[SIZE=22px]لو حكى علي ذلك بالتفصيل الممل اليوم ، لما صدقه الناس . سيقولون بأنه عاش في زمن آخر ، وكوكب آخر .[/SIZE]
منذ شهور وهم يبحثون عنه . رأى أحدهم يجلس بجانب دكان بائع الفحم والغاز . في المرة الثانية رأى شخصان غريبان يقفان أمام دكان البقال ، ويتبادلان معه الحديث كأنه صديق قديم . في كل مرة يجدهم يراقبون مدخل الزقاق ، يغير الاتجاه ، ويعود من حيث أتى ، من غير أن يشعر أحد بذلك .
مضى عام كامل ، والبيت على مرمى حجر ، لكن العيون التي لا تنام تحول بينهما ، فيعود ادراجه .
هذه المرة جرفه الحنين إلى النوم في فراشه ، وتناول القهوة التي تعدها أمه . الحنين والحب نقطتا ضعفه .
وَهَنَ* توجسه . لم يلاحظ شيئا ، ربما غيروا خطة الانتشار والمراقبة .
أشبع حنينه بخبز وقهوة أمه . تلذذ حركة أناملها ، وهي تداعب خصلات شعره الناعم في صمت حتى نام ملء جفونه . لم تكن تعلم أنها تودعه ، فقط أحسّت مثل أجمل الأمهات بشوق عظيم إلى ابنها .
مَدّهُم الهدهد بالخبر اليقين . جاء الزوار في منتصف الليل ، كمن يبحثون عن غريم منذ زمن بعيد ، وأصبح وجودهم يتوقف على القبض عليه حيا أو ميتا .
وهو غارق في الحلم ، خلعوا الباب ، وانقضوا على الغرف مثل وحوش ضارية . خطفوه من فراشه بثياب النوم ، وأحكموا قبضتهم عليه ، بعد أن أشبعوا أهله ضربا وشتما . أخته تصرخ ، أمه تمسك بذراعه . يدفعها بغل بقوة حتى ترتطم بالجدار ، وتسقط مغمى عليها . تلذذوا بصراخ الأطفال ، وهلع الكبار . قلبوا البيت رأسا على عقب . فتشوا عن البنادق والقنابل والمنشورات ، أي شيء يمكن أن يؤدي إلى شنقه ، أو يغرقه في السجن إلى الأبد . لم يعثروا إلا على بعض الكتب فانتفضوا غاضبين . حطموا أواني المطبخ . تمنى لو عثروا على قطعة سلاح ، وخرجوا مبتسمين .
استيقظ الجيران ، وأطلوا عبر الشقوق على أشباح تتحرك من خلف ظلام الأبواب ، وقلوبهم ترتجف من شدة الرعب .
هؤلاء زوار بلا هوية ، يعملون في أقبية تحت الأرض ، ومن يأخذونه إلى ظلامهم قد لا يعود .
بعد ذلك بدأت رحلة عذاب طويلة ومؤلمة ...
لا بد أن يشكر الرب لأنه نجا من الموت ، وسيبقى صامدا خلف هذه العين ذات الجفن المعدنية ، حتى تدق ساعة الحرية .
وجد علي اليوم نفسه وحيدا ، يعيش على الذكرى . مُنزَوٍ هناك في ركن الغرفة ، يُحذّق في السماء ويبتسم ، ويُراهن على أنها ستمطر .
المعجم :
ـ وهن : ضعف
مراكش 23 مارس 2021
منذ شهور وهم يبحثون عنه . رأى أحدهم يجلس بجانب دكان بائع الفحم والغاز . في المرة الثانية رأى شخصان غريبان يقفان أمام دكان البقال ، ويتبادلان معه الحديث كأنه صديق قديم . في كل مرة يجدهم يراقبون مدخل الزقاق ، يغير الاتجاه ، ويعود من حيث أتى ، من غير أن يشعر أحد بذلك .
مضى عام كامل ، والبيت على مرمى حجر ، لكن العيون التي لا تنام تحول بينهما ، فيعود ادراجه .
هذه المرة جرفه الحنين إلى النوم في فراشه ، وتناول القهوة التي تعدها أمه . الحنين والحب نقطتا ضعفه .
وَهَنَ* توجسه . لم يلاحظ شيئا ، ربما غيروا خطة الانتشار والمراقبة .
أشبع حنينه بخبز وقهوة أمه . تلذذ حركة أناملها ، وهي تداعب خصلات شعره الناعم في صمت حتى نام ملء جفونه . لم تكن تعلم أنها تودعه ، فقط أحسّت مثل أجمل الأمهات بشوق عظيم إلى ابنها .
مَدّهُم الهدهد بالخبر اليقين . جاء الزوار في منتصف الليل ، كمن يبحثون عن غريم منذ زمن بعيد ، وأصبح وجودهم يتوقف على القبض عليه حيا أو ميتا .
وهو غارق في الحلم ، خلعوا الباب ، وانقضوا على الغرف مثل وحوش ضارية . خطفوه من فراشه بثياب النوم ، وأحكموا قبضتهم عليه ، بعد أن أشبعوا أهله ضربا وشتما . أخته تصرخ ، أمه تمسك بذراعه . يدفعها بغل بقوة حتى ترتطم بالجدار ، وتسقط مغمى عليها . تلذذوا بصراخ الأطفال ، وهلع الكبار . قلبوا البيت رأسا على عقب . فتشوا عن البنادق والقنابل والمنشورات ، أي شيء يمكن أن يؤدي إلى شنقه ، أو يغرقه في السجن إلى الأبد . لم يعثروا إلا على بعض الكتب فانتفضوا غاضبين . حطموا أواني المطبخ . تمنى لو عثروا على قطعة سلاح ، وخرجوا مبتسمين .
استيقظ الجيران ، وأطلوا عبر الشقوق على أشباح تتحرك من خلف ظلام الأبواب ، وقلوبهم ترتجف من شدة الرعب .
هؤلاء زوار بلا هوية ، يعملون في أقبية تحت الأرض ، ومن يأخذونه إلى ظلامهم قد لا يعود .
بعد ذلك بدأت رحلة عذاب طويلة ومؤلمة ...
لا بد أن يشكر الرب لأنه نجا من الموت ، وسيبقى صامدا خلف هذه العين ذات الجفن المعدنية ، حتى تدق ساعة الحرية .
وجد علي اليوم نفسه وحيدا ، يعيش على الذكرى . مُنزَوٍ هناك في ركن الغرفة ، يُحذّق في السماء ويبتسم ، ويُراهن على أنها ستمطر .
المعجم :
ـ وهن : ضعف
مراكش 23 مارس 2021