رحو شرقي - الوصف في القصة

" أنا لا أطلب منك أن تصف سقوط المطر، أنا أطلب منك أن تجعلني أتبلل، فكر بالأمر أيها الكاتب." إدواردو غاليانو


طُرحت عدة نقاشات لإثراء القصة، بمحاور عديدة قصد ابتعاد الكاتب عنها وعدم الوقوع فيها على سبيل المثال وليس الحصر ...ومن أهم هذه المحاور التقريرية وما يعاب عليها .
• لماذا التقريرية ؟
للخوض في هذا السؤال لبد من التطرق إلى أنواع أسلوب الخبري وأضربه مع الشواهد .
1- الخبر : ما يصح أن يقال لقائله إنه صادق فيه أو كاذب.
2- الغرض من الخبر : - لفائدة ...كقول الشاعر ( وما كل هاوِ للجميل بفاعل**
ولا كل فعال له متمم )
- لازم فائدة.... ( وهنا لا يفيد الخبر للمخاطب بشيء .
ومن خلال ما سبق ذكره نلخص الخبر في غرضين ( لفائدة ، ولازم لفائدة) .
كما تتعدد الأغراض من خلال فهم السياق إلى أغراض أخرى غير الإخبار .
مثال : بكيتك يا عليُ بدمعي عيني
فما أغنى البكاء عنك شيئا
وكانت في حياتك لي عظات
وأنت اليوم أوعظ منك حيا.
فالغرض هنا في متن الأبيات ليس الإخبار ، بل يخبئ النص الشعري تحت جلده الحزن والفقد .
والأمثلة عديدة من إظهار الفخر، الضعف والعجز، التحذير و التهديد، النصح والإرشاد........إلخ
03- أضرب الخبر : للمخاطب ثلاث حالات
- ضرب ابتدائي : - حالاته ( أن يكون المخاطب خاليا من الذهن بحكم ، فيلقى إليه الخبر خالي من أدوات التوكيد)
- ضرب طلبي : - حالاته ( أن يكون متردد في الحكم، طالبا التوكيد عليه)
- ضرب إنكاري : - حالاته ( أن يستعمل المخاطب أدوات القسم،التوكيد، التنبيه في الإنكار والإجحاف)
نعود إلى التقريرية في القصة وأضربها من خلال ما سبق ذكره وحسب معرفتنا البسيطة والمحدودة وما يعاب عليها :
- توجيه المتلقي.
- الحد من الخيال.
- الإخبار غير اللائق.
- قتل التشويق.
- التسريع غير الجائز.
- عدم وجود الدافعية.
- الكشف وقتل النص .
السؤال : هل كل هذا يحدث في أضرب الخبر بعدما درسنا معانيه وأضربه؟
أترك الإجابة للمتلقي ....
---------------------------------
أنموذج :
مقطع من رواية بعنوان " ليس لدى الكولونيل من يكاتبه" غابرييل غارسيا ماركيز
تفاصيل التفاصيل الوصف في القصة :
"بعد أنْ حلق الكولونيل ذقنه بالتلمّس- إذْ لم تكن عنده مرآة منذ زمن بعيد- ارتدى ملابسه بصمت. كان البنطال ضيّقاً وملتصقاً بالساقين كأنّه سروال داخليّ طويل، ويغلق عند الكاحلين بشريطين منزلقين، ويثبّت عند الخصر بلسانين صغيرين من القماش نفسه يمرّان من خلال إبزيمين مذهّبين و مخاطين على ارتفاع الكليتين، فهو لم يكن يستخدم حزاماً. أمّا القميص الذي بلون كرتون عتيق، وله قساوة الكرتون أيضاً، فإنّه يغلق في أعلاه بزرّ نحاسيّ، وهذا الزرّ نفسه يثبّت أيضاً الياقة المستعارة التي كانت ممزّقة، لذلك تخلّى الكولونيل عن وضع ربطة العنق. كان يقوم بكلّ حركة كأنّه يؤدّي مهمّة خطيرة. وكانت عظام يديه مغطاة بالجلد اللامع المشدود والمخطّط بتفرّعات العروق كجلد الرقبة. وقبل أنْ يلبس حذاءه ذا الكعب العالي اللامع، حكّ الوحل العالق بنعله. وفي هذه اللحظة فقط رأته زوجته وهو يرتدي ملابس يوم عرسه. وأدركتْ عندئذٍ كم هرم زوجها. قالتْ: - تبدو كأنّك ذاهب إلى حدث هامّ. - هذه الجنازة حدث هامّ- قال الكولونيل- فهذا هو الميت الأوّل الذي يموت ميتة طبيعيّة منذ سنوات عديدة"
• السؤال : أين أدوات القسم، التنبيه، التوكيد ، أحرف التنبيه، الحروف الزائدة، قد ....؟
• ما هي أضرب الإخبار في هذا المقطع الأنموذج من الرواية ؟
• إذا ما الداعي لهذه التفاصيل ؟
يقول بعض العارفين بخبايا الأدب الغربي، أن الكاتب يريد الحفاظ على بعض الكلمات المفقودة من مجتمعاتهم في قصة الكولونيل... هذا من جهة، ومن جهة أخرى البناء لحدث قصد مباغتة المتلقي بقفله مفاجئة...حيث أشرك المتلقي بطريقة جد ذكية من خلال أسئلة زوجة الكولونيل وهي الأسئلة نفسها التي تدور في مخيلة المتلقي .
الجملة المفاجئة تكررت قبلها جملة " حدث هام....حدث هام " لإذكاء المتلقي وتهيئته لنفس آخر والبحث عن ماهية الشيء المهم وفي نفس الوقت لمفاجأته ..... " فهذا هو الميت الأوّل الذي يموت ميتة طبيعيّة منذ سنوات عديدة"...وهذه الجملة المفاجئة عميقة ومفتوحة على تأويلات عديدة، كما أنها توشي على نهايات الإنسان في ذلك المكان؛ لكن في كل الاتجاهات التأويلية.

• النتيجة : من المستحيل أن يخلو النص القصصي مع بنات عمومته من التقريرية، لكن طريقة التوظيف هي التي تعيب التقريرية في المعاني و الأضرب.

رحو شرقي – مدينة الأمير عبد القادر / الجزائر

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى