د. سيد شعبان - سيدنا نجيب محفوظ وتابعه الطيب صالح!

حين تقرأ لنجيب محفوظ نصا سرديا فأنت مقدم على مغامرة لاتؤمن عواقبها، هذه تجربة أمر بها؛ أحاول التخلص من إسر قبضته؛ أتهيب نصوصه التي تحتمل أكثر من وجه للتأويل.
هناك من قرأه عجلا فجاء حكمه غير صائب؛ يمتلك نجيب محفوظ معجما لغويا قل أن يتوفر لمبدع غيره؛ أعماله السردية تشي بما اختزنه في عقل يراوح بين فنون الرواية؛ قديما وقعت في قبضة أحادية التأويل؛ جاءتني تلك النظرة من بعض قصار النقد وأصحاب النظارة السوداء؛ حين أمسكت بالقلم دارسا وباحثا في العربية أصواتا ودلالة ونقدا هالني مقدار شطط تلك القراءة؛ بدأت رحلة السرد فاستحوذ إبداعه على مشروعي؛ أراه أكبر من أن يقارن بجهد مجمع لغوي؛ فالرجل أدخل مفرداته في ثقافتنا المعاصرة؛ براعة التصوير وقولبة الأداء تجعلك أمام رجل منضبط فكرا وإبداعا؛ ثمة شخصيات سجلها بقلمه: السيد أحمد عبدالجواد، أمينة؛ محجوب عبدالدايم، زهرة، قدم صورة دقيقة لعوالم الحارة في المحروسة، الدكتور بوشي؛ حميدة وجعدة وزيطة، إنها تيمات في المعالجة الدرامية العربية؛ إذا ماحاول سارد أن يكتب فهو محاصر بأداء نجيب محفوظ وعلى حد وصف د.عبدالمحسن طه بدر متلبس بالرؤية والأداة من منظار نجيب؛ يقرأ الرواية كما قرأ محمود الربيعي.
حين يطالع السارد كتاباته يتمهل حتى يتبين روعة ما خطه بقلمه؛ تلك جنايته على الأدب العربي؛ بين عبقرية التداخل في الحياة وتقديم نماذج بشرية تكاد تتواجد في بيئة مضت.
هل كان نجيب محفوظ كاتبا أيدلوجيا؟
مؤكد أن السارد لايسطر في فراغ ولايعبث بأبجديته عبث عشواء، يمسك بعنان قلمه وينتقل به من عمل إلى آخر، يثير حراكا نقديا ويقدم نماذج سردية مغايرة.
هل يصلح عمل واحد للحكم على متجزه؟
هذا ابتسار لايليق، وعبث نقدي في ثقافة عاجزة، من تهجموا على الرجل كانوا من هؤلاء المجتزئين أو المحملين بعداء للتحديث، حتى إذا انتهوا منه نصبوا من أنفسهم قضاة يحكمون بأدلة اتهام عاجزة مغرضة.
علينا أن نقرأ ونتفاعل مع نصوصه، ننظر إلى بنيته العميقه وطريقة صياغة الجملة عنده؛ إنه يهندس عباراته ويضبطها بإيقاع متقن؛ يماثله في هذه المقاربة الطيب صالح وقد أحسن تصوير عوالم السودان وشخصياته؛ المتزمتون في كلا البلدين أقاموا الدنيا حلا وتحريما فيما وراء النص؛ يقولان الرجلين ماسكتا عنه؛ فخسروا روعة القراءة، وأحاطت بهم ظلمة عقل يحتاس في كهف تسكنه حيات وعقارب.
هذان مبدعان تعرضا لسوء النقد وتجزئة الفهم؛ فوقع القراء في شرك الأيدلوجيا التي جزأت وأهدرت قيم الانتماء والتواصل.
على الطرف النقيض هناك من أقعد نجيب مقعد الريادة فلا يصح أن يكتب بعده مبدع؛ إنه المولد المحفوظي والدوران في فلك قطب الرواية العربية الأوحد؛ فلا كاتب بعده ولاسرد إلا ماخطه يمينه!
من هنا دارت عجلة البحث والكتابات النقدية وراءه؛ هذا ينظر في مرآته وذاك يقتفي أثره، وبتنا في ظلمة التقليد وسراب التدليس.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى