فهد العتيق - أظافر صغيرة وناعمة ..



أظافر صغيرة وناعمة
قصة قصيرة . فهد العتيق


مهموم بنفسك والوقت والناس والحياة ، وطابور من الأطفال ذوي القامات القصيرة جداً والأجساد النحيلة كقردة جميلة ، مهموم بأبيك الذي في الشوارع مثل طير منتوف الريش، يركض بكل ما يستطيع من أحلام قديمة ، مهموم بتاريخك منذ الأزل ، بالبحر الذي لم تره ، وبامرأة تراها كثيراً في ساعات نومك الطويلة ، توقظك في نهايات الليالي، تتلو على رأسك سور الحلم والفرح والتحليق فتستعيذ بالله من شر فتنتها ومن شر بكائها العذب على صدرك المسترخي حد موت الأعصاب الباردة ، مرعوب من الوقت منذ أحنيت رأسك ، وكنت ترى طفلاً صغيراً مقموعاً يريد أن يستيقظ من سبات طويل، هذا الطفل تراه جيداً يركض في الشوارع والحارات ، ويكتب على الجدران أسماء الأصدقاء. يبني بيوتا من تراب ، يركض في كل حارات المدينة ، يسهر الليالي الطويلة فرحا برائحة الوقت اللذيذ والرقص والنساء ، وعندما يستوي لينام تقبض عليه بيديك الاثنتين، تحدق في وجهه جيداً ، وعينيه المشاكستين ، تتحسس أظافر يديه ، إنها تقتلك ، توقظك في الليل من أجل أن تمارس عليك طقوسها فتثور ، وفي النهار تحني رأسك للأشياء.
تفيق على وجه كظيم وقنوط ، وأظافر قصيرة لطفل كبير يبعثر الأسئلة واللعنات ، ثم تتذكر بكاء أمك ، وخوف أبيك ، أبوك الذي في الشوارع وأظافرك والأطفال وعيون تبحلق باستحياء في أظافر ناعمة .. ناعمة.
في الضحى تدخل ظلام الحجرة المستحيلة التي تعبق برائحة اليانسون والحلبة والليمون والنساء المريضات ، تجلس على حافة السرير الأبيض تتأمل ووجهها المريض، يد منثورة في اتساع السرير ويد على صدر الصغير ، الذي قدم تواً ، تقبل رأسها ، ثم تفتح لفافة الصغير ، تفيق أمه على صوتك ، وأنت بصمت مريب تفتح اللفافة ، تكشف لك قطعة لحم حمراء ساخنة بداخلها عيون صغيرة تتأمل المكان ، تخرج الكفين الأحمرين ، تنظر إليهما ، ترفعهما براحتك ، تنظر في أظافرهما ، تبتسم ، تلف الجسد مرة أخرى ، تعيد أعضاءه إلى مكانها ثم تبادل أمه نظرة وامضة ، وتخرج فرحاً كأنك ترقص ، تدخل ظلام الغرفة القديمة ، ترفع كفيك وترى في أظافرك شكلاً لأبيك الذي في الممرات البعيدة ، أبوك الذي في الحارات والشوارع القديمة يحني رأسه وتاريخه للأشياء .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى