اسقيني أو مدي لي من رائحة التراب فأنا ما زلت سائق تاكسي وطفل حارة ضائع في هذه المدينة الواسعة ، أفيق دائما كما كنت تفعلين في السابعة ، أشرب قهوتك في السابعة صباحا على موسيقى النشرة الإخبارية وصدى ضحكاتك الصباحية ، في الغرفة التي تطل نافذتها الصغيرة الواطئة على الأرض الخربة . وقت جديد لاهث لم أستطع وسط حطام ساعاته أن ألبسه ، يغنى فيه المغنى ويردد ألحانه أبناء النخيل . كنت صامت سنيناً من الركض والعناء حتى جاء منتصف ليل صحوت فيه على فزع، أين الباب ، ومضيت . ما بيني وبين فتحة الباب ظلام وأنفاس وأفواه صغيرة معلقة بلا أثداء ، دخلت الشارع الأسود فلم أر القمر، رأيت سماء سوداء تتلألأ فيها نجوم وتخفت أخرى ، لا غالب في منتصف الليل ولا مغلوب ، ركبت سيارتي الصفراء ، هذا هو الأسود الذي كلما اقتربت منه يبتعد ، وهذا دوار الرأس يعود كعادته. بالأمس إذا أصاب الرأس الدوار نمت ، وإذا حزنت نمت، وإذا فرحت رقص في الحلق الكلام ، ويخرج غناء للوقت . واليوم إذا أصاب الرأس الدوار أدور، وإذا حزنت أدور، وإذا فرحت جف في الحلق الكلام.
رأيت أطيافا تومئ على الطريق . قلت : ما هذا . أهلا بالوجوه الجميلة . يا للناس الذين يعيشون منتصف الليل . ولم لا تركبون ونحن ندور. سقط أحدهم جوار الباب فحمله أصدقاؤه ، أقفلوا الأبواب فركبت الطريق ، تزاحموا يتضاحكون وكلٌ يعاقر شيئاً في يده، ما أجمل هذا الأسود الحبيب ، هذا الذي كلما اقتربت منه يبتعد ، هذا الذي لا ينتهي ، وجدتني أقود بانتشاء صحبة وجوه فرحة مستبشرة . وأنا صرت مثلهم فرحا وأضحك بلا سبب ، أخذت من أيديهم اللامعة البيضاء حتى وجدت الرأس يكاد ينفلق، نادمتهم حتى سمعت صدى صوت ضربة على ظهري : أنت تسير في كل الخطوط يا أخ . وانتبهت إذ فتحت عيني كما لو كنت غائبا ، التفت إليهم ، أهلا ، شباب يمرح وسفر دائم ، الجامع الكبير : صوت الشيخ ، يا لهذا الليل المظلم وهذه الوجوه الجميلة ، يا لهذا الكلام الذي يجف في الحلق ، كأن الشوارع لا تصل ، شوارع سوداء بلا ناس وأرصفة جامدة. صوت أحدهم : هنا أيها الأخ . نزل اثنان وبقى ثلاثة، شيعت النازلين حتى مدخل مظلم ، رأيتهم يصادمون أجسادهم ويتضاحكون ، وأنا خائف من عودة إحساس الوحدة، قال أحدهم وكان راقدا : واصل المشوار ، قلت له : هذا طريقي، ظللت أدور حتى الصباح والشباب نيام ، تعبت فدنوت من رصيف هادئ ، توقفت وملت بالمرتبة، استلقيـت و رحـت في إغفاءة طويلة ، ثم كانت الشمس تنشر بعض خيوطها الصفراء، حين أفقت ورأيتني وجها لثلاثة وجوه أمامي ، رأيت حرسا وجدرانا متقاربة ، رفعت رأسي فرأيت نافذة صغيرة عالية ، التفت إلى أصدقائي و لم أجدهم ، كل الأشياء في الخارج ترسم حولي ترسم تفاصيلها في ذاكرة وحكايات . في البيت أنفاس وأفواه صغيرة بلا أثداء وفي الدار الجديدة جسد ناحل أتعبه الترحال.
رأيت أطيافا تومئ على الطريق . قلت : ما هذا . أهلا بالوجوه الجميلة . يا للناس الذين يعيشون منتصف الليل . ولم لا تركبون ونحن ندور. سقط أحدهم جوار الباب فحمله أصدقاؤه ، أقفلوا الأبواب فركبت الطريق ، تزاحموا يتضاحكون وكلٌ يعاقر شيئاً في يده، ما أجمل هذا الأسود الحبيب ، هذا الذي كلما اقتربت منه يبتعد ، هذا الذي لا ينتهي ، وجدتني أقود بانتشاء صحبة وجوه فرحة مستبشرة . وأنا صرت مثلهم فرحا وأضحك بلا سبب ، أخذت من أيديهم اللامعة البيضاء حتى وجدت الرأس يكاد ينفلق، نادمتهم حتى سمعت صدى صوت ضربة على ظهري : أنت تسير في كل الخطوط يا أخ . وانتبهت إذ فتحت عيني كما لو كنت غائبا ، التفت إليهم ، أهلا ، شباب يمرح وسفر دائم ، الجامع الكبير : صوت الشيخ ، يا لهذا الليل المظلم وهذه الوجوه الجميلة ، يا لهذا الكلام الذي يجف في الحلق ، كأن الشوارع لا تصل ، شوارع سوداء بلا ناس وأرصفة جامدة. صوت أحدهم : هنا أيها الأخ . نزل اثنان وبقى ثلاثة، شيعت النازلين حتى مدخل مظلم ، رأيتهم يصادمون أجسادهم ويتضاحكون ، وأنا خائف من عودة إحساس الوحدة، قال أحدهم وكان راقدا : واصل المشوار ، قلت له : هذا طريقي، ظللت أدور حتى الصباح والشباب نيام ، تعبت فدنوت من رصيف هادئ ، توقفت وملت بالمرتبة، استلقيـت و رحـت في إغفاءة طويلة ، ثم كانت الشمس تنشر بعض خيوطها الصفراء، حين أفقت ورأيتني وجها لثلاثة وجوه أمامي ، رأيت حرسا وجدرانا متقاربة ، رفعت رأسي فرأيت نافذة صغيرة عالية ، التفت إلى أصدقائي و لم أجدهم ، كل الأشياء في الخارج ترسم حولي ترسم تفاصيلها في ذاكرة وحكايات . في البيت أنفاس وأفواه صغيرة بلا أثداء وفي الدار الجديدة جسد ناحل أتعبه الترحال.