ينغمس في ذاته،يعيش متوحدا، يصنع هوى يليق به، بعيدا عن ضوضاء الناس والمحركات، يجلس بين ذاته وتناقضاته، يصنع مزاجه الخاص، يستمد العفو والراحة، يجمع أشياء جميلة مبطنة في ذهنه، ويحدث بنيات الشيطان الرجيم، باعتقاده ليس هناك حياة تستحق أكثر من اللازم، وشرارة الأوضاع دائما تنذر بالخطر، وأن الإنسان إذا رأى الحياة بصورة مبسطة حسب مقدراته الذاتية، سيكون قد اسدى معروفا لذاته.
***
التوحد سمة صعبة التحقيق، وأمر يحتاج لكثير من الشجاعة كي يطبق بالحرف الواحد، لكنه كان يجيد هذا الدور ويقوم باكمل وجه وعلى خصوص الدقة، يصحو الصباح يذهب لبقالة (دكان )يشترى صندوق سجائر ماركة tradition الأحمر، يعود البيت يشرب كباية قهوة ويشعل سيجارته، وبعدها بدقائق يفتح جهاز الإستماع وهو عبارة عن جهاز ماركة bansonic القديم يعمل باشرطة، لكن مع تقدم التقنيات الحديثة التي طرأت على الحياة الاجتماعية هنا، وتقنيات العالم والخدمات الموبايلات، يقوم بتوصيل موبايله بالجهاز، يعشق الأغنيات الإفريقية يستمع لدايمون، يرقد بظهره، يفتح كتاب، لم يكن هناك أشياء أخرى تهمه في العالم الخارجي، يبدأ في رحلة المعرفة والاستمتاع بآراء ونظريات الفلاسفة والعلماء، أكثر ما يثير اندهاشه وزعله هو غياب أبناء بلاده من لائحة الفلاسفة والعلماء، يستلهم الأخطاء إلى الأجداد والجدات بانشغالهم بأمور أخرى حتي فات قطار المعرفة الجمة في حاضرتهم آنذاك، وانشغالهم الديني والطائفية دون إلمام تام بالطائفية والدين، لأن هذا يعكس مدى هشاشة الفكر وغياب تام أيضا في عدم وجود علماء عالميين بتخصص دراسة الأديان والمقارنات، عبارة عن شليليات عائشة دور القطيع، لم تصل مرحلة إكساب الذات حريته.
ريشة الرسام هي ارق واحن ريشة في العالم الابداعي، يعيش الملايين من الناس والأشياء،داخل هذه الريشة الصغيرة، تحمل عوالم حزينة وجميلة، عوالم إنسانية خاطرة الحنان،إتقان الرسم وعشق الرسوم كان جزء نقي من تفاصيل حياته، من يرى لوحاته الإبداعية لقال أن العالم يخفي فنانا تشكيليا متكامل، يترجم الحكايات والقصص وآراء إلى رسوم متحركة ذهنيا، يقضى وحدته في القراءة والرسم، وبين الرسم والقراءة هناك فنجان قهوة وسيجارة، في إحدى نهارات السودان الحارة، ساقني الحنين بزيارته، لم أكن أتوقع المفاجأة التي كانت في انتظاري، حيث اعتدت دائما أن أجده يمسك كتابه او رواية والاخيرة لها نكهة خاصة سآتي بتلك النكهة المميزة لاحقا، دعوني اسرق لحظاتكم هذه إلى المفاجأة التي تفاجأت بها، طرقت باب البيت وهذه أيضا نقطة لم أكن أتوقعه، أنه لا يقفل بابه ابدا، باعتقاده ليس هناك شخصا يفكر في المجي إليه، لظروفه الخاصة، يعيش في مكان لا يعرف فيه أحدا ولا يعرفه أحد، استأجر البيت من صديق قديم، وأيضا لا يملك شيئا يجعل اللص يدخل بيته، فقط سرير ومكتبة صغيرة تحتوي ما يقارب سبعين كتابا ورواية، وكوب صغير جوار باخة(إناء) بلاستيكية خصصها للمياه، وجردل حمام وهي أيضا إناء بلاستيكي تم قطعه من الأعلى وربطها بحبال، وكفتيرة القهوة وصحن واحد للأكل، وسكين، وبعض صناديق السجائر المجدوعة بصورة عشوائية، وصندوق خشبي متوسط الحجم يحمل اغراض الرسم،أربع قمصان وبنطالين، فنيلة رياضية وجوز أحذية، وفنيلة زرقاء وحيدة اعتاد يكثر لبسها، ببساطة هذا كل ما يملك.
جاء بعد ان كدت أعود، فتح الباب، والابتسامة الطفولية تشرق بين أسنانه، استحمى عذرا لمصافحتي، فقلت له هل تقوم بصيانة الغرفة؟ ام ماذا يبدوا عليك أنك داعبت الألوان، أبتسم مرة أخرى، ودفعني للداخل، لم تكن مساحة البيت واسعة، اربع امتار فقط بالتحديد اذا لم يكن ثلاث امتار، تفصل بين الغرفة وباب الشارع، دخلت الغرفة لأجد لوحة مبهرة بكل مقاييسها، وقفت لبرهة من الوقت أتأمل اللوحة، استجمع تحليل مناسب أطلق عليها، لم أستطع أن أصف دقة اللوحة ولم أجد كلمة عابرة في حقها وحقه، حيث في كل جزء من أجزاء الوحة تحمل وراءها قصة وحكاية متكاملة، أنها لوحة تراجيديا من زمن الإغريق بخيال وذهن سوداني أصيل، قلت له لماذا تدفن ذاتك في هذه الغرفة؟ إذا كنت تعتقد أن هذا يريحك ويجعلك سعيدا، عليك أن تراعي ابداعاتك، لا أعتقد أنها ستواقفك الرأي، عليك مراعاة شعورهم الإبداعي الممزوجة بك، لم يقل شيئا فقط ظل صامتا دون ان ينبذ كلمة واحدة، او على الأقل تعليق، تأمل كلامي،ولأول مرة الجدية في صمته،فهو يعرف أن ذلك لم يكن حديثا عابرا بل كانت حقيقة من إنسان يعرفه جيدا، يعرف أنه يدفن الموهبة العظيمة، لكن في نفس الوقت يبقى أننا ندرك أن المرء هو فقط من يعرف نفسه، ولا يمكن باستطاعة أحد آخر ان يعرفه أكثر منه، تبتبت في كتفه، وقلت انك تستطيع، كن واثقا من ذلك ي صديقي.
في أثناء تأملي مع اللوحة، رأيت فيها إنسان كلاسيكي يقبع تحت ثنيات القماش، إنسان يرى العالم بوجه عابث، يستمد العافية من ذرات الإنسانية المتساقطة عفويا دون إرادة، او فعل إدراكي مبطن، ولو كان لي خلفية عن قراءة اللوحات التشكيلية لاستنتجت أنها تحمل قصته، وحياته كاملا، استأذنت بالرحيل كان هناك عملا في انتظاري،ظل إبداع اللوحة يحاسرني أينما ذهبت، فأقول هذا هو السودان كم من إبداعات ماتت بسبب الحالة المريرة التي تفرط نفسها رغما عننا.
مانويل دينق
الخرطوم جبل أولياء
20 من ديسمبر 2020 م
***
التوحد سمة صعبة التحقيق، وأمر يحتاج لكثير من الشجاعة كي يطبق بالحرف الواحد، لكنه كان يجيد هذا الدور ويقوم باكمل وجه وعلى خصوص الدقة، يصحو الصباح يذهب لبقالة (دكان )يشترى صندوق سجائر ماركة tradition الأحمر، يعود البيت يشرب كباية قهوة ويشعل سيجارته، وبعدها بدقائق يفتح جهاز الإستماع وهو عبارة عن جهاز ماركة bansonic القديم يعمل باشرطة، لكن مع تقدم التقنيات الحديثة التي طرأت على الحياة الاجتماعية هنا، وتقنيات العالم والخدمات الموبايلات، يقوم بتوصيل موبايله بالجهاز، يعشق الأغنيات الإفريقية يستمع لدايمون، يرقد بظهره، يفتح كتاب، لم يكن هناك أشياء أخرى تهمه في العالم الخارجي، يبدأ في رحلة المعرفة والاستمتاع بآراء ونظريات الفلاسفة والعلماء، أكثر ما يثير اندهاشه وزعله هو غياب أبناء بلاده من لائحة الفلاسفة والعلماء، يستلهم الأخطاء إلى الأجداد والجدات بانشغالهم بأمور أخرى حتي فات قطار المعرفة الجمة في حاضرتهم آنذاك، وانشغالهم الديني والطائفية دون إلمام تام بالطائفية والدين، لأن هذا يعكس مدى هشاشة الفكر وغياب تام أيضا في عدم وجود علماء عالميين بتخصص دراسة الأديان والمقارنات، عبارة عن شليليات عائشة دور القطيع، لم تصل مرحلة إكساب الذات حريته.
ريشة الرسام هي ارق واحن ريشة في العالم الابداعي، يعيش الملايين من الناس والأشياء،داخل هذه الريشة الصغيرة، تحمل عوالم حزينة وجميلة، عوالم إنسانية خاطرة الحنان،إتقان الرسم وعشق الرسوم كان جزء نقي من تفاصيل حياته، من يرى لوحاته الإبداعية لقال أن العالم يخفي فنانا تشكيليا متكامل، يترجم الحكايات والقصص وآراء إلى رسوم متحركة ذهنيا، يقضى وحدته في القراءة والرسم، وبين الرسم والقراءة هناك فنجان قهوة وسيجارة، في إحدى نهارات السودان الحارة، ساقني الحنين بزيارته، لم أكن أتوقع المفاجأة التي كانت في انتظاري، حيث اعتدت دائما أن أجده يمسك كتابه او رواية والاخيرة لها نكهة خاصة سآتي بتلك النكهة المميزة لاحقا، دعوني اسرق لحظاتكم هذه إلى المفاجأة التي تفاجأت بها، طرقت باب البيت وهذه أيضا نقطة لم أكن أتوقعه، أنه لا يقفل بابه ابدا، باعتقاده ليس هناك شخصا يفكر في المجي إليه، لظروفه الخاصة، يعيش في مكان لا يعرف فيه أحدا ولا يعرفه أحد، استأجر البيت من صديق قديم، وأيضا لا يملك شيئا يجعل اللص يدخل بيته، فقط سرير ومكتبة صغيرة تحتوي ما يقارب سبعين كتابا ورواية، وكوب صغير جوار باخة(إناء) بلاستيكية خصصها للمياه، وجردل حمام وهي أيضا إناء بلاستيكي تم قطعه من الأعلى وربطها بحبال، وكفتيرة القهوة وصحن واحد للأكل، وسكين، وبعض صناديق السجائر المجدوعة بصورة عشوائية، وصندوق خشبي متوسط الحجم يحمل اغراض الرسم،أربع قمصان وبنطالين، فنيلة رياضية وجوز أحذية، وفنيلة زرقاء وحيدة اعتاد يكثر لبسها، ببساطة هذا كل ما يملك.
جاء بعد ان كدت أعود، فتح الباب، والابتسامة الطفولية تشرق بين أسنانه، استحمى عذرا لمصافحتي، فقلت له هل تقوم بصيانة الغرفة؟ ام ماذا يبدوا عليك أنك داعبت الألوان، أبتسم مرة أخرى، ودفعني للداخل، لم تكن مساحة البيت واسعة، اربع امتار فقط بالتحديد اذا لم يكن ثلاث امتار، تفصل بين الغرفة وباب الشارع، دخلت الغرفة لأجد لوحة مبهرة بكل مقاييسها، وقفت لبرهة من الوقت أتأمل اللوحة، استجمع تحليل مناسب أطلق عليها، لم أستطع أن أصف دقة اللوحة ولم أجد كلمة عابرة في حقها وحقه، حيث في كل جزء من أجزاء الوحة تحمل وراءها قصة وحكاية متكاملة، أنها لوحة تراجيديا من زمن الإغريق بخيال وذهن سوداني أصيل، قلت له لماذا تدفن ذاتك في هذه الغرفة؟ إذا كنت تعتقد أن هذا يريحك ويجعلك سعيدا، عليك أن تراعي ابداعاتك، لا أعتقد أنها ستواقفك الرأي، عليك مراعاة شعورهم الإبداعي الممزوجة بك، لم يقل شيئا فقط ظل صامتا دون ان ينبذ كلمة واحدة، او على الأقل تعليق، تأمل كلامي،ولأول مرة الجدية في صمته،فهو يعرف أن ذلك لم يكن حديثا عابرا بل كانت حقيقة من إنسان يعرفه جيدا، يعرف أنه يدفن الموهبة العظيمة، لكن في نفس الوقت يبقى أننا ندرك أن المرء هو فقط من يعرف نفسه، ولا يمكن باستطاعة أحد آخر ان يعرفه أكثر منه، تبتبت في كتفه، وقلت انك تستطيع، كن واثقا من ذلك ي صديقي.
في أثناء تأملي مع اللوحة، رأيت فيها إنسان كلاسيكي يقبع تحت ثنيات القماش، إنسان يرى العالم بوجه عابث، يستمد العافية من ذرات الإنسانية المتساقطة عفويا دون إرادة، او فعل إدراكي مبطن، ولو كان لي خلفية عن قراءة اللوحات التشكيلية لاستنتجت أنها تحمل قصته، وحياته كاملا، استأذنت بالرحيل كان هناك عملا في انتظاري،ظل إبداع اللوحة يحاسرني أينما ذهبت، فأقول هذا هو السودان كم من إبداعات ماتت بسبب الحالة المريرة التي تفرط نفسها رغما عننا.
مانويل دينق
الخرطوم جبل أولياء
20 من ديسمبر 2020 م