بهاء المري - الدليل الرقمي في الفقه الإسلامي

الدليل في اصطلاح فقهاء الشريعة، هو ما يَلزم من العلم به العِلم بشيءٍ آخر، وكلمة الدليل في الشرع تعنى البيِّنة أي الحُجَّة والبرهان.
وعبارة "ما يًلزم من العِلم به العِلم بشيء آخر" هو مما يدخل في نطاق ما نُطلق عليه في زماننا الدليل الإلكتروني، والذي جَعل له المشرع حُجية في الإثبات الجنائي بموجب القانون رقم 175 لسنة 2018 بإصدار قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات.
والأدلة الجنائية في الفقه الإسلامي تنتمي إلى القرائن، وقد أخذ قُضاة الإسلام الأوائل بهذه القرائن في أقضيتهم في مجال الإثبات.
ومما أورده ابن القيم الجوزية في كتابه الطرق الحكيمة في السياسة الشرعية، أنه رُوى أن امرأة قد تعلقت بشاب من الأنصار وكانت تهواه، فلما لم يساعدها احتالت عليه، فأخذت بَيضَة فألقت صُفرتها، وصبَّت البياض على ثوبها وبين فخذيها، ثم جاءت إلى عمر بن الخطاب صارخة فقالت: هذا الرجل غلبني على نفسى، وفضَحني في أهلي، وهذا أثر فِعالِه، فسأل عمر النساء، فقُلن له إن ببدنها وثوبها أثر المني، فهَمَّ عمر بعقوبة الشاب، فجعَل يستغيث ويقول: يا أمير المؤمنين تثبَّت في أمرى، فوالله ما أتيتُ فاحشة، وما همَمتُ بها، فلقد راودتني عن نفسى فاعتصمتُ، فقال عمر: يا أبا الحسن ما ترى في أمرهما ؟ فنظر علىّ ما على الثوب، ثم دعا بماء حار شديد الغليان فصبَّ على الثوب فجمَد ذلك البياض، ثم أخذه واشتمه وتَذوَّقه، فعرَف طعم البَيض فزجر المرأة فاعترفت (*).
وجاء رجلان إلى إياس بن معاوية يختصمان في قطيفتين إحداهما حمراء، والأخرى خضراء، فقال أحدهما: دخلتُ الحوضَ لأغتسل ووضعتُ قطيفتي، ثم جاء هذا فوضع قطيفته تحت قطيفتي، ثم دخل فاغتسل، فخرج قبلي وأخذ قطيفتي فمضى بها، ثم خرجتُ فتبعتهُ فزعم أنها قطيفته فقال: ألكَ بينة؟ قال: لا، قال: ائتوني بمشط، فسرح رأس هذا ورأس هذا، فخرج من رأس أحدهما صوف أحمر، ومن رأس الآخر صوف أخضر، فقضى بالحمراء للذي خرج من رأسه الصوف الأحمر، وبالخضراء للذي خرج من رأسه بالصوف الأخضر (**).
ومن النصوص التي تدعم آراء الفقه الإسلامي في هذا الصدد ما جاء في القرآن الكريم بشأن تلوث قميص يوسف عليه السلام بدم كذب } وَجاؤُوا عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ { الآية 18 من سورة يوسف.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) الطرق الحكيمة في السياسة الشرعية لابن القيم. المكتبة التوفيقية بالقاهرة ص 62.
(**) الطرق الحكيمة، المرجع السابق ص 46.


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى