(الشاعر مؤمن سمير: أحرقُ مسودات أعمالي حتى أنجو ) حوار/نضال ممدوح

قبل شهرين خصص الملحق الأدبي لصحيفة "لوفيجارو" ملفا تمثل في نشر نوعية من الكتب باتت تحظى باهتمام القراء مؤخرا، يتعلق الأمر بمخطوطات ومسودات بخط اليد، لدواوين شعرية وروايات شهيرة لكتّاب معروفين، تم طبعها في كتب كما وصلت مخطوطا للناشر؛ هكذا يمنح المخطوط المسودة فرصة للقارئ لولوج العالم الإبداعي للمؤلف في حميمياته من خلال مسوداته الأولى، من خلال تنقيحاته وملاحظاته، وخطه وإمضائه، وأحيانا الرسومات التي يضعها على الهوامش. الآن لم يعد متاحا لكتّاب معاصرين هذا النوع من النشر، لم يعد هناك أحد يكتب أعماله بخط اليد، لم تعد هناك مسودات.

الــ"الدستور" استطلعت آراء الكتاب والمبدعين حول الأمر٬ وهل يوافق الكاتب علي هذه التجربة أي نشر مسودات ومخطوطات أعماله في صورتها الأولي بخط اليد دون تنقيح أو تدخل؟ وهل مازل هناك من يكتب بخط اليد أم بغيره؟ و غيرها.

وفي هذا الصدد قال الشاعر مؤمن سمير: كنتُ وما زلتُ، أرحب بنشر مسودات ومخطوطات أعمالي في صورتها الأولى، طبعًا، ولكن في حالة أن تكون مازالت موجودة٬ تنظر لي بتحدٍّ لتحاسبني على يقينياتي الفنية التي تتحول دائمًا ولا تثبت أبدًا !!.. دائمًا وأبدًا، كان اشتغالي بالإبداع واحدًا من أهم أسباب قلقي وتوتري الدائم ورعبي بل ومرضي أحيانًا.. لهذا أحرق مسوداتي باستمرار لأتخلص من عبء لحظة المخاض وآلامها وعبورها المؤذي مرة أخرى لروحي المثقلة.. وكانت المرة الثورية الأولى- اللحظة الجبانة بالأحرى- هي لحظة النظر إلى كرتونة ضخمة تحتوي كل ما كتبته من القصائد العمودية والتفعيلية ثم التقدم بخطى مرتبكة وإشعال النيران فيها٬ فيما يشبه الحفل الدموي، وذلك بعد أن اقتنعت بعد مفاوضات كثيرة مع نفسي، أن السكة التي بها يمكن أن أقرأ نفسي ثم أعريها٬ بدون أشباح يقيمون في دمي هي قصيدة النثر. ثم استمرأتُ حالة القتل تلك مع كل ورقة فيها قصيدة جديدة بعد كتابتها بسطور مرتعشة ومهتزة وخط غريب عني ولا يرى السطور.

تابع سمير موضحا: في الإبداع٬ دائمًا ما تسيطر عليَّ فكرة أن أكون بلا ذاكرة، حتى أتمكن من التحديق في بحار أخرى والخروج بنفثة حياة جديدة وولوج لأراضٍ بعيدة عن طريق زوايا نظر أخرى.

أكتب حتى اليوم على الورق، في أي مكان وفي أي زمان وبعد أن أقاوم التدوين لفترة. وكأني أطلب من الفكرة أن تلح وتناضل حتى تخرج للنور، ثم أُبيِّض العمل على الكمبيوتر ليخرج في الغالب، مختلفًا عن فكرته الأولى، حيث لا قداسة مطلقًا، للفكرة الرومانسية التي تضفي وجاهةً وحلاوةً على الفكرة الأولى ومن ثَمَّ الكتابة الأولى وترى اللعب فيها نوعًا من الافتعال. أوقن أن مرحلة التدوين هي مرحلة ينضغم فيها الفنان الذي يتعامل مع الكون برهافة ليسلب منه لمحة ربما تكون غائمة أو مخفية، مع الصنايعي صاحب الخبرة، الأكثر برودةً والأقل انفعالًا..

قدمت دواويني الأولى للنشر على هيئة مخطوطات بخط اليد وكان الأمر غالبًا ما يصنع كوارثَ في الجمع لهذا فطريقة تقديم عمل للناشر بصيغة البي دي إف هي الأفضل والأكثر أمانًا..

واختتم مؤكدا: ورغم كل هذا فأنا أستمتع بعمل الباحثين الأدبيين الذين يقارنون المسودات مع الأعمال المنشورة واكتشاف الفروق التي توضح طريقة تفكير المبدع وتحول أولوياته وقناعاته الوعيية واللغوية. المبدع يكون في هذه الحالة وخصوصًا بعد وفاته- قد تحول إلى قيمة فنية من اللائق والمجدي أن نحاول طول الوقت التحاور معها لنفهم ونقرأه بشكل أوفق لكن أثناء حياته أظنه يصير أقرب إلى القيمة التي مازالت أطوارها تتشكل وتنتظر لحظة ما يتوقف فيها المدد لنُشرع نحن مشارطنا البيضاء٬ الطيبة.
موقع"الدستور"- السبت 30/يناير/2021

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى