فهد العتيق - ليلة حرب خفيفة.. قصة قصيرة

قبل أن أذهب إلى النوم في تلك الليلة الغريبة كانت قنوات الفضاء تبعث رائحة حرب تحرير الكويت ، أغلقت هذا الجهاز وأنا أشعر بشيء جديد يسري مع الدم في عروقي. في الطريق إلى النوم كنت حزينا ومبعثرا ، وقفت أتأمل وجهي في المرآة على جانب من سرير النوم. كنت أتوقع بعبث أن صاروخاً تائها عن دربه سوف يخترق جدار الغرفة خلفي ثم يستقر في ظهري، ارتعب جسدي ثم مال قليلا على إثر هذا الشعور المباغت، ورأيت أنني أخفي ضحكاً مكتوماً على ما يحدث في الخارج، لكنني ظللت مستمتعاً بفكرة ذلك الصاروخ الضائع .
كان في وجهي ملامح جديدة لم أرها منذ زمن طويل، وبدوت كما لو أنني بهذه النظرات الجديدة أصغر سناً وأكثر بهجة أو ربما كليهما، مع خوف جديد يكشف روحا جديدة . قلت إن هذا ليس وقت النوم . وضعت أبريق الماء على النار، مكثت جواره أتأمل بخاره المتصاعد، أو أتأمل النافذة الصغيرة التي تصلني من فتحات شبكها أصوات مختلطة للجيران، رجالاً ونساء وأطفالا يبدو أنهم في مهمات صعبة . إما يحدثون بعضهم بعضا أو يحدثون أقرباء لهم عن طريق الهاتف، وتشعر بالخوف يصدر من أفواههم مع الكلمات. أغلب الناس هربوا الى قراهم أو الى المدن والقرى المجاورة . لكني ظللت في الرياض مستمتعا بالهدوء والشوارع الخالية والظلام والدوام الخفيف في الوظيفة . أشعر أن كل شيء في حياتنا صار خفيفا ومحتملا ويدعو للتأمل . حتى صفارات الإنذار لا تعرف معها هل تخاف أو تهرب أو تضحك . أو ترتكب كل هذه الأشياء مجتمعة .
خرجت إلى الصالة مصحوباً بالدوار والخوف الممتع المثير وكأس من الشاي. كان الجو بارداً وممطراً، ومن النافذة الواسعة تأتي رائحة الهواء كأنها ممزوجة برائحة الرصاص أو البارود أو الزيت أو الفحم، للمرة الأولى منذ وقت طويل لا أعرفه، ربما منذ الطفولة يعتريني شعور خفيف وغامض ومبهج ومثير للخوف، للمرة الأولى منذ وقت طويل لم أشعر بشيء من هذا ، شيء من الإثارة التي تعمق المشاعر وتجعلك تحس بوجودك على نحو مرعب، حين تتوقع أن يحدث تصادماً تكنولوجياً بعد قليل فوق رأسك، ولا تعرف أين سوف يقع هذا التصادم، مرت سنوات طويلة كانت المشاعر فيها مسطحة والرؤية للأشياء محايدة، والأحداث المتباعدة التي تحيط بك غير مهمة وغير مثيرة، كان لكأس الشاي طعم مختلف ورائحة دخان جديدة، قلت إن كل شيء أصبح مختلفاً حتى سلوك البشر الذين أصبحوا الآن أكثر رقة وأكثر أنانية، فهل يفعل الخوف كل هذا، أن تكون أنانياً ورقيقاً في وقت واحد.
في الطريق إلى النوم عبرت شوارع كثيرة، وقابلت وجوهاً كثيرة، وحادثت أناسا كثيرين كانوا يجلسون على عتبات أبواب بيوتهم وهم ينظرون في السماء. في الطريق إلى النوم اشتعلت الذاكرة ثم تحولت بعد النوم الى حكايات خفيفة ومتداخلة لها طعم الرصاص، دون بداية أو نهاية ودون معنى واضح .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى