أصوات فقط..
صيحات نوارس..ونعيق غربان..وأمواج تتحطم فوق بعضها..هكذا يجلس ويستمع لها داخل غرفته..كما لو كان يعيش في سبعينات القرن الماضي وليس من مواليد التسعينات..جسده خدِر..فهو بالكاد يرى بُقج ملابسه معلقةً على الجدار..وصنم الإله بين شمعتين.."الهند"..همس ورفع صورتها بأصبعين ثم حدق فيها.. حدق فقط..وبدت له عمراً مديداً..
تتدفق الأصوات من هاتفه القديم.. نوارس لاعبة وغربان وأمواج.."يانام" يا ساحرة خليج البنغال. مثل عيني "ديبا"..وتغور حدقتاه داخل جفنين ناعسين ودافئين بالدموع المالحة كالسواحل.
لن يرى مخدومي صنمي لأنه لا يعرفه، وهذه من مزايا تلك الآلهة التي لا يعرفها إلا قلة من مخلوقاتها لأن معرفة الآلهة سر الأسرار، مثل صوت الساكس.
يصيح جاره في الغرفة الملاصقة "غداً لديك عمل"..إنه يطلب -بشكل مؤدب- وقف أصوات النوارس والغربان والأمواج..وحينها ماذا سيحدث يازيهان..سيموت الإله وتنطفئ أعين "ديبا"..وترحل الهند بعيداً..لتبقى بُقج ملابسه معلقة فوق الجدران..وهما لم يرقصا سوياً منذ أن كشف سر ما بصدره..
"أقفل هذه الاصوات المزعجة يا زيهان"..فيقفل هاتفه تماماً..ويطوي جسده ليغوص في عالم الأحلام..
في الصباح علم أن صديقه شنق نفسه..ولن يكترث رب العمل لتلك الكآبة التي غمرته، فيضطر للعمل، ثم يتقيأ فجأة ويسقط مغشياً عليه..
"زيهان"..
همسات كحفيف أوراق الشجر تحت ريح الشتاء ..همسات تناديه..لكن جسده خدر..
"هل.. كان.. يتعاطى؟"..
تومض أضواء بين الكلمات، "هل" ومضة "كان" ومضة "يتعاطى" ومضة..ثم يتمدد الحرف الأخير إلى ما لا نهاية..
يفتح جفنه ببطء داخل الظلام..ويسمع الهمس "لن".. "حقا".. "إششش"..يرى الظلام فوق رأسه..وكما لو كان مقيداً بقيد فولاذي، يفشل في تحريك رأسه فيصعقه الجَزَع..تصله أطراف الهمس "آه".."ماذا".."لا"..
تضيء الغرفة فجأة ويرى وجه ديبا مغسولاً بالدمع..لكنه عاجز عن قول شيء.. يريد أن يخبرها بشوقه.. لكنه ليس عاجزاً اليوم بسبب ارتباكه المعتاد أمامها..ولكن لسبب يجهله، "إنني داخل حلم"، لكن وجه ديبا يبدو حقيقياً..حقيقياً أكثر مما يراه في صورتها التي حصل عليها منها قبل سفره البعيد..يرى أصابع يدها تحوم فوق وجهه وشعره لكنه لا يشعر بها فيحاول الصراخ دون جدوى.."يجب أن أستيقظ"..يرى وجهها محدقاً في الأفق صوب صوت يعرفه..إنه الوكيل.."مؤسف".. ويرى دييا تبكي ثم تزداد بكاء.."ليس لديه أحد سواي".. فيرد الوكيل "لن تتحملي خدمة رجل مصاب بالشلل".. ينتفض قلبه حين يسمع ذلك..يظهر جزء من وجه الوكيل وعمامته "تغوط على نفسه..أليس كذلك؟".. تبكي ديبا "لا أمل له...عليكِ أن تتخذي القرار المناسب يا ديبا"..تمسح دموعها من تحت عينيها ولكنها تستمر في البكاء "هل تستطيعين خدمة رجل معاق الحركة والحس، أم بإمكانك تجاوز الأمر وإكمال طريقك؟".. تنتحب ديبا..ويختفي وجهها فجأة من المشهد..ثم يعم الصمت..فيغمض عينيه علَّه ينام ليستيقظ من هذا الكابوس..
وجه امرأة، ولكنها ليست ديبا، بل ممرضة، تحدق فيه ثم يرى أصابعها تمسك بجفنيه وتشدهما واحداً بعد الآخر.."هل يسمعنا؟" ترد على الصوت الذكوري "هكذا يقول الطبيب"..يسمع الصوت الذكوري "ولكنه يبدو كما لو كان...كما لو كان.." يختفي وجه الممرضة ويسمع صوت أقدام تغادر وتصفق الباب خلفها فيعمه الصمت وينام..
حلقت الطائرة في شكل دوائر حلزونية، ثم هبطت..كان أول مرة يسمع ازيزها من الداخل..شد على حزامه جيداً حين لمست عجلاتها الأسفلت.."زيهان".. يقول موظف المطار ويطلب منه تثبيت عينيه أمام عدسة صغيرة.. "هل جننت" يقول صديقه ويستطرد "تأتي بصنمك إلى هنا..سيقطعون رأسك"..فيخفه جيداً، يخفه بين طيات ملابسه داخل حقيبته..ولكنه يشتاق إليه بين الحين والآخر فيخرجه ويضعه بين شمعتين ليصلي.."ليس حجراً..إنه روح داخل حجر"..نحته جده خصيصاً من أجله عندما كان صبياً "زيهان" ويرى جلد كفي جده أسمراً ومحتشداً بالتجاعيد.."لا تملك سوى إيمانك.." ثم يحتضن كفي الصبي بين كفيه الخشنتين "لا نملك شيئاً سوى الإيمان" ثم تغوص عينا الجد المبيضتين في عينيه اللامعتين "ليس هذا الصنم هو الإيمان يا زيهان..لكنه يذكرك به حين تنسى"..ثم تتبخر صورة الجد..تتناثر خلاياه في الفراغ وتتبدد..ويبقى الإله. وحين يفتح عينيه يرى وجهين، وجه الممرضة الأولى ووجه ممرضة أخرى..تحدقان في عينيه الساكنتين في وِجهة نظر واحدة. "حقنة واحدة..أين الثانية؟" ترد عليها "ها هي..فيختفي وجه الممرضة الأولى..ويرى زاوية نظره تنقلب قبل أن تعتدل من جديد.."لن ننزع التغذية عنه إلا عندما نتأكد من موته".."سأبحث في حقيبته" "لا تسرقي منها شيئاً" "لن أفعل"..يختفي الوجه ويسمع صوت تقليب في حقيبته.."ملابسه غير مغسولة.." .."هذا صنم" .."هاتف محمول قديم".."أليست هذه صورة الفتاة التي زارته قبل ثلاثة أشهر؟".. "لا أعرف..تبدو نحيلة قليلاً هنا" .. "بل سمينة".."تحبين المغالطة".."لا يوجد مال".."إقفلي الحقيبة حتى لا يرانا أحد.." .. "سأسلمها للمخزن".."ليس الآن..لا تتصرفي من تلقاء نفسك فهناك نظام إذا كنتِ ترغبين في الاستمرار في عملك"..
يغيب الصوتان..ويرى المشنقة تتدلى حاملة جسد صديقه، لقد كان خياراً صعباً "لكنه أفضل من هنا".."لو كان الصنم أمام عيني الآن لما نسيت الإيمان وفكرت تفكيراً شريراً كهذا"..كان صديقه ينتحب كثيراً، فقد كان يتعرض للضرب المبرح من مخدومه لأتفه الأسباب.."لن تكون هندياً إن لم تتعلم كيف تتذوق اللطم".. يقول لصديقه غير أن كلامه لا يخفف عنه.."لم نحصل على التعليم الكافي لكي نتجاوز مرحلة اللطم..حينما يلطمني مخدومي فإنني أتذكر كلمات الوِرد المقدس: ما يبدو ألماً ليس بألم..بل إثباتاً لأهمية نقص الإنسان"..هناك تتلبس الروح كل الاشكال؛ الفراشات والجبال والبارود ووجه ديبا وخليج البنغال..لكن الروح تظل هي هي، "لذلك لا تحملوا هماً لزوال الأشكال واهتموا بالحفاظ على الروح...فالروح لا تزول ولكنها تتشوه وهذا خطرها الكبير"..
صوت ضحكات تعبر أذنيه "لن تفعليها".."بل سافعلها"..يظهر نصف وجه الممرضة الثانية، ينظران إلى وسطه ويضحكن بخبث "لا بأس به".."لا يمكنك التأكد من ذلك وهو في هذه الحالة"..."أنظري..أنظري..لقد قذف..".."كيف فعلها..".. "قال الطبيب بأن جسده مشلول بالكامل فكيف"..."ربما عالم الأحلام".."هل نخبر الطبيب".."أمجنونة انت؟".."لماذا؟".."وكيف نفسر له رؤيتنا لذلك".."صحيح..اتركيه .. سيأتي الطبيب ويرى هذه السوائل بنفسه"..."أشك في هذا الطبيب.."..تضحك الفتاتان وتخرجان..
لم تنتابه أي أحلام جنسية البارحة، حاول الضغط على ذاكرته بلا جدوى. "ديبا نفسها لم تظهر لي في المنام منذ أشهر"..أغمض عينيه، وعاد له الحلم السابق..كان قد فعلها مع الصنم..نعم..مع صنمه الملون، ذو العيون الواسعة والفم الكبير بضحكته الخبيثة.."زيهان..حبيبي"..يجثو راكعاً على قدميه، "أيها المؤمن الذي لم ينسني أبداً".. ويتحول الحجر الملون لجسد أنثوي فائق الجمال، فيستيقظ بخوف ويلاحظ دقات قلبه المتسارعة وهي تخبوا ببطء..يتابعها رنين الجهاز..ويسمع صوت أقدام تركض..ثم يرى الطبيب و الممرضين والممرضات من حوله.."قلبه يتوقف عن العمل..إنعاش قابل للصعق".. يرى صدره يقفز عدة قفزات..كانت وجوههم تشحب وتتبدد..ليصبح كل شيء أبيضاً.. ومن قلب البياض..رأى صنمه ينحني على وجهه ويقبله هامساً: "لقد اشتقت إليك يا زيهان...".. ثم يشعر بدفء يغمر جسده بأكمله، وأصوات صيحات النوارس ونعيق الغربان وتلاطم أمواج خليج البنغال..
(تمت)
صيحات نوارس..ونعيق غربان..وأمواج تتحطم فوق بعضها..هكذا يجلس ويستمع لها داخل غرفته..كما لو كان يعيش في سبعينات القرن الماضي وليس من مواليد التسعينات..جسده خدِر..فهو بالكاد يرى بُقج ملابسه معلقةً على الجدار..وصنم الإله بين شمعتين.."الهند"..همس ورفع صورتها بأصبعين ثم حدق فيها.. حدق فقط..وبدت له عمراً مديداً..
تتدفق الأصوات من هاتفه القديم.. نوارس لاعبة وغربان وأمواج.."يانام" يا ساحرة خليج البنغال. مثل عيني "ديبا"..وتغور حدقتاه داخل جفنين ناعسين ودافئين بالدموع المالحة كالسواحل.
لن يرى مخدومي صنمي لأنه لا يعرفه، وهذه من مزايا تلك الآلهة التي لا يعرفها إلا قلة من مخلوقاتها لأن معرفة الآلهة سر الأسرار، مثل صوت الساكس.
يصيح جاره في الغرفة الملاصقة "غداً لديك عمل"..إنه يطلب -بشكل مؤدب- وقف أصوات النوارس والغربان والأمواج..وحينها ماذا سيحدث يازيهان..سيموت الإله وتنطفئ أعين "ديبا"..وترحل الهند بعيداً..لتبقى بُقج ملابسه معلقة فوق الجدران..وهما لم يرقصا سوياً منذ أن كشف سر ما بصدره..
"أقفل هذه الاصوات المزعجة يا زيهان"..فيقفل هاتفه تماماً..ويطوي جسده ليغوص في عالم الأحلام..
في الصباح علم أن صديقه شنق نفسه..ولن يكترث رب العمل لتلك الكآبة التي غمرته، فيضطر للعمل، ثم يتقيأ فجأة ويسقط مغشياً عليه..
"زيهان"..
همسات كحفيف أوراق الشجر تحت ريح الشتاء ..همسات تناديه..لكن جسده خدر..
"هل.. كان.. يتعاطى؟"..
تومض أضواء بين الكلمات، "هل" ومضة "كان" ومضة "يتعاطى" ومضة..ثم يتمدد الحرف الأخير إلى ما لا نهاية..
يفتح جفنه ببطء داخل الظلام..ويسمع الهمس "لن".. "حقا".. "إششش"..يرى الظلام فوق رأسه..وكما لو كان مقيداً بقيد فولاذي، يفشل في تحريك رأسه فيصعقه الجَزَع..تصله أطراف الهمس "آه".."ماذا".."لا"..
تضيء الغرفة فجأة ويرى وجه ديبا مغسولاً بالدمع..لكنه عاجز عن قول شيء.. يريد أن يخبرها بشوقه.. لكنه ليس عاجزاً اليوم بسبب ارتباكه المعتاد أمامها..ولكن لسبب يجهله، "إنني داخل حلم"، لكن وجه ديبا يبدو حقيقياً..حقيقياً أكثر مما يراه في صورتها التي حصل عليها منها قبل سفره البعيد..يرى أصابع يدها تحوم فوق وجهه وشعره لكنه لا يشعر بها فيحاول الصراخ دون جدوى.."يجب أن أستيقظ"..يرى وجهها محدقاً في الأفق صوب صوت يعرفه..إنه الوكيل.."مؤسف".. ويرى دييا تبكي ثم تزداد بكاء.."ليس لديه أحد سواي".. فيرد الوكيل "لن تتحملي خدمة رجل مصاب بالشلل".. ينتفض قلبه حين يسمع ذلك..يظهر جزء من وجه الوكيل وعمامته "تغوط على نفسه..أليس كذلك؟".. تبكي ديبا "لا أمل له...عليكِ أن تتخذي القرار المناسب يا ديبا"..تمسح دموعها من تحت عينيها ولكنها تستمر في البكاء "هل تستطيعين خدمة رجل معاق الحركة والحس، أم بإمكانك تجاوز الأمر وإكمال طريقك؟".. تنتحب ديبا..ويختفي وجهها فجأة من المشهد..ثم يعم الصمت..فيغمض عينيه علَّه ينام ليستيقظ من هذا الكابوس..
وجه امرأة، ولكنها ليست ديبا، بل ممرضة، تحدق فيه ثم يرى أصابعها تمسك بجفنيه وتشدهما واحداً بعد الآخر.."هل يسمعنا؟" ترد على الصوت الذكوري "هكذا يقول الطبيب"..يسمع الصوت الذكوري "ولكنه يبدو كما لو كان...كما لو كان.." يختفي وجه الممرضة ويسمع صوت أقدام تغادر وتصفق الباب خلفها فيعمه الصمت وينام..
حلقت الطائرة في شكل دوائر حلزونية، ثم هبطت..كان أول مرة يسمع ازيزها من الداخل..شد على حزامه جيداً حين لمست عجلاتها الأسفلت.."زيهان".. يقول موظف المطار ويطلب منه تثبيت عينيه أمام عدسة صغيرة.. "هل جننت" يقول صديقه ويستطرد "تأتي بصنمك إلى هنا..سيقطعون رأسك"..فيخفه جيداً، يخفه بين طيات ملابسه داخل حقيبته..ولكنه يشتاق إليه بين الحين والآخر فيخرجه ويضعه بين شمعتين ليصلي.."ليس حجراً..إنه روح داخل حجر"..نحته جده خصيصاً من أجله عندما كان صبياً "زيهان" ويرى جلد كفي جده أسمراً ومحتشداً بالتجاعيد.."لا تملك سوى إيمانك.." ثم يحتضن كفي الصبي بين كفيه الخشنتين "لا نملك شيئاً سوى الإيمان" ثم تغوص عينا الجد المبيضتين في عينيه اللامعتين "ليس هذا الصنم هو الإيمان يا زيهان..لكنه يذكرك به حين تنسى"..ثم تتبخر صورة الجد..تتناثر خلاياه في الفراغ وتتبدد..ويبقى الإله. وحين يفتح عينيه يرى وجهين، وجه الممرضة الأولى ووجه ممرضة أخرى..تحدقان في عينيه الساكنتين في وِجهة نظر واحدة. "حقنة واحدة..أين الثانية؟" ترد عليها "ها هي..فيختفي وجه الممرضة الأولى..ويرى زاوية نظره تنقلب قبل أن تعتدل من جديد.."لن ننزع التغذية عنه إلا عندما نتأكد من موته".."سأبحث في حقيبته" "لا تسرقي منها شيئاً" "لن أفعل"..يختفي الوجه ويسمع صوت تقليب في حقيبته.."ملابسه غير مغسولة.." .."هذا صنم" .."هاتف محمول قديم".."أليست هذه صورة الفتاة التي زارته قبل ثلاثة أشهر؟".. "لا أعرف..تبدو نحيلة قليلاً هنا" .. "بل سمينة".."تحبين المغالطة".."لا يوجد مال".."إقفلي الحقيبة حتى لا يرانا أحد.." .. "سأسلمها للمخزن".."ليس الآن..لا تتصرفي من تلقاء نفسك فهناك نظام إذا كنتِ ترغبين في الاستمرار في عملك"..
يغيب الصوتان..ويرى المشنقة تتدلى حاملة جسد صديقه، لقد كان خياراً صعباً "لكنه أفضل من هنا".."لو كان الصنم أمام عيني الآن لما نسيت الإيمان وفكرت تفكيراً شريراً كهذا"..كان صديقه ينتحب كثيراً، فقد كان يتعرض للضرب المبرح من مخدومه لأتفه الأسباب.."لن تكون هندياً إن لم تتعلم كيف تتذوق اللطم".. يقول لصديقه غير أن كلامه لا يخفف عنه.."لم نحصل على التعليم الكافي لكي نتجاوز مرحلة اللطم..حينما يلطمني مخدومي فإنني أتذكر كلمات الوِرد المقدس: ما يبدو ألماً ليس بألم..بل إثباتاً لأهمية نقص الإنسان"..هناك تتلبس الروح كل الاشكال؛ الفراشات والجبال والبارود ووجه ديبا وخليج البنغال..لكن الروح تظل هي هي، "لذلك لا تحملوا هماً لزوال الأشكال واهتموا بالحفاظ على الروح...فالروح لا تزول ولكنها تتشوه وهذا خطرها الكبير"..
صوت ضحكات تعبر أذنيه "لن تفعليها".."بل سافعلها"..يظهر نصف وجه الممرضة الثانية، ينظران إلى وسطه ويضحكن بخبث "لا بأس به".."لا يمكنك التأكد من ذلك وهو في هذه الحالة"..."أنظري..أنظري..لقد قذف..".."كيف فعلها..".. "قال الطبيب بأن جسده مشلول بالكامل فكيف"..."ربما عالم الأحلام".."هل نخبر الطبيب".."أمجنونة انت؟".."لماذا؟".."وكيف نفسر له رؤيتنا لذلك".."صحيح..اتركيه .. سيأتي الطبيب ويرى هذه السوائل بنفسه"..."أشك في هذا الطبيب.."..تضحك الفتاتان وتخرجان..
لم تنتابه أي أحلام جنسية البارحة، حاول الضغط على ذاكرته بلا جدوى. "ديبا نفسها لم تظهر لي في المنام منذ أشهر"..أغمض عينيه، وعاد له الحلم السابق..كان قد فعلها مع الصنم..نعم..مع صنمه الملون، ذو العيون الواسعة والفم الكبير بضحكته الخبيثة.."زيهان..حبيبي"..يجثو راكعاً على قدميه، "أيها المؤمن الذي لم ينسني أبداً".. ويتحول الحجر الملون لجسد أنثوي فائق الجمال، فيستيقظ بخوف ويلاحظ دقات قلبه المتسارعة وهي تخبوا ببطء..يتابعها رنين الجهاز..ويسمع صوت أقدام تركض..ثم يرى الطبيب و الممرضين والممرضات من حوله.."قلبه يتوقف عن العمل..إنعاش قابل للصعق".. يرى صدره يقفز عدة قفزات..كانت وجوههم تشحب وتتبدد..ليصبح كل شيء أبيضاً.. ومن قلب البياض..رأى صنمه ينحني على وجهه ويقبله هامساً: "لقد اشتقت إليك يا زيهان...".. ثم يشعر بدفء يغمر جسده بأكمله، وأصوات صيحات النوارس ونعيق الغربان وتلاطم أمواج خليج البنغال..
(تمت)