جمال قصودة - أنطولوجيا المفروزين شعريّاً في تونس

إن الفرز إنما هو فعل قسري محض، وإن ارتبط في بعض الأحيان بخيار ذاتي إرادي، وإن تدثّر في أحيان أخرى بهدف السعي إلى التمييز، لغة فرز الشيء عن غيره أو فرز الشيء من غيره أي عزله عنه، نحّاه وفصله. وقد يحمل هذا الفرز معانٍ إيجابية حينما يتعلّق بالتمييز أو التفضيل بين الجيّد والرديء، بين الجميل والقبيح. ولكنه في الغالب يحمل معانٍ سلبية كالإفراد والاستبعاد والاقصاء والعزل، خصوصاً في ظلّ الثقافات السلطوية التي تحترف وأد الاختلاف وطمسه لضمان المنافع الدائمة واحتكارها.

في هذا السياق، يكون الفرز فعلاً أوليغارشياً استبدادياً ينمّ عن رؤية قاصرة لسيرورة التاريخ. فالمجتمعات الساعية إلى تثبيت أقدام الديمقراطية في أرضها، عليها محاربة هذه النتوءات الفطرية المتمعشة من حقول الآخرين والرافضة وجودهم، والمحارِبة أيّ نبات أو زهر مختلف شكلاً أو مضموناً.

«المفروزون شعريّاً»، هم ثلّة من الشعراء التونسيين المغيّبين منذ سنوات عن الساحة الثقافية، رغم غزارة إنتاجهم الشعري ورغم جودة نصوصهم. إلا أنّ الأوليغارشيا المتنفذة ومحتكرة الساحة، ترفض وجودهم وتعمل ليلاً ونهاراً على استدامة هذا التغييب والاستبعاد. هذه الأوليغارشيا قد تتغير ويتبدّل المنتسبون إليها ومحترفوها، لكن الفعل لا يتغير والحال على ما كانت عليه منذ سنين. المفروزون أنفسهم والمغيَّبون أنفسهم، والحضور واحد وفي كل مكان.

نصائح لتسقط من قائمة المفروزين شعرياً

لكي توجد في الساحة الثقافية التونسية، لا تشغل بالك كثيراً بالنصّ أو بجودته، لا تشتغل كثيراً على نحت تجربة متفرّدة، كل ما عليك فعله أن تكون عضواً أو رئيساً لهيئة تنظيم مهرجان شعريّ. لأن هذا الفعل هو الضامن الوحيد لوجودك في كل مكان، والضامن الوحيد لتبادل المصلحة والمنفعة مع غيرك من مديري المهرجانات الأدبية الذين يشكلون الأوليغارشيا الشعرية.

وفي حالات قليلة أخرى عليك ألا تسير عكس التيار ـ تيار قصيدة النثر الجارف ـ فمن السهل جداً أن يجرفك ناثر أو شاعر كلاسيكي متنفذ بالقذف بالكلاسكية لأنك تقوّض وجوده بنصّ أكثر حداثة هنا أذكر شاعراً كلاسكياً اختصر الشعر التونسيّ المعاصر في جماعته ـ جماعة القيروان ـ وفي «حركة نص»، وأسقط الكلاسكية والكلاسكيين جميعاً ونسي أن يسقط نفسه ـ مقاله منشور في إحدى المجلات الخليجية .

نصيحة أخيرة، عليك أن تحترف البروباغندا كأن تسوّق لنفسك كصاحب مدرسة إبداعية ـ مدرسة بلا أبواب ولا نوافذ ـ أو كراعٍ للكتّاب الشباب علناً، ومحطّمٍ لإبداعهم سرّاً. ولا تنسَ أن تكون وصيّاً على الشعر التونسي المعاصر وحامياً حماه الرافض كلّ مختلف أو غريب عن مدرستك بأبوابها المخلوعة وحيطانها المتهالكة. إن فشلت في تكوين مدرسة فلا بأس بنادٍ أو صالون أدبيّ أو دار نشر أو صفحة في جريدة بائسة. هذه الحيل كلّها هي سبيلك نحو التنفّذ والتسلّط بلا شعر ولا نصّ.

من أسباب الفرز الشعريّ

قد تتعدّد الأسباب لكن الإقصاء واحد كما الاستبعاد والتغييب. فمنهم من اختار طريقه إرادياً وفرز نفسه بنفسه، لأنه فشل ربما في الانخراط أو تعفّف وهو في النهاية مفروز. وفيهم أيضاً المَقصيّ لأسباب فكرية وإيديولوجية كأن يكون ثورياً حقيقياً في زمن الانبطاح، ووجوده اليوم يذكر الأوليغارشيا بقائمات المناشدة والطحين البنفسجي الخالص. أو أن يكون في زمن الحداثة كلاسيكي النصّ والأفكار وهو أيضاً مفروز رغم اختلافنا معه. وثمة فرز ثالث أشدّ قتامة ووجعاً هو انخراط بعضهم في العصبيات المناطقية المنغلقة التي لا تقبل الآخر أصلاً، فمناطق عدّة من تونس ـ وبعيدا عن الجهوية ـ انغلقت على نفسها فكانت ضحية أفعالها ولم تقدّم كتّابها للآخرين ولم تفتح أبوابها لغير أبنائها، تلك المناطق فرزت نفسها بنفسها وفرزت كتّابها.

لماذا الأنطولوجيا؟

كغيرها من الأنطولوجيات ورغم إيجازها وجدت هذه الأنطولوجيا لتبيان وجود فعليّ وقاطع عدداً من الشعراء المستبعدين من المشاركة في التظاهرات الثقافية والشعرية رغم سيَرهم الذاتية الزاخرة بالأعمال الإبداعية، ورغم جودة نصوصهم. لذلك أرفقنا السيَر ومختارات شعرية لغالبيتهم:

ملاحظة مهمة: هذه الأنطولوجيا وبما توفّر من سيَر ونصوص لم تنخرط في الفرز أو التعصّب لمدرسة أو منزع أو لتوجّه فكري أو إيديولوجي. فالشعراء الذين سنتحدّث عنهم، فيهم من يكتب قصيدة النثر والعمودي والتفعيلة وفيهم اليساري والإسلامي.

هل هو فرز شعريّ أم فرز أوليغارشي؟

الحقيقة كنا سنقبل هذا الفرز لو استند إلى محكّ جماليّ خالص يقوم على المفاضلة بين النصوص الجيدة والرديئة. ولكن هذا الفرز هو فرز أوليغارشي إقصائيّ يهدف إلى احتكار المنافع بعيداً عن النصّ أو تقييم النصوص أصلاً.

عبد العزيز الحاجي شاعر وأكاديمي :

شاعر وأستاذ جامعيّ في المعهد العالي للّغات في تونس، قيرواني المولد، أصيل منطقة حاجب العيون. اشتغل في بحثه الجامعي لنيل شهادة الدكتوراه حول تجربة الشاعر العراقي سعدي يوسف. انطلقت تجربته الشعرية منذ التسعينات حيث أصدر أربع مجاميع شعرية وهي على التوالي: «أفراح مختلسة» 1992 ، «صباية مختصرة»، 1994 «صفير الوقت» 1996 ، و«غميس الغمام» 1997 . ثم خيّر الانقطاع عن المشاركات والنشر، وبعد 18 سنة عاوده الحنين فأصدر «السنة الفارطة» 2016 المجموعة الشعرية الخامسة في رصيده بعنوان «شهقت عيني في المرآة»، وأصدر منذ أيام قليلة المجموعة السادسة ليعود بذلك إلى النسق الطبيعي في الإصدار. حملت المجموعة الأخيرة عنوان «بيت الشهيد… بيت القصيد»، ورغم هذه العودة وهذه الإصدارات بقي وجوده منعدماً في التظاهرات الأدبية.

مقتطف من قصيدة «في مهب الروائح»:

ما أنا أعمى

كلا وما بي صمم

ولا أنا قد عدمت الشمّ واللمس يوماً

مع ذلك، كم زهرة قد ضحكت لي

لم أتعرّف إليها

ولا أنا سمّيتها

إذ شممتها.

وكم طير أهداني أغنية

ليهند بقلبي والجوارح

فلم أزل أتخبط ـ مغلولاً ـ في خرسي،

بينما طائري يرفرف ـ طليقاً ـ في فضاء النسيان

حتى لا ذكرى مما بلوت

إلا ما بات يعييني

ويعيي لساني.

سليم دولة شاعر وفيلسوف

شاعر وفيلسوف أصيل مدينة قفصة في الجنوب الغربي لتونس، يعدّ ممثّلاً للفلسفة المنفصلة عن البحث الأكاديمي، ومن أهم فلاسفة تونس والعالم العربي. نشر أول أعماله «ما الفلسفة» وهو طالب في كلية العلوم الإنسانية في تونس التي تخرّج منها وأصبح مدرّساً للفلسفة. ما زالت علاقته الحبرية متواصلة مع الشعر والفلسفة من خلال ما ينشر له في بعض الدوريات العربية والصحف الثقافية. ويذكر أن جريدة «لوموند» الفرنسية لقّبته بـ«فيلسوف الصحراء»، وأطلق عليه آخرون ألقاب: «سقراط مدينة تونس»، «الكاتب الحرّ»، و«نيتشه تونس».

من إصدارته: «ما الفلسفة»، المغرب 1987 ، «السلوان والمنجنيقات»، شعر، دار رؤى 1995 ، «الثقافة والجنسوية الثقافية»، سورية 1997 ، «الجراحات والمدارات»، تونس 1997 ، «كتاب ديلانو شقيق الورد»، شعر 2008 وله بعض المؤلفات المخطوطة: «بيان بغداد السقراطي»، «مقالات في الفكر السياسي»، «أمة جنت فصولها»، «في نقد الشأن اليومي».

عُرف سليم دولة بتعفّفه الشديد، لذلك يغيب عن الملتقيات الشعرية والأدبية.

مقتطف من ديوانه «ديلانو شقيق الورد»:

جمعت شتات أمري.

حصاد هشيمٍ كنت، حبيبات نبقٍ لم يتحسس وجودها العنز، نبتة حميضةٍ اشتهتها امرأةٌ حبلى، أو أي شيء كهذا، شقيفة طينٍ مثلاً كنت في أرض «الفالتة»، تميمةً قدت من رأس هدهدٍ تمرّغ في الرماد فوقع، جلد حيةٍ غيّرت ثوبها، سفيفة طينٍ تعرف العذارى سرّها، وبر جملٍ تلاطفه السحيراء، الطفل الذي كنت يسمونه:

«الفرخ الإيطالي».

نهض.

نهضت، ذات صباحٍ، تونسيّ كسمولوجي، الميقات ميقاتي، وأنا سيّد زمني وحركاتي، عند الساعة الرابعة من اليوم الرابع من الألفية الرابعة، أبوس تراب الكواكب وأجري سبقاً. أراهن الانتصار على ظلّي وذاكرتي كما تشتهي شهوتي. إن متّ ثانيةً لن أموت بغصّتي. قواديس مائيّ بيدي، النجيمات فوانيسي والمجرات رفيقاتي.

محمد الخامس بن لطيف شاعر

شاعر تونسي أصيل محافظة قبلي في الجنوب التونسي، قد يكون الأكثر غياباً عن الملتقيات الأدبية المنجزة. في شأن سيرته الذاتية قال التالي: لا أذكر شيئاً كثيراً عن البدايات. سوى أنني كتبت الشعر في صباي. وظللت أكتب وأقرأ نصوصي لأصدقائي. إلى أن تم توجيهي إلى شعبة علمية. وهو ما أبعدني وأراحني من الدراسة الأكاديمية للشعر التي أراها خانقة. ودخلت الجامعة في شعبة الهندسة المدنية. وقتذاك بدأت أعلن عن نفسي.

اخترت النشر الإلكتروني عبر مدونتين لي. ثم وبعد زمن طويل من الكتابة اخترت أهم النصوص وطبعتها في ديوان 2016. جزء أول بعنوان كبير واحد «مرافئ الحزن البعيدة: قصائد حب». سيكون الجزء الثاني بعنوان فرعي: «قصائد حزينة».

مقتطف من نصه الاخير «طاولة الخمر».

طاولة الخمرة صارت وطناً

وشواطئ زرقاء!

ونادلك المفتون ترنّحه الشهوة

والروح القدس الأممي تنزل

لم يحكم شيئاً يذكر

فالآيات هي الآن بقلبي

نهنهةٌ وسلام،

آي الغيبة. اقرأ:

باسمك!

يا هذا الموغل في الفرح البشري

وما أتقنت من الوجد

أقسم إذ أنت رحلت

لقد جاء الله إلى العتبات.

ونام،

وثملت حزيناً

مثل صنوبرةٍ في التلة

ترمي أوراقها للغرباء

وتكشف عن فخذيها النهريين

مدى الأيام،

وثملت حزيناً

كحروفٍ تلهث

خلف كلام.

عمر سبيكة شاعر وسينيمائي

شاعر وسينمائيّ تونسي، أصيل مدينة حمام الأنف في الضاحية الجنوبية للعاصمة تونس، حاصل على شهادة مهندس مساعد في النسيج، اختصاص صباغة وتكملة، يشغل الآن خطّة تقني أول للمخبر فوق الرتبة في المركز الوطني للبحوث في علوم المواد في القطب التكنولوجي في برج السدرية، عضو في الجامعة التونسية للسينمائيين الهواة، عضو في الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان كاتب عام سابق وعضو اتحاد الكتّاب التونسيين.

أصدر عمر سبيكة ثماني مجموعات شعرية: «عناق» 2001 «الأرض تركض خلف خطاها» 2001 ، « كليم الورد» 2003 ، «أفق الناي»، «جناح القطار» 2005 ، «قتلى»، «حتى مطلع الأرض» 2007 ، «بيان الحديقة» 2009 ، «إلى آخر المطر» 2011 ، «الوثبة البيضاء» 2011 . ولقد أنجز الكثير من الأعمال السينمائية التي تم تتويجها في مناسبات متكرّرة. ولكن رغم، زخم التجربة، غيابه أو تغييبه عن الساحة الثقافية لافت ويطرح أكثر من تساؤل.

مقتطف من نصّه «أعود كما العيد حتماً يعود»:

أعود،

كما العيد حتماً يعود.

أعود

كما اللاجئ سارحاً في رؤاه يعود.

أعود

كما الذكريات تعود، تراقي سماء البلاد.

أعود

كما الخطو يستدرج الخطو في حفلات الرماد.

أعود

كما الطفل يستلم العيد في طلقات الجنود.

أعود

كما الشهداء يعودون من غربة أطفأت عيدهم والبلاد.

طارق الناصري شاعر وباحث

شاعر تونسي أصيل مدينة بوسالم التابعة لمحافظة جندوبة في الشمال الغربي لتونس، حاصل على الأستاذية في اللغة والآداب العربية من كلّية الآداب في منوبة، يشتغل في التدريس ومنشغل في البحث في السرديات. أسّس مع شعراء ومبدعين «نادي أسئلة الإبداع» في كلّية الآداب في منوبة عام 1994. من إصداراته: «العاديات» 2010 ، «على حجر باردٍ». «نتبادل عشق الأغاني» 2014 . أما المخطوطات التي تنتظر النشر: «حافة الماء» شعر ، «مالك الحزين» سيرة مجازية للثورة التونسية ، «في نقد الشعر: قراءات في النصوص الشعرية الجديدة»، «في نقد السرد: قراءات في نصوص سردية مغاربية».

يقول إنّ غيابه عن الملتقيات الأدبية قد كان خياراً شخصياً.

مقتطفات من قصيدة «أعلى الفجر»

أنهض

أنا والضوء الآن، وتحديداً عند أقفال البدايات

هو: من أين أتيت؟

أنا: من أين أتيت؟

يسبقني خطوة، يتغيّر لونه، يتبعه باعة الخضار، الأمهات، الذاهبون إلى الله والناجون من الليل.

من أحلامهم، والباحثون عن منبت الأمطار

عائداً من أهوال الظلمات

هل كنت فعلاً هناك أيها الضوء؟

كيف نجوت من مخالبها؟

عائداً من كيد النهايات.

قال لي الضوء: ساعدني كي نفكّ أقفال خيبتنا

أنت تأخذ وجهتك نحو الطين

فتمسك بجذوة الأسرار في أعلى الفجرٍ

وأنا آخذ حفنةً من أحلامك حتى أفني هذه الظلمات العالقة بالنهار!

سعيف علي شاعر وقاصّ

ولد سعيف علي في 16 آذار 1972 في دار شعبان الفهري تونس . يشتغل وكيلاً لشركة خاصة على ملكه. تندرج تجربته الشعرية بوجه عام في ما يعرف بـ«شعرية الأشياء»، وهي لون من كتابة الشعر أسّسه الشاعر الفرنسي فرانسيس بونج 1899 1988 يقوم على التقاط الموحي والمفارق من تفاصيل الأشياء. تزدحم قصائده بالصور المباغتة المربكة وتكشف في مستواها الدلالي عن صفتين تبدوان متعارضتين: هشاشة نفسية بالغة شبه طفولية وشعور قوي بالتفرد. من مجاميعه الشعرية: «مطر آلان في يدي» 2008، «نصف بيمول من مقام الرست» 2011، «المرايا لا ترى النور 2012، «طينيات» 2014. وله إصدار في جنس القصص القصيرة جدّاً: «محاولة للبقاء خارج ساعة يدوية» 2013.

من نصّ «ضمائر»:

هو، عقر راحلته. تاه في الطرق يجمع أكواماً من الحجر، ويحفر حفراً يبيت فيها ثم يمضي يتبع الشمس يريد أن يلحقها.

أنا، كنت أمشي أفكر أمامي. كان ظلّي يتبعني يمحي أثري عن الطرق ويبعد عني الماضي الذي لا يريد أن يتركني.

نحن، كان يتوه يعقر الراحلة. كنت أتوه أعقر الماضي.

هم، كان ظلّي يدفن الراحلة في الحفر.

سالم المساهلي شاعر وإعلامي

شاعر وإذاعيّ تونسيّ مولود في مدينة تالة التابعة لمحافظة القصرين، يشتغل أستاذاً في المعهد الأعلى لتكوين المعلّمين في الكاف. وهو منتج إذاعيّ في إذاعة «الكاف» وعضو في اتحاد الكتاب التونسيين منذ سنة 2003.

صدر له: «أشواق الخيل» شعر 2002. « ماذا»، «لو يبوح النخل؟» شعر 2003. «حديث البلاد» شعر 2005.

مقتطف من قصيدة «الحرب تعلن ضدّنا»:

الحرب تعلن ضدّنا

ضدّ التراب الحرّ

والتاريخ والذكرى.

وديوان العروبة والفتوح

أما «الدواعش» والبراقش

فالرؤى تدري

أن مطيّة الأعداء

أوكار العمالة والجنوح

وأنّ صنّاع الخراب يوجّهون

ويفتلون لنا الطموح

ها أنهم آتون في سير الملاحم

كي تمزّقنا القروح

وسيحفر الأعداء

في جذر النخيل ويسكرون

وسينبشون قبور كلّ الشاهدين

ويرقصون!

هشام دامرجي شاعر ومترجم وقاصّ

شاعر ومترجم وقاصّ تونسيّ متخصّص في علاج عيوب النطق ويعمل مديراً تربوياً في مركز اجتماعيّ في دبي. من جيل الثمانينات. أصدر: «مرافئ الحزن» شعر ، «معك يا أمّي» قصّة للأطفال ، «صقري الجميل» قصّة للأطفال ، «سلطان القاسمي… الفكر والإنجاز» بحث . أما التراجم للفرنسية فقد أصدر: «بين طرقات باريس» رواية لفاطمة الحمادي ، «وكأنني للتو» شعر . له عدد هام من التتويجات الوطنية والعربية منها: جائزة وزارة الإعلام والثقافة. الامارات 1992، جائزة النقد. ربيع الفنون في القيروان 2006، جائزة وزارة الثقافة وتنمية المجتمع الإمارات 2009، جائزة مؤسسة زايد الثقافية 2016.

من قصيدة «هفوة»:

نعاتك هم

وليسوا نعاتي

وتلك رفاتك

ليست رفاتي

أنا لم أمت لحظة

ولكنّها عثرة من عثراتي

كطفل تلكأ في مشيه

فسقطتُ

وعدت سريعاً إلى خطواتي

وعن ركبتي مسحت التراب

ولملمت ما سال من عبراتي

وما كنت أبكي عليك.

ولم تبكني غيرها

هفواتي.

خالد الهداجي شاعر

خالد الهداجي، شاعر شفّاف هو آخر المنتسبين إلى مدرسة الطاهر الهمامي «في غير العموديّ والحرّ» وهو امتداد لها ولحركة الطليعة الأدبية. وهو آخر النخيل الباسقة التي ما زلنا نراها تمشي واثقة الخطى من دون أن تعفر الجباه. خالد الهداجي، رجل في رأسه عقل، عقل أحمر. وشاعر بين ضلوعه قلب، قلب أخضر. خالد إذاً شاعر يفكر «إذ تتآزر في بناء قصائده حركة الفكر وإرادة التنظيم وهي تشفّ عن رؤية للوجود وموقف من العالم في الوقت ذاته الذي تتكشف فيه عن بنية شكلية صارمة. وفي هذا الجمع بين بنية منغلقة مضغوطة ودلالة منفتحة يكمن سر شعريتها المتوهجة».

مقتطفات من قصيدة «انزلاق أرضي» من مجموعته الشعرية «مجرد رائحة لا غير»:

في الربيع يمكن أن ترى كل هذه العربدة:

غرور الأشجار بخضرتها الناصعة،

كبرياء وردة حمراء توقظ شبق المراهقات.

غرور نهدين يمزّقان قميص سيدة جميلة متباطئة

تحت أشجار الشارع.

كبرياء أنفها الساخر من نظرات العابرين.

غرور طالبة تجيد الرقص على طاولات الدروس المسائية.

كبرياء شاعر وحيد يتأمل هواجسه.

لا يعنيه إضراب عمال المناجم أو موت سنبلة.

بغرور وكبرياء تمر قامات العابرين في الشارع،

تجرّ أوهامها سكرى بنسمات الربيع.

كل هذا سينحني لرياح الخريف.

محمد ناجح الطرابلسي شاعر وكاتب

كاتب وشاعر تونسي من مواليد صفاقس 1975، أستاذ مدارس ابتدائية. صدر له ديوانان: «نزيف الصمت» و«سنابل القحط».

من قصيدة «هنيئاً يا رئيس»:

أسكب هنيئاً سقاك الشعب حرقته

وامضغ مريئاً رغيف الصمت في وطني

نحن الضيوف وأنت الدار صاحبها

ماضر ضيفٌ رماه الجوع أن يهن

البرد شقت خدود الكاف لدغته

والفحص شادت من الأعواد مستكن

قصرين سنت لجار البين مديتها

يلقي المنية بين الغر واليفن

قفصة تنوح على الفسفاط سائلةً

من ذا الأحق بما أوتيت من خبني

قد غمّ قابس من أهوال ماسكبوا

سمّ زعافٌ بلون الموت والكفن

مدنين أرخت لذي الأحقاد عروتها

ذر القطيع وعاض الفحل بالعطن

قرطاج عرت لأولي الأمر عورتها

أضحت تغطي عيون الشمس بالمزن.

محمد الهادي عرجون شاعر وناقد

شاعر وناقد تونسيّ، أصيل منطقة بنقردان محافظة مدنين في الجنوب التونسي. أشرف بين عامَي 2002 و2004 على نادي الإبداع الأدبي في دار الثقافة في بنقردان، نشر غالبية قصائده على أعمدة الصحف والمجلات التونسية. وله عدد هام من الدراسات النقدية والقراءات التحليلية، عضو في نادي الشعر والقصّة في دار الثقافة باب البحر في مدينة صفاقس، تم تكريمه عام 2004 من طرف اللجنة الثقافية لمدينة بنقردان نظراً إلى مساهماته في إثراء الحقل الثقافي في الجهة، عضو مؤسس وكاتب عام مساعد لجمعية الوشم الأدبي في بنقردان.

له حالياً مجموعة تحت الطبع عنوانها «آيات بيّنات من الوجع الأخير».

من قصائده:

الجثة الأولى

لم أكن أدري

أنّ الرصاصة الأولى

مرّت على كتفي

تذكّرتها

لم أصرخ وقتها

ولا صهيل الخيل سمعته

ولم أكن أدري

أنّ الرصاصة الثانية

تزوّجت كبدي

فأنجبت جثةً هامدةً!

شاعر تونسي مدير تحرير موقع «أنتلجنسيا للثقافة والفكر الحرّ»

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى