بتول حميد - لم يكنْ حادثاً طارئاً

1
لم يكنْ حادثاً طارئاً
كانت فوهةُ البُركانِ تتسعُ في الصالونِ
أمُها تقذفُ الصورَ بإطاراتِها المُذَهبة
أبوها يُفرِّطُ في الساعةِ الجداريةِ الثمينة
صَرْخات أختِها تشقُ أُذنُيها
أخوها يرمي الأريكةَ الثقيلة
كلُهم يبكون دفعةً واحدةً ولا تخمُدُ النار!
يا إلهي كيف يحترقونَ أمام التوسلات
وهم يُسَمّونَ برحمتِك..
لم يكن حادثاً طارئاً..
هذه زوجة الجندي تأَطرُ ضِحكةً مريرةً بعد موتِه..
2
يا أحذيةَ الحربِ اللعينة
لم تكن قلوبُنا مسلحةً بما يكفي
كانت لينةً كأجسادِ الرُضّعِ
تحبو على بِلاطِ الكرة الأرضية..
3
أنا لا أميطُ الصبحَ بورقِ الجرائد
يفعلُ هذا عادةً
عاملُ النظافة
وهو يكمشُها
تلتقي صورَ المتنفذين
بخطاباتِ النعي
تتبددُ ملامحُهم على النوافذ
ولا تستشِفُ إلا وجهَهُ الحزين..
4
لا قرصَ موسيقي يدورُ في فلكي
أتلكأُ بصمتٍ مهيبٍ
من وراءِ صوتِ المذياعِ الجريء
الـ يرصدُ عددَ القتلى
ويرقصُ على جُثمانِهم بعد ثوانٍ
بـ أغنيةٍ باردة..
5
كلما تحسستُ يدي
توجستُ من قَشْعَريرةِ غيابِك
كجندي يُمشطُ شعرَ حبيبتِهِ
قبلَ أن تبتُرَ الحربُ أصابعَهُ!
6
أشتاقُكَ على نحوٍ مؤلم
كساعةِ جنديٍ استُشهدَ في الحرب
ولم تتوقفْ تكاتُها..
7
أريدُ أن أبكيَ في حُضنِكَ
كجندي منتصرٍ بعد معركةٍ طاحنةٍ
استراحَ أخيراً واستسلمَ للبكاء..
أن ألقيَ بهمي في جُبِ عينيكَ
كحيلةٍ شاعريةٍ لاحتضانِ الحياة..
8
أعرفُ امرأةً تخرجُ كلَ يومٍ إلى السوق
تشتري عطرَ زوجِها المفضل
وبطريقةٍ دراميةٍ مؤلمة
ترفعُ رأسَها إلى صورتِهِ
بشريطِها الأسودِ المائل
وتُقبلهُ في فمه..
9
الموال في الأصل نحيب أرملة؛
أكله الهواء وتَموَج صداه في حانة شعبية
10
قلبي يلهثُ..
كنظرةِ جنديٍ بساقٍ واحدةٍ لزوجِ حذائِه
كبنطالهِ الأجوف..
وهو يرقصُ مع الريحِ نكايةً بالموت!
كطفلةٍ حلبيّةٍ
تتمنى لو أن الحربَ لم تأكلْ يدَها
بل مَضغَتْ ذاكرتَها
تصومُ عن النسيان
ويبرُدُ خوفُها كأطعمةِ الجنودِ المعلبة..
11
اكتبي الشعر أيتها البلاد
ولا تخافي من أقدام الحرب
وهي تهرس وجنتك..
لا تَدَعي أحداً يفسد وداعة جفنك
وأنتِ تبعدين الدم عن وجه الوردة
وأنتِ تعيدين للطفل أطرافه
ليحبو قليلاً قبل أن ينبت جناحه!
وأنتِ تُكممين أفواه البنادق
بالقُبلِ والأغنيات..
اكتبي الشعر أيتها البلاد
قبل أن يُربتن النساء على كتف أم الشهيد
وهي تهز في حضنها مهد حفيدٍ لن يجيء..
12
كناجيةٍ من الحَربِ
تتقلبُ على فراشِ الندمِ كلَ ليلة..
كطفلٍ يتوسلُ أمَهُ أن تفيقَ من الموت
كزوجةِ جنديٍ لم يتبقَ لها منهُ إلا بندقيةٍ فارغة..
لن أنتظرَ حتى تُقرَ لي بخيانتِه
تنفُثُ في أنفي عطورَهُ الرخيصة
تبكي لتُرممَ طينَ كبريائِها..
سأقتلُ هذه الحياةَ بقدرِ ما ضاجعَها كلَ ليلة
هذا الحزنُ الفاحش!

بتول حميد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى