عمار نعمه جابر - مسرحية قُرْحَة

الزوج : الآن ، والآن فقط ، فعلت ما يجب أن أفعل ، تخلصت منها الى الابد ، هي غير قادرة الآن على العبث معي ، لقد اخرستها تماما ، لن تكون قادرة على توبيخي مرة أخرى ، هي غير قادرة على توبيخ أحد على وجه هذه الأرض ، لقد ارتاح هذا العالم منها ، صار العالم أكثر سكينة بدونها ..
الجار : ( يدخل عنوة ) نعم ، فعلا ، أحسنت صنعا أيها الجار .
الزوج :هذا أنت ! كيف دخلت الى هنا ؟
الجار : لا تخف ، لن أتحدث بالموضوع الى أي أحد ، مطلقا .
الزوج : هي التي دفعتني لأفعل ذلك بها ، ما كنت أرغب بقتلها ، لقد كنت أحبها قبل زواجي منها ، كنت أحلم كل ليلة بأن أطلبها للزواج ، أحلم أن يجمعنا بيت واحد ، يا الهي كم كانت فاتنة ، ورقيقة ، وجذابة .
الجار : كلهن في البداية ، أحلى وأرق وأجمل .
الزوج : نعم ، تماما ، عكس ما أصبحت بعد الزواج ، لقد تحولت الى ثور هائج ، نعم هذا أقرب وصف لحالها بعد الزواج ، ثور لا يتوقف عن النطح ، نطح وخوار ، خوار طوال الوقت ، لا تغلق فمها ، لا تعرف كيف تغلق فمها ، يخيل اليك أنك تعيش مع بث فضائي متواصل ، تتحدث بصوت عال ، تصرخ ، تعوي ، تولول ، تشعرك أنك في معركة لا تتوقف .
الجار : نعم ، تماما مثل حالة زوجتي .
الزوج : كنت اكرر القول لها ، ولكن يا عزيزتي لا يجب ان نتعامل مع الأمور بصراخ متواصل اهدأي ارجوك ( يصرخ ويسقط أرضا ) ليس بالطبق الصيني ، قلت لك أكثر من مرة ، لا تستخدمي الاطباق القابلة للكسر ، لكي تقذفينها علي ، استخدمي أواني غير قابلة للكسر ، كي تكررين بها القذف دون خسائر ، عزيزتي ، أخاف أن يبقى مطبخك بلا أواني، بلا أطباق .
الجار : واو !
الزوج : زوجتي ، اقصد المرحومة زوجتي ...
الجار : مم ، هنيئا لك .
الزوج : المرحومة زوجتي كانت تسيء معاملتي ، أعني أنها كانت تسيء معاملتي بشدة ، كانت لا تتوقف أبدا عن إهانتي ، عن شتمي ، عن قذفي بأي شيء في يدها ، تماما مثلما كان يفعل أبي بي ، هو ثور آخر ، كان يضربني ويشتمني ( يتحرك ) ليته لازال حيا يرزق الليلة ، لكي أقتله كما فعلت بزوجتي ، أقصد المرحومة زوجتي .
الجار : ولكنه أبوك !
الزوج : هو سبب ما أنا فيه .
الجار : أنت هائج جدا هذه الليلة ، عرفت أنك ستقوم بكارثة حين رأيتك تعود الى بيتك ، كنت غاضبا جدا ، ولكن الحديث عن أبيك فاجئني تماما .
الزوج : لو كان حيا هذه الليلة ، كنت سأختار لأبي العزيز طريقة قتل جديدة ، غير مستخدمة مسبقا ، تليق بأب مثله .
الجار : ولكن ، كيف ستقبل أمك بمثل هذا الحديث .
الزوج : أمي المسكينة ، كانت هي الأخرى ، تأكل حصتها بشكل يومي من الضرب ، لم يخطر ببالها أنه يمكن أن يتوقف هذا السيناريو يوما ، كانت ترى أنه قدرها ، ويجب أن تصبر ، من أجل صغارها ، تتحمل من أجل أن ينجو الصغار ( يتحرك ) أهلا أمي ، لقد نجوت أنا ، نجوت من أبي ومن زوجتي ، أبي قتله الله ، وزوجتي أنا قتلتها ( يتحرك ) أنا مثلك ، أنت نجوت من الجميع بموتك ، وأنا نجوت بقتلهم جميعا ! نجونا من تحت جناح الذل والاهانة والخوف ، نسخة طبق الأصل منك سيدتي . أبنك هذا ، نسخة منك يا مكسورة الجناح ، نسخة من ضعفك ، حزنك ، نسخة من نعيك على روحك كل ليلة ( يتحرك ) لقد سكبت كل ما كان فيك ، في روحي ، كل خوفك تحول الى وحش يأكل داخلي ، كل حزنك صار غابة لا قرار لها في داخلي يا أمي ، كل قلقك مما يجري ، قلقك من الآخرين ، قلقك على من كانوا في عهدتك ، كل هذا القلق الرهيب يسكن بي يا أمي ( يتحرك ) ماذا فعلت بي ! كيف سمحت لنفسك أن تتركي كل هذا يحدث لي !
الجار : من أين جئت بكل هذا العزم لتتخلص من زوجتك ؟
الزوج : هل تريد أن تتخلص من زوجتك ، أنت الآخر ؟
الجار : نعم ، بكل تأكيد .
الزوج : وأبوك ؟
الجار : ما به أبي ؟
الزوج : هل تفكر في قتله هو الآخر ؟
الجار : أبي ! لا ابدا ، لا أفكر بذلك مطلقا .
الزوج : إذن لن تجرؤ على التخلص من زوجتك مثلي .
الجار : أنا أريد أن اتخلص من زوجتي فقط ، أبي ليس له دخل في ذلك .
الزوج : اللحظة التي تفكر فيها بقتل أبيك ، هي اللحظة التي ستجعلك مؤهلا لاحقا ، لقتل زوجتك بسهولة .
الجار : هل هذا يعني أنني لن أستطيع التخلص من زوجتي مثلك ؟
الزوج : تريد أن تكون مثلي ! أنت تحتاج الى شجاعة كبيرة ( يتحرك ) أنا أشعر الليلة ، أنني أشجع رجل على هذه الأرض ، لقد قتلت أبي وزوجتي في ضربة واحدة .
الجار : ولكنك لم تقتل أبيك ؟
الزوج :
أنا قتلت زوجتي ، والله كان أشد غضبا مني ، على أبي ، فتكفل بقتله .
الجار : هذا يعني أنك لم تقتل أباك ، لقد مات بشكل طبيعي !
الزوج : عليك أن تعرف أنني وصلت الليلة ، الى حالة من اليقين التام ، أنني سأقتله لو كان موجودا الآن . وهو ذات اليقين الذي جعلني قادرا ، على قتل زوجتي ، شريكته في قمعي .
الجار : ولكنني أعرفك جيدا يا جاري العزيز ، أنت رقيق جدا ، لا تقدر على قتل طير .
الزوج : نعم ، ولكن ، لم يعجبهم أنني مسالم ووديع ، داسوا عليَّ طويلا !
الجار : لقد أصبحت قاتلا يا رجل !
الزوج : الامر ليس مستحيلا ، انه أبسط مما تتخيل ( يتحرك ) خذ نفسا عميقا ، اذهب للمطبخ بهدوء ، واحضر افضل سكين لديكم ، واذهب وأنت تدندن بأغنيتك المفضلة ، اذهب حيث تجلس زوجتك ، وقف صامت للحظات لتتذكر أسوأ ما فعلت بك ، وأسوأ كلمات قالتها لك ، وأسوأ أكلة طبختها لك ، وقارن بين قبحها ، وبين جمال فتاة احتفظت بصورتها في مخيلتك ، عندها سترتفع يدك وتهبط بقوة كافية على جسدها لأكثر من مرة .
الجار : لا أستطيع أن أفعل ذلك !
الزوج : يبدو أنك لست مؤهلا للنجاة ، من زوجتك ، اعذرك يا جاري العزيز ، نعم ، قد تحتاج الى وقت أطول لتعرف سبيل الخروج ، من البئر الذي حشرت نفسك فيه .
الجار : ولكن ! كيف يمكنني أن أقتلها مثلك ، كيف أنجح في ذلك ؟
الزوج : اسمع ، قبل أن تكون مؤهلا لقتل ابيك ، ومن ثم قتل زوجتك ، أنت بحاجة الى أن تتعرف الى شخص واحد ، شخص يقودك لتحقق هذا النجاح ، وتمتلك كل هذه المؤهلات .
الجار : حقا ! ومن يكون هذا الشخص ، دلني عليه أرجوك .
الزوج : هل انت مستعد للتعرف على هذا الشخص الساحر ؟
الجار : نعم ، مستعد تماما ، فأنا بحاجة الى أن أقتل زوجتي ، بأسرع وقت ممكن .
الزوج : حسنا يا جاري العزيز ، أنت بحاجة الى التعرف بعمق وبفاعلية ، التعرف الى عاهرة .
الجار : عاهرة !
الزوج : نعم ، عاهرة ، ولكن ليست عاهرة عادية ، بل بمواصفات خاصة ودقيقة جدا ، هذه العاهرة وحدها ستكون قادرة على نقلك الى هذه المرحلة ، المرحلة بالغة القوة والعزم والوضوح .
الجار : لا أفهم ماذا تعني بالمواصفات الخاصة والدقيقة !
الزوج : اسمعني جيدا يا جاري العزيز ، عليك ان تتعرف بقرب على عاهرة ، عاهرة من اليمين المتطرف .
الجار : عاهرة من اليمين المتطرف !
الزوج : نعم عاهرة ، من عاهرات اليمين المتطرف .
الجار : اليمين المتطرف !
الزوج : هي عاهرة ، وفي ذات الوقت ، هي ملتزمة دينيا ، متطرفة لمعتقدها . وكذلك هي مثقفة بتحصيل علمي مرموق ، ولها آراء ونشاط سياسي فاعل ، بانتماء حزبي راسخ .
الجار : ما هذا يا جاري العزيز ، هل جننت أنت !
الزوج : أبدا ، اسمعني جيدا ، وافهمني ، مثل هكذا شخصية ، هي الوحيدة القادرة على جعلك تقتل ابيك ، تمهيدا لقتل زوجتك .
الجار : هذا شيء غير معقول تماما !
الزوج : يجب أن تعرف ، أننا نعيش في قمة اللامعقول يا جاري ، لذا يجب علينا أن نفكر بطريقة لا معقولة ، تماما مثل عصرنا هذا .
الجار : ولكن ! من أين لي أن أجد مثل هذه العاهرة ، بهذه المواصفات الخاصة والدقيقة ؟
الزوج : بسيطة جدا ، اذهب الى الاماكن التي تتواجد فيها ، وتعرف عليها ، وأقم معها علاقة عضوية وفاعلة ومتحركة .
الجار : ولكنني لا أرتاد الملاهي الليلية يا صديقي ، أنت تعرف ذلك .
الزوج : أنا لم أذكر الملاهي ، لا من قريب ولا من بعيد ، يا جاري مثل هذه العاهرات ، مثلك تماما ، لا ترتاد الملاهي الليلية مطلقا ، ولا تعرف طريقها البتة .
الجار : ما هذا ، أنت تقول أنها عاهرة !
الزوج : ولكني لم أتحدث عن الملاهي إطلاقا .
الجار : لقد اربكتني جدا ، يا جاري العزيز .
الزوج : لأنك مع بالغ الأسف ، تحسب النساء المسحوقات المستضعفات ، المغلوب على أمرهن في الملاهي ، تحسبهن هن العاهرات فعلا !
الجار : هذا ما يعتقده الجميع .
الزوج : مفهوم بعيد عن الواقع ، عاهرات اليمين المتطرف الحقيقيات ، تجدهن في أماكن بعيدة جدا عن الملاهي .
الجار : وأين يمكن أن تتواجد هذه العاهرات ، ذات المواصفات الخاصة والدقيقة .
الزوج : سؤال وجيه ، من حقك كشخص يرغب بقتل زوجته أن تعرف ( يتحرك ) اسمعني جيدا ، عاهرات اليمين المتطرف قد تجدهن ، في كل مكان حولك ، ربما في العمل ، بصفة مسؤول . أو في التجمعات السياسية ، بصفة قيادي بارز . أو في المناسبات الدينية ، بصفة واعظة ومفكرة . أو قد تكون احدى جاراتك ، ذات السمعة المتميزة ، أو ربما تجلس جنبك في الباص ، تقرأ كتاب بحجم كبير .
الجار : بصراحة يا جاري ، الامر في غاية التعقيد .
الزوج : صدقني ، لكي تحقق هدفك الاسمى بالتخلص من واقعك المرير دون تردد ، عليك أن تتعرف عن كثب ، الى عاهرة من اليمين المتطرف .
الجار : ولكن لماذا عاهرة ، ولماذا من اليمين المتطرف !
الزوج : قد لا تصدقني يا جاري العزيز اذا اخبرتك ، أن الامر واضح جدا ، لو تمعنت جيدا في الموضوع ، ستجد أنها امرأة ذات مواصفات بسبعة نجوم ، مواصفات تمتلك ، قدرة هائلة ومتفردة ، إمكانيات نفسية وعقلية قل مثيلها ، فعاهرة اليمين المتطرف ، هي الوحيدة القادرة على أن تريك ، وتدرّسك ، وترسّخ فيك ، بشكل عملي ، وتفصيلي للغاية ، كيف يمكنك أن تتحول الى شخص بلا ثوابت ، بلا كوابح ، بلا قيم .
الجار : هي التي تفعل ذلك بي !
الزوج : تفعل بك ، أكثر مما تتخيل .
الجار : كيف تفعل بي ؟
الزواج : تفعل بك ، بالمعاشرة ، بالاحتكاك ، وبالكثير من الممارسة .
الجار : هل تقصد أن لها طعم آخر ، طعم يختلف عن بقية النساء ؟
الزوج : نعم ، فوق الخيال .
الجار : ( بحماس شديد ) كيف ، لم أفهم ما تعني بذلك ، أرجوك يا جاري ، اشرح لي بالتفصيل الممل .
الزوج : حسنا ، تخيل معي طبخة ، طبخة فاخرة ، اجتمعت فيها مذاقات متعددة ، روائح متعددة ، ألوان متعددة ، مكونات متعددة ، فهي بكل ذلك ، ستكون حتما تشكيل لا تنتمي الى نوع أو وصف محدد ، ففيها من كل ما تحب ، ومن كل ما تشتهي ، بتوازن غريب وعجيب .
الجار : واو ..
الزوج : ستعلمك بيقين راسخ ، كيف تواجه هذه الحياة ، بلا شكل محدد ، بلا قيم ثابتة ، بلا منظومة أخلاق أو حتى انتماء . وستجعلك تتذوق كل ذلك على فراش طعمها اللذيذ .
الجار : ممم نعم ، حقا ، لا بد أنها شهية جدا .
الزوج : نعم ، شهية وفاتنة ومتوقدة ، ففيها تستطيع أن تتذوق ، طعم روحاني من عفّة الدين ، وطعم جريء من لباقة السياسة ، وطعم لاذع من خبرة اعتناق العنف والتطرف ، وطعم فنتازي من ثقافة الفكرة ، ثقافة تحويل كل الرذائل الى فضائل ، وكل الموبقات الى بطولات ، وكل ما هو لا منطقي ، في العادة ، تحوله بفعل السحر الذي فيها ولديها ، الى واقع يمكن أن تحياه ، طولا بعرض .
الجار : يا الهي ، طعم لا يصدق ابدا ، إمكانات هائلة ! ولكن هل يمكن أن أجد مثل هذه الكارثة أمامي ؟
الزوج : نعم ، أسهل مما تتوقع ، فأنت تعيش في عصر ازدهار ، عاهرات اليمين المتطرف ( يتحرك ) حسنا يا جاري العزيز ، ساعدني الآن في التخلص من جثة زوجتي ، وأعدك ، بشرفي ، أنني سأساعدك في التخلص من جثة زوجتك ، حينما تتعرف على العاهرة اليمينية المتطرفة ، ثم تقتل أبيك ، لتقتل معه زوجتك .
الجار : بشرفك !
الزوج : وبمقدساتي .
الجار : وبمقدساتك أيضا !

  • ستار –
  • تركيا – سامسون
  • 28/11/2020

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى