في برودة الحجرة الدراسية المكتظة بالأطفال، الرؤوس المسترخية على الكراسي الخشبية تبدو على وجوهها ملامح كسل صريح ، ورغبات عميقة في النوم، تختبئ خلف ستار ثـقيل من الخوف والحزن .
جدران الحجرة صفراء يتساقط جيرها من آثار المطر، ومن السقف تنزل خطوط حمراء لطين جف منذ زمن، وفي الزوايا تبرز شروخ سوداء كأنما هي أنهار جارية على كف أرض رطبة، وبين الزوايا الأنهار، في مساحات الجدران الصفراء ، تقرأ تواريخ وذكريات وكتابات متقاطعة ، وترى رسومات لوجوه مشوهة .
صباح غانم يميل إلى الظلام , يذكر بأيام الأمطار وأصوات الرعود وسقوط البيوت, والهواء البارد يدخل من نافذة الفصل ، يحرك مشاعر الأطفال أو يؤذي أجسادهم الضعيفة .
يدخل الأستاذ، يسرع إلى اللوح الأسود ويكتب في الزاوية اليمنى العليا :
المادة : تربية فنية .
الموضوع : اختياري.
وبعمق الفهم بنزق الطفولة ورغبات الصغار في الحركة الشقية، رأى الأستاذ أن يضرب بيده على مكتبه الخشبي بضربة مدوية، وفعلها فورا، فاهتز نعاس الصغار، وأيقظ الصوت فيهم من جديد تلك المشاعر المتربعة في صدورهم منذ زمن بالخوف.
يرفع الأستاذ يده من سطح الطاولة ويطلب من كل واحد أن يرسم في كراسه ما يشاء، وأن يستخدم من الألوان ما يشاء وأنه أخيراً لا يريد أن يسمع صوتا. ثم رمى جسده على كرسيه وأغمض عينيه على نومه صريحة.
كان الهواء البارد القادم من النافذة يلفح وجهه ، ليبدو السيد مدرس المادة أكثر قدرة على الإحساس بلذة الاسترخاء والشعور بها بعمق، يأتي التيار سريعا، يطعن وجهه وكامل جسده فينام , بينما تراود كل الأطفال رغبة ليست أقل من رغبة أستاذهم في أن يغمضوا أجفانهم الصغيرة , متمتعين بهذا التيار البارد ومستريحين من تعب الحارة والركض الطويل . وبعد دقائق . راح الفصل بكامل نجومه في نومة جميلة، ما عدا طفل صغير مازالت عيونه اللامعة تبحلق في المكان بتوجس مريب.
خالد طفل شقي .. وفنان ، ولكنه يكره النوم.
ينام كل يوم أربع ساعات فقط , ويقضى بقية يومه في حماس سخي يبلغ ذروته في الصباحات المدرسية، خالد يكره النوم ويكره أن يرى النعاس المسيطر دائماً على وجوه زملائه ، وعلى المحيا الغامض لأستاذه ، وفكر في هذه اللحظة أنه يتعين عليه فعل شيء .
نهض خالد من كرسه بهدوء ، يختلس الخطوات إلى لوح الفصل ، في مشية صغيرة ، حذرة وحلوة لا يملكها إلا هو ، تناول إصبع اللون الطباشيري الأبيض ، وكتب على اللوحة بخط عريض : خالد طالب مجد , ثم التفت إلى الفصل وعجب بفرحة غامرة كيف أن الجميع لم يشعروا به ، وأخذته نشوة الإحساس بالوحدة والحرية إلى ما لا نهاية ، التفت إلى أستاذه فرأى وجها مدورا ، عيناه مسبلتان على نومة واضحة, وعاد ثانية إلى اللوح تتلألأ عيناه ببريق الفرحة الموصولة التي يكتمها في صدره , منذ أحس في البدء أن الجو موات ليمارس على لوح الفصل ما يشاء , مسح ما كتبه ورسم شكلاً لأستاذه النائم جواره كما بدت له هيئته المثيرة للشفقة ، وجه مدور وجسد أخذ شكل الرقم 2 ، وكتب خالد أسفل الشكل، وهو يكتم ضحكة متسلطة : مدرس الرسم . ثم عاد إلى كرسيه مبهوراً بإنجازه وهو يعقد عزمه على نقل ما رسمه إلى كراسته.
يفيق الأستاذ بكسل على صوت جرس الحصة ، ينظر إلى وجوه طلابه فلا يرى إلا ظلالاً وأخيلة فيحس أنه لا يملك القدرة على تمييز وجوههم ، ويوقن تماما أنه أكثر تعباً مما يظن . يقف متثاقلاً ، يلتفت إلى لوح الفصل ، يتأمل الوجه المرسوم ببراءة , فيخيل إليه أنه رأى هذا الوجه من قبل ، يعرك عينيه بيديه ، يأمر عريف الفصل بجمع الكراريس الخاوية ، يستلمها منه ويخرج مصحوباً بالغموض.
جدران الحجرة صفراء يتساقط جيرها من آثار المطر، ومن السقف تنزل خطوط حمراء لطين جف منذ زمن، وفي الزوايا تبرز شروخ سوداء كأنما هي أنهار جارية على كف أرض رطبة، وبين الزوايا الأنهار، في مساحات الجدران الصفراء ، تقرأ تواريخ وذكريات وكتابات متقاطعة ، وترى رسومات لوجوه مشوهة .
صباح غانم يميل إلى الظلام , يذكر بأيام الأمطار وأصوات الرعود وسقوط البيوت, والهواء البارد يدخل من نافذة الفصل ، يحرك مشاعر الأطفال أو يؤذي أجسادهم الضعيفة .
يدخل الأستاذ، يسرع إلى اللوح الأسود ويكتب في الزاوية اليمنى العليا :
المادة : تربية فنية .
الموضوع : اختياري.
وبعمق الفهم بنزق الطفولة ورغبات الصغار في الحركة الشقية، رأى الأستاذ أن يضرب بيده على مكتبه الخشبي بضربة مدوية، وفعلها فورا، فاهتز نعاس الصغار، وأيقظ الصوت فيهم من جديد تلك المشاعر المتربعة في صدورهم منذ زمن بالخوف.
يرفع الأستاذ يده من سطح الطاولة ويطلب من كل واحد أن يرسم في كراسه ما يشاء، وأن يستخدم من الألوان ما يشاء وأنه أخيراً لا يريد أن يسمع صوتا. ثم رمى جسده على كرسيه وأغمض عينيه على نومه صريحة.
كان الهواء البارد القادم من النافذة يلفح وجهه ، ليبدو السيد مدرس المادة أكثر قدرة على الإحساس بلذة الاسترخاء والشعور بها بعمق، يأتي التيار سريعا، يطعن وجهه وكامل جسده فينام , بينما تراود كل الأطفال رغبة ليست أقل من رغبة أستاذهم في أن يغمضوا أجفانهم الصغيرة , متمتعين بهذا التيار البارد ومستريحين من تعب الحارة والركض الطويل . وبعد دقائق . راح الفصل بكامل نجومه في نومة جميلة، ما عدا طفل صغير مازالت عيونه اللامعة تبحلق في المكان بتوجس مريب.
خالد طفل شقي .. وفنان ، ولكنه يكره النوم.
ينام كل يوم أربع ساعات فقط , ويقضى بقية يومه في حماس سخي يبلغ ذروته في الصباحات المدرسية، خالد يكره النوم ويكره أن يرى النعاس المسيطر دائماً على وجوه زملائه ، وعلى المحيا الغامض لأستاذه ، وفكر في هذه اللحظة أنه يتعين عليه فعل شيء .
نهض خالد من كرسه بهدوء ، يختلس الخطوات إلى لوح الفصل ، في مشية صغيرة ، حذرة وحلوة لا يملكها إلا هو ، تناول إصبع اللون الطباشيري الأبيض ، وكتب على اللوحة بخط عريض : خالد طالب مجد , ثم التفت إلى الفصل وعجب بفرحة غامرة كيف أن الجميع لم يشعروا به ، وأخذته نشوة الإحساس بالوحدة والحرية إلى ما لا نهاية ، التفت إلى أستاذه فرأى وجها مدورا ، عيناه مسبلتان على نومة واضحة, وعاد ثانية إلى اللوح تتلألأ عيناه ببريق الفرحة الموصولة التي يكتمها في صدره , منذ أحس في البدء أن الجو موات ليمارس على لوح الفصل ما يشاء , مسح ما كتبه ورسم شكلاً لأستاذه النائم جواره كما بدت له هيئته المثيرة للشفقة ، وجه مدور وجسد أخذ شكل الرقم 2 ، وكتب خالد أسفل الشكل، وهو يكتم ضحكة متسلطة : مدرس الرسم . ثم عاد إلى كرسيه مبهوراً بإنجازه وهو يعقد عزمه على نقل ما رسمه إلى كراسته.
يفيق الأستاذ بكسل على صوت جرس الحصة ، ينظر إلى وجوه طلابه فلا يرى إلا ظلالاً وأخيلة فيحس أنه لا يملك القدرة على تمييز وجوههم ، ويوقن تماما أنه أكثر تعباً مما يظن . يقف متثاقلاً ، يلتفت إلى لوح الفصل ، يتأمل الوجه المرسوم ببراءة , فيخيل إليه أنه رأى هذا الوجه من قبل ، يعرك عينيه بيديه ، يأمر عريف الفصل بجمع الكراريس الخاوية ، يستلمها منه ويخرج مصحوباً بالغموض.