نهضت في التاسعة صباحاً وذهبت إلى دورة المياه ، اغتسلت وعدت إلى فراشي، كنت على وشك الدخول في اللحاف الدافئ حين رأيت يدا بجانبي تمتد نحوي وهى تحمل ورقة بيضاء ، مددت يدي وتناولت الورقة لأقرأ : نحن مكتب الحقوق المدنية نطلب منك أن تحضر أمام السيد مدير المكتب في العاشرة صباحا .
الآن بقى ساعة على موعد الإذعان أمام مدير مكتب الحقوق ، وربما يتوجب عليّ أن أذعن حتى لا يزداد الأمر سوءاً ، نهضت وتناولت إفطاراً سريعاً، ثم خرجت إلى مكتب الحكومة ، دخلت المبنى بنشوة غريبة ، رسمية وجادة ، فبقدر ما يصيبني الملل في مثل هذه الأماكن، بقدر ما تجدني مذعناً بشكل مضحك، فأنا دائماً هنا أتحدث بصوت جديد، غريب ومرتفع قليلاً ويضحك ، ربما لإحساسي بأن عليّ أن لا أذعن لهم بشكل جاد ، وصلت المكتب ودخلت، جلست على يسار مدير المكتب الذي لم يهتم لدخولي ، وبدأت أشرح له كيف أني صحوت أصلاً لأذهب إلى الحمّام وأني فوجئت بيد تسلمني ورقة المكتب ...
ثم انتبهت فجأة الى وجود جاري يجلس مقابلا لي على يمين مدير المكتب ، نهضت بسرعة ، شددت على يده وأنا أضحك ، سألته: وأنت أيضاً طلبوا منك أن تذعن ، ابتعد بوجهه عني ،عدت إلى الكرسي مهزوماً ، ليسألني المدير فجأة:
أنت صاحب سرب الحمام الذي يحلق في الحارة .
- نعم .. لكن ما علاقة ..
الحمام الذي يطير في فضاء الحارة ...
- نعم
وفجأة تحدث جارى بصوت مرتفع قليلاً كما لو أنه يخطب:
أيها المدير:
لقد امتلأ سطح منزلي بالحجارة و هذا الرجل غارق في جنونه المتصل منذ سنين وأنا أريد حلاً عاجلاً ..
أدركت أن جارى هو غريمي ، ورنت كلمة جنونه في أذني بقوة كأنها صفعة فنهضت وقلت له: اخرس ..
كنت أريد أن أقول له أن عليه أن يحترم المكان على الأقل .
ولكن مدير المكتب تدخل بسرعة وسألني:
- جارك يدعى أنك ملأت سطح منزله بالحجارة وأنك تطارد حمامك في الفضاء بشكل مزعج للجميع.
- ليس صحيحا على الإطلاق.
- وأنك تتراجم مع أطفاله بالحجارة وأصبت أحدهم في رأسه.
- يا عزيزي : انهم ليسوا أطفالا أنهم شياطين صغار مثل والدهم.
رأيت جارى ينتفض ويقف بسرعة فأومأ له المدير بحركة غامضة ، كانت إيماءة مريبة جعلتني أشعر أن بينهما اتفاق ما ، ملأني شعور بالضآلة أمامهما.
قال المدير لي:
- هذا الحمام عندما يحلق في الفضاء بشكله الجميل ، يغري بعض الصغار لملاحقته أما بعيونهم السوداء الصغيرة أو بحجارتهم.
وأضاف الجار:
- وهم أطفال في نهاية الأمر ..
ثم ضحك بسخرية وكرر.
- مجرد أطفال.
قلت للمسئول:
- لفظة يلاحقونه ليست دقيقة حضرة المدير ، قل يطاردونه بأحجارهم الكبيرة التي ملأت بيتي وأفزعت أطفالي.
قال المدير :
- طبعاً . أنت تصرف على هذا الحمام.
- تبادل منفعة .
- وهو يتلقى أوامرك.
- ليس دائماً.
- أسمع ..
- نعم سعادة مدير الحقوق المدنية , أنا معك ، أنا جئت هنا لكي أذعن كما جاء في خطابكم الموقر، ونحن في آخر الأمر مواطنون مذعنون بشكل أو بآخر كما أن ...
وقاطعني المسئول:
- عندما يطارد الأطفال حمامك بالحجارة وتتأذى أنت ويتأذى جارك تكون أنت المسئول.
قلت : ليس بالضرورة.
قال : أليس الحمام يخصك وحدك .
قلت : ولكنه في نهاية الأمر مجرد حمام لا يستحق منكم ، ثم أن أطفال هذا الرجل يقصدون الإساءة لي بشكل مستمر ، لقد كانوا يجمعون أطفال الحارة في سطح منزلهم لملاحقة الحمام ، حتى وهو بعد راقد في أعشاشه ، و أنا وجدت أن المسالة بدأت تأخذ شكل الحرب ، قلت أنني لست ضعيفاً إلى حد الصمت على الإهانة ، وبدأت أبادلهم الرجم ، اعترف لك بهذا ، لأنني لا أكذب وأتمنى أن تصدهم عني ، لأنهم بدأوا في الأيام الأخيرة يستخدمون النبال الصغيرة ، وأنا الآن أعلن إذعاني أمامكم لكي أحصل على حقي.
- حقك في ماذا ؟
- هذا الرجل الجالس أمامي ، عصر أمس، كان يجلس أمام بابه ويضحك.
- وهل كنت تنتظر أن يبكى.
- كنت أنتظر أن يرمى الحجارة مع أطفاله ، لأني كنت أشاهده يصنع لهم النبال الصغيرة التي أثارت رعب أهل بيتي.
- أنت تتحدث كما لو انهم يقصفونك بالقنابل.
- أجل كما لو أنهم كذلك لان الحـجارة تتساقـط على سطح منزلي وتحدث دوياً هائلاً.
وربما غداً تسقط على سطح مكتبكم الجميل هذا.
- اسمع ..
- نعم ..
- نحن مكتب الحقوق المدنية ، نرى أن عليك بيع الحمام ، ثم يلتفت إلى جارى.
- وعليك أنت إيقاف أطفالك عن رجم الحجارة.
وأضاف لنا جميعاً:
كل هذا من أجل سلامة الحارة ، وسوف نحقق في الأمر بعد أسبوع .
تدخلت في شأن قرار المكتب ، قلت للمدير المسئول أن هذا سيكلفني كثيراً ، وقلت له أن سكان الحارات الأخرى يطيرون حمامهم بحرية وأن جاري هذا الجالس أمامي سبق أن عرض علي شراء حمامي ، وأنه من أجل هذا ......
قاطعني مدير المكتب :
- عليك تنفيذ الأمر فوراً وتوقيع هذا التعهد.
وقعت التعهد وخرجت:
دخلت بيتي زرت دورة المياه ، اغتسلت وعدت إلى نومي مرة أخرى ، ورأيت فيما يرى النائم ولم أكن بنائم ، أني أبيع الحمام الجميل ، وكنت أرى جاري وأطفاله , ومدير مكتب الحقوق على سطح بيت جاري ، يبنون الأعشاش ويطيرون حماماً جميلاً في فضاء الحارة ، يومئون له بالبيارق الحمراء .. و .. كانوا يتضاحكون في وجهي.
الآن بقى ساعة على موعد الإذعان أمام مدير مكتب الحقوق ، وربما يتوجب عليّ أن أذعن حتى لا يزداد الأمر سوءاً ، نهضت وتناولت إفطاراً سريعاً، ثم خرجت إلى مكتب الحكومة ، دخلت المبنى بنشوة غريبة ، رسمية وجادة ، فبقدر ما يصيبني الملل في مثل هذه الأماكن، بقدر ما تجدني مذعناً بشكل مضحك، فأنا دائماً هنا أتحدث بصوت جديد، غريب ومرتفع قليلاً ويضحك ، ربما لإحساسي بأن عليّ أن لا أذعن لهم بشكل جاد ، وصلت المكتب ودخلت، جلست على يسار مدير المكتب الذي لم يهتم لدخولي ، وبدأت أشرح له كيف أني صحوت أصلاً لأذهب إلى الحمّام وأني فوجئت بيد تسلمني ورقة المكتب ...
ثم انتبهت فجأة الى وجود جاري يجلس مقابلا لي على يمين مدير المكتب ، نهضت بسرعة ، شددت على يده وأنا أضحك ، سألته: وأنت أيضاً طلبوا منك أن تذعن ، ابتعد بوجهه عني ،عدت إلى الكرسي مهزوماً ، ليسألني المدير فجأة:
أنت صاحب سرب الحمام الذي يحلق في الحارة .
- نعم .. لكن ما علاقة ..
الحمام الذي يطير في فضاء الحارة ...
- نعم
وفجأة تحدث جارى بصوت مرتفع قليلاً كما لو أنه يخطب:
أيها المدير:
لقد امتلأ سطح منزلي بالحجارة و هذا الرجل غارق في جنونه المتصل منذ سنين وأنا أريد حلاً عاجلاً ..
أدركت أن جارى هو غريمي ، ورنت كلمة جنونه في أذني بقوة كأنها صفعة فنهضت وقلت له: اخرس ..
كنت أريد أن أقول له أن عليه أن يحترم المكان على الأقل .
ولكن مدير المكتب تدخل بسرعة وسألني:
- جارك يدعى أنك ملأت سطح منزله بالحجارة وأنك تطارد حمامك في الفضاء بشكل مزعج للجميع.
- ليس صحيحا على الإطلاق.
- وأنك تتراجم مع أطفاله بالحجارة وأصبت أحدهم في رأسه.
- يا عزيزي : انهم ليسوا أطفالا أنهم شياطين صغار مثل والدهم.
رأيت جارى ينتفض ويقف بسرعة فأومأ له المدير بحركة غامضة ، كانت إيماءة مريبة جعلتني أشعر أن بينهما اتفاق ما ، ملأني شعور بالضآلة أمامهما.
قال المدير لي:
- هذا الحمام عندما يحلق في الفضاء بشكله الجميل ، يغري بعض الصغار لملاحقته أما بعيونهم السوداء الصغيرة أو بحجارتهم.
وأضاف الجار:
- وهم أطفال في نهاية الأمر ..
ثم ضحك بسخرية وكرر.
- مجرد أطفال.
قلت للمسئول:
- لفظة يلاحقونه ليست دقيقة حضرة المدير ، قل يطاردونه بأحجارهم الكبيرة التي ملأت بيتي وأفزعت أطفالي.
قال المدير :
- طبعاً . أنت تصرف على هذا الحمام.
- تبادل منفعة .
- وهو يتلقى أوامرك.
- ليس دائماً.
- أسمع ..
- نعم سعادة مدير الحقوق المدنية , أنا معك ، أنا جئت هنا لكي أذعن كما جاء في خطابكم الموقر، ونحن في آخر الأمر مواطنون مذعنون بشكل أو بآخر كما أن ...
وقاطعني المسئول:
- عندما يطارد الأطفال حمامك بالحجارة وتتأذى أنت ويتأذى جارك تكون أنت المسئول.
قلت : ليس بالضرورة.
قال : أليس الحمام يخصك وحدك .
قلت : ولكنه في نهاية الأمر مجرد حمام لا يستحق منكم ، ثم أن أطفال هذا الرجل يقصدون الإساءة لي بشكل مستمر ، لقد كانوا يجمعون أطفال الحارة في سطح منزلهم لملاحقة الحمام ، حتى وهو بعد راقد في أعشاشه ، و أنا وجدت أن المسالة بدأت تأخذ شكل الحرب ، قلت أنني لست ضعيفاً إلى حد الصمت على الإهانة ، وبدأت أبادلهم الرجم ، اعترف لك بهذا ، لأنني لا أكذب وأتمنى أن تصدهم عني ، لأنهم بدأوا في الأيام الأخيرة يستخدمون النبال الصغيرة ، وأنا الآن أعلن إذعاني أمامكم لكي أحصل على حقي.
- حقك في ماذا ؟
- هذا الرجل الجالس أمامي ، عصر أمس، كان يجلس أمام بابه ويضحك.
- وهل كنت تنتظر أن يبكى.
- كنت أنتظر أن يرمى الحجارة مع أطفاله ، لأني كنت أشاهده يصنع لهم النبال الصغيرة التي أثارت رعب أهل بيتي.
- أنت تتحدث كما لو انهم يقصفونك بالقنابل.
- أجل كما لو أنهم كذلك لان الحـجارة تتساقـط على سطح منزلي وتحدث دوياً هائلاً.
وربما غداً تسقط على سطح مكتبكم الجميل هذا.
- اسمع ..
- نعم ..
- نحن مكتب الحقوق المدنية ، نرى أن عليك بيع الحمام ، ثم يلتفت إلى جارى.
- وعليك أنت إيقاف أطفالك عن رجم الحجارة.
وأضاف لنا جميعاً:
كل هذا من أجل سلامة الحارة ، وسوف نحقق في الأمر بعد أسبوع .
تدخلت في شأن قرار المكتب ، قلت للمدير المسئول أن هذا سيكلفني كثيراً ، وقلت له أن سكان الحارات الأخرى يطيرون حمامهم بحرية وأن جاري هذا الجالس أمامي سبق أن عرض علي شراء حمامي ، وأنه من أجل هذا ......
قاطعني مدير المكتب :
- عليك تنفيذ الأمر فوراً وتوقيع هذا التعهد.
وقعت التعهد وخرجت:
دخلت بيتي زرت دورة المياه ، اغتسلت وعدت إلى نومي مرة أخرى ، ورأيت فيما يرى النائم ولم أكن بنائم ، أني أبيع الحمام الجميل ، وكنت أرى جاري وأطفاله , ومدير مكتب الحقوق على سطح بيت جاري ، يبنون الأعشاش ويطيرون حماماً جميلاً في فضاء الحارة ، يومئون له بالبيارق الحمراء .. و .. كانوا يتضاحكون في وجهي.