محمد مزيد - الثلج المشتعل.. قصة قصيرة

دخلت المرأة الى المرقد ، كان فارغا ، يندف الثلج منذ الأمس ، فيما يبدو لي إنها لم تنم فيها المرأة ليلتها ، وربما تقلبّت على فراشها كثيرا بإنتظار الصباح حتى تأتي الى هنا ، وسط هذا الجو الرمادي ، حيث يصعب على المرء اجتياز الطرق المغطاة بالثلوج للوصول الى المرقد . جلست المرأة عند رأس الولي المدفون في هذه البقعة ، وهي تتمتم بعبارات متهدجة فيها لوعة وحرقة ، يخيل اليّ أن قلبها مشتعل بالحرائق وأرادت أطفاءها في الهجوع الى مرقد الولي الصالح .
كنت قد أرتديت عمامتي حال دخولها، وبقيت أراقبها وأصغي إليها، وهي تظن، إنها تجلس لوحدها في هذا السكون ، سمعتها تقول " لا أعرف من أين أبدا معك يا سيدي ، فأنت الباب الذي أريد الدخول منه لإيصال صوتي الى الله ". بقيتُ أصغي لها من دون أن تعلم بوجودي، كنت أقف خلف المكتبة . رأيتها ترتجف وهي تُمسك بشباك الولي " ساعدني أرجوك فليس هناك من أحد في هذه الغربة الجأ إليه سواك يا آلهي ، زوجي تركني ولا أعرف لماذا ؟ "
بلعت ريقي كثيرا، وأنا أصغي لحرائق قلب هذه المرأة ثم قالت " إن لم تساعدني ربما اقذف بنفسي الى الرذيلة التي يحرمها القرآن " عند كلمة الرذيلة وجدتني أشتعل مثلها بالحرائق وقررت الاقتراب منها، لافهم قصة قلبها .. تنحنحت وقلت " بسم الله الرحمن الرحيم " فألتفتت خائفة مذعورة الى جهة وقوفي خلفها . فوجئت بوجهها الابيض الدائري الجميل ، عيناها سوداوان وشفتاها مكتنزتان لا اثر للإصباغ ، لكنهما تلتمعان بالوردي ، وجه طفولي بريء ، وأشد ما أثارني جلستها بمقعدها العريض بالرغم من نحافتها مما يؤكد إمتلاكها لجسد جميل كانت قد أخفته بعباءة أسلامية .
قلت لها " لماذا أبتعد عنك زوجك ؟ " ذعرت المرأة وعرفت انني قد سمعت ما قالت ، وقفت أمامي خجلى تكاد تطفر الدموع من عينيها " يا سيدي أنا في غربة عن بلادي ، جئت ألتمس من الله عبر الولي الصالح أن يعيد اليّ زوجي " ، بصوت هادئ لاخفف من روعها ، قلت " أتبعيني الى غرفة آخرى كي أستمع الى قصتك " ولم تتردد . فلحقتني .
ولما جلست على مقعد خشبي أمام منضدتي قالت " كيف ابدأ قصتي ، أظنني مشتتة البال ، قبل سنة أكتشفت انه مع فتاة يتبادل معها رسائل الغرام عبر هاتفه ،وهي أجنبية أبنة هذا البلد " .. صعدت الدماء بقوة الى رأسي وأنا انظر الى العينين اللتين اغرورقتا بالدموع ، وقعت عباءتها على كتفيها فظهرت رقبتها كأنها عمود من المرمر أبيض لامعا بقطرات العرق ، كانت عيناها حقلا من اللازورد الاخضر تتراقص فيهما نجوم متلألئة ، أحمّر بياض وجهها بفعل أرتباكها وخجلها، تنعكس انفعالاتها على شفتيها اللتين تبللتا بلسانها كلما توقفت عن الكلام . رويت لي قصتها كيف هجرها ولم يعد يلامسها ، وأخذ ينام في حجرة آخرى ، تاركا إياها في ضروب من القلق والانتظار . قلت لها " أنت لم تأت الى هنا من أجل نور الله ، بل جئت للانتقام منه ، اليس كذلك ؟" كانت تصغي اليّ وتنظر الى الاسفل فما أن قلت " نور الله " حتى نهضت " أين أجد ذلك النور يا شيخ ؟ قلت لها " في نفسك ابحثي عنه ، بعض الرجال خطاؤون لا يعرفون معنى الحياة الزوجية فأذا كان زوجك منحرفا، فلا تنحرفي أنت ، ويضيع عليك النور، لاتتصرفي تصرفا ستندمين عليه ما تبقى لك من الحياة ، أصبري وألجأي الى نورك فهو الذي سينقذك مما أت فيه " .. أحمرّت المرأة وخرجت من المرقد راضية مطمئنة النفس .. وأنا بقيت في مكاني أراقب اشتعال الثلج في قلبي .





تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى