يحمد من المنازلات ما يكون بين أصحاب الأقلام من نقاش هاديء أحيانا وقد يثور فيذهب إعصارا في أحيان أخرى؛ سجال حول مفردة بانت عن موضعها فشردت أو ملحة إعرابية تأولها متأول على وجه آخر.
تلك صورة مصغرة لما يظن بأنه نقد، لكن الدوي ما كان من نقائض شعرية بين الفرزدق والأخطل وجرير، إنك واجد صخبا وحوارا معرفيا يحرك النفوس وقد يهيجها في نزاع قبلي أو ديني.
وما تبتلى الثقافة والأدب بالخمول إلا إذا منع الرقيب أسنة الأقلام أن تتنافس وتتبارى.تلك كانت صورة الحياة الأدبية بين القصور والأسواق الصاخبة، يخمد شاعر أو ينبه فلا يسمع به إلا بعدما يأتيك بالأخبار من لم تزودي!
وما تطواف المتنبي بقصور الأمراء والملوك من فارس وحلب والقاهرة إلا بحث عن الذات يثبتها والمجد يتملكه.
أما في عصرنا الحديث فكانت المقاهي لا تحتاج ثريا أو وجيها يرعاها، من شاء جلس ومن مل انصرف هي المنتديات التي تبث الحياة في جمهورها وتنمي الذائقة؛ تيارات فكرية ونقاشات وملح ونوادر رواد الأدب وأعلامه، العقاد وصاحبيه ينالان من شوقي والقديم، الرافعي يضع طه حسين على السفود، نجيب محفوظ وقهوة متاتيا في وسط البلد ندوة أسبوعية؛ ولا يكتفي طه حسين بل يذهب بمقالاته حديث الأربعاء إلى الصحف والمجلات، أحمد حسن الزيات والرسالة التي أحيت السجال يشعله زكي مبارك.
ثم كان زمننا الذي ظهرت فيه الوسائط الرقمية بما أتاحته من معارف وثقافات، أتاحت للأدباء أن يتعارفوا متجاوزين الحدود كأنما هم في مقهى وسط البلد يتحاورون ويتناقشون؛ عرفنا أدب ماركيز وراوئعه؛ من منا ينكر أنه اقتنى الكتب المضغوطة؟
أو باموق الساحر حين بسرد في نفس طويل اسطنبول الجديدة؛ أو الكوني حين يسرقك إلى عالمه في الصحراء، لاينكر ذلك إلا مصاب بالكبر؛ نحن نتعامل مع الكتاب الالكتروني وإن فقد رائحة الحبر وعبق المكتبة المذهبة.
فها أنت قاريء الكريم تتابع ما خطه إصبعي بتلك النقرات المتتابعة على صفحة هاتفي الذكي أشبه بنقرات الدجاج حين يبحث في الأرض عن حب يلتقطه؛ حركة قد تبدو غير طبيعية لرجل ينزوي في ظلمة حجرته ويتغطى خشية البرد يعاني من أرق أو يبث البيت الحجري أناته؛ لكنه الآن يكتب ويتفاعل مع مفرداته وبشاركك فكرته؛ في مقهى اختياري تنعطف إليه فتجد ما يسليك أو تنصرف عنه ولم تصبك بعد منه مظنة اتهام أو جفوة اعتراض.
عالم رقمي يتيح لك التعرف على الآخر فسقط الحاجز المتوهم بين الشعوب ثقافة وفكرا؛ لا يجادل أحدنا في الكتاب المرقوم ولا الصحيفة الإلكترونية؛ كل ذلك بات تقنية مباحة ووسيلة منتشرة.
بات الجميع يكتب أو ينشر فتخلص الناس من عبء دور الطباعة ورهق المال.
فأنا من رواد ذلك المقهى؛ لا أنقطع عنه ولا أمل منه، أسرد قصة قصيرة أو أدون مقالة نقدية أو أحتد في نقاش؛ يستهويني كاتب فأتتبعه في أعماله أو أطلب صداقته، بات ذلك الجهاز الذي أحكم قبضتي عليه بحث شحيح ضاع في التراب خاتمه كما قال أبو الطيب.
في ذلك المقهى لا تجد موعدا تفرضه العوائق ولا تحوجك المسألة إلى طلب مال؛ تكتفي إن ألمت بك نازلة أن تنصرف وقد لا يشعر بك أحد؛ ربما كان المقهى ذلك في عالم افتراضي لا يشغل موضعا محددا لكنه بكل تأكيد يلف العالم كله يشتمل عليه.
يجدر بنا أن نجعل منه جامعة وإن كانت بلا مقاعد غير التقدير والاحترام، نطالع ما يخطه الآخرون وإن اختلفوا معنا فكرا وثقافة، في عالم يموج بالفوضى تكون الكلمة الراقية هي حجر البناء لما فيه خير بني آدم؛ يتعارفون فيما بينهم معرفة وفهما.
تلك صورة مصغرة لما يظن بأنه نقد، لكن الدوي ما كان من نقائض شعرية بين الفرزدق والأخطل وجرير، إنك واجد صخبا وحوارا معرفيا يحرك النفوس وقد يهيجها في نزاع قبلي أو ديني.
وما تبتلى الثقافة والأدب بالخمول إلا إذا منع الرقيب أسنة الأقلام أن تتنافس وتتبارى.تلك كانت صورة الحياة الأدبية بين القصور والأسواق الصاخبة، يخمد شاعر أو ينبه فلا يسمع به إلا بعدما يأتيك بالأخبار من لم تزودي!
وما تطواف المتنبي بقصور الأمراء والملوك من فارس وحلب والقاهرة إلا بحث عن الذات يثبتها والمجد يتملكه.
أما في عصرنا الحديث فكانت المقاهي لا تحتاج ثريا أو وجيها يرعاها، من شاء جلس ومن مل انصرف هي المنتديات التي تبث الحياة في جمهورها وتنمي الذائقة؛ تيارات فكرية ونقاشات وملح ونوادر رواد الأدب وأعلامه، العقاد وصاحبيه ينالان من شوقي والقديم، الرافعي يضع طه حسين على السفود، نجيب محفوظ وقهوة متاتيا في وسط البلد ندوة أسبوعية؛ ولا يكتفي طه حسين بل يذهب بمقالاته حديث الأربعاء إلى الصحف والمجلات، أحمد حسن الزيات والرسالة التي أحيت السجال يشعله زكي مبارك.
ثم كان زمننا الذي ظهرت فيه الوسائط الرقمية بما أتاحته من معارف وثقافات، أتاحت للأدباء أن يتعارفوا متجاوزين الحدود كأنما هم في مقهى وسط البلد يتحاورون ويتناقشون؛ عرفنا أدب ماركيز وراوئعه؛ من منا ينكر أنه اقتنى الكتب المضغوطة؟
أو باموق الساحر حين بسرد في نفس طويل اسطنبول الجديدة؛ أو الكوني حين يسرقك إلى عالمه في الصحراء، لاينكر ذلك إلا مصاب بالكبر؛ نحن نتعامل مع الكتاب الالكتروني وإن فقد رائحة الحبر وعبق المكتبة المذهبة.
فها أنت قاريء الكريم تتابع ما خطه إصبعي بتلك النقرات المتتابعة على صفحة هاتفي الذكي أشبه بنقرات الدجاج حين يبحث في الأرض عن حب يلتقطه؛ حركة قد تبدو غير طبيعية لرجل ينزوي في ظلمة حجرته ويتغطى خشية البرد يعاني من أرق أو يبث البيت الحجري أناته؛ لكنه الآن يكتب ويتفاعل مع مفرداته وبشاركك فكرته؛ في مقهى اختياري تنعطف إليه فتجد ما يسليك أو تنصرف عنه ولم تصبك بعد منه مظنة اتهام أو جفوة اعتراض.
عالم رقمي يتيح لك التعرف على الآخر فسقط الحاجز المتوهم بين الشعوب ثقافة وفكرا؛ لا يجادل أحدنا في الكتاب المرقوم ولا الصحيفة الإلكترونية؛ كل ذلك بات تقنية مباحة ووسيلة منتشرة.
بات الجميع يكتب أو ينشر فتخلص الناس من عبء دور الطباعة ورهق المال.
فأنا من رواد ذلك المقهى؛ لا أنقطع عنه ولا أمل منه، أسرد قصة قصيرة أو أدون مقالة نقدية أو أحتد في نقاش؛ يستهويني كاتب فأتتبعه في أعماله أو أطلب صداقته، بات ذلك الجهاز الذي أحكم قبضتي عليه بحث شحيح ضاع في التراب خاتمه كما قال أبو الطيب.
في ذلك المقهى لا تجد موعدا تفرضه العوائق ولا تحوجك المسألة إلى طلب مال؛ تكتفي إن ألمت بك نازلة أن تنصرف وقد لا يشعر بك أحد؛ ربما كان المقهى ذلك في عالم افتراضي لا يشغل موضعا محددا لكنه بكل تأكيد يلف العالم كله يشتمل عليه.
يجدر بنا أن نجعل منه جامعة وإن كانت بلا مقاعد غير التقدير والاحترام، نطالع ما يخطه الآخرون وإن اختلفوا معنا فكرا وثقافة، في عالم يموج بالفوضى تكون الكلمة الراقية هي حجر البناء لما فيه خير بني آدم؛ يتعارفون فيما بينهم معرفة وفهما.
