يُقسِمُ بأغلظِ الأيمان غير حانثٍ ، إنّه لا يستطيع المرور بينَ الأزقةِ ، بعد " المغربيةِ" من رائحةِ البخورِ ، الذي تتلاقى خيوطه فوق الرؤوس ، فتبدو كذيولِ الأفاعي ، جرّه شكٌ مظلم يتخبّط فيهِ لا يقوى على ردهِ ، يمسك برأسهِ الثائر بين كفيهِ، واليأس يضعضعه ، تثور في دمهِ حمى لا يجد دونها مَصرِفا ، كُلّما خَرجَ من دارهِ، يتساءل كمدا : كيف لقويٍّ ميسور الحال مثلي، أن يعجز عن تتبعِ السّر كبقيةِ القرية .؟!
كُلما تذكّر جاره " متولي " ، حين اتخذ من ملاءةِ اللّيلِ المُظلم سِترا له عن العيونِ ، ها هو ينبشّ بيته كُلّ مساءٍ ، جاء بإخوتهِ وأصهاره ، على أملِ أن يعثر على " المصاخيط" كما أخبرهم الشيخ المغربي ، ارتبط قلبه بهذهِ الوشيجة ، إذ باتت تُشرِق في نفسهِ الوساوس ليل نهار ، أخيرًا اسلمَ لها قياده ، واسكن معها جماحه ، حتى بدى وكُلما شمّ رائحة البخور ، تنبجث جذوة الأمل في رأسهِ ، حتى ضاقت بهِ مذاهب العيش، امتنعَ عنه النوم ، يجوب الدّار يتفحص الجدران ويجترّ فكره المُحرق ، وقلبه يهتز كأرضٍ هامدة أصابها البلل .
ألحت عليه زوجه أكثر من مرةٍ ، أن يترفّق بنفسهِ ، وأن يقنع بما أوتي ، فعنده ما يغنيه عن الناسِ ، فما من سبيلٍ لتعقب الوهم ، كغيره ِمن ضباعِ القرية ، الذين لا هم لهم إلا نبش الأرض ، مع غيرِ الحاجة ، لكنّه كغيره ، قد عقدَ عزمه ، واطلقَ سهمه في فضاءِ رحبٍ من الطمع لا نهايةَ له .
غيرَ أنّ ما ينقصه العزوة ، فالحفر يحتاج لأتباعٍ شداد ، لا مانع من أن يُشرِك أبناء عمهِ كنزه ، تناسى عداواتهم القديمة التي امتدت لعقودٍ ، اتفقا في الأخيرِ على الشراكةِ، وافته الفرصة ، وفِي ذات صبيحةٍ ، وبينما الشّمس تُعانقُ خيوطها الوليدة هامات أشجار الكافور ، تصادفَ على بابهِ غريبا لا يعرفه ، افترشَ الرجل عتبة دارهِ بأسمالهِ المريبة وسحنته المغبرة ، هنية وأخرجَ من مخلاتهِ كتابا قديما ، جعلَ يتأمّلِ صفحاته المهترئة ، ثم رماه بنظرةٍ حارقة ، وبصوتٍ منكر ، قال : لقد حان الوقت لتخرج الأمانة ، مكتوب لك تذوق الجاه.
انشقَ صدرهِ عن صرخةٍ مدوية ، بعدَ أن سكرت رأسه بهذهِ الكلمات المنعشة ، وفِي ثوانٍ ، أغلقَ عليه ِبابه ، لقد جذبته الأوهام إلى وديانٍ عميقة ، تنهّد عن صدرٍ ثقيل ، وقال منشرحا وهو يدفع عن نفسهِ غائلة الهلاك : جُعلت فداكَ ، وما أدراكَ بكنزي؟!
مرّر الشيخ الغريب يده على لحيتهِ المتهدلة فوقَ كرشهِ ، وقد تغلغل الكحل في عينيهِ ، فبدت في سوادٍ مخيف ، جعل يبرطم ويغمغم ، وعينه تدور فيمن حوله : كله مكتوب ، الليلة تجيب البخور ، وبعده تبدأ الحفر.
غاصَ قلبه بين جانبيهِ وقد تقلّصت ملامحه ، ومع دخولِ المساء ، تناوبت السّواعد على العملِ ، كان صاحبنا من أهلِ النعمةِ واليسارِ ، فلم يكترث لنفقةٍ وسع فيها قدر طاقتهِ ، ملأ حِجر الشيخ بالمالِ ، افترش حافة الحفرة ، وعزائمه لا تتوقف ، ودخان البخور يتصاعد في قوةٍ ، غيّبت عقل صاحبنا عن كُلّ شيء ، إلا عن مسدسهِ الذي لفه بين طياتِ ثيابهِ ، فهو لا يأمن على نفسه من أبناءِ عمه ، ولا يثق بمكرهم حال خروج الكنز .
وفي ليلةٍ طلب الشيخ من الجميع مغادرة الحفرة ، اختلى بنفسه فدسّ قطعة لامعة في الترابِ ، وبعد أن اشعلَ البخور طلب من صاحبنا أن يبدأ النّبش ، وهو يئن أنات الثكالى ، لم يتمالك الجائع نفسه وهو يخرج القطعة اللامعة يلوح بها ، امتلأت عين الجميع ببريقِ الجوعِ الأخاذ ، وفِي صمتٍ استلّ مسدسه ، واطلقَ رصاصة في الهواءِ ، كان الشيخ قد ولى هاربا ، بعد أن أخبره بوجودِ كنزه بعد أشبارٍ ...
إلى هنا و اترك القارئ الكريم ، كي يعمل عقله ، ويحكم فطرته في وضعِ نهايةٍ مناسبةٍ لهذا المشهد ..
محمد فيض خالد -
كُلما تذكّر جاره " متولي " ، حين اتخذ من ملاءةِ اللّيلِ المُظلم سِترا له عن العيونِ ، ها هو ينبشّ بيته كُلّ مساءٍ ، جاء بإخوتهِ وأصهاره ، على أملِ أن يعثر على " المصاخيط" كما أخبرهم الشيخ المغربي ، ارتبط قلبه بهذهِ الوشيجة ، إذ باتت تُشرِق في نفسهِ الوساوس ليل نهار ، أخيرًا اسلمَ لها قياده ، واسكن معها جماحه ، حتى بدى وكُلما شمّ رائحة البخور ، تنبجث جذوة الأمل في رأسهِ ، حتى ضاقت بهِ مذاهب العيش، امتنعَ عنه النوم ، يجوب الدّار يتفحص الجدران ويجترّ فكره المُحرق ، وقلبه يهتز كأرضٍ هامدة أصابها البلل .
ألحت عليه زوجه أكثر من مرةٍ ، أن يترفّق بنفسهِ ، وأن يقنع بما أوتي ، فعنده ما يغنيه عن الناسِ ، فما من سبيلٍ لتعقب الوهم ، كغيره ِمن ضباعِ القرية ، الذين لا هم لهم إلا نبش الأرض ، مع غيرِ الحاجة ، لكنّه كغيره ، قد عقدَ عزمه ، واطلقَ سهمه في فضاءِ رحبٍ من الطمع لا نهايةَ له .
غيرَ أنّ ما ينقصه العزوة ، فالحفر يحتاج لأتباعٍ شداد ، لا مانع من أن يُشرِك أبناء عمهِ كنزه ، تناسى عداواتهم القديمة التي امتدت لعقودٍ ، اتفقا في الأخيرِ على الشراكةِ، وافته الفرصة ، وفِي ذات صبيحةٍ ، وبينما الشّمس تُعانقُ خيوطها الوليدة هامات أشجار الكافور ، تصادفَ على بابهِ غريبا لا يعرفه ، افترشَ الرجل عتبة دارهِ بأسمالهِ المريبة وسحنته المغبرة ، هنية وأخرجَ من مخلاتهِ كتابا قديما ، جعلَ يتأمّلِ صفحاته المهترئة ، ثم رماه بنظرةٍ حارقة ، وبصوتٍ منكر ، قال : لقد حان الوقت لتخرج الأمانة ، مكتوب لك تذوق الجاه.
انشقَ صدرهِ عن صرخةٍ مدوية ، بعدَ أن سكرت رأسه بهذهِ الكلمات المنعشة ، وفِي ثوانٍ ، أغلقَ عليه ِبابه ، لقد جذبته الأوهام إلى وديانٍ عميقة ، تنهّد عن صدرٍ ثقيل ، وقال منشرحا وهو يدفع عن نفسهِ غائلة الهلاك : جُعلت فداكَ ، وما أدراكَ بكنزي؟!
مرّر الشيخ الغريب يده على لحيتهِ المتهدلة فوقَ كرشهِ ، وقد تغلغل الكحل في عينيهِ ، فبدت في سوادٍ مخيف ، جعل يبرطم ويغمغم ، وعينه تدور فيمن حوله : كله مكتوب ، الليلة تجيب البخور ، وبعده تبدأ الحفر.
غاصَ قلبه بين جانبيهِ وقد تقلّصت ملامحه ، ومع دخولِ المساء ، تناوبت السّواعد على العملِ ، كان صاحبنا من أهلِ النعمةِ واليسارِ ، فلم يكترث لنفقةٍ وسع فيها قدر طاقتهِ ، ملأ حِجر الشيخ بالمالِ ، افترش حافة الحفرة ، وعزائمه لا تتوقف ، ودخان البخور يتصاعد في قوةٍ ، غيّبت عقل صاحبنا عن كُلّ شيء ، إلا عن مسدسهِ الذي لفه بين طياتِ ثيابهِ ، فهو لا يأمن على نفسه من أبناءِ عمه ، ولا يثق بمكرهم حال خروج الكنز .
وفي ليلةٍ طلب الشيخ من الجميع مغادرة الحفرة ، اختلى بنفسه فدسّ قطعة لامعة في الترابِ ، وبعد أن اشعلَ البخور طلب من صاحبنا أن يبدأ النّبش ، وهو يئن أنات الثكالى ، لم يتمالك الجائع نفسه وهو يخرج القطعة اللامعة يلوح بها ، امتلأت عين الجميع ببريقِ الجوعِ الأخاذ ، وفِي صمتٍ استلّ مسدسه ، واطلقَ رصاصة في الهواءِ ، كان الشيخ قد ولى هاربا ، بعد أن أخبره بوجودِ كنزه بعد أشبارٍ ...
إلى هنا و اترك القارئ الكريم ، كي يعمل عقله ، ويحكم فطرته في وضعِ نهايةٍ مناسبةٍ لهذا المشهد ..
محمد فيض خالد -
Bei Facebook anmelden
Melde dich bei Facebook an, um dich mit deinen Freunden, deiner Familie und Personen, die du kennst, zu verbinden und Inhalte zu teilen.
www.facebook.com