لقد أصيب القصر الامبراطوري بالصدمة، الوزراء بل وحتى العبيد والخدم والنسوة، جالوا في كل ردهات القصر، وهم يتناقلون خبر الرسالة التي جاءت من التيبت..
"سونغتسان المجنون"..
"يا للجراة .. يا للوقاحة"..
"إنها الحرب لا محالة"..
عقد الامبراطور تانغ تاي تسونغ مجلساً طارئاً ومغلقاً مع الحكماء ووزيره، فتراصوا حول كرسي العرش على مسافة آمنة من الإمبراطور، الذي جلس مغمض العينين وسبابته على شفتيه. بقى صامتاً لوقت غير قليل ليصيغ حديثه فلا يبدو متوتراً:
- اشرح لي وضع التيبت أيها الوزير..
قال الوزير:
- سونغتسان من قومية التيبت المنحدرة من قبيلة توفان..
قال الامبراطور:
- ومن أين جاء بكل هذه الوقاحة والاجتراء على أسرة تانغ؟
نهض الوزير وركع على الأرض وهو يقول:
- زار تشانغان في صباه ويبدو أنه مدله بحب ثقافة التانغ..
قال الامبراطور:
- ولكن..ليس إلى هذه الدرجة..هذا الشاب مجنون بلا شك..
قال الوزير دون أن يرفع رأسه:
- إن جواسيسنا يا مولاي أعطونا تقييماً عالي المستوى لشخصية هذا الحاكم الشاب..لقد قالوا بأنه شخصية متناقضة، فيبدو أنه مقاتل شجاع ولكنه كذلك يزعم تأليف الشعر..
غمر ارتياح ما الامبراطور وتبسم دون أن تظهر ابتسامته على شفتيه:
- آه..
ثم أشار بصباعه فنهض الوزير من ركوعه وقال:
- هل أرضهم غنية؟
قال الوزير:
- ذهب وفضة ونحاس، ويتفوقون في صناعة الدروع والأسلحة الحربية..
فض الامبراطور المجلس وبقى ساهماً..
...
"اسمح لي يا سيدي سونغتسان أن نجهز أسلحتنا ونحفر قبورنا"..
قال حكيم التيبت، غير أن الشاب قال مبتسماً:
- أنت لا تعرف قصة الطائر أليس كذلك؟
ولما صمت الحكيم تشي، أضاف سونغ:
- عندما كنت أمر بشارع تشوتشيويه الذي يفصل مدينة تشانغان، جلست متاملاً تلك المحال التجارية الجميلة والحوانيت..كان التانغيون يعبرون جيئة وذهاباً.. كانوا نظيفين كثيراً.. الفتيات البيضاوات حمراوات القدم يحملن حقائب الخضروات، وقربهن تعبر العربات التي تجرها الأحصنة القصيرة ذات الشعر الأسود اللامع، فغشيتني غفوة. رأيت فيها وفي منتصف بحيرة بوهاي، قفصاً ذهبياً، داخله طائر ابيض جميل..جميل جدا يا تشي؛ ربما لا يمكنني وصف جماله، وفجأة انقض طائر ملون من السماء ففتح باب القفص وطار الطائران في السماء، حينها استيقظت، وأدركت أن هذه علامة من السماء..فشعرت بسعادة عظيمة.. إن الرجل لا يصبح عظيماً بغير الحب يا تشي..ولتكن هذه حكمة الحِكَم في لسانك دائماً..
***
سأل الامبراطور:
- ماذا ترى أيها الوزير؟
كان الاجتماع بينهما فقط، فتحدث الوزير بأمان:
- هناك ثلاثة خيارات يا سيدي، التجاهل، أو الحرب، أو أن تجيب طلبه..
- ماذا تقول: أجيب طلبه..هل جُننت..
أضاف الوزير:
- لقد بَعث برسالتين أخرتين يؤكد طلبه، وهذا يعني أن تجاهله لم يعد ممكناً، إنني أخشى أن ينشق عن الامبراطورية، أما الحرب فستكون مكلفة فمرتفعات تشينغهاي التيبت صعبة، وأرى أن الحل هو أن تستجيب لطلبه..
- هل ترى ذلك؟..
- قليلٌ من التنازلات سيوفر علينا الكثير من المخاطر.. فلم تمض أشهر على الانتهاء من قمع ثورة الفلاحين..ولا نرغب في مزيد من القلاقل داخل امبراطورية التانغ..
- ولكن .. يشق على قلبي أن أسلم إحدى بناتي لهذا الجلف..ثم.. ثم كيف ستتحمل إحدى الأميرات حياة تلك الجبال الوعرة والشاقة؟
- ون يا سيدي..
رفع الامبراطور رأسه وحدق في عيني وزيره بدهشة:
- ون؟ هل انت واعٍ لما تقوله ايها الوزير.. ابنتي الرقيقة ون..العصفورة البيضاء.. أجملهن واحنهن على أبيها..
قال الوزير:
- ون رومانسية جداً يا سيدي.. والرومانسيات طعامهن الكلام الرقيق..والولد شاعر..وهو ليس بشاعر مرموق ولكنه ليس سيئاً..
- لن تتحمل..لن تتحمل..
وانتهى الأمر بأن نادى الامبراطور على ون وسألها رايها فخفضت رأسها وقالت:
- ولكن بشرط أن أحمل معي بعض بذور الخضروات..
ثم غادرت فقال الامبراطور لوزيره بدهشة:
- بذور الخضروات؟ ما علاقة هذا بذاك؟
ضحك الوزير وقال:
- إنها خَجِلة فقط.. أخبرتك بأنها عاطفية جداً يا مولاي..
قال الامبراطور بعينين ضاحكتين:
- بت تعرف أسرتي أكثر مني أيها الوزير..
ورغم أنها مزحة غير أن الوزير شعر بالخوف..فهو يعرف الملوك جيداً..
***
أعد سونغتسان قافلة لاستقبال الأميرة التانغية، وطلب برسالة عاجلة أن تتوقف قافلة العروس عند بحيرة بوهاي، حيث بنى على ضفافها قصراً للعروس يشبه قصرها في العاصمة.
وحين هبطت ون من عربتها، أنزلها سونغ بيديه.. آمراً القوافل بالذهاب إلى الاحتفالات في لاسا، أما هو فسيبقى مع عروسه لوحدهما.
ثم مضى بها نحو ضفاف البحيرة وقد أربكت جدة اللقاء خطواتهما:
- ما بين قلبي وبين قلبك
طريق طويل قصير
كالقناة بين تونغتشو والنهر الأصفر..
حيث تعبر مياه الحب يا ون.. نابضة الخضرةَ والزهورَ على جانبيها..
خفضت ون رأسها وغمغمت:
- لقد..لقد جلبت بعض بذور الخضروات..
فقال:
-إنني عبرت يوما في أعماقي لأراك
كانت عيناك واسعة مثل بحيرة قوانغيونتانغ ..
أشرعة سفني راسية فيها..
كحراب موجهة نحو آلهة الحب في السماء..
ون..لقد كتبت عنك قصائد كثيرة..قبل أن أراكِ لأنني كنت أراك
لكنني كنت اخبؤها
كي لا أصاب بالحظ العاثر من الحاسدين..
وها هي بحيرة بوهاي
تشهد على صدق بصيرة قلبي..
تحمر وجنات ون خجلا فتخرج صرة وتفضها بأصابع مرتعشة
: انظر سيدي.. إنها بذور ال..
فيضع يديه على كفيها ويقول:
- ون.. أنظري إلى عيني وقولي لي ماذا ترين..
ترفع ون رأسها بتردد وتقول بعد ان تحدق في عينيه:
- أرى..أرى بذور الحياة في عينيك..
...
مضت أشهر حين قال الامبراطور لوزيره جزلاً:
- كيف عرفت أنها ستتحمل ذلك أيها الوزير؟
قال الوزير ضاحكاً:
- أخبرتك يا سيدي بأن هذا الفتى رومانسي وكذلك الأميرة ون.. ومثل هذه الكائنات اللطيفة ترهن كل حياتها من أجل لحظة حب..
قال الامبراطور:
- حقاً..لقد أصبت.. ويتركون لنا نحن خوض الحروب من أجل تأمين ذلك الحب..لقد أضحى تحالفنا مع التيبتيين أنجح تحالف مرَّ على الصين منذ أسرة شيا..
- حقاً يا مولاي.. إنني لأفكر جدياً في أن تقلد حكام الأقاليم من شباب يمتهنون الشعر..
فضحك الامبراطور وقال:
- ومن أين سآتي لهم بون أخرى؟..
سها قليلاً وتذكرها..
ثم بكى
(تمت)
______
قصة حقيقية مع تطوير طفيف..تم زواج سونغ وون عام ٦٤١م في عهد أسرة تانغ.
"سونغتسان المجنون"..
"يا للجراة .. يا للوقاحة"..
"إنها الحرب لا محالة"..
عقد الامبراطور تانغ تاي تسونغ مجلساً طارئاً ومغلقاً مع الحكماء ووزيره، فتراصوا حول كرسي العرش على مسافة آمنة من الإمبراطور، الذي جلس مغمض العينين وسبابته على شفتيه. بقى صامتاً لوقت غير قليل ليصيغ حديثه فلا يبدو متوتراً:
- اشرح لي وضع التيبت أيها الوزير..
قال الوزير:
- سونغتسان من قومية التيبت المنحدرة من قبيلة توفان..
قال الامبراطور:
- ومن أين جاء بكل هذه الوقاحة والاجتراء على أسرة تانغ؟
نهض الوزير وركع على الأرض وهو يقول:
- زار تشانغان في صباه ويبدو أنه مدله بحب ثقافة التانغ..
قال الامبراطور:
- ولكن..ليس إلى هذه الدرجة..هذا الشاب مجنون بلا شك..
قال الوزير دون أن يرفع رأسه:
- إن جواسيسنا يا مولاي أعطونا تقييماً عالي المستوى لشخصية هذا الحاكم الشاب..لقد قالوا بأنه شخصية متناقضة، فيبدو أنه مقاتل شجاع ولكنه كذلك يزعم تأليف الشعر..
غمر ارتياح ما الامبراطور وتبسم دون أن تظهر ابتسامته على شفتيه:
- آه..
ثم أشار بصباعه فنهض الوزير من ركوعه وقال:
- هل أرضهم غنية؟
قال الوزير:
- ذهب وفضة ونحاس، ويتفوقون في صناعة الدروع والأسلحة الحربية..
فض الامبراطور المجلس وبقى ساهماً..
...
"اسمح لي يا سيدي سونغتسان أن نجهز أسلحتنا ونحفر قبورنا"..
قال حكيم التيبت، غير أن الشاب قال مبتسماً:
- أنت لا تعرف قصة الطائر أليس كذلك؟
ولما صمت الحكيم تشي، أضاف سونغ:
- عندما كنت أمر بشارع تشوتشيويه الذي يفصل مدينة تشانغان، جلست متاملاً تلك المحال التجارية الجميلة والحوانيت..كان التانغيون يعبرون جيئة وذهاباً.. كانوا نظيفين كثيراً.. الفتيات البيضاوات حمراوات القدم يحملن حقائب الخضروات، وقربهن تعبر العربات التي تجرها الأحصنة القصيرة ذات الشعر الأسود اللامع، فغشيتني غفوة. رأيت فيها وفي منتصف بحيرة بوهاي، قفصاً ذهبياً، داخله طائر ابيض جميل..جميل جدا يا تشي؛ ربما لا يمكنني وصف جماله، وفجأة انقض طائر ملون من السماء ففتح باب القفص وطار الطائران في السماء، حينها استيقظت، وأدركت أن هذه علامة من السماء..فشعرت بسعادة عظيمة.. إن الرجل لا يصبح عظيماً بغير الحب يا تشي..ولتكن هذه حكمة الحِكَم في لسانك دائماً..
***
سأل الامبراطور:
- ماذا ترى أيها الوزير؟
كان الاجتماع بينهما فقط، فتحدث الوزير بأمان:
- هناك ثلاثة خيارات يا سيدي، التجاهل، أو الحرب، أو أن تجيب طلبه..
- ماذا تقول: أجيب طلبه..هل جُننت..
أضاف الوزير:
- لقد بَعث برسالتين أخرتين يؤكد طلبه، وهذا يعني أن تجاهله لم يعد ممكناً، إنني أخشى أن ينشق عن الامبراطورية، أما الحرب فستكون مكلفة فمرتفعات تشينغهاي التيبت صعبة، وأرى أن الحل هو أن تستجيب لطلبه..
- هل ترى ذلك؟..
- قليلٌ من التنازلات سيوفر علينا الكثير من المخاطر.. فلم تمض أشهر على الانتهاء من قمع ثورة الفلاحين..ولا نرغب في مزيد من القلاقل داخل امبراطورية التانغ..
- ولكن .. يشق على قلبي أن أسلم إحدى بناتي لهذا الجلف..ثم.. ثم كيف ستتحمل إحدى الأميرات حياة تلك الجبال الوعرة والشاقة؟
- ون يا سيدي..
رفع الامبراطور رأسه وحدق في عيني وزيره بدهشة:
- ون؟ هل انت واعٍ لما تقوله ايها الوزير.. ابنتي الرقيقة ون..العصفورة البيضاء.. أجملهن واحنهن على أبيها..
قال الوزير:
- ون رومانسية جداً يا سيدي.. والرومانسيات طعامهن الكلام الرقيق..والولد شاعر..وهو ليس بشاعر مرموق ولكنه ليس سيئاً..
- لن تتحمل..لن تتحمل..
وانتهى الأمر بأن نادى الامبراطور على ون وسألها رايها فخفضت رأسها وقالت:
- ولكن بشرط أن أحمل معي بعض بذور الخضروات..
ثم غادرت فقال الامبراطور لوزيره بدهشة:
- بذور الخضروات؟ ما علاقة هذا بذاك؟
ضحك الوزير وقال:
- إنها خَجِلة فقط.. أخبرتك بأنها عاطفية جداً يا مولاي..
قال الامبراطور بعينين ضاحكتين:
- بت تعرف أسرتي أكثر مني أيها الوزير..
ورغم أنها مزحة غير أن الوزير شعر بالخوف..فهو يعرف الملوك جيداً..
***
أعد سونغتسان قافلة لاستقبال الأميرة التانغية، وطلب برسالة عاجلة أن تتوقف قافلة العروس عند بحيرة بوهاي، حيث بنى على ضفافها قصراً للعروس يشبه قصرها في العاصمة.
وحين هبطت ون من عربتها، أنزلها سونغ بيديه.. آمراً القوافل بالذهاب إلى الاحتفالات في لاسا، أما هو فسيبقى مع عروسه لوحدهما.
ثم مضى بها نحو ضفاف البحيرة وقد أربكت جدة اللقاء خطواتهما:
- ما بين قلبي وبين قلبك
طريق طويل قصير
كالقناة بين تونغتشو والنهر الأصفر..
حيث تعبر مياه الحب يا ون.. نابضة الخضرةَ والزهورَ على جانبيها..
خفضت ون رأسها وغمغمت:
- لقد..لقد جلبت بعض بذور الخضروات..
فقال:
-إنني عبرت يوما في أعماقي لأراك
كانت عيناك واسعة مثل بحيرة قوانغيونتانغ ..
أشرعة سفني راسية فيها..
كحراب موجهة نحو آلهة الحب في السماء..
ون..لقد كتبت عنك قصائد كثيرة..قبل أن أراكِ لأنني كنت أراك
لكنني كنت اخبؤها
كي لا أصاب بالحظ العاثر من الحاسدين..
وها هي بحيرة بوهاي
تشهد على صدق بصيرة قلبي..
تحمر وجنات ون خجلا فتخرج صرة وتفضها بأصابع مرتعشة
: انظر سيدي.. إنها بذور ال..
فيضع يديه على كفيها ويقول:
- ون.. أنظري إلى عيني وقولي لي ماذا ترين..
ترفع ون رأسها بتردد وتقول بعد ان تحدق في عينيه:
- أرى..أرى بذور الحياة في عينيك..
...
مضت أشهر حين قال الامبراطور لوزيره جزلاً:
- كيف عرفت أنها ستتحمل ذلك أيها الوزير؟
قال الوزير ضاحكاً:
- أخبرتك يا سيدي بأن هذا الفتى رومانسي وكذلك الأميرة ون.. ومثل هذه الكائنات اللطيفة ترهن كل حياتها من أجل لحظة حب..
قال الامبراطور:
- حقاً..لقد أصبت.. ويتركون لنا نحن خوض الحروب من أجل تأمين ذلك الحب..لقد أضحى تحالفنا مع التيبتيين أنجح تحالف مرَّ على الصين منذ أسرة شيا..
- حقاً يا مولاي.. إنني لأفكر جدياً في أن تقلد حكام الأقاليم من شباب يمتهنون الشعر..
فضحك الامبراطور وقال:
- ومن أين سآتي لهم بون أخرى؟..
سها قليلاً وتذكرها..
ثم بكى
(تمت)
______
قصة حقيقية مع تطوير طفيف..تم زواج سونغ وون عام ٦٤١م في عهد أسرة تانغ.