سعد الشديدي - الطريق الى السماء

(الى شهداء ثورة تشرين 2019 العراقية .. غابة الورد التي أزهرت بأرواحكم مازالت نديّة)

كان على الشهداء الذين رحلوا أن يمرّوا من البوابة التي تؤدي الى الأسبوع التالي من ثورتهم.
لكنهم – دونما قصد – تجمعوّا واحداً بعد الآخر في ملفٍ لا يتسّع إلا لعشرين ميغابايت.
تنقلوا من صفحات تتزين بصورهم وأسماءهم، الى هاتفي الجوّال.
وذلك الملّف.

- قالوا: لن نصبح قيّماً رقمية..
لسنا اصفاراً أو آحادا.
لو كنّا نتمنى أن نولدَ في وطن رقميٍّ مُفترضٍ ..
كنّا هاجرنا مثلكَ،
وخسرنا أنفسنا.

1- صفاء بن ثنوة
مختلفٌ جداً..
تسألهُ: ماذا عنك؟ فينظر في عينيك ليعرفَ إن كانَ سؤالُكَ حيّاً.
لا يعجبه التيشيرت،
ولا يلبس غير قميصٍ .. مكوّي أحياناً، بلون سماءٍ كاملة.
أنيقاً بالفطرةِ
ويدخنُ مثلي،
السيجارة بين الشفتين كنزاً منفرداً ..
أو رائحة امرأةٍ يتذكّرُ فيها طعمَ حليبِ الأم.
وحين يغادرُ تولدُ في الساحةِ أشجارُ يوكالبتوس
وغضبٌ مخفيٌّ في منديلٍ تحملهُ فتاةٌ من بغداد، ليلامسَ نهديها.

2- ثائر الطيب
مختلفٌ جداً .. عن بن ثنوة.
لا يعجبه التدخين.
ولا يحلم إلا حين يباغتهُ الوقت
ولا يكتب إلا حين تحاصره الدنيا فيلبس بدلته
باللون الأزرقِ أو بلون ترابِ الآرض.
حين يغيبُ عن الساحةِ، يتركُ حزناً أكبرَ من زقورة أوروك.
أربطةُ العنق.. المختارةُ دوماً بأناةٍ..
تناسبهُ وتؤكدُ ايجابيةَ عينيه.
مبتسمٌ دوماً حتى حين ينام ليرى أن القناّص يطاردهُ.
لكنّ القنّاصَ– في هذا اليوم - تنازلَ عن لعبتهِ ليتركَ من يلصقَ موتاً لزجاً تحت السيارة،
ويعود الى الضابطِ ليقدّم تقريراً شفهياً عن حادثةٍ نُسِبَت للمجهول الثالث.

* بعد يومين كان عليّ اقناعهم أن كلاً منهم سيحصل على ملصقِه الخاصّ .. وربما رسالةً الى صديق ما زال ينتظر في السماء.
سألت صديق الصحفي: أليسَ علينا أن نحفر آية: ومن المؤمنين رجالٌ .. على صور الشهداء. بعد صمت قال: بلى.
الآن، أنا وصديقي الصحفي، وصديقنا الثوري الذي تعبَ قلبه من الحياة ولم يتعب من الثورة.. وصديقنا الحذر بحكم مهنته الذي عاد الى بغداد يحملُ رائحة الضباب والغضب، وصديقنا الاعلاميّ الذي ندمَ كثيراً لأنه كان اقترحَ في يوم من أيام الصيف عبارةَ: الارهاب لا دين له، بعد أن تأكدّ أن الارهاب له أكثر من دين.
نحن جميعاً ... سواء من كان في الساحة أو في ملفٍ لا يتسعُ سوى لعشرين ميغابايت لم نعد ننتظر.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى