كبور ولد الفقيه عندما سمع بخبر تقنين القنب الهندي ، هزه الحنين إلى الماضي . فقد كان تاجر مخدرات صغير ، لا يتجاوز رأسماله ألف وخمسمائة درهم ، ويربح ثلثها تقريبا . لكن المشكلة هي أن الفترة التي يقضي في السجن ، تُضاعف أيضا ثلاث مرات الفترة التي يقضيها (حرا) . تعب عندما تقدم به العمر ، وبدأ يفكر في الزواج والاستقرار . ولأن البلد يعيش في أزمة ، كما أكد له المرشح الذي عمل معه في الانتخابات السابقة ، فقد صدّقه عندما وعده بأن يجد له عملا قارا ، حين تسمح الظروف بذلك . كما نصحه بأن يُطعم أمه وأخته من رزق حلال ، مهما كان قليلا ، فأجره عند الله لا يُقدّر بثمن ، ولذلك لم يجد أمامه غير استبدال بيع الحشيش ، ببيع السجائر بالتقسيط .
رغم انخفاض الدخل بشكل كبير، فقد ضمن له على الأقل أن يبقى طليقا لفترة طويلة لا يقطعها سوى إذا لعبت الخمر برأسه ، ودخل غمار معركة تنتهي به وراء قضبان السجن .
اليوم بدا وجهه بشوشا ، وهو يجلس أمام باب الدرب خلف صندوق يضع فوقه سجائره الشقراء والسوداء . سمع عن أخبار تقنين (الكيف) . لكن كل ما انتهى إلى سمعه هو أن الحكومة ستضع قانونا ، يسمح بزراعة القنب الهندي . و(الكيف) حسب علمه لا يُستعمل إلا في مجالات ترتبط بالتخدير . فهو يُباع سرا ، أحيانا على شكل مشموم من الورد ، أو (مقسس)* مثل حبات الكسكس ، ومجموع في قطعة من ورق قوي ، يشبه الورق الذي يضع فيه جزارو الأسواق القروية اللحم .
ويُصنع من غباره الحشيش ، ويُستخرج منه أيضا زيت له مفعول كالسحر الأسود ، ينقل من دخّنه رفقة سيجارة شقراء إلى عالم يشبه الجنة ، يتخيل فيه كل ما يشتهيه ، فيرى ما يعشق وكأنه بين يديه . لكن ثمنه غال جدا ، وغالبا ما يُسوّق إلى بلدان ما وراء البحار . البعض أيضا يستعمله في المعجون . يطبخ سنابله في الزبدة حتى يطلق زيته ، ثم يعصرها مع طحين دقيق محمر مخلوط بالسكر والمكسرات . ويتحول الخليط إلى معجون ، يشبه لون وطعم (الشكلاط) .
ويعتقد كبور بأن بعض الفقهاء يدّعون خطأ ، بأن الكيف والحشيش والمعجون يلهون الناس عن العبادة . ففي رمضان من العام الماضي تأكد ، وهو يؤدي صلاة التراويح ، بعد أن دخّن سيجارتين محشوتين بحشيش من النوع الرفيع ، بأنه تخشّع لله كما لم يتخشّع له مخلوق من قبل ، وكأن الملائكة استقلت به عن كل ما حوله ، ونقلته إلى عالم من الورع والتقوى والصفاء ، حتى نسي بأنه مجرد بائع (ديطاي)* ، فرأى وجهه بلحية ورأس غزاهما الشيب من كل جانب ، يرتدي جلبابا أبيض ، والنور يسطع من وجهه ، يطير في السماء بين النجوم ، كأنه أحد أولياء الله الصالحين.
تحلق بالقرب منه بعض الشبان من الدرب فسمع أحدهم يقول :
ـ الآن انفرجت ! أصبح بإمكان أي مواطن ، أن يشتري قطعة حشيش ، ويدخنها بكل حرية ، دون أن يطارده شرطي أو مخزني ، ويزج به في السجون .
قال مع نفسه وقد غمرته فرحة لا حد لها بعد سماعه لكلام ذلك الشاب :
ـ من كان يصدق يا كبور بأن (البزناس)* يمكن أن يحصل على ترخيص للمتاجرة في الكيف ومشتقاته ؟! لابد أن الحصول على هذا الترخيص دونه سبعة نجوم . الكثير من الناس سيسعون للحصول عليه ، لأنه مثل الدجاجة التي تبيض ذهبا . حتى الفقهاء سيجدون ألف سبيل ، ليتوسطوا في السر ، لأبنائهم وذويهم من أجل الحصول على رخصة . وأنت يا كبور لا أظن أنك ستحتاج إلى واسطة ، أو تقديم رشوة . أنت تتوفر على ملف متكامل ، يتضمن شهادات مختومة بتوقيع عمداء الشرطة ، وقضاة المحاكم ، ومدراء السجون ، كلها تزكي بأنك كنت (بزناس) فيما مضى من الأيام . ملف كسقف من حديد لا يتسرب منه الماء . كل هذه الأيام السوداء التي قضيتها وراء القضبان لن تذهب سدى . أغلب الناس يتمنون اليوم لو كان لهم مثل هذا التاريخ . هل فهمت الآن يا كبور لماذا قال الحكماء بأن الزمن دوار ؟!
!؟
ثم بدأ يحلم بوضع خطة للمستقبل :
ـ إذا حصلت على الترخيص ، سأقيم حفلا ، وأبدأ من حيث انتهيت . وبعد شهر أو شهرين سأكتري محلا في موقع رئيسي من الشارع العام ، وأكتب فوق بابه : شركة دخان النسمة لصاحبها كبور ولد الفقيه .
لم تعجبه كلمة نسمة . تبدو غامضة . والاسم ؟! لماذا سموه كبّور بهذه الباء المشددة الحادة مثل السكين ؟! لو كان بيده لسمى نفسه صهيب أو طاهر أو نجم . لن يكتب اسمه الحقيقي . سيكتفي بوضع عبارة : شركة نجم لبيع الذهب الأخضر بالتقسيط ، وإذا فتحها الله عليه سيضيف كلمة وبالجملة .
بدت له عبارة الذهب الأخضر عبارة فخمة ، مثيرة وجذابة ، تليق بالمقام ، لا يخطئ فهمها الحشاشون .
لا يجب أن ينسى الزبائن الذين لا يعرفون القراءة . لا بد من رسم صورتين بالألوان واحدة لغصن القنب الهندي ، والثانية للوحة متوسطة من الحشيش .
حظه العاثر يُنغّص عليه دائما أحلامه الجميلة . خشي أن يكون ما تخيله مجرد وهم ، مثل كل الأوهام التي حطمت حياته من قبل . عليه أن يتأكد من صحة هذه الأخبار حتى لا ينهار سقف الحديد فوق رأسه .
المعلم عمر هو الشخص الوحيد الذي يمكن أن يطفئ نيران شكوكه . سيأتي بعد قليل متأبطا الجرائد ، يقتني ثلاث سجائر أو أربع قبل أن يدخل إلى بيته . يبدو أنه يفهم في السياسة . كل المرشحين في الانتخابات السابقة طرقوا بابه وحاولوا التودد إليه ، لكنه أشاح بوجهه ، فتمنوا عليه ألا يهاجمهم ، ويحرض السكان ضدهم . يبدو أن الرجل غاوي فقر ، وإلا لرفعته السياسة إلى السكن في حي أرقى .
لن يخسر شيئا إذا ابتسم الآن . عندما يلتقي بالمعلم عمر ، ستظهر الحقيقة . أشعل أغلى سيجارة شقراء عنده ، أخذ نفسا عميقا ونفث أمامه سحابة كثيفة من الدخان وردد مع نفسه :
ـ غدا سيصبح لك اسم جديد ، ومهنة معترف بها هي تجارة الذهب ، لكن ذهب بلون أخضر ! إذا سارت الأمور على النحو الذي فهمته ، فقد صدق خطيب الجمعة ، عندما قال بأن الله تعالى لا ينسى عباده المعدمين .
المعجم :
ـ الكيف : القنب الهندي
ـ مقسس : مهيأ للتدخين
ـ ديطاي : لفظ من اللغة الفرنسية يعني التقسيط
ـ (بزناس) : لفظ من اللغة الفرنسية يعني تاجر ، وهو وصف يطلق في المغرب على تجار المخدرات .
مراكش 14 مارس 2021
رغم انخفاض الدخل بشكل كبير، فقد ضمن له على الأقل أن يبقى طليقا لفترة طويلة لا يقطعها سوى إذا لعبت الخمر برأسه ، ودخل غمار معركة تنتهي به وراء قضبان السجن .
اليوم بدا وجهه بشوشا ، وهو يجلس أمام باب الدرب خلف صندوق يضع فوقه سجائره الشقراء والسوداء . سمع عن أخبار تقنين (الكيف) . لكن كل ما انتهى إلى سمعه هو أن الحكومة ستضع قانونا ، يسمح بزراعة القنب الهندي . و(الكيف) حسب علمه لا يُستعمل إلا في مجالات ترتبط بالتخدير . فهو يُباع سرا ، أحيانا على شكل مشموم من الورد ، أو (مقسس)* مثل حبات الكسكس ، ومجموع في قطعة من ورق قوي ، يشبه الورق الذي يضع فيه جزارو الأسواق القروية اللحم .
ويُصنع من غباره الحشيش ، ويُستخرج منه أيضا زيت له مفعول كالسحر الأسود ، ينقل من دخّنه رفقة سيجارة شقراء إلى عالم يشبه الجنة ، يتخيل فيه كل ما يشتهيه ، فيرى ما يعشق وكأنه بين يديه . لكن ثمنه غال جدا ، وغالبا ما يُسوّق إلى بلدان ما وراء البحار . البعض أيضا يستعمله في المعجون . يطبخ سنابله في الزبدة حتى يطلق زيته ، ثم يعصرها مع طحين دقيق محمر مخلوط بالسكر والمكسرات . ويتحول الخليط إلى معجون ، يشبه لون وطعم (الشكلاط) .
ويعتقد كبور بأن بعض الفقهاء يدّعون خطأ ، بأن الكيف والحشيش والمعجون يلهون الناس عن العبادة . ففي رمضان من العام الماضي تأكد ، وهو يؤدي صلاة التراويح ، بعد أن دخّن سيجارتين محشوتين بحشيش من النوع الرفيع ، بأنه تخشّع لله كما لم يتخشّع له مخلوق من قبل ، وكأن الملائكة استقلت به عن كل ما حوله ، ونقلته إلى عالم من الورع والتقوى والصفاء ، حتى نسي بأنه مجرد بائع (ديطاي)* ، فرأى وجهه بلحية ورأس غزاهما الشيب من كل جانب ، يرتدي جلبابا أبيض ، والنور يسطع من وجهه ، يطير في السماء بين النجوم ، كأنه أحد أولياء الله الصالحين.
تحلق بالقرب منه بعض الشبان من الدرب فسمع أحدهم يقول :
ـ الآن انفرجت ! أصبح بإمكان أي مواطن ، أن يشتري قطعة حشيش ، ويدخنها بكل حرية ، دون أن يطارده شرطي أو مخزني ، ويزج به في السجون .
قال مع نفسه وقد غمرته فرحة لا حد لها بعد سماعه لكلام ذلك الشاب :
ـ من كان يصدق يا كبور بأن (البزناس)* يمكن أن يحصل على ترخيص للمتاجرة في الكيف ومشتقاته ؟! لابد أن الحصول على هذا الترخيص دونه سبعة نجوم . الكثير من الناس سيسعون للحصول عليه ، لأنه مثل الدجاجة التي تبيض ذهبا . حتى الفقهاء سيجدون ألف سبيل ، ليتوسطوا في السر ، لأبنائهم وذويهم من أجل الحصول على رخصة . وأنت يا كبور لا أظن أنك ستحتاج إلى واسطة ، أو تقديم رشوة . أنت تتوفر على ملف متكامل ، يتضمن شهادات مختومة بتوقيع عمداء الشرطة ، وقضاة المحاكم ، ومدراء السجون ، كلها تزكي بأنك كنت (بزناس) فيما مضى من الأيام . ملف كسقف من حديد لا يتسرب منه الماء . كل هذه الأيام السوداء التي قضيتها وراء القضبان لن تذهب سدى . أغلب الناس يتمنون اليوم لو كان لهم مثل هذا التاريخ . هل فهمت الآن يا كبور لماذا قال الحكماء بأن الزمن دوار ؟!
!؟
ثم بدأ يحلم بوضع خطة للمستقبل :
ـ إذا حصلت على الترخيص ، سأقيم حفلا ، وأبدأ من حيث انتهيت . وبعد شهر أو شهرين سأكتري محلا في موقع رئيسي من الشارع العام ، وأكتب فوق بابه : شركة دخان النسمة لصاحبها كبور ولد الفقيه .
لم تعجبه كلمة نسمة . تبدو غامضة . والاسم ؟! لماذا سموه كبّور بهذه الباء المشددة الحادة مثل السكين ؟! لو كان بيده لسمى نفسه صهيب أو طاهر أو نجم . لن يكتب اسمه الحقيقي . سيكتفي بوضع عبارة : شركة نجم لبيع الذهب الأخضر بالتقسيط ، وإذا فتحها الله عليه سيضيف كلمة وبالجملة .
بدت له عبارة الذهب الأخضر عبارة فخمة ، مثيرة وجذابة ، تليق بالمقام ، لا يخطئ فهمها الحشاشون .
لا يجب أن ينسى الزبائن الذين لا يعرفون القراءة . لا بد من رسم صورتين بالألوان واحدة لغصن القنب الهندي ، والثانية للوحة متوسطة من الحشيش .
حظه العاثر يُنغّص عليه دائما أحلامه الجميلة . خشي أن يكون ما تخيله مجرد وهم ، مثل كل الأوهام التي حطمت حياته من قبل . عليه أن يتأكد من صحة هذه الأخبار حتى لا ينهار سقف الحديد فوق رأسه .
المعلم عمر هو الشخص الوحيد الذي يمكن أن يطفئ نيران شكوكه . سيأتي بعد قليل متأبطا الجرائد ، يقتني ثلاث سجائر أو أربع قبل أن يدخل إلى بيته . يبدو أنه يفهم في السياسة . كل المرشحين في الانتخابات السابقة طرقوا بابه وحاولوا التودد إليه ، لكنه أشاح بوجهه ، فتمنوا عليه ألا يهاجمهم ، ويحرض السكان ضدهم . يبدو أن الرجل غاوي فقر ، وإلا لرفعته السياسة إلى السكن في حي أرقى .
لن يخسر شيئا إذا ابتسم الآن . عندما يلتقي بالمعلم عمر ، ستظهر الحقيقة . أشعل أغلى سيجارة شقراء عنده ، أخذ نفسا عميقا ونفث أمامه سحابة كثيفة من الدخان وردد مع نفسه :
ـ غدا سيصبح لك اسم جديد ، ومهنة معترف بها هي تجارة الذهب ، لكن ذهب بلون أخضر ! إذا سارت الأمور على النحو الذي فهمته ، فقد صدق خطيب الجمعة ، عندما قال بأن الله تعالى لا ينسى عباده المعدمين .
المعجم :
ـ الكيف : القنب الهندي
ـ مقسس : مهيأ للتدخين
ـ ديطاي : لفظ من اللغة الفرنسية يعني التقسيط
ـ (بزناس) : لفظ من اللغة الفرنسية يعني تاجر ، وهو وصف يطلق في المغرب على تجار المخدرات .
مراكش 14 مارس 2021