لام حنان وطفلها الوليد احمد
لم تكن صورة البطولة والتضحية التي صاغها أبطال معركة مخيم جنين ومجاهدوه هي الصور الوحيدة التي نسجت راية الملحمة ،بل ان هنالك قصصا وحكايات نسجها رجال ونساء مدنيون عبرت في إحداثها وعمق مواقفها عن أسطورة هذا الشعب وصبره وثباته بشكل مثير ،ولعل ترداد قصة السيدة حنان أبو الرب التي كانت في مسيس الحاجة لوحدات من الدم بعد ميلادها العسير فعرض عليها جنود الاحتلال تلك الوحدات اللازمة من الدم فترفض بشدة كرفض المجاهدين والمقاومين في مخيم جنين التراجع ،وتصميمهم المضي إلى الشهادة والخلود .
وصلنا مساء إلى غرب المخيم ،حيث دخلنا ذلك البيت،فتجمهر حولنا ثمانية أطفال أصغرهم اسمه احمد عمره من عمر الاجتياح الكبير اجتياح نيسان عام 2002،كان بصحة جيدة يلهو ويلعب ولا يعلم انه وأمه قد تعرضا للموت عدة مرات لكن الله سلم .
المخاض الطويل
تقول السيدة حنان ابو الرب(40 عاما ) أمها كانت قد أكملت شهرها التاسع من الحمل مع بداية شهر نيسان عام 2002، وعندما بدأ الاجتياح التزمت مع أطفالها وزوجها البيت في جو مخيف ومرعب ،فعشرات الدبابات كانت قريب المنزل تقصف المخيم من الجهة الغربية، وفي اليوم التاسع شعرت بألم المخاض فقررت الخروج من البيت والتوجه غربا للتجمع السكاني المجاور ألمسماه واد برقين،لعل الميلاد يكون سهلا، وبعد أن أمضت ليلة في تلك المنطقة عادت إلى أطفالها المفزوعين، وهنا اشتد كما تقول السيدة حنان معي الألم ،فتسللت الى منزلها ثلاث نساء من الجيران أحداهن تدعى "أم احمد خليل " كانت تتقن اللغة الانجليزية ،فقررن نقلي الى المشفى الرئيسي في المدينة المجاور للمخيم من الجهة الشرقية،بعدما أدركن صعوبة وضعي الصحي ورافقنني الى المشفى رغم الجحيم الذي يلف المنطقة حولنا .
الحواجز السبعة
المسافة بين منزل السيدة حنان والمشفى لا تتعدى 2 كليومتر ،لكنها محفوفة بالموت والدمار ........، سارت النسوة الأربع باتجاه ازقة المخيم يحملن راية بيضاء خوفا من تعرضهن للموت برصاص الجنود الإسرائيليين،اعترضنهن الدبابات الاولى، وبعد جدال طويل ،سمح لهن بالدخول لأزقة المخيم من الجهة الغربية،تضيف السيدة حنان وبعد امتار معدودة من دخولنا المخيم شاهدنا جثة الشهيد العجوز محمود الحمدوني (72عاما ) كان منظرا مرعبا وعلى بعد عدة امتار كانت هناك ساق لقتيل ملقاه على الأرض،...اصتدمنا ثانية بفرقة اخرى من الجيش المحتل،فأعادونا من حيث اتينا،لكننا وعلى وقع تزايد الألم اصرينا على التقدم فسرنا باتجاه مدرسة الوكالة الابتدائية للبنات، وهناك اعترضننا فرقة أخرى أمطرونا بوابل من الرصاص تطار من فوق رؤوسنا وامامنا وحولنا ،هربنا على عجل وتوجهنا إلى أعلى ومررنا بالقرب من منزل السيد خالد السعدي وهناك راينا خمسة جثث لمقاتلين وقد مزقتهم القذائف،ثم عطفنا إلى وسط المخيم إلى حارة الحواشين حيث رأينا الجرافات العملاقة والتي تزيد عددها عن العشرة وهي تقوم بجرف البيوت على من فيها ،تسلقنا اكوام الركام،وتوجهنا الى الساحة الرئيسية في المخيم وهناك اعترضننا فرقة أخرى،قام ضباط وجنود هذه الفرقة بتهديتنا بالقتل ،وكان الألم يشتد معي وأم احمد خليل تترجم بشكل شاق لتوضح حالتي، وبعد دقائق قاسية مرت علينا سمحوا لنا بالمرور للمستشفى بشرط ان نسلك الطريق الخارجي،فتعجنا الخطى ومررنا بأرتال الدبابات حتى وصلنا إلى مسافة 100 مترمن باب المشفى الذي كان يعج بالدبابات، وفي هذه اللحظة قفز من الدبابات عدد من الجنود واخذوا مواقع ومواضع قتالية وهم يسددون نحونا فوهات البنادق،وصرخوا بواسطة مكبرات الصوت لا تقتربوا ولا نطلق النار.........وطالبونا بالجلوس أرضا على الفور، صرخت مرافقتي أم احمد خليل باللغة الانجليزية وهي تشرح حالتي،فلم يكترثوا لها،حتى خرج متطوع ألماني الجنسية من جمعية الهلال الأحمر المجاورة وتقدم نحو الجنود وتحدث معهم فاتفقوا معه على إن أتقدم وحدي برفقته وأنت تذهب باقي النسوة إلى الجمعية المجاورة وعندما اقتربت من الدبابات التي تسد باب المشفى...
صرخ احد الضباط:- ارفعي جلبابك لنتأكد انك حامل وانك لا تخفين العبوت !! وأضاف صارخا :- إنكم مخيم ارهابيين !! ....... رفضت بشدة تقول السيدة ابو الرب ، حاول المتطوع الألماني إقناعي بعد أن هددونا بإطلاق النار ،رفضت بشدة اكبر،وصرخت ،فترجل احد الضباط من الدبابة وضربني ببندقتيه فوقعت على الارض ليصدم رأسي بعامود الكهرباء فأغمي عليّ.
ميلاد عسير
في المشفى استفقت على جمهرة الأطباء والممرضات الذين شرعوا بتقديم الإسعافات الأولية لي ، وبعد أن قام الطبيب النسائي بفحصي قال لابد من إجراء عملية جراحية لإخراج الجنين،مدير المستشفى صُعِق... لا يوجد ماء ولا كهرباء ولا غاز،وإن حياتها في خطر مالم يتم إخراج الجنين فورا بشكل طبيعي ،فلا مجال لإجراء العملية !!!
فنقلت فورا لقسم الولادة وبعد دقائق معدودة تعرضت غرفة الولادة التي امكث فيها لقصف مدفعي من الدبابات المحيطة بالمستشفى وقد ألحقت القذيفة دمارا واسعا ونجوت من الموت بأعجوبة ،وبدأت معي رحلة من المخاض العسير استمرت 48 ساعة من النزيف الحاد وإرهاق شديد وألم لا يحتمل، ومع انتصاف ليل اليوم الثاني جاء الفرج من الله وعندما أوشكت على الميلاد تعرض المنزل المجاور للمشفى والذي يملكه أبو حسن للقصف بالقذائف المدفعية والحارقة ، فذهلت وكاد طفلي أن يموت من وقع ردة فعلي ،لكن حسن تصرف احد الممرضين العفوية برعاية الله ولطفه ساعد على نجاتي وطفلي من الموت المحقق .
العودة إلى المنزل
بعد ليلة طويلة ،بزغ نور الفجر ،فشرع مدير المشفى الدكتور محمد ابو غالي بإجراء محادثات واتصالات مع قوات الجيش التي تحيط بالمشفى للسماح لي بالعودة الى منزلي،وقد استغرقت العملية عدة ساعات وافق جيش الاحتلال بعدها على عودتي للمنزل برفقة ممرضتين من سكان المخيم فسرنا في أزقة المخيم حيث الدمار والخراب، وعندما هممت بالخروج من المخيم صوب المنطقة الغربية حيث منزلي اقتربت من ثلاث دبابات كبيرة وحاصرتني وطلبوا مني إلقاء ما بيدي يقصدون الطفل الوليد ،فقلت لهم انه طفلي الذي لم يتجاوز عمره الـ24 ساعة ...
فقالوا :- أنت تكذبين ، ما تحملينه هو عبوات او متفجرات !!! انتم مخيم إرهابيين ، وبعد جدال طويلا طلقوا النار فوق رأسي وطالبوني بالعودة من حيث أتيت، الى داخل المخيم الذي فرغ من أهله تماما، ولم يبقى إلا الجرافات الضخمة التي تسوى بيوته بالارض،عدت الى الخلف فشعرت بدوار وأغميّ على فوقع مني الطفل وتحدرج بعيدا وهو يصرخ ولم أصحو إلا عندما قام احد الجنود بضرب راسي بحجر ،فسمعت صوت ابنتي ميس التي كانت وقتها ابنة الستة عشر عاما، وهي تحاول التقاط أخيها الوليد من على الأرض،وقد أحاط الجنود بذلك الوليد بالبنادق،لم يحتمل الجيران هذا المنظر ،فتقدمت جارتنا أم معاذ رغم الخطورة الكبيرة على حياتها،وتجرأت وتحدثت بالانجليزية مع الجنود قائلة
:- ان الطفل وامه سيموتون ان بقوا على هذا الوضع ،واخيرا وافق الجنود على مرافقتي الى المنزل بعد ان فتشوا الطفل عدة مرات وتأكدوا انه طفل رضيع وليس متفجرات !!!.
عدت إلى المنزل ودخل معي إلى البيت أكثر من عشرين جنديا وضابط،أطفالي أصيبوا بالهلع والخوف الشديد، تقدمت مني ابنتي وهمست في أذني تخبرني ان هناك مقاومين مسلحين في منزلنا وهما يتحصنان في غرفة الغسيل أعلى المنزل ،وان الجيش يهم بالصعود إلى سطح المنزل الأمر الذي ينذر بمعركة وشيكة،إزاء هذا الوضع كان لا بد لي أن أتصرف رغم حالتي الحرجة ،تظاهرت بوجود الم شديد وبدأت اصرخ بشدة ،تجمهر الجنود حولي .... طلبت منهم ان يرسلوا لي الممرضة ام معاذ ... فوافقوا على عجل من شدة صراخي وهم يكيلون لي الشتائم والسباب ... ذهب ابنتي وطلبت من ام معاذ ان تأتي بسرعة ... فأتت وهمست بأذنها بعد ان تراجع الجنود الى الخلف ...ففهمت قصدي وخاطبت الضابط المسؤول
قائلة :- اذا اردت ان يتوقف صراخها اخرج جنودك من المنزل ،لان منظرهم يزيد من سوء حالتها شيئا فشيئا وقد تموت .... فوافق الضباط وانسحب الجنود الى خارج المنزل ،فصعدت ام معاذ الى سطح المنزل خلسة وأخبرت المقاومين بطريقة آمنه للانسحاب قبل ان يقتلا على يد الجيش المحتل .
رفضت وحدات الدم
وتضيف السيدة حنان ابو الرب وهي تتذكر تلك اللحظات القاسية بشيء من الحزن العميق،بعد ذلك عاد الجيش مرة ثانية ولكن هذه المرة برفقة طبيب عسكري قام بفحصي وقال :- إنها بحاجة لان تنقل إلى مشفى عسكري في حيفا يدعى مشفى رمبام ،فرفضت على الفور ،ثم توجه إلى إحدى الدبابات واحضر عدة وحدات من الدم وجهاز خاص من اجل تزويدي بكميات من الدم وخاصة وان نسبة الدم كانت عندي وقتها 45% فقط !!.... رفضت بشدة أيضا ...انه أمر مفزع كيف أتلقى الدم من الجيش المحتل الذي قتل ودمر وارتكب المجازر بحق أهلي وأبناء مخيمي ،وقد بقي الجيش في المنزل عدة ساعات أخرى حتى جاء الصليب الأحمر الذي احضر الادوية وبعض المؤن .
وتتنهد السيدة حنان وهي تمسح دموعها التي غلبتها رغم بعد الذكرى والمناسبة وتقول :- إنني دائما متوترة وعصبية منذ تلك الإحداث التي لا تغيب عن مخيلتي......... لقد راجعت عدة اطباء وزرت عدة مشافي لكن وضعي يزداد سواء يوما بعد يوم ........ الطبيب النسائي ابلغني أن وضعي النفسي افقدني القدرة على الانجاب، وتخلص السيدة حنان ابو الرب ان تلك الذكريات المريرة لا يمكنني نسيانها ولو لدقيقة ،لان ابني" احمد" الذي احبه كثيرا يذكرني بها في كل حركة منه ........ في نومه ... في انفاسه ......... في طعامه .... في كل حياته ،الا انني ارى فيه امل البقاء والحياة والصمود .
لم تكن صورة البطولة والتضحية التي صاغها أبطال معركة مخيم جنين ومجاهدوه هي الصور الوحيدة التي نسجت راية الملحمة ،بل ان هنالك قصصا وحكايات نسجها رجال ونساء مدنيون عبرت في إحداثها وعمق مواقفها عن أسطورة هذا الشعب وصبره وثباته بشكل مثير ،ولعل ترداد قصة السيدة حنان أبو الرب التي كانت في مسيس الحاجة لوحدات من الدم بعد ميلادها العسير فعرض عليها جنود الاحتلال تلك الوحدات اللازمة من الدم فترفض بشدة كرفض المجاهدين والمقاومين في مخيم جنين التراجع ،وتصميمهم المضي إلى الشهادة والخلود .
وصلنا مساء إلى غرب المخيم ،حيث دخلنا ذلك البيت،فتجمهر حولنا ثمانية أطفال أصغرهم اسمه احمد عمره من عمر الاجتياح الكبير اجتياح نيسان عام 2002،كان بصحة جيدة يلهو ويلعب ولا يعلم انه وأمه قد تعرضا للموت عدة مرات لكن الله سلم .
المخاض الطويل
تقول السيدة حنان ابو الرب(40 عاما ) أمها كانت قد أكملت شهرها التاسع من الحمل مع بداية شهر نيسان عام 2002، وعندما بدأ الاجتياح التزمت مع أطفالها وزوجها البيت في جو مخيف ومرعب ،فعشرات الدبابات كانت قريب المنزل تقصف المخيم من الجهة الغربية، وفي اليوم التاسع شعرت بألم المخاض فقررت الخروج من البيت والتوجه غربا للتجمع السكاني المجاور ألمسماه واد برقين،لعل الميلاد يكون سهلا، وبعد أن أمضت ليلة في تلك المنطقة عادت إلى أطفالها المفزوعين، وهنا اشتد كما تقول السيدة حنان معي الألم ،فتسللت الى منزلها ثلاث نساء من الجيران أحداهن تدعى "أم احمد خليل " كانت تتقن اللغة الانجليزية ،فقررن نقلي الى المشفى الرئيسي في المدينة المجاور للمخيم من الجهة الشرقية،بعدما أدركن صعوبة وضعي الصحي ورافقنني الى المشفى رغم الجحيم الذي يلف المنطقة حولنا .
الحواجز السبعة
المسافة بين منزل السيدة حنان والمشفى لا تتعدى 2 كليومتر ،لكنها محفوفة بالموت والدمار ........، سارت النسوة الأربع باتجاه ازقة المخيم يحملن راية بيضاء خوفا من تعرضهن للموت برصاص الجنود الإسرائيليين،اعترضنهن الدبابات الاولى، وبعد جدال طويل ،سمح لهن بالدخول لأزقة المخيم من الجهة الغربية،تضيف السيدة حنان وبعد امتار معدودة من دخولنا المخيم شاهدنا جثة الشهيد العجوز محمود الحمدوني (72عاما ) كان منظرا مرعبا وعلى بعد عدة امتار كانت هناك ساق لقتيل ملقاه على الأرض،...اصتدمنا ثانية بفرقة اخرى من الجيش المحتل،فأعادونا من حيث اتينا،لكننا وعلى وقع تزايد الألم اصرينا على التقدم فسرنا باتجاه مدرسة الوكالة الابتدائية للبنات، وهناك اعترضننا فرقة أخرى أمطرونا بوابل من الرصاص تطار من فوق رؤوسنا وامامنا وحولنا ،هربنا على عجل وتوجهنا إلى أعلى ومررنا بالقرب من منزل السيد خالد السعدي وهناك راينا خمسة جثث لمقاتلين وقد مزقتهم القذائف،ثم عطفنا إلى وسط المخيم إلى حارة الحواشين حيث رأينا الجرافات العملاقة والتي تزيد عددها عن العشرة وهي تقوم بجرف البيوت على من فيها ،تسلقنا اكوام الركام،وتوجهنا الى الساحة الرئيسية في المخيم وهناك اعترضننا فرقة أخرى،قام ضباط وجنود هذه الفرقة بتهديتنا بالقتل ،وكان الألم يشتد معي وأم احمد خليل تترجم بشكل شاق لتوضح حالتي، وبعد دقائق قاسية مرت علينا سمحوا لنا بالمرور للمستشفى بشرط ان نسلك الطريق الخارجي،فتعجنا الخطى ومررنا بأرتال الدبابات حتى وصلنا إلى مسافة 100 مترمن باب المشفى الذي كان يعج بالدبابات، وفي هذه اللحظة قفز من الدبابات عدد من الجنود واخذوا مواقع ومواضع قتالية وهم يسددون نحونا فوهات البنادق،وصرخوا بواسطة مكبرات الصوت لا تقتربوا ولا نطلق النار.........وطالبونا بالجلوس أرضا على الفور، صرخت مرافقتي أم احمد خليل باللغة الانجليزية وهي تشرح حالتي،فلم يكترثوا لها،حتى خرج متطوع ألماني الجنسية من جمعية الهلال الأحمر المجاورة وتقدم نحو الجنود وتحدث معهم فاتفقوا معه على إن أتقدم وحدي برفقته وأنت تذهب باقي النسوة إلى الجمعية المجاورة وعندما اقتربت من الدبابات التي تسد باب المشفى...
صرخ احد الضباط:- ارفعي جلبابك لنتأكد انك حامل وانك لا تخفين العبوت !! وأضاف صارخا :- إنكم مخيم ارهابيين !! ....... رفضت بشدة تقول السيدة ابو الرب ، حاول المتطوع الألماني إقناعي بعد أن هددونا بإطلاق النار ،رفضت بشدة اكبر،وصرخت ،فترجل احد الضباط من الدبابة وضربني ببندقتيه فوقعت على الارض ليصدم رأسي بعامود الكهرباء فأغمي عليّ.
ميلاد عسير
في المشفى استفقت على جمهرة الأطباء والممرضات الذين شرعوا بتقديم الإسعافات الأولية لي ، وبعد أن قام الطبيب النسائي بفحصي قال لابد من إجراء عملية جراحية لإخراج الجنين،مدير المستشفى صُعِق... لا يوجد ماء ولا كهرباء ولا غاز،وإن حياتها في خطر مالم يتم إخراج الجنين فورا بشكل طبيعي ،فلا مجال لإجراء العملية !!!
فنقلت فورا لقسم الولادة وبعد دقائق معدودة تعرضت غرفة الولادة التي امكث فيها لقصف مدفعي من الدبابات المحيطة بالمستشفى وقد ألحقت القذيفة دمارا واسعا ونجوت من الموت بأعجوبة ،وبدأت معي رحلة من المخاض العسير استمرت 48 ساعة من النزيف الحاد وإرهاق شديد وألم لا يحتمل، ومع انتصاف ليل اليوم الثاني جاء الفرج من الله وعندما أوشكت على الميلاد تعرض المنزل المجاور للمشفى والذي يملكه أبو حسن للقصف بالقذائف المدفعية والحارقة ، فذهلت وكاد طفلي أن يموت من وقع ردة فعلي ،لكن حسن تصرف احد الممرضين العفوية برعاية الله ولطفه ساعد على نجاتي وطفلي من الموت المحقق .
العودة إلى المنزل
بعد ليلة طويلة ،بزغ نور الفجر ،فشرع مدير المشفى الدكتور محمد ابو غالي بإجراء محادثات واتصالات مع قوات الجيش التي تحيط بالمشفى للسماح لي بالعودة الى منزلي،وقد استغرقت العملية عدة ساعات وافق جيش الاحتلال بعدها على عودتي للمنزل برفقة ممرضتين من سكان المخيم فسرنا في أزقة المخيم حيث الدمار والخراب، وعندما هممت بالخروج من المخيم صوب المنطقة الغربية حيث منزلي اقتربت من ثلاث دبابات كبيرة وحاصرتني وطلبوا مني إلقاء ما بيدي يقصدون الطفل الوليد ،فقلت لهم انه طفلي الذي لم يتجاوز عمره الـ24 ساعة ...
فقالوا :- أنت تكذبين ، ما تحملينه هو عبوات او متفجرات !!! انتم مخيم إرهابيين ، وبعد جدال طويلا طلقوا النار فوق رأسي وطالبوني بالعودة من حيث أتيت، الى داخل المخيم الذي فرغ من أهله تماما، ولم يبقى إلا الجرافات الضخمة التي تسوى بيوته بالارض،عدت الى الخلف فشعرت بدوار وأغميّ على فوقع مني الطفل وتحدرج بعيدا وهو يصرخ ولم أصحو إلا عندما قام احد الجنود بضرب راسي بحجر ،فسمعت صوت ابنتي ميس التي كانت وقتها ابنة الستة عشر عاما، وهي تحاول التقاط أخيها الوليد من على الأرض،وقد أحاط الجنود بذلك الوليد بالبنادق،لم يحتمل الجيران هذا المنظر ،فتقدمت جارتنا أم معاذ رغم الخطورة الكبيرة على حياتها،وتجرأت وتحدثت بالانجليزية مع الجنود قائلة
:- ان الطفل وامه سيموتون ان بقوا على هذا الوضع ،واخيرا وافق الجنود على مرافقتي الى المنزل بعد ان فتشوا الطفل عدة مرات وتأكدوا انه طفل رضيع وليس متفجرات !!!.
عدت إلى المنزل ودخل معي إلى البيت أكثر من عشرين جنديا وضابط،أطفالي أصيبوا بالهلع والخوف الشديد، تقدمت مني ابنتي وهمست في أذني تخبرني ان هناك مقاومين مسلحين في منزلنا وهما يتحصنان في غرفة الغسيل أعلى المنزل ،وان الجيش يهم بالصعود إلى سطح المنزل الأمر الذي ينذر بمعركة وشيكة،إزاء هذا الوضع كان لا بد لي أن أتصرف رغم حالتي الحرجة ،تظاهرت بوجود الم شديد وبدأت اصرخ بشدة ،تجمهر الجنود حولي .... طلبت منهم ان يرسلوا لي الممرضة ام معاذ ... فوافقوا على عجل من شدة صراخي وهم يكيلون لي الشتائم والسباب ... ذهب ابنتي وطلبت من ام معاذ ان تأتي بسرعة ... فأتت وهمست بأذنها بعد ان تراجع الجنود الى الخلف ...ففهمت قصدي وخاطبت الضابط المسؤول
قائلة :- اذا اردت ان يتوقف صراخها اخرج جنودك من المنزل ،لان منظرهم يزيد من سوء حالتها شيئا فشيئا وقد تموت .... فوافق الضباط وانسحب الجنود الى خارج المنزل ،فصعدت ام معاذ الى سطح المنزل خلسة وأخبرت المقاومين بطريقة آمنه للانسحاب قبل ان يقتلا على يد الجيش المحتل .
رفضت وحدات الدم
وتضيف السيدة حنان ابو الرب وهي تتذكر تلك اللحظات القاسية بشيء من الحزن العميق،بعد ذلك عاد الجيش مرة ثانية ولكن هذه المرة برفقة طبيب عسكري قام بفحصي وقال :- إنها بحاجة لان تنقل إلى مشفى عسكري في حيفا يدعى مشفى رمبام ،فرفضت على الفور ،ثم توجه إلى إحدى الدبابات واحضر عدة وحدات من الدم وجهاز خاص من اجل تزويدي بكميات من الدم وخاصة وان نسبة الدم كانت عندي وقتها 45% فقط !!.... رفضت بشدة أيضا ...انه أمر مفزع كيف أتلقى الدم من الجيش المحتل الذي قتل ودمر وارتكب المجازر بحق أهلي وأبناء مخيمي ،وقد بقي الجيش في المنزل عدة ساعات أخرى حتى جاء الصليب الأحمر الذي احضر الادوية وبعض المؤن .
وتتنهد السيدة حنان وهي تمسح دموعها التي غلبتها رغم بعد الذكرى والمناسبة وتقول :- إنني دائما متوترة وعصبية منذ تلك الإحداث التي لا تغيب عن مخيلتي......... لقد راجعت عدة اطباء وزرت عدة مشافي لكن وضعي يزداد سواء يوما بعد يوم ........ الطبيب النسائي ابلغني أن وضعي النفسي افقدني القدرة على الانجاب، وتخلص السيدة حنان ابو الرب ان تلك الذكريات المريرة لا يمكنني نسيانها ولو لدقيقة ،لان ابني" احمد" الذي احبه كثيرا يذكرني بها في كل حركة منه ........ في نومه ... في انفاسه ......... في طعامه .... في كل حياته ،الا انني ارى فيه امل البقاء والحياة والصمود .