سالمة المغربي - دراسة نقدية لرواية (أنا خير منه) للأديب بهاء المري.

بداية نقول: إن الرواية الحقيقية هي التي كُتبت عن تجربة من الكاتب، ولم تولد عن فكرة شغلته لوقت ما.
إن الكاتب هنا رجل قانون، ومن المؤكد أن يكون قد عاش بعض هذه الأحداث الذي طوَّعها بعد ذلك بخياله ثم بقلمه، وزاد في حبكتها بإضافة مواقف إنسانية اجتماعية وسياسية ودينية، ولأن الأفكار متداولة بين الجميع ومتشابهة، كأنها تُعرض بالأسواق والطرقات؛ إلا أن الصياغة وطُرق التناول هي من تصنع منها قصصا وروايات جيدة أو فريدة. فالراوي حين يكتب عن تجربة، يعبر عن تجاربه الخاصة للقارئ ليشاركه فيها.
يقول تولستوي بمذكراته: "إنه كلما تقدم به العمر؛ كلما ازدادت ذكرياته القديمة وضوحا". وللقارئ بعد ذلك أن يطلق حكمه عليها من حيث التصنيف والجودة.
الغلاف.. صورة مُعبرة لكلب أسود، يُطلقون عليه كلب الليل، وهو أيضا يتبع الشيطان أو يتمثل فيه الشيطان، الذي ذكره الكاتب بالرواية عدد (14) مرة، ومرتان ذكر اسمه جملة (كلب أسود) بمشهد الكابوس المتكرر، والدم الذي يسيل من فمه الشرس؛ دال على قوة الشر التي تكمن فيه والتي يخرجها أثناء الفتك بغريمه.
العنوان: جملة اسمية (أنا خير منه) وهذه الجملة الشهيرة التي ذُكرت بالقرآن الكريم بسورة الأعراف آية 12، قال الله تعالى مخاطبا إبليس: "ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين" صدق الله العظيم.
ومن الرواية نكتشف وبسهولة، أنها تنطبق على ما يتفوه به مدعي التدين، بأنهم توصلوا بعلمهم وتدينهم لدرجة أكبر وأفضل من البسطاء، فلسان حالهم يقول: " أنا خير منه" أو نحن خير منهم.
الإهداء كتبه الراوي بشقين، أحدهما عام ويلمس مقصد الرواية: (إلى مَن يَبذرُونَ الحُبَّ في الأرضِ؛ فتَجْنيَ البَشَرية ثِمارَ السَلام) والشق الثاني لأحفاده وأسباطه، يبدو أنه بالفعل يقصد بالإهداء الثاني، أن يهديه لعامة الشباب - شباب المستقبل - ويكأنه يَخشى عليهم من تلك الفئة المتطرفة في المستقبل.
المقدمة: كانت كلمة الكاتب التي مَهدت للرواية، وأوضحت أكثر مما قالته جملة الغلاف وصورته، حيث ذكر (الأنا) 23 مرة ليُثبت بها أنها المسئولة عن كل شيطنة تصيب الإنسان.
ثم مقدمة أخرى عبارة عن مشهد افتتاحي (الكابوس) ص 9 "استعاذت بالله من الشيطان الرجيم، وقالت: "يا له من كابوس مُزعج!" رأت نفسها تَقفُ على سطح المنزل، وعلى البُعدِ رأت حمزة آتيًا من نهاية الشارع مُقتربًا من أطفالٍ يَلعبون الكُرة، تَبعَهُ شواربه كثيفة ورأسه كبير، كاد يَلحق به، نادَتْ بأعلى صوتها: "حمزة.. حمزة..." أبصَرَ حمزة الكلب.. وثَبَ عليه وَركَله، فَقفزَ الكلب في الهواء ناشبًا مَخالبه.. استيقَظتْ زينب، وهي تصرخ: "حمزة.. حمزة.. حمزة..." انتهى.
إن كتابة مشهد الكابوس ببداية - أول صفحة - الرواية لم يأت من باب الصدفة، إنما قصدها الكاتب عن عمد، إذ أنه مهد القارئ لقراءتها تشويقا، وأيضا لاحظنا أن بآخر صفحات الرواية تكرر المشهد، نعدها ككتاب ونقاد أنها (مدورة) أي ترتبط بها البداية بالنهاية؛ مما تجعل الأحداث أكثر ثباتا في عقل القارئ. وهذا ما ينادي به النقاد والكتاب الكبار بجعل النهايات والبدايات قوية وتربط بعضها بعضا، وفي كثير من الأحيان تجعل القارئ بعد قراءة هذه المقدمة أو المشهد الافتتاحي لمعرفة ما وراءها، ويسعى جاهدا لمعرفته، ومن ثم مشاركة الكاتب وتتبعه خطوة خطوة.
- أشخاص الرواية ما بين أساسية رئيسة وثانوية ونامية وخاملة:
الشخصيات الرئيسة: (1) البدري حسين، العمدة، ووالد كل من زينب وحمزة، ومن اسمه نجد الجمال والكمال، كان رمزا للرجولة والاتزان والتدين، يدعو لنبذ عادة الأخذ بالثأر، وقد صُرع في مجلسه وهو يحاول فض النزاع بين أسرتين تخاصما إليه تفاديا لهذه العادة؛ فمات شهيد جريمة عادة الأخذ بالثأر. رغم تواجده كان ببداية الرواية فقط؛ إلا أن تعاليمه وتربيته لابنته زينب وابنه حمزة كانت مستمرة حتى النهاية.
(2) زينب، وهي ابنة البدري حسين وأخت حمزة، والقائمة على تربيته من بعد فقد الوالدين، ودورها أساسي في الرواية. واسم زينب يُطلق على شجر حَسن المَنظر وطيب الرائحة، ومن صفات حاملته، أنها كريمة معطاءة، تحب فعل الخيرات، جريئة في قول الحق ولا تخشى فيه لومة لائم، وأيضا قلقة على المستقبل، وتحكم عقلها أكثر من قلبها. كل هذه الصفات بالفعل كانت تتحلى بها زينب البدري حسين.
(3) حمزة، الشخصية المتحركة الأولى بالرواية والتي قامت من أجله الأحداث، وسخر الكاتب البدري (والده) وكذلك أخته زينب لدعم دوره بها، حتى استشهد أخيرا على يد الإرهابين، وبنار صديقة في صورة زميله وصديق الشباب (مصعب).
حمزة اسم يعرفه العرب عامة والمسلمون خاصة، لأنه اسم سيد الشهداء سيدنا حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه وأرضاه، فكان حمزة البدري حسين أيضا سيد شهداء شباب أسيوط ومصر.
(4) مصعب وهو الشخصية الموازية لشخصية حمزة، وكما نقول عنها كنقاد، إنه دور الغريم، ولولا دوره ما سطع دور الشخصية الرئيسة (البطل حمزة)، فهو من يولد الصراع بالرواية، وتحريك الأحداث بها. ومن اسمه؛ نجد الشدة والغلظة والتعصب؛ فكان هو القاتل الانتحاري.
(5) مكايد، رغم صغر حجمه في الرواية إلا أنه لعب دورا كبيرا في حياة ابنه مصعب، من أول اختياره لأمه وغمسها في الوهابية، وإهماله له ببعد المكان، وأيضا ببعده كأب يقف بجوار ابنه راشدا. كان مثالا ورمزا للإرهابي المستتر الذي خراب وقتل حياة زوجته وابنه عن بعد، بدون إهدار للدماء. وقتل مشاعر الأخوة بينه وبين أخيه عبد ربه. إن اسمه خير دليل عليه، فهو اسم فاعل للكيد، وأنجب أيضا من أسماه مصعبا!
(6) فيروز، طالبة جامعية ابنة الدكتور محمد سعد، وخطيبة الشاب حمزة، جميلة ورقيقة وسطية في آرائها الدينية.
فيروز اسم علم مؤنث أصله فارسي وله معنيان اثنان، الأول هو حجر كريم أزرق اللون، والمعنى الثاني هو البطل المنتصر، فيروز من الأسماء الرائعة التي تميز أي بنت.
الشخصيات النامية: الشباب (جاسر، ماجد، خالد، ناصر) وكذلك هناك دكتور محمد سعد، الأستاذة عواطف وكيلة المدرسة، العم رأفت، الخال أنصاري، عم حنفي اللبان ووالدة فيروز.
شخصيات ثانوية ومحدودة العمل: (معتز، لؤي، والد ماجد، والدة خالد، متعب السمكري. أما بقية الشخوص، فهي خاملة لا تساهم في أحداث قوية بالرواية).
الزمن الفعلي للرواية (2005 - 1997) م
المكان: أسيوط، الإسكندرية، القاهرة، سانت كاترين، مطروح، أسيوط (جمهورية مصر العربية).
كانت مقدمة الرواية ترتبط بالنهاية، بمشهد الكابوس، كذلك كان المكان بدأه الكاتب بأسيوط وأنهاه في أسيوط.
- ماذا أراد الكاتب من كتابة هذه لرواية؟
كان للأديب غرضا واحدا، هو نشر السلام، لقد خدمه بمواقف عدة، وكان هذه واضحا في الشق الأول من الإهداء، ومن سرد الحادث الذي أستشهد فيه العمدة وهو ينبذ عادة الأخذ بالثأر ساعيا لنشر السلام، وأيضا في الآراء الوسطية لزينب، وكذلك الدكتور محمد سعد أثناء تحاوره مع حمزة، وأيضا مع رأفت وأنصاري، وكذلك أثناء إلقاء الدكتور محاضرة بالجامعة لتوعية الشباب، وفي لقائه التليفزيوني، وخطبة حمزة لصلاة الجمعة في المعسكر، وتبادل حمزة الدور مع زميله مينا؛ ليقوم مكانه بالحراسة؛ لأنه كان محموما.
- هل حقا استطاع الراوي توصيل هدفه للقارئ؟
نعم وبلا شك؛ لقد ساق أحداثا وعدة مواقف لذلك، منذ بداية الرواية التي سردها في (219) صفحة، حتى مشهد الوداع بها صفحة 216، وبعده مشهد الوفاء (وفاء) الختامي.
لقد قام بتعريف الإرهاب عَمليًا، أتى بما يُناهضه من أفعال وأقوال عامة وقانونية، رسم الشخصيات بما يليق بها حقا، خاطب الناس عامة والشباب خاصة بأسلوب سلسل، لم يغال فيه، أثار شجون القارئ في المواقف التي تخص الأسرة سواء أسرة الشباب المخدوع أو أسر وأهالي الشهداء.
"بدأ إرهابُ هؤلاء حين تَمسَّحُوا بالحرب الفلسطينيةِ فأنشأوا الخَلايا وأجْروا التدريبات، وحَشدوا الذخائرَ والأسلحة قبل الصِّراع الفلسطيني بسنوات، بل ظلوا يَشترونها ويُخزِّنونها بعد أن تَدخَّل الجيش المصري في 15 مايو 1948 وبعد أن حظرت الحكومة على الهيئات شراء الأسلحة، بدأ عُنفهم بعبارةٍ أطلقَها "بنَّاهُم" - يقصد مُرشد الإخوان المسلمين حسن البنَّا - مُحرِّضًا على القتل. ص 189.
جعل في الرواية رموزا بشرية مثل (حمزة وزينب وأبيهما). وأسماء كتبت بتورية (ضرغامي السلفي، محمد كمال عسر الإخواني)، (الأستاذ أحمد لمعة المحامي)..
التلميح للتدخل الأجنبي ص187 (بندقية خرطوش أجنبية الصنع)، (كانز بيبسي) ص 197. (شركة اتصالات أجنبية) ص 201.
- شخصية زينب ما بين الرمز والتفعيل بالرواية:
بدأت شخصية زينب صغيرة، ثم بدأت بالتصاعد، بعد موت أمها، تحملت عبء مسئولية تربية أخيها الأصغر حمزة، تتحاور مع أبيها حوارات بناءة ينتفع بها الشباب القارئ، ثم استلمت دور الأب أيضا في تربية أخيها بعد استشهاد والده.
كرهت أن يترعرع حمزة وسط المجتمع الذي كاد أن يعشق الأخذ بالثأر عشقا. خاصة بعد أن تحدثت مع عمها الأكبر عن أمر الثأر في صفحة، (ص 28):
- "لا يا عمِّ؛ لا أريدُ الثأر، أبي ماتَ قُربانًا للصُلح، ولم يُؤمِن بالثأر يومًا، كان يقول عنه إنه جَهل، ماتَ وهو يَفدي طرَفًا من أطراف الثأر لإنفاذ الصُلح لكي يتوقف نزيف الدم، و...
انتفضَ عمُّها واقفًا، وصاح صَيحةً مُدوِّيةً جاءت بكل مَن في الدَّار إلى حيث مَجلسه قائلًا:
- كفاكِ قلة أدب، وانصرفي الآن من أمامي.
زينب هنا ترمز لشخصية (فؤادة) والتي قيل عنها إنها تجسد شخصية (مصر) الحقيقية برواية (شيء من الخوف) التي كتبها الراحل ثروت أباظة عام 1969 م، والتي تحولت لفيلم للمخرج الكبير حسين كمال، بطولة شادية ومحمود مرسي، وانتاج صلاح ذو الفقار. إن زينب تجاهد الإرهاب بشخصيتها الهادئة، حيث كانت تعمل معلمة للتاريخ، وكانت تقوم أسلوب مصعب بالحسنى، كانت تربي أخاها تربية حسنة، كانت تحل مشكلات جاراتها وتساعدهن ماليا، تفرح للناس وتبكي من أجلهم، ذات الخلق الراقي، هي أيضا مصر التي تتحمل وتستقبل خبر استشهاد أبنائها بالصبر، زينب استقبلت النبأ عبر الهاتف قائلة: "الحمد لله، إنا لله وإنا إليه راجعون".
وهنا تذكرني بالخنساء حين حمدت الله تعالى عند وصولها نبأ استشهاد أبنائها الأربعة.
مصر التي تودع شهداءها بالورد وبالزغاريد، كما فعلت زينب بصفحة (215) حين قبلت كفن أخيها قبل الدفن مباشرة؛ ثم أطلقت زغرودة أشعلت قلوب الحاضرين.
وهي القائلة عن أخيها ص 28: لابُدَّ من إنقاذه نَفاذًا لوصية أبي وأمِّي، ولو لاقيتُ في سبيل النجاة به أهْوالا وشدائدَ، سأجعلهُ يُغيِّرُ واقعًا بَغيضًا فُرضَ علينا فرضًا، وتَوارثته الأجيال جيلًا بعد جيل، ليس الثأر فقط، ولكن مَفاهيم كثيرة مَغلوطة أكثر تَشدُّدًا من فكرة الثأر، من حق حمزة أن يعيشَ حياته، ويستمتع بها بَعيدًا عن أغلال باتت تُقَيِّد العُقول، بل لن أتركه؛ ليكون كأغلب الشباب السُفهاء ممَّن قابلتهم في الجامعة.
من مواقفها الباسلة: (لا يَنسَى لها المدرسون والعُمَّال والتلاميذ مَوقِفًا شُجاعًا يوم أن اشتعَلَتْ النيران في "مَتجَر" المدرسة، وبدأت الأدخنة تخرج من نافذة الغرفة، وقف الجميع في حالة ذُعر، يَطلبون من بعضهم إبلاغ النجدة.. دفعَتْ زَينب باب الغرفة فوجدت النار تنبعث من فوَّهة أنبوبة المَوقد بجوار الخرطوم، طلبَتْ منهم سكينًا على وجه السرعة، ناولها أحدهم "كتَرْ" دخَلتْ الغرفة، أغلقت مَحبَس الأنبوبة وقطعَتْ الخرطوم بالكَتَر وخرجت بها إلى فِناء المدرسة، وقف الجميع في انبهار لما قامت به، وراحوا يُصفقون لها، تبسَّمت، وهي تُضاحكهم وقالت: "ما الغريب في هذا؟" ألستُ صَعيدية؟"). ص 58
وفي علاقتها بجيرانها بمنزل عَمِّ حنفي اللبان، لم تتقاعَس زَينب عن تقديم خدماتها لجاراتها، بدءًا من تقديم السُّلَف النقدية، إلى نُصحهنَّ في مَشاكلهنًّ الزوجية، إلى رُقْية أولادهنَّ الصِّغار إذا مرضوا، كانت تُمَلِّس بكف يدها على رؤوسهم، وتقول: "اللهم بتألق نور بهاءِ عرشِكَ مِن أعدائي استَترْت، وبسلطانكَ العظيم من شرِّ كل سلطانٍ وشيطانٍ استعذْتُ، كيف أخافُ وأنت أمَلي؟ وكيف أُضامُ وعليك مُتَّكلي؟ أسلمتُ إليكَ نفسي، وفوَّضتُ إليكَ أمري، وتوكلتُ في كل أحوالي عليكَ، صلِّ اللهم على سيدنا محمد، واشفني واكفني. ص58
- هل حقا أدت زينب واجبها كاملا تجاه أخيها؟
نعم، وضح ذلك في نمو شخصية حمزة نموا راقيا؛ أصبح بدعمها الشاب المثقف الخلوق، صائب الرأي، معتدل في كل أمور حياته، أحبه الجيران والزملاء، أشبعته بصفات أبيه الحسنة، حيث كان كريما وطيبا، وأراؤه وسطية، ينبذ الإرهاب والعنف في كل صوره، لقد غرست فيه مبادئ الأب وخاصة موقفه حين طلب من ابنته أن يسامح أهل القرية القاتل، وقدم روحه قربانا للسلام.
وتبعا لهذه التربية؛ أحسن حمزة اختيار من أحبها وأرادها زوجة له، وفي الجيش قدم روحه فداء للكتيبة كلها. وكأنه ورث الشهادة عن أبيه كما ورث أخلاقه تماما.
الرمز الثاني بالرواية يتضح في: شخصية حمزة، إنه يمثل (رمز) الحق الذي لا يموت، وهذا حال الشهداء، بل هم أحياء عند ربهم يرزقون. وكان استشهاده بالنسبة للشباب وخاصة بقريته؛ رمزا للحق الذي يحي به القلوب.
وفي ص (21) في مقطع نهاية وبداية، السايس يدرب حمزة على حصان أبيض. الأبيض دلالة النقاء (ملائكية) الذي يتمتع به قلب كل من البدري وابنه حمزة.
الكلب الأسود في مشهد الكابوس بالبداية وحين تكرر بالنهاية. وهو وصف للشيطان ومن يتعامل معه أو يمثله (ووصف لكلاب النار).
- الكاتب وولعه بالمشاهد السينمائية:
مشهد جلسة الصلح وقتل العمدة، صوره الكاتب كمشهد سينمائي، وكذلك الكابوس، ومشهد مقابلة حمزة بفيروز، ومشهد اعتراف الأستاذ بكر لزينب بحبه، والمشهد الذي تقرأ فيه زينب خطاب بكر، ومشاهد الرحلات (سياحة داخلية) الدينية والأثرية، ومشهد الغواية من سهام لمصعب في (سهام وغواية) ص145.
ومشهد سرقة الحقيبة من السيدة الأربعينية، والاشتباك أمام المقهى، جلسات أمير الجماعة بالشباب، والخطبة التي ألقاها حمزة بالكتيبة، الرؤية، مشهد لقاء حمزة بالشيخ النوراني بالمسجد وحلقات الذكر صفحة (72، 73)، ومشهد الوداع، مشهد بمقطع (وفاء) لفيروز وهي تتأبه لزيارة قبر حمزة، وأثناء الزيارة ص 217، 218، ثم مشهد خاتمة الرواية بإسدال الستارة ببيت البدري حسن كأنه إسدال ستار الرواية إعلانا لنهايتها.
عتبات (مقاطع) الرواية في عناوينها، وعددها (35) غير العنوان.
منها العتبات البصرية مثل: الغلاف، العنوان والإهداء، والأدلة قرآن وسنة.
سبع (7) عتبات أو مقاطع كبيرة تخص المكان: (في الإسكندرية، مدرسة سيدي جابر، في كلية الهندسة، في مطروح، أحداث معسكر باجوش، تفجيرات طابا، في سانت كاترين) وكانت بها أحداث تنبئ عن ولادة شرارة الإرهاب بيد زعمائه.
وتسعة (9) عتبات بأسماء شخصيات الرواية: (مصعب وأبوه، زينب، الأستاذ بكر، جاسر، خالد، العم حنفي اللبان، زينب وبكر، التقدم لخطبة فيروز، سهام وغواية) وبها تقديم للشخصيات، وصفا وبسرد المواقف.
المعلوماتية في الرواية (دينية، تاريخية، سياسية) فيها عنصر الزمان وأيضا المكان، نذكر بعضا منها:
- تذكر زينب في حوار يدور بينها وبين حمزة:
(1) صفحة (65)بعد أن نجح حمزة بالثانوية العامة؛ أخذته أخته إلى زيارة بيوت الله بالقاهرة، وكانت المعلومات سنة كم بُنيَ هذا المسجد يا زَينب؟ سَبَقها حمزة قبل أن تُكمل قائلًا:
- أنا أعرف يا زَينب، بُنيَ في عهد الفاطميين، وكان ذلك في سنة 549 هجرية، ورَوَيَ المقريزي ذلك فقالَ إنه مع بداية الحروب الصليبية ودُخول الصليبيين إلى دمشق.. إلخ.
(2) صفحة (66).هل تعلمين متى شُيِّدَ خان الخليلي؟ ضحكت قائلة: قل أنتَ يا مُؤرخ!
- شُيِّدَ في العصر المملوكي، وشَيَّدهُ الأمير جهاد الخليلي أحد أمَراء السلطان برقوق.
(3) صفحة (68) هل تَعلم يا حمزة، أنَّ الذي بَنَى هذه القلعة العظيمة لم يَسكنها؟ تَعَجَّب حمزة مُتسائلًا: ولماذا بناها - إذن - صلاح الدين؟! بناها ليَتخذها دارًا للمُلك، لكنه لم يُتمَّها في حياته، فاستمرَّت كذلك حتى عهد محمد علي باشا، وتَحسُبًا من احتمال مُحاصرة القلعة، فقد أمرَ صلاح الدين بحَفر بئر في الصَّخر بعُمق تِسعينَ مترًا؛ ليَشربَ منه الجَيش وسُكان القلعة في هذه الحالة.
(4) صفحة (68، 69) زارَا صباحًا الأهرام، وعندما اقتربا من أبي الهول، قال حمزة يُحدِّث زينب: قرأت أكثر من رواية عن سَبب كَسْر أنف أبو الهول يا زَينب، ولم تَقطَع رواية منهم بالسبب الصحيح.. إلخ.
(5) صفحة (69): وبعد زيارة الأهرام انتقلَا منها إلى باب زويلة، وفي الطريق قالت لحمزة: سُمِّيَ باب زويلة بهذا الاسم نِسبةً إلى قبيلة زويلة البربرية التي جاءت مع قائد الجيوش الفاطمية جَوهر الصِقلِّي من شمال أفريقيا وسَكنت بالقُربِ من البوابة، ويُسميه المصريون أيضا بوابة المتولي.. إلخ.
(6) صفحة (70): أما ليوم الرابع والأخير فكانت زيارتهما لمَسجد السيدة نفيسة، وفي أثناء الزيارة رَوَت لحمزة كيفَ أنَّ النيلَ جادَ بمائهِ بعد أن شَحَّ وانخفَضَ مَنسُوبه ببركة دعائها، فقد لجأ إليها المصريون حينذاكَ؛ فخلعَت حِجابها، وطلبَت منهم أنْ يُلقوا به في النيل؛ ففاضَ النيل ببركة ربنا.
(7) ص 70: وكان ختام الرحلة زيارة مسجد السيدة زَينب، وبمناسبة الزيارة تَذكَّرت زَينب شَيئًا؛ فأخذت تَحكيه لحمزة.
- المعلومات الثقافية:
صفحة (75، 76) سارا - حمزة وفيروز - جنبًا إلى جنبٍ ودلفا إلى المكتبة، اقترحَ عليها جَولة عامة أولاً فوافقَت، زارَا مَتحَف الرئيس الراحل محمد أنور السادات، ثم قَصَدَا مَركز المخطوطات هو أحد مراكز قطاع التواصل الثقافي بمكتبة الإسكندرية، ويَهدفُ إلى سَبر أغوار التراث العربي والإسلامي ذكر كل ما قيل عن أبي الهول وأنفه من تاريخ المقريزي وغيره.
- مبحث عن الإرهاب والتطرف:
يخلط البعض بين مفهومي الإرهاب والتطرف. الإرهاب هو نوع من العنف السياسي ويستهدف فيه المدنيين لتوصيل رسالة سياسية.
أما التطرف فهو عنف ديني أو معتقدي حيث يتمسك أصحابه بأفكار ومعتقدات متشددة سواء دينية أو غيرها.
ربما يكون هذا الخلط بسبب أن الإرهاب قديما مرتبطا بالتطرف لأنه يستهدف المدنيين مباشرة لاعتناقهم أفكارا متشددة عن حق تقرير المصير أو الدين أو غير ذلك.
فليس جميع الإرهابيين متطرفين. إن بعض أشكال التطرف لا تمت للإرهاب بصلة؛ حيث يتاح استخدام العنف في حق الدفاع الجسدي عن النفس وهي السلمية المشروطة، أما السلمية المطلقة وهي الرفض المطلق لاستخدام العنف، وتعتبر شكلا من أشكال التطرف، فهم معارضون يرفضون استخدام العنف، وفي بعض الأحيان يشار إليها بالسلمية المتطرفة.
- بالرواية هنا نجد الصنفان، التطرف المعتقدي أو الديني، والإرهاب السياسي:
- أول مشهد: للتطرف المعتقدي كان بصفحتي (25، 26) في مقطع بعنوان نهاية وبداية. حين قام أحد طالبي الثأر بإطلاق رصاصة عن طريق الخطأ في صدر العمدة البدري، وكان يقصد بها أحد غرمائه بالمجلس.
- الثاني: أتي عن زينب (بأسلوب الفلاش باك) ص (28) كانت لا تَنِي تذكر تصرفات هذا الشباب الجامعيّ السَطحِية، وكانت تحكي لوالدها عن اللائي كُنَّ يُطاردنها؛ لترتدي النِّقاب، وكانت تقول لهن: "إنني أرتدي الحجاب وملابسي فضفاضة، والنقاب لم يَرِد ذكره، ولكنهنَّ لم يَقتنعنَ، بل ازدَرَينَها.
- ثالثهما: حديث ناصر لحمزة في مقطع (في مطروح) ص (90الثابت لدى عُلمَاء السَّلفية هو حُرمَة الصلاة في المساجد التي بها أضرحَة ومَقامَات الأولياء؛ استنادًا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "لعَنَ الله اليَهودُ والنَّصَارَى، اتَّخذُوا قُبورَ أنبيائهم مَساجد". رَدَّ عليه حمزة: لا يا شَيخ ناصر، شَحُ هذا الحديث في فتح الباري للإمام العَسقلاني، قال: إنَّ اليهود كانوا يَسْجُدُوَن لقُبور الأنبياء تَعظيمًا لشأنهم، ويجعلونَها قِبلةً، ويَتَوجَّهونَ في صلواتهم نَحوَها، أي اتَّخذُوها أوثانًا، فَمَنعَ النبي صلى الله عليه وسلم المُسلمينَ عن مِثل ذلك.
- وآخر في مقطع (أحداث معسكر جاويش) ص (101،100) تحكي فيروز لحمزة: كان المُحاضِر شيخًا مُلتحيًا، تَحدَّث عن الجهاد والعَلمانية، وأنَّ الإسلام عاد غريبًا كما بدأ غريبًا، وعن السُفور وعن الموضوع إيَّاه الذي يُركِّزونَ عليه، وهو حكاية تطبيق شَرع الله، ومِن الطرائف التي حدثت في الندوة، أنْ اشتَبكَت نهال مع أسماء اشتباكًا عنيفًا أوشكَ أنْ يَتحوَّل إلى مشاجرة...
- كيف يا فيروز؟
- يبدو أنَّ أسرة نهال لها مُشكلة مع واحد من السَّلفيين، فضَاقَت ذَرعًا بما سَمِعَت، واستَفزَّتها أسماء؛ حينما قالت إنها تُجاهد في سبيل الله بإقناع البنات لارتداء النقاب، وكان الشَيخ يَتحدَّث عن الجهاد، فسألَتهُ نهال بأسلوب جَاف كأنها تَتهكَّم: هل نُقاتل بعضنا بعضًا يا مَولانا؟ أم نُقاتل الحُكَّام؟ أم تَقصد قِتال إسرائيل؟!
- ما جد يبرر لحمزة أهداف الجماعة في مقطع (مطروح)
- المجتمع صَار عَلمانيًا يا حمزة، وهؤلاء الطلبة عندهم حق في الدعوة لكي يَعودَ المُجتمع إسلاميًا، وأن يكون الحُكم بشرع الله، وليس بقوانين من صُنع البَشر.
- رؤية الكاتب التي ساقها على لسان زينب عن استغلال الإخوان للبسطاء:
" أولئك يُريدونَ وَضع مَناظيرَ للناس لا يَرَوْن الدنيا إلا من خِلالها، ولا يَرونَ المرأة إلا مَتاعًا، ولا أعرفُ إذا كنتَ تَتذكَّر الشيخ عَطوان ذلك الرجل الإخواني الذي كان يَتقرَّب للناس في بلدنا مُتظاهرًا بالعَطف على الفقراء، ومشاركتهم بشكل مُنقطع النظير في أفراحهم ومآتمهم، والتحدث باسم الدين دائمًا، ويشيدون بصَنيعهِ هذا ويُردِّدُونَ اسمه في المَحافل، ثم اكتشف الجميع أنَّ ما كان يَفعله ليس إلا تمهيدًا لتَرشُحِهِ لعضوية مجلس الشعب، فناصَرُوه وأعطوه أصواتهم ونجح بجدارة، وتفاءلوا خيرًا بنجاح هذا الرجل الخَدوم، وتقدموا إليه ليُعيِّنَ أبناءهم في وظائف، وغير ذلك من الطلبات، لكنهم فُوجئوا به لا يَهتم إلا بطلبات أبناء الإخوان، فكرهوه بقَدْرِ ما كانوا يُحبونه، فلا هَمَّ لهؤلاء إلا لُعبة السياسة والوصول إلى الحكم، وما يَتشدَّقون به وُصولاً إلى هذه الغاية ليس إلا استغلالاً للدين الحنيف؛ لغَزو قلوب وعُقول البُسَطاء من الناس، والسَّيطرة عليهم لمُناصرتهم وهُم لا يَشعرون.
- رؤيته أيضا، التي ساقها على لسان الدكتور محمد سعد:
ردا على سؤال رأفت عن معنى احتلال المصطلح، في مقطع (التقدم لخطبة فيروز (ص 136):
- ماذا يَعني "احتلال المصطلح" يا دكتور محمد؟
- يَعني أنهم يتَّخِذُونَ مُصطلحًا مُتعارَفًا عليه للحديث من خلاله، ولكنهم لا يَقصدون الحقيقة التي تَكمُن وراء هذا المُصطلح، وإنما يَقصدونَ به مَعنًى آخر يَخدمُونَ به مَطامِعهم، كما قال سيدنا عَليّ رضى الله عنه: "كَلمَة حَق يُرادُ بها باطل" فقد اتخذوا عبارة "تحرير القدس" و "الجهاد المقدس" وغيرهما، مَطيَّة لتَجنيد الشباب غير الواعي باسم الدين، وتشكيلهم وتدريبهم بَدنيًا وعسكريًا لإرهاب الدولة، والخطورة هنا يا حاج رأفت، أنه إذا ما قِيلَ هذا المصطلح أمَامَ أحد، فإنه يَكرَههُ بسبب كُرهِه لأفعال مَن يُرَدِّدونه، ولعلكَ تذكر أنتَ والحاج أنصاري، ذلكَ الإحباط الذي ضَرَبَ المصريين بعد هزيمة 1967 وحاجة الناس لالتماس العَون الرُّوحي، فَرَاحَ هؤلاء يَبثُّونَ الناس سُمُومهم، لا سيَّما جماعة الإخوان المسلمين، وفي السبعينيات انتَشَرَ في الجامعات العُنف، وتَسرَّب إلى المجتمع الواسع، ثم تَسَابَقَت تلك الجماعات على نَشر مَظاهر التَّديُن لا جوهره، وتَصَاعَدت وتيرة التَسميات الدينية في أسماء المَحلات والدُّعاة، كما أخذوا يَتصَايَحون على المنابر ويُصدرُونَ الفتاوَى المُغرضة، ويَحضُّون على الفُرقةِ بين شَرائح المجتمع وأهل الديانات المختلفة مُستخدمينَ سَيف التضليل والكذِب باسم الدين".
- سأله الحاج رأفت:
- ولماذا يَفعلونَ كل ذلك يا دكتور محمد؟ لماذا لا نَعيش في سَلام بلا دم وقَتل وإرهاب؟
أجاب:
- إذا فكَّرنا بعُمق يا حاج رأفت، نجد أنَّ هؤلاء صَنيعة الاستعمار الذي أنهَى الخلافة الإسلامية وهو يَعلم أنَّ المسلمينَ سيُحاولون إعادتها بعد سُقوطِها، كما يعلم أنهم سيتناحرون فيُهلك بعضهم بعضًا، فَصَنَعَ هذا الفكر الضال المُضِل. فعاد الحاج أنصاري ليسأل:
- ومتى يَعودُ المَجد الإسلامي يا دكتور محمد وقد وصلنا إلى هذه الحال؟
- يَعُود بإخلاص النيةَ لله، وعندما تكون تَزكية النفوس قبل تَلقِّي الدروس.
- خلاصة:
- إن النار من عناصر الطبيعة الإنسانية الأولى، والتي لا غنى عنها، لكن إذا زادت عن حدها؛ أضرت الطبيعة نفسها. وهكذا يكون التعصب لأجل شيء مثل إقامة العدل؛ ينقلب العدل لثأر، ويتبدل الإصلاح بالإرهاب.
- منوعات هادفة:
- بالرواية بعض الجُمل والعبارات والأسئلة التي لامسَت من ورائها أهدافا يريد الكاتب أن نقف عندها بأنفسنا كقراء، كان منها:
- ص15، طالما سأل حمزة أخته عن سبب رشق الأطفال للقطار بالحجارة، حين مروره بالمحطة!
- الجواب هو: أن الأطفال ينظرون إليه أنه يأخذ أحبابهم لبعيد، ويخشون عدم رجوعهم، أو نقمة أنهم ليسوا من راكبي القطار، يعتقدون أنه للكبار أو للأغنياء فقط. وأيضا صورة من صور التحدي لسرعته، وتعجبهم كيف يكون الحديد أسرع وأقوى ممن اخترعه؟! وكذلك نوع من استخراج طاقة كامنة، ربما طاقة غضب وغيرها.
- علاقة أب بابنه، في مقطع (سهام وغواية) ص (159،158)، حين استعان مصعب بأبيه لحل مشكلته: "فتَذكَّر والده، قرَّر أن يحكي له حتى لو عَنَّفه تَعنيفًا شَديدًا، فربما وَجَدَ لديه سَبيلًا إلى طَمأنته أنَّ اللهَ لن يُعذِّبه عذابًا شديدًا؛ فأخَذَ يَطلبُهُ هاتفيًا فلا يُجيبه إلا الرنين، فراح يُراسله عَبرَ تطبيق (الواتس آب) دون جَدوَى أيضًا، وبعد يَومَين من مُحاولاته في الاتصال، وَجَدَ والده يَطلُبه، فَرحَ فرَحًا شديدًا، وما بين سَماعِه رنَّات الهاتف وإجابته الاتصال، كان قد أعَدَّ العبارات التي سَيعرض بها مأساته عليه، وبعد أن سأله والده عن أحوال دراسته وكم بَقيَ معه هو ووالدته من آخر نُقود أرسلها إليهما، قال مصعب:
- أبي.. لديَّ مشكلة كبيرة أريدُ التَّحدُّث معكَ فيها.
- خيرًا يا مصعب؟ هل تَتَعلَّق بدراستكَ؟
- لا يا أبي، بل مُشكلة شَخصية تُؤرِّقَني بشدة.
- (بَعدين.. بَعدين) يا مصعب، سأتَّصلُ بكَ لاحقًا.
أغَلَقَ مصعب الهاتف وانخَرَطَ في بكاءٍ شديد مَكتوم، ولم يَبُح لأحدٍ من بَعد، ثم طوَى همومه في صدره.
إن هذا الموقف مكملا لأوصاف (مكايد) الرجل الذي لا يهتم بأسرته، ولا يهتم بفلذة كبده وآلامه، ولا يعرف شيئا أو هدفا من المثل الشائع (إن كبر ابنك خاويه)، وابنه في مرحلة حرجة يحتاج فيها الأب قبل الأم، إن تقصيره تقصير أسري أبوي اجتماعي وديني ووطني أيضا؛ لأنه بهذا يساهم في ضياع سواعد المستقبل للوطن.
- صور من التلاعب بالدين:
(1) نَشَبَت بين مُصعب وأحد التلاميذ مَشادَّة بسبب اللعب، أمسَكَ مُصعب بحقيبة التلميذ، وقذفَ بها في وجهه، هرعَ التلميذ إلى حقيبة مُصعب؛ ليَفعلَ به كما فَعل، صاح فيه مصعب، وهو يَضحك هازئًا قاصدًا تَرويعه:
- سِيبْهَا.. سِيبْهَا.. الشَّنطة فيها مُصحف.
تركَ التلميذ الحقيبة وقصَدهُ؛ ليَضربهُ بيده، فصَاحَ مُصعب:
- أنا في حِمَى ربنا.
لم يَعبأ التلميذ، بما قال مَصعب في هذه المرَّة، واستمرَّ مُقبلًا عليه قائلًا:
- سِيبَك أنتَ من تهديدنا بالمصحف، أنتَ نصَّاب.
(2) استغلال أحكام دينية فقهية استثنائية، وتطوعيها للأغراض الشخصية مثل: الزواج الثاني، وخاصة بالفتيات العشرينيات لرجال شيب وكهول، بحجة أنه مباح له مثنى وثلاث ورباع، دون مراعاة الأسباب وأنها أحكام غير مطلقة.
(3) مطالبة مكايد لزوجته للفراش وهو يعلم بحالتها المزاجية السيئة، مستغلا الحديث الذي ينهي المرأة أن يبيت زوجها غاضبا عليها، فتلعنها الملائكة.
(4) باسم الدين غضب جاسر على مصعب حين اعترف له بلقائه بالسيدة سهام، عامله كأنه قاضي الأحكام، أو المنفذ لأحكام الحرابة.
- الكاتب بين الوعي واللاوعي، والعامل النفسي:
العالم جيراد روث يقول: "إن لا وعينا هو الذي يُحدد شخصيتنا".
ويقول الروائي البريطاني المعروف: " ف.إف. إس. نيبول: "الكتابة تأتي من أعماق المرء سرية، والكاتب نفسه لا يدرك تلك الأعماق، لذلك فإن الكتابة نوع من السحر" قاصدا اللاوعي.
عالم النفس الشهير "سيغموند فرويد" أول المعتقدين بأن الفن نتاج عوامل نفسية لا واعية وأنشطة اللاوعي الخفية، لكن في الحقيقة أن الفن نتاج وتجانس الوعي واللاوعي (طرف موجه وآخر تابع).
- رأينا أن الكاتب يَبث مشاعره ويسطر أقواله الشخصية على ألسنة الشخصيات وبشدة، وكذلك الرد على الشخصيات التي - أوجدها - يختلف معها في الرد، والأهم من ذلك وضع الأمور التي يختلف فيها مع مصعب - على لسان حمزة - وهو الغريم أو الشخصية الموازية له والمعرقلة لسير الأحداث، لتخلق الصراع الدائم، حيث نجده مهما سلط الأضواء على الشخصيات الشبابية التي في مثل عمر حمزة؛ إلا أنه يركز بها أكثر على مصعب.
- كتب عن حمزة الكثير، وكان ما كتبه فيه من شخصيته - الكاتب - أيضا الكثير، حتى أنه ذكر اسم مركزه (كوم حمادة) واسم ابنته (روان)، وأعتقد أن الحوار الذي دار بين دكتور محمد سعد وابنته روان عن رأيه في ارتدائها للحجاب؛ حدث بالفعل بين الكاتب وابنته التي تُسمى بهذا الاسم.
- ذكر اليُتم، الحكمة التي يتمتع بها العمدة (البدري حسين) الذي تمناه أن يكون له أبا.
- في إصدار حكمة على الإرهابيين كان فيه قاضيًا، وسرد مشهد المَحكمة ص (190)
- يحب الكاتب ويُتقن فَن الخطابة، ولهذا جعل مقاطع لها، منها على لسان (د. محمد سعد) ومنها على لسان حمزة في خُطبتي صلاة الجمعة الأخيرة له بالكتيبة، حتى نجد ذلك في المقدمة في الرواية؛ كانت مكتوبة بأسلوب الخطابة، وكذلك مَشهد المحكمة والدفاع.
- مشهد تجمع الشيخ الإخواني بالشباب ويخطب فيهم ويوزع عليهم الأدوار ص (192)
- انتساب النقاب للسعودية وتكرر هذا كثيرا بالرواية. حتى أن متعب زوج أم خالد أجبرها بالنقاب رغم أنه لم يسافر للسعودية ص 95، وكثير من دول الخليج نساؤه يرتدين النقاب، وليس تبعًا للوهابية؛ لأن النقاب كان قبل ظهور الإسلام.
- ص ( 132،122) فيها:
- وصفه العدل فيه - كقاضي - حين تكلم عن المساواة بين المسلمين والمسيحيين، ونبذ الإرهاب بصوره. كان ذلك باللاوعي والوعي معًا، نجيب محفوظ يقول: "إن الكاتب يعبر عن نفسه وليست هناك خطة، يمكن أن يفرق فيها بين الوعي واللاوعي".
- ص (123، 122) فيها على لسان حمزة وحديثه مع فيروز:
- أنْ نَعيشَ سُعداءَ في تَصالح مع أنفسنا، ورضًا يَغشَى ذَواتنا، ومَحبَّة مع كل مَن حَولنا وما حَولنا، أرَى أنَّ الحبَّ صارَ عملًا شاقًا لا يَقوَى عليه الكثيرون، الحياة جميلة، فلِمَ نُعكِّرُها، لِمَ لا نُحِب بعضنا البَعض، لِمَ نتَقاتَل من أجلها، فَلْنَعِشها بحُلوها ومُرِّها، أراها كالمَحبوبة، فلماذا نُغضِبها إذا كنَّا لا نستطيع مُقاطعَتها؟ وبداخلي طُموحٌ وآمالٌ لا حُدودَ لها يا فيروز، أتمنَّى أن يُغيِّر الشباب طريقة تفكيره، وأن يَتيسَّر لي موقعًا ما؛ لأبذُلَ في هذا السبيل كلُّ ما أستطيع، أحْلُمُ بأن يَحْكُمُوا على الأمور بأنفسهم فيُخضعُوا ما يَسمَعُونَ أو حتى ما يَقرأونَ للعقل والمنطق، لا أنْ يَنساقوا وراءَ من يُحلِّلُونها لهم وهُم مُغرضون، والقاعدة بَسيطة جدًا عَلَّمها لنا النبي ﷺ: (استَفتِ قلبَك) لو أنَّ الشبابَ استَفتَى قَلبَهُ، وأعمَلَ عَقلهُ؛ لاطمَأنَّ بالفِطرةِ إلى ما يَصِح وما لا يَصِح، ومِن أمنياتي أيضًا يا فيروز أنْ يَقتنعَ الشباب الصَّاعِد أنَّ مُصطلحات الجهاد، والعَلمانية، والأقصَى، وغيرها، ومَقولة أنَّ الحاكم لا يُريدُ تطبيق شَرع الله، كلها مصطلحات مُغرضة يُطلقُها المتنطِّعُونَ لخِداعهم واستقطابهم، ليَستعملوهم من بَعد كأدواتٍ عند الحاجة، لا أتخيَّل أن حاكمًا لمصر لا يُريدُ تطبيق شرع الله، ولا أراني أجدُ في قوانين مصرَ على نَحو ما قرأتُ وسَمعتُ من رجال القانون في التلفاز ما يُخالفُ الشريعة الإسلامية، أمَّا مَسألةَ الحُدودِ التي يُكثرُونَ الحديثَ عنها ففيها كلام كثير.
- المشاهد الرومانسية بين حمزة وفيروز، وبين بكر وزينب، كانت مشاعر طيبة ربما كانت تكمن في منطقة اللاوعي لدى الكاتب.
- التضاد والتناقض بين أقوال وأفعال الإرهابيين.
- ص 99 أحداث معسكر باجوش: (كأنَّ المُعسكر مَقصودٌ لإلقاء مِثل هذه الدُّروس يا زَينب، وللأسف وجَدتُ كثيرًا من الطلبة الجُدُد مَبهورين؛ بما يَسمَعونَ تحت سِتار الدين.
- ما يَحدثُ مَقصودٌ بالفِعل لاستقطاب الشباب عن طريق هذه المُعسكرات والرَّحلات المزعومة، أولئك يَدَّعونَ التَّديُّن، وهم حريصُونَ على الدنيا أكثر من حِرصهم على الآخرة، وللأسف تَتَناقَض تَصرفاتهم الشخصية مع ما يَدْعُونَ إليه، وأقرَب دليل ما سَمعتُه في المدرسة من إحدى المدرسات عن جار لهم سَلفي، مُولَعٌ بالزواج من القاصرات اللائي لا يَتجاوزنَ العِشرينَ من عُمرهنَّ، لا سيما أنه تاجر ويملك من المال ما يُمكِّنهُ من تَعدد الزوجات.
- كأنَّ المُعسكر مَقصودٌ لإلقاء مِثل هذه الدُّروس يا زَينب، وللأسف وجَدتُ كثيرًا من الطلبة الجُدُد مَبهورين؛ بما يَسمَعونَ تحت سِتار الدين.
كان حديث التفجيرات هو موضوع الساعة، تَطرَّقت إليه زينب وحمزة وهما يَسهران أمام التلفاز يُتابعان حديث الإعلام ورُدود الأفعال، وحكت له ما كان من بعض المُدرسات اللائي زُرنها، وكيف كُنَّ يَشمَتنَ فيمَن اغتالتهم يد الإرهاب، قال حمزة وقد خَيَّم الحزن عليه:
- جميعهم يُفكرونَ بطريقة واحدة، وكأنَّ أقوالهم وتبريراتهم للحادث قد أُمليَت عليهم، فهذا ما سمِعْتُه من مُصعب وجاسر وماجد، وشباب الإخوان والسلفيين في الكلية، يقولون إنَّ ما حدث جهاد، والسائحون كفار تُحلُّ دماؤهم، وإني أتعجَّب، مَن قال إنَّ قتل الأبرياء جهاد في سبيل الله؟ ومَن ذا الذي يُمْكنه اقناع هؤلاء بالصَّواب؟ ص 163.
- ما معنى سُقوط الدين بسقوط من يدعونه؟
- المقصود يا بُنَي، هو أنكَ ستجد مِن الناس من يَكرَه الدين متى اعتقدَ أنَّ الإرهابيين يُمثِّلون الدين، وتلك هي خُطة الغرب مع الشرق. ص 165، في رد د/ محمد سعد، عَلَى أحد طلبة الجامعة، مقطع بعنوان (توعية).
- حوار بين حمزة ومصعب، فيه تحريم السرقة على الضعيف، وهم يحلون قتل الأبرياء:
- هل تعرف عَمِّ توفيق جارنا، الرجل العجوز الذي يَعمَل فرَاشًا في البلدية؟
- لا، ما الذي حَدَثَ له؟
- عَلِمتُ من الجيران أنه فُصِلَ من عمله، وأقترح أنْ نَجمَع له مَبلغًا من المال لمُساعدته.
- لماذا فُصِل؟
- يقولون سَرق مبلغًا من صرَّاف الخزنة.
- يستحق قَطع يده، فلماذا إذن نجمع له المال؟
- ألَم أقل لكَ: إنهم يقولون؟ فلمَ تَتَسرَّع في حُكمك عليه؟
- هذا سارق أطاع شيطانه فأهلَكَه.
- أليسَ من الجائز أن يكون مَظلومًا؟
- ما دام قد فُصِل، إذَن هو سَرَق.
- فاختزلوا الإسلامَ في مَظاهر وعادات جعلوا منها عبادات، وجعلوا منها ركائز للدين، فيُوالون مَن يَفعلها ويَتبرؤون مِمَّن يتركها.
- تقصد بالطقوس اللِّحية، والجِلباب القصير؟
- والالتزام بظاهر الشريعة مع إغفال جانب الأخلاق الفاضلة والمُعاملة الحَسَنة في الإسلام، وإظهار الدين الإسلامي بمَظهر الدين الجامد الذي يُخالف العقل ويَرفض التطور الإنساني، مع أنَّ الإسلام مَنهج حياة يَقبل التطور ويَستوعب الحَداثة، كما يعملون على تَضخيم القضايا الخِلافية بين المسلمين، وإعلاء نَعرَة الطائفية، وإظهار الإسلام بأنَّه لا يَقبل الآخر، وتَسفيه وتَشويه كل مَن يُخالفهم.
- مَن قالَ لكَ أن تشتريه؟
- لا أحد.. لكنِّي أحبَبتُ أنْ أقرأ أكثر عن الإمام الشهيد، إذ حبَّبتنا فيه، واقتنعَ
مصعب بكلامي، واشترى كتابًا مثلي.
- بل عليكما أنتَ ومُصعب إعادة الكتابَين إلى تلك المكتبة.
- لماذا يا شَيخنا؟
- مِن دون لمَاذا، وعليكَ السَّمع والطاعة.
- السمع والطاعة بلا أسباب أو إقناع يا شيخنا؟!
- نعَم.. ولا تُجادِل هكذا مَرَّة أخرى.
- جمل السرد وفيها كلمات عامية وضرب الأمثلة الشعبية، سأكتفي بعرض بعضها هنا:
- بركة يا جامع ص124.
- بس.. بس ص 123 .
- (إللي معاه جده محدش قده) ص 124، 142 ، 143 ، ص 211.
- (خلي بالك من نفسك) ص 211.
- (ياه يا زينب، لسه فاكرة دي؟) ص 175.
- قل يا عريس ص 139.
- (إللي تشوفه يا عمي) ص 206.
- (كنت فارشة، ابعدي.. ابعدي، وشالت، وبعدين، اتكعبلت) ص 142. هذه عاداتنا" ثم قامت لتُمْسِكَ بالطيور التي ستُذبَح، إلَّا أنها سَارت عَرجَاء، فضحِكت البنات منها ورُحْنَ يَجرينَ وراءَ البَط والرُّومي، مما تَسبَّبَ بفوضَى في حُوش الطيور.. نادت البنات وهي تَضحك: "تعالي هُنا يا بِنتْ - أنتِ وهيَ -" ثم نادت بصَوت مُتناسق الطبَقَات كأنه غِناء: "يا صلاة الزِّين، يا صلاة الزِّين..." وإذا بالطيور تجري لتَدخل حظائرها، والبناتُ يُقهقِهنَ ضاحكات.
- (إزاي) ص 146.
- ( كده)، (تشرب شاي معايا)، (ارتاح شوية) ص 152.
- (قمت ليه) ص 153.
- جمل ومقاطع السرد القوية والهادفة:
- سأذكر بعضا منها:
- ثم قَصَدَا المحطة، وقلبها مَقبوضٌ مٌتوجِّسةً من شَيء مجهول.. كانت نَسَمات الخريف تَنسابُ في الصباح رَطبة، والأشياء كلّها تَكتسي بغُلالة من حُزن من دون أي مُسوِّغ، وكاد الطريق أن يكون مُقفرًا، نَظرَت خلفها تُودِّع مَوطنها، رَأت النخيلَ وقد تَعرَّى من البَلح وأشجار التوت قد نَفَضَت أوراقها.
- ما الذي يشغلك يا أبي؟
أجابه وعيناه تَنظران إلى الأفُق البعيد:
- لا شيء يا وَلدي، ولكني أنظرُ إلى هذه الأرض الطيبة، هل تَشُمُّ رائحتها العَطِرة؟ هل تَرى جمالَ ما أنبَتَ الله فيها من أُكُل طيب؟ هي جُزءٌ مِنَّا ونحن جُزءٌ منها يا حمزة، فمنها خُلقنا، وإليها نعود، وهي كالعِرض، نُدافع عنها بأرواحنا، والنَبتةُ التي تَضعها فيها، لا بُدَّ أن تَغرسها جيدًا؛ لتَطرحَ ثمارًا جيدة.
- في تلك اللحظات، انفَصَلَ حمزة عن المَكان والزمان، وانخَرطَ بكل كيانه مع الُمنشد وتراتيله، واستمرَّ يُردِّدُ مع المُردِّدين: الله، الله. إلى أن هَدَأت نَغَمَة الإنشاد، مع قرب حلول موعد الصلاة، فانتبهَ على ارتفاع صوت المؤذن يُنادي لصلاة العصر: الله أكبر.. الله أكبر..
- خطبة الجمعة التي ألقاها حمزة كاملة.
وارتجل خُطبة قال فيها:
- يا أيها الجُّندُ العربيِّ، يا خَيرَ أجناد الأرض، يا مَن سَتمكثُونَ في رباطٍ إلى يوم القيامة، قد مَنَّ الله عليكم واستخلَفكم فيما أنتم فيه؛ فانظروا ماذا أنتم فاعلون، يا رسولَ الله لن نقولَ كما قال بنو إسرائيل: ﴿اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾، بل نقول: اذهب أنتَ وربك فقاتلا إنا مَعكما مُقاتلون، ووالله لن نترككَ يا رسول الله حتى نَظفر بإحدى الحُسنَيين .. إلخ.
- رأي الناقد في الرواية:
العمل الأدبي أو الفني كغيره من الأعمال المتنوعة التي يقوم بها الفرد لغرض ما ليُستفاد بالنهاية منه، وأي عمل لابد من تقييمه، والتقييم غالبا يكون نقدا لا انتقاد؛ حتى يكون عادلا.
حاجتنا إلى النقد لا تقل أهمية عن حاجاتنا إلى البناء، مثل كوري يقول (الناقد الجيد عامل سيء).
نتفق جميعا - قراء وأدباء ونقاد - أن الرواية هي قصة لكنها أطول القصص، والقصة عامة في اللغة هي: الخبر، واصطلاحا هي: عمل فني يمنح الشعور بالمتعة والبهجة (والشجن) حسب مضمونها، كما تتميز بالقدرة على جذب الانتباه والتشويق وإثارة الخيال، وبها عرض أخلاقي ولغوي وترويحي. الرواية هنا، تعد رواية اجتماعية، رغم وجود مشكلة الإرهاب بها وتعارضه مع الدين واستقرار الوطن.
لماذا نقول عنها أنها رواية اجتماعية؟ لأن كل ما دار بها يخص أسرا ومجتمعا، وليست ذاتية، ولا كان الهدف فيها الدين والإرهاب، لأن حجم المكتوب فيها عن الأسرة والإنسانيات أكثر من ذلك.
ذكر الكاتب شخصيات الرواية ووصفها وصفا دقيقا، من حيث الشكل الخارجي والداخلي.
هل هذا يعد لصالح القارئ أو العمل؟ ربما نعم، وربما لا، لكن من ناحية النقد نقول:
إن وصف الشخصيات يقع عادة بين نمطين( إخباري - كشفي)، الكاتب هنا استخدم الوصف الكشفي، أي وصف الشخصيات وصفا دقيقا في (المقاطع والعتبات) أثناء السرد، في كل شخصية دفعة واحدة، لم يترك فرصة للقارئ من خلال السرد المتفرق أو عن طريق المساحات الواسعة للسرد؛ أن يستخلص ويستكشف الشخصيات بنفسه، مما أفقده متعة الاستكشاف والسعي وراء الجُمل والسرد لاستخراجها، ربما لأن هذا هو العمل الروائي الأول له؛ غابت عنه هذه النقطة، ومع ذلك لا ينقص هذا من جمال السرد وسلاسته وتوظيف الفكرة وتسخير الشخصيات لها، وهذا ما قام به الكاتب، وهو محسوب له لا عليه.
أستشهد له هنا - عدلا - بقول القاص الإنجليزي (سومرست موم) حيث قال: "إذا كان باستطاعتك أن تُخبر بالقص، وتخلق الشخصيات، وتبتكر الأحداث بشفافية وصدق؛ ليس المهم حينها كيف تكتب.
اهتم الكاتب بمثلث عناصر السرد ونسيجه (سرد - وصف - حوار) وهذا يشهد له ولصالحه أيضا.
تقول نانسي كريس: "إن نجاح الشخصية في العمل الروائي؛ يرتكز على نجاح الكاتب في أن يلعب ثلاثة أدوار في وقت واحد أثناء الكتابة (الكاتب - الشخصية - القارئ) لنمو العمل الروائي.
اتكأ الراوي في الرواية على معلوماتية مختلفة ومتنوعة منها (تاريخية - دينية - سياسية) إن هذا الكم يحتاج لسرد أكبر وطول نَفَس لكاتب متمكن مثله، رغم أن الكاتب حاول - جاهدا - أن يجعلها غير مباشرة وقد أفلح بشكل جيد، إلا أني أرى أن لو حذف بعضها (السياحة الداخلية) لا يضر بالرواية.
يقول الروائي الأرجواني "إدوارد غاليانو": "أنا لم أطلب منك أن تصف سقوط المطر، أنا أطلب من أن تجعلني أتبلل".
تضفير الشخصيات، ذكر الكاتب مقاطع كاملة بأسماء أشخاص الرواية، وأخيرا يضفرهم في لقاءات تربطهم، إما عن طريق توافق الطباع، أو لقاءات في رحلة أو في الجامعة، أو الجيرة.
هذا التضفير جعل كأن الأبطال بها عائلة واحدة، أو هم في بقعة واحدة، ولما لا، هذه مصر، وهم أولادها مهما اختلفت طباعهم من بين طاعة وعصيان.
يؤخذ على الكاتب أن ذكر اسم شخصية يعرفها وتربطه به الصداقة، وصفها بما لا داعي له بالسرد، ولو حذف هذا الثناء؛ لم يضر حذفها الرواية في شيء؛ بل يجعل بينه وبين القارئ مصداقية. ولهذا أنصحه بحذفها في الطبعات التالية بإذن الله تعالى.
أخيرا وليس بآخر.. الرواية كانت ممتعة، والمجهود المبذول فيها يستحق الثناء عليه، خاصة أنها الرواية الأولى للأديب.
أتمنى له دوام التوفيق.
كتبتها: سالمة المغربي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى