقول حسن رمضان فحلة في كتابه "مقومات الحضارة الإنسانية في الإسلام"، أن الإسلام فيه : " بيان الواجبات المترتبة على الزوج تجاه زوجته[ معاشرتها بالمعروف- تعليمها ما تحتاج إليه من أمور دينها- أن يلزمها بتطبيق شعائر الإسلام- العدل والنفقة- حفظ سرها- الأمانة بكل ما فيها من معنى] وبيان الواجبات المترتبة على الزوجة تجاه زوجها [ طاعة الزوج في غير معصية الله- حفظ عرضه وشرفه وعدم السماح بدخول بيته لأي من كان إلا بحضور زوجها أو محارمها- لزوم بيت زوجها فلا تخرج إلا بإذنه- وعليها إن خرجت غض البصر والاحتشام]. قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- : " خير النساء التي إن نظرت إليها أسرتك وإذا أمرتها أطاعتك وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك " [ أخرجه الطبراني ].

وهناك حقوق مشتركة بين الزوجين : [ الأمانة بينهما- المودة والرحمة- الثقة المتبادلة- النصح والتناصح- الرفق في المعاملة- الكرم- القول الحسن- التقدير والاحترام- المعاشرة بالمعروف- التواصي بالخير والحق والمرحمة- التعاون- العدل في معاملة الأولاد ].


* القوامة رعاية:
فلا تستقيم الحياة الزوجية إلا بالرعاية التي بها يتكافل أهل البيت في معرفة ما لهم وما عليهم من الحقوق والواجبات، ويوجه الإسلام النصح للرجل حاى لا يصبح مصدرا لتفريق الشمل، وتقويض البيت، وشقوة الأولاد : " وعاشروهن بالمعروف ".
وقد جاء رجل إلى عمر بن الخطاب –رضي الله عنه يستشيره في في طلاق امرأته، فقال له عمر : " لا تفعل، فقال : ولكني لا أحبها، فقال له عمر : ويحك !! ألم تبن البيوت إلا على الحب ؟ فأين الرعاية ؟ وأين التذمم ؟ ".
أي إن البيوت لا تبنى على الحب وحده، وإنما هي خليقة أن تبنى على ركنين آخرين شديدين: أحدهما الرعاية التي تبث المراحم والتعاطف في جوانبها، وبها يتحقق التعاون بين أفراد الأسرة لدعمها والنهوض بها. وثانيهما التذمم ويعني التحرج من أن يكون الرجل ألعوبة العواطف المتأرجحة، فيتسبب في شقاء الأسرة وتدميرها جريا وراء مثل هذه العواطف ", أحمد طاحون، رياض الفالحين، ص 253.


* القوامة كفاية:
وهي على قدر طاقة الرجل ليوفر لها سبل الحياة الكريمة بلا إفراط ولا تفريط ولا يتابع هواها إذا بالغت وغالت أو أسرفت في مطالبها بما يخرج عن حد الاعتدال، ويعالج ذلك بالرفق واللين.
روى معاوية بن حيدة –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال له حين سأله : " ما حق زوجة أحدنا عليه " قال : " أن تطعمها إذا طعمتَ، وتكسوها إذا اكتسيتَ، ولا تضرب الوجه، ولا تقبِّحْ، ولا تهجر إلا في البيت " .


* القوامة ولاية:
جعلت الشريعة الولاية للرجل على المرأة، ومنحته حق القوامة عليها؛ وهو في ذلك متسق مع فطرة الله تعالى في الخلق، بأن جعل الرجل راعيًا للمرأة، قائمًا على شؤونها، ولذا وهب الله الرجل من خصائص القوامة والولاية ما لا يوجد عند المرأة، قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ}[النساء:34].
والقوامة في الشريعة الإسلامية عبارة عن آلية تنظيمية تفرضها ضرورة ضبط بوصلة الأسرة المسلمة القائمة بين الرجل والمرأة.

والولاية على البنات والبنين، والقوامة على الزوجة: غُرْمٌ لا غُنْمٌ، ومسؤولية عن الزوجة ورعايتها، ومهمة في إعداد الأبناء للحياة، فهم أمانة عند الإنسان، سيحاسب عليهن ويسأل عنهن بين يدي الله سبحانه. فالإسلام إذ جعل القوامة للرجل على المرأة، لم يشرع استبداد الرجل بالمرأة ولا بإرادة الأسرة، ولم يرد أن تكون تلك القوامة سيفاً مسلطاً على المرأة، وإنما شرع القوامة القائمة على الشورى، والتعاون والتفاهم، والتعاطف المستمر بين الزوج وزوجته، قال تعالى: "وَعَاشِرُوهُنَّ بالمعروف"[سورة النساء من الآية 19].

فالبيت مثله مثل أي مؤسسة أو شركة، لا بد لها من مدير يدير شؤون هذه المؤسسة بموجب نظام واضح والتزام بين، ولو أثبت هذا المدير أو هذا الولي في البيت عدم أهليته أو عدم قدرته، فإنه يغير، وكتب الفقهاء قد بسطت هذا الأمر و سطرته بشكل مفصل، و لا يعني هذا أبدا التسلط أو التحكم، بل هو إدارة محضة، ولو قلنا ليس له حق في الإدارة، سنظلم الرجل لو وضعناه في يد المرأة. و لو ألغيناه تماما لظلمنا الأسرة بكاملها و الحياة بأسرها، وهذا لا يستقيم فالإسلام جاء ليرعى مصالح العباد وشؤونهم.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى