هذا هو المغرب سيد الأوقات وصائد الحكايات ، اللحظة الجوهرة ما بين الليل والنهار، لحظة سرية ما بين النور والظلام ، ارتحت فيها قليلا من تعب يوم كامل ، كنت أشعر بمزيج البهجة والحزن مع حالة مزاج موسيقية عالية وجدت أنها تملأ روحي، ومعها كلمات أعرفها تشبه وخزات سرد خفيفة ، وكنت أرى أرواحا حولي تتمشى في زماني ومكاني ، لكني أجّلتُ أحزاني وذاكرتي ، أجّلت غيضي وربيّت شجني مثل أرنب صغير، أجّلته وربيّته ، صار شجني حزنا عميقا وصار غيضي غصنا طويلا له ظل يغطي فناء بيتي ، صارت أشجاني وقهري مثل ريح خجولة لكنها غاضبة ، تريد أن تدور مثل امرأة تبحث عن حب مفقود .أجّلتُ شجني صغيرا وكتمته كبيرا مثل غيض مثل حلم، كتمته ومزجت معه بهجة تشبه فكرة ، قبضت عليها قرب رصيف مجهول مثل كمين حكاية ، حين خرجت في وقت ممتع كانت فيه شوارع حارتنا هادئة وقليلة النور.
كنت أمشي على رصيف الشارع الصغير، ذاهبا إلى المخبز القريب ثم إلى بقال جواره، وجدت على الرصيف المظلم فكرة صغيرة ضائعة ، كانت مثل قطة هائمة أو مثل فكرة قصة تائهة ، التقطتها فأصابتني بنشوة عالية، جعلتني أتحدث مع نفسي مثل فاقد . سألت صديقي الخباز عن أحواله، قال : سأبيع المخبز لهذا الأفغاني الذي أمامك وأغادر إلى وطني ، كان علي خالد يمسح عرق جبينه بفوطته الحمراء القديمة، وكان يحكي لي عن أولاده الذين يعيثون بؤسا وخرابا في شوارع وطنه ، وأنه يريد أن يجمعهم في قبر واحد , قلت له: ونحن أيضا نعيث في فوضى شوارعنا وحياتنا، نعاني بهجات مسروقة أو محرمة أهدرت أحلامنا .
ودعت علي وأخذت الخبز، ثم ملت على البقال، أخذت خبز وسجائر لليوم والغد وما بعد الغد، فربما تمنعني بهجتي الصغيرة من الخروج في الأيام القادمة، قال لي عامل البقال الباكستاني أجمل الزمان، هل تريد شيئا من البطحاء، قلت مثل ماذا يا أجمل، قال: أي شيء.. ثم غمز لي غمزه خفيفة، كانت مثل بهجتي الضالة أو المسروقة، قلت: شكرا يا أجمل الزمان، ودعته ومشيت إلى بيتي، وصلت سالما معافى، ومصحوبا بتلك الفرحة الصغيرة التي وجدتها في طريقي على الرصيف المظلم، كانت مثل قطة هائمة أو مثل فكرة قصة ضائعة.
في البيت مكثت مع بهجتي الصغيرة وقتا ثمينا، كتبت فيه فصلا من قصة طويلة غامضة ومظلمة ورطبة عن أرواح قريبة ميتة، أراها وهي تطل على روحي ثم تقترب وتتمشى في زماني ومكاني، وعن الإنسان المؤجل الذي في داخلي، وعن إنسان آخر فوضوي وغاضب يريد أن ينهض مكانه، كنت أقطر عرقا وكنت أشعر بتناقض عميق يهز وجداني، فهل وأنا الميت الذي أصابته الصدمات والصفعات باليأس مازلت أنا، أم أنني الغاضب الذي يريد أن يخرج كائنا سواهما. توقفت، قلت في نفسي وأنا أنظر في جدار بارد أمامي، لو كنت في مدينة أخرى وخرجت إلى البقال والخباز مشيا على الأقدام، ربما صادفت على الطريق رصيفا أخضر أو وجه حسن أو مقهى موسيقي الهوى وليس أرصفة مغبرة. طردت هذا الهاجس الذي أصابني بالملل وأنا أشعر أن قلبي صار مثل قطة ضالة تبكي في زاوية لها رائحة قديمة، قلت في نفسي: أن وقتي صار عادة خاملة وحياتي صارت مثل كيس خبز يابس أو تمر قديم تلمسه فينفجر في وجهك غباره.
سرحت في مكاني وكنت أرى أنني أنام في برية واسعة بعيدة وحولي منازل طين قديمة واطئة تنبعث منها موسيقا قديمة لها رائحة عميقة أعرفها كأني على وشك أن ألمسها، موسيقا من وحي قصائد شعر جاهلي، أو ضحكات سكارى ضالين، وأحيانا أرى أنهم قد بدأوا حروبهم، فتطأ نومي حوافر خيولهم الراكضة بلا دليل. وفي الصباح أجد روحي مضروبة وذاكرتي مثقوبة ومزاجي فاسد وحلقي محتقن وجسمي حار. قلت أرمم ذاتي المضروبة والموبوءة والمحتقنة مثلما رممت على مدى عقود وقتي الذي صار مثل عادة خاملة، وحياتي التي صارت مثل كيس الخبز.
لهذا قلت سأرمم وقتي المضروب بوخزة من ماء السماء وقبلها بتفاحة ثم حمام بارد، أنفض فيه كيس التمر المغبر، مشاريع موقتة للترميم قد تبدأ الآن، لكن قد يمتد التأجيل لحين يخف ثقل أطرافي ويعود لذاكرتي جزء من روحها المفقودة ، غبت في خدر لذيذ كنت فيه أتحدث بصوت عال مع جاري في مكان رمادي غامض ، قلت له أعذر انقطاعي عنك يا صديقي .. فأنا أنام باكرا وأصحو باكرا ، لكن فجأة رأيت بجانبي البنت تتحدث مع صديقتها ، كانت بجانبي وكانت تحرك يديها أحيانا ، وأنا أواصل حديثي مع جار صامت ، وفي لحظة غريبة لمست يدها جسدي، فتحركت أشياء متلذذة بتلك الحركة العفوية ، سألت نفسي أين رأيت هذا الوجه الجميل من قبل ، بحثت عن جاري لم أجده ، التفت فلم أجدها أيضا ، ولهذا قررت أن أبحث عنها ، أذكر أني رأيتها في سوق غير واضح المعالم الآن ذات خميس ، ربما أتذكر المحل الذي تذهب له عادة ، سأنتظرها هناك ، سأقول لها: أنت فكرتي التائهة ، سأشتكي لها وأقول أني حزين وأفقد شيئا من ذاتي ، سأقول أني أفتقدك دائما وأنني أتذكر لقاءات قديمة عابرة مختلسة وأذكر ضحكتك العفوية ، سأعترف لها أن أظافر الحارة اليابسة والباردة والخاملة ضغطت على أرواحنا، ضغطت كفان ناعمتان على وجنتين صحراويتين، فتفجر الرأس ماءً وأعشاباً ونخلاً وذكرياتٍ ولهواً ودوداً صغيراً ، وسأقول أنني ما زلت أراك تقفين هناك بعيدة عن العيون ، عندما التقينا وتحدثنا وقلت لك إنك لست المرأة الوحيدة في هذا العالم التي تبكي كثيراً، وتنام قليلاً ، لست المرأة الوحيدة الجميلة التي لا تمشط شعرها ولا تقلم أظافرها ولا تستمع إلى الموسيقى .
وفي آخر المساء وجدت أني أغني في الظلام دون بهجة، ومصحوبا بخوف شفيف، لم أكن أستطيع التخلص من تلك الحالة الموسيقية، لذلك قلت لها أريد أن أحبك هكذا بكل بساطة، بكلمات لم تقل حتى الآن، وبنار لم تشتعل حتى الآن، وبرسالة لم تصل من أحد، ثم أنني غنيّت بكلمات غامضة. الظلام يلف الغرفة، لا يهم إذا كان الظلام ظلامي أو ظلام الأغنية أو ظلام الخوف القديم الذي يربض في صدري. لكن الحجرة، هكذا بلا مقدمات، سقطت بجدرانها الو رقية على كلمات الأغنية، في مشهد سينمائي مؤثر، وأنا استسلمت لنوم أبدي، موت مبكر، محروماً من كل ذكرياتي، ومنذ ذلك الوقت تركت عادة الغناء في الظلام. قررت الإفصاح عن مشاعري دائماً في الهواء الطلق، بطريقة سلمية، أمام الناس، حتى لا أموت مرة أخرى ميتة مجانية، بلا جماهير، فلماذا أحبس أنفاسي وخوفي في صدري، وأنا أشعر أن الكرة الأرضية، تسكن في صدري.
كنت أمشي على رصيف الشارع الصغير، ذاهبا إلى المخبز القريب ثم إلى بقال جواره، وجدت على الرصيف المظلم فكرة صغيرة ضائعة ، كانت مثل قطة هائمة أو مثل فكرة قصة تائهة ، التقطتها فأصابتني بنشوة عالية، جعلتني أتحدث مع نفسي مثل فاقد . سألت صديقي الخباز عن أحواله، قال : سأبيع المخبز لهذا الأفغاني الذي أمامك وأغادر إلى وطني ، كان علي خالد يمسح عرق جبينه بفوطته الحمراء القديمة، وكان يحكي لي عن أولاده الذين يعيثون بؤسا وخرابا في شوارع وطنه ، وأنه يريد أن يجمعهم في قبر واحد , قلت له: ونحن أيضا نعيث في فوضى شوارعنا وحياتنا، نعاني بهجات مسروقة أو محرمة أهدرت أحلامنا .
ودعت علي وأخذت الخبز، ثم ملت على البقال، أخذت خبز وسجائر لليوم والغد وما بعد الغد، فربما تمنعني بهجتي الصغيرة من الخروج في الأيام القادمة، قال لي عامل البقال الباكستاني أجمل الزمان، هل تريد شيئا من البطحاء، قلت مثل ماذا يا أجمل، قال: أي شيء.. ثم غمز لي غمزه خفيفة، كانت مثل بهجتي الضالة أو المسروقة، قلت: شكرا يا أجمل الزمان، ودعته ومشيت إلى بيتي، وصلت سالما معافى، ومصحوبا بتلك الفرحة الصغيرة التي وجدتها في طريقي على الرصيف المظلم، كانت مثل قطة هائمة أو مثل فكرة قصة ضائعة.
في البيت مكثت مع بهجتي الصغيرة وقتا ثمينا، كتبت فيه فصلا من قصة طويلة غامضة ومظلمة ورطبة عن أرواح قريبة ميتة، أراها وهي تطل على روحي ثم تقترب وتتمشى في زماني ومكاني، وعن الإنسان المؤجل الذي في داخلي، وعن إنسان آخر فوضوي وغاضب يريد أن ينهض مكانه، كنت أقطر عرقا وكنت أشعر بتناقض عميق يهز وجداني، فهل وأنا الميت الذي أصابته الصدمات والصفعات باليأس مازلت أنا، أم أنني الغاضب الذي يريد أن يخرج كائنا سواهما. توقفت، قلت في نفسي وأنا أنظر في جدار بارد أمامي، لو كنت في مدينة أخرى وخرجت إلى البقال والخباز مشيا على الأقدام، ربما صادفت على الطريق رصيفا أخضر أو وجه حسن أو مقهى موسيقي الهوى وليس أرصفة مغبرة. طردت هذا الهاجس الذي أصابني بالملل وأنا أشعر أن قلبي صار مثل قطة ضالة تبكي في زاوية لها رائحة قديمة، قلت في نفسي: أن وقتي صار عادة خاملة وحياتي صارت مثل كيس خبز يابس أو تمر قديم تلمسه فينفجر في وجهك غباره.
سرحت في مكاني وكنت أرى أنني أنام في برية واسعة بعيدة وحولي منازل طين قديمة واطئة تنبعث منها موسيقا قديمة لها رائحة عميقة أعرفها كأني على وشك أن ألمسها، موسيقا من وحي قصائد شعر جاهلي، أو ضحكات سكارى ضالين، وأحيانا أرى أنهم قد بدأوا حروبهم، فتطأ نومي حوافر خيولهم الراكضة بلا دليل. وفي الصباح أجد روحي مضروبة وذاكرتي مثقوبة ومزاجي فاسد وحلقي محتقن وجسمي حار. قلت أرمم ذاتي المضروبة والموبوءة والمحتقنة مثلما رممت على مدى عقود وقتي الذي صار مثل عادة خاملة، وحياتي التي صارت مثل كيس الخبز.
لهذا قلت سأرمم وقتي المضروب بوخزة من ماء السماء وقبلها بتفاحة ثم حمام بارد، أنفض فيه كيس التمر المغبر، مشاريع موقتة للترميم قد تبدأ الآن، لكن قد يمتد التأجيل لحين يخف ثقل أطرافي ويعود لذاكرتي جزء من روحها المفقودة ، غبت في خدر لذيذ كنت فيه أتحدث بصوت عال مع جاري في مكان رمادي غامض ، قلت له أعذر انقطاعي عنك يا صديقي .. فأنا أنام باكرا وأصحو باكرا ، لكن فجأة رأيت بجانبي البنت تتحدث مع صديقتها ، كانت بجانبي وكانت تحرك يديها أحيانا ، وأنا أواصل حديثي مع جار صامت ، وفي لحظة غريبة لمست يدها جسدي، فتحركت أشياء متلذذة بتلك الحركة العفوية ، سألت نفسي أين رأيت هذا الوجه الجميل من قبل ، بحثت عن جاري لم أجده ، التفت فلم أجدها أيضا ، ولهذا قررت أن أبحث عنها ، أذكر أني رأيتها في سوق غير واضح المعالم الآن ذات خميس ، ربما أتذكر المحل الذي تذهب له عادة ، سأنتظرها هناك ، سأقول لها: أنت فكرتي التائهة ، سأشتكي لها وأقول أني حزين وأفقد شيئا من ذاتي ، سأقول أني أفتقدك دائما وأنني أتذكر لقاءات قديمة عابرة مختلسة وأذكر ضحكتك العفوية ، سأعترف لها أن أظافر الحارة اليابسة والباردة والخاملة ضغطت على أرواحنا، ضغطت كفان ناعمتان على وجنتين صحراويتين، فتفجر الرأس ماءً وأعشاباً ونخلاً وذكرياتٍ ولهواً ودوداً صغيراً ، وسأقول أنني ما زلت أراك تقفين هناك بعيدة عن العيون ، عندما التقينا وتحدثنا وقلت لك إنك لست المرأة الوحيدة في هذا العالم التي تبكي كثيراً، وتنام قليلاً ، لست المرأة الوحيدة الجميلة التي لا تمشط شعرها ولا تقلم أظافرها ولا تستمع إلى الموسيقى .
وفي آخر المساء وجدت أني أغني في الظلام دون بهجة، ومصحوبا بخوف شفيف، لم أكن أستطيع التخلص من تلك الحالة الموسيقية، لذلك قلت لها أريد أن أحبك هكذا بكل بساطة، بكلمات لم تقل حتى الآن، وبنار لم تشتعل حتى الآن، وبرسالة لم تصل من أحد، ثم أنني غنيّت بكلمات غامضة. الظلام يلف الغرفة، لا يهم إذا كان الظلام ظلامي أو ظلام الأغنية أو ظلام الخوف القديم الذي يربض في صدري. لكن الحجرة، هكذا بلا مقدمات، سقطت بجدرانها الو رقية على كلمات الأغنية، في مشهد سينمائي مؤثر، وأنا استسلمت لنوم أبدي، موت مبكر، محروماً من كل ذكرياتي، ومنذ ذلك الوقت تركت عادة الغناء في الظلام. قررت الإفصاح عن مشاعري دائماً في الهواء الطلق، بطريقة سلمية، أمام الناس، حتى لا أموت مرة أخرى ميتة مجانية، بلا جماهير، فلماذا أحبس أنفاسي وخوفي في صدري، وأنا أشعر أن الكرة الأرضية، تسكن في صدري.