أشعر أن الليل الضال يتسع، في هذه الحارة العذبة أحياناً والكئيبة أحياناً أخرى، الظلام الموحى والهادئ والممل يتسع ويطول، وأنا أمشي في الحارة وحيداً، أمشي في طرقات حائرة وضائعة، ثم أصادف محل فيديو الموعد الذي أحببت وجوده في حياتنا، أحببت وجوده في حارتنا متربعاً مثل علم كبير في زاوية كبيرة على شارعين كبيرين جوار بيتنا، وعلى بعد أمتار من المحل يقع سوق ريمان وخلف هذا السوق يقع بيتنا. في الغالب أذهب مشياً على الأقدام مروراً بالبقالة والمغسلة والمكتبة والفوال. وفي أوقات حالمة جداً أتوقف لأراها تمضي بعيداً، حقيبتها خلف ظهرها، فيتسلل غناء قديم لروحي، تتسلل بلاد ضائعة أو حائرة، تتسلل وجوه غائبة أعرفها وتتسلل رائحة قديمة، رائحة حكايات ورائحة مشاعر تعيدني إلى زمن مضى. كأننا خرجنا جميعا من معركة طويلة، قلت في نفسي: هل خرجنا فعلاً أم أننا مازلنا في جحيم المعركة. بحثت عنها طويلاً حتى وجدتها عند باب حديقة قريبة وسط الحارة تنتظر خروج أهلها، سألتني بعصبية: اتصلت؟، قلت لها: لا، خرجت والدتها من الحديقة، وأنا ذهبت وخلفي صوتها وهي تردد: بالليل.. بالليل. وأمامي رجال الهيئة بثيابهم القصيرة يروحون ويجيئون مثل ثعالب كئيبة.
هل اتفقنا أن نلتقي في المساء، ربما، لكن النوبة عاودتني فنسيت من أنا، وفي الصباح حين اتصلت بها، لم تسألني أين كنت ليلة البارحة ولهذا ارتحت، سمعتها تعتذر بهدوء عن العصبية التي كانت فيها وعن غيابها، في اللحظة التي كنت فيها أحلم أنني أتزوجها في موكب بسيط بعد مشاعر عميقة، وسط حياة مملة وبلا روح . التقينا كثيراً في أوقات قصيرة جداً ومسروقة ومرتبكة لكننا لم نتواصل، لأنني كنت أعاني من ذاكرة سيئة ومزاج قلق، وهي تعاني من نوبة عصبية، مع ذلك ما زلت أراها، مازالت أمامي، وأنا ما زلت خلفها، هي أمامي بعيدة مثل نقطة ضوء يهتز، حقيبتها خلف ظهرها، وأحلامي الصغيرة في حقيبتها. فجأة تتوقف على الرصيف، تتلفت حولها، قلت ربما تتذكرني، أراها تفتش في حقيبتها، قلت ربما تدرك الآن أنها نسيتني، مثل أوراق قصيدة قديمة، هنا، في منتصف الحارة، وليس في حقيبتها الفارغة.
دخلت محل فيديو الموعد صباح الخميس، كان خالياً من الزبائن، وكان شباب المحل يغسلون الأرضية السراميك بالماء والصابون، متعة التجول بين ألبومات الأفلام لا تعادلها متعة , بالذات حين يكون المحل خاليا أو قليل الزبائن، وجدت مسرحيات فيروز الغنائية المشهورة، ومسرحيات دريد لحام وأفلامه، وبالذات كاسك يا وطن، المحل يزدحم ليلاً فقط، وبالذات مساءات الخميس والجمعة، أولاد وبنات ونساء ورجال من مختلف الأعمار، يشترون أفلامهم المفضلة، أو يستأجرون الأفلام العربية والهندية والأميركية، ثم يشترون العشاء ويذهبون لبيوتهم. حين أدخل المحل أشعر أنني أعرف هؤلاء الشباب الذي يبيعون أو يؤجرون الأفلام في المحل، أشعر أن وجوههم مألوفة، ربما كنا نراهم في ملعب الملز في المباريات أو أمام بوابة سينما نادي الهلال أو نادي النصر التي كانت تعرض أفلامها مساء كل جمعة وكنا ممنوعين من دخولها لصغر السن. في تلك الفترة، لم أكن أعرف ماذا أريد بالضبط، كنت أقرأ الصحف يومياً وأتوقف عند الصفحات الفنية والرياضية والأدبية وأحاول كتابة يوميات حالمة، أستمع للأغاني الجديدة وأشاهد الأفلام الجديدة لإضاعة الوقت فقط، أميل لأفلام القصص الاجتماعية الدرامية، التي فيها دراما عالية وأشعر أنها حياة حقيقية، لا أحب الأفلام البوليسية والرعب والإثارة . إذا وصلت بالسيارة من مشوار بعيد وتوقفت عند إشارة شارع المدينة المنورة، أرى أمامي فيديو الموعد فأشعر براحة نفس كبيرة، إلى اليمين الدخل المحدود والى الأمام طريق مكة، أذهب إلى اليسار، الشارع المؤدي لبيتنا وهو المؤدي للبديعة والسويدي، أرى المحل في هذا الليل الجميل مزدحماً بالناس من الجنسين ومن كل الأعمار.
هنا التقينا ذات مساء، هنا عرفتها أول مرة، تواصلنا بشكل متقطع بالهاتف، لكن ما زلت حتى الآن لا أعرفها, رغم مضي سنوات طويلة على تعارفنا الخجول داخل المحل، هي تتابع الأفلام الهندية وتعرف ممثليها وتعرف أغنيات الأفلام المشهورة، وأنا بسبب الملل صرت أتابع بعض الأفلام والمسرحيات والمسلسلات العربية والأجنبية ولا زلت أذكر تفاصيل فيلم أحلام هند وكاميليا لنجلاء فتحي وأحمد زكي ، قرأت فيما بعد أنه صار من أفضل مئة فيلم عربي، أزور هذه الحارة العذبة بعد غياب فأتذكر موسيقى أغاني الأفلام المشهورة، موسيقى راقصة فيها شجن وحزن تعيدني لزمن مضى.
الآن.. في هذه اللحظة، أراها في الشارع من بعيد تتلفت حولها، قلت: ليتها تتذكرني، أراها تفتش في حقيبتها، ربما تدرك الآن أنها نسيتني، هنا، في منتصف الحارة، وليس في حقيبتها الفارغة.
هل اتفقنا أن نلتقي في المساء، ربما، لكن النوبة عاودتني فنسيت من أنا، وفي الصباح حين اتصلت بها، لم تسألني أين كنت ليلة البارحة ولهذا ارتحت، سمعتها تعتذر بهدوء عن العصبية التي كانت فيها وعن غيابها، في اللحظة التي كنت فيها أحلم أنني أتزوجها في موكب بسيط بعد مشاعر عميقة، وسط حياة مملة وبلا روح . التقينا كثيراً في أوقات قصيرة جداً ومسروقة ومرتبكة لكننا لم نتواصل، لأنني كنت أعاني من ذاكرة سيئة ومزاج قلق، وهي تعاني من نوبة عصبية، مع ذلك ما زلت أراها، مازالت أمامي، وأنا ما زلت خلفها، هي أمامي بعيدة مثل نقطة ضوء يهتز، حقيبتها خلف ظهرها، وأحلامي الصغيرة في حقيبتها. فجأة تتوقف على الرصيف، تتلفت حولها، قلت ربما تتذكرني، أراها تفتش في حقيبتها، قلت ربما تدرك الآن أنها نسيتني، مثل أوراق قصيدة قديمة، هنا، في منتصف الحارة، وليس في حقيبتها الفارغة.
دخلت محل فيديو الموعد صباح الخميس، كان خالياً من الزبائن، وكان شباب المحل يغسلون الأرضية السراميك بالماء والصابون، متعة التجول بين ألبومات الأفلام لا تعادلها متعة , بالذات حين يكون المحل خاليا أو قليل الزبائن، وجدت مسرحيات فيروز الغنائية المشهورة، ومسرحيات دريد لحام وأفلامه، وبالذات كاسك يا وطن، المحل يزدحم ليلاً فقط، وبالذات مساءات الخميس والجمعة، أولاد وبنات ونساء ورجال من مختلف الأعمار، يشترون أفلامهم المفضلة، أو يستأجرون الأفلام العربية والهندية والأميركية، ثم يشترون العشاء ويذهبون لبيوتهم. حين أدخل المحل أشعر أنني أعرف هؤلاء الشباب الذي يبيعون أو يؤجرون الأفلام في المحل، أشعر أن وجوههم مألوفة، ربما كنا نراهم في ملعب الملز في المباريات أو أمام بوابة سينما نادي الهلال أو نادي النصر التي كانت تعرض أفلامها مساء كل جمعة وكنا ممنوعين من دخولها لصغر السن. في تلك الفترة، لم أكن أعرف ماذا أريد بالضبط، كنت أقرأ الصحف يومياً وأتوقف عند الصفحات الفنية والرياضية والأدبية وأحاول كتابة يوميات حالمة، أستمع للأغاني الجديدة وأشاهد الأفلام الجديدة لإضاعة الوقت فقط، أميل لأفلام القصص الاجتماعية الدرامية، التي فيها دراما عالية وأشعر أنها حياة حقيقية، لا أحب الأفلام البوليسية والرعب والإثارة . إذا وصلت بالسيارة من مشوار بعيد وتوقفت عند إشارة شارع المدينة المنورة، أرى أمامي فيديو الموعد فأشعر براحة نفس كبيرة، إلى اليمين الدخل المحدود والى الأمام طريق مكة، أذهب إلى اليسار، الشارع المؤدي لبيتنا وهو المؤدي للبديعة والسويدي، أرى المحل في هذا الليل الجميل مزدحماً بالناس من الجنسين ومن كل الأعمار.
هنا التقينا ذات مساء، هنا عرفتها أول مرة، تواصلنا بشكل متقطع بالهاتف، لكن ما زلت حتى الآن لا أعرفها, رغم مضي سنوات طويلة على تعارفنا الخجول داخل المحل، هي تتابع الأفلام الهندية وتعرف ممثليها وتعرف أغنيات الأفلام المشهورة، وأنا بسبب الملل صرت أتابع بعض الأفلام والمسرحيات والمسلسلات العربية والأجنبية ولا زلت أذكر تفاصيل فيلم أحلام هند وكاميليا لنجلاء فتحي وأحمد زكي ، قرأت فيما بعد أنه صار من أفضل مئة فيلم عربي، أزور هذه الحارة العذبة بعد غياب فأتذكر موسيقى أغاني الأفلام المشهورة، موسيقى راقصة فيها شجن وحزن تعيدني لزمن مضى.
الآن.. في هذه اللحظة، أراها في الشارع من بعيد تتلفت حولها، قلت: ليتها تتذكرني، أراها تفتش في حقيبتها، ربما تدرك الآن أنها نسيتني، هنا، في منتصف الحارة، وليس في حقيبتها الفارغة.