قالت أمّي هذا الشهر ستذهب معي لاستلام المونة الشهرية من مستودعات الوكالة تقصد وكالة الغوث بالطبع، وهذه مناسبة ثقيلة على نفسي، لطالما تهربت منها، وكنت أنا الذي اقترح على أمي أن توكّل بها أبا سليمان مقابل مبلغ شهري أو "شهرية كما حسب تعبير أمي، وحيث أن أبا سليمان قد توفي، كان لا بد لي من الذهاب مكرهاً هذه المرّة!
كان طابور الرجال أطول كثيراً من طابور النساء، ولذا فقد اصطفت أمي في الطابور، وذهبت أنا للعب حتى يحين دورها لأتولى أمور النقل والعتالة!
أدرت ظهري للطابور وقبل أن أغذّ الخطا نحو مكان تجمع بائعي الكعك والمرطبات نادى صوت حادٌّ:ريتا!
التفتُّ بصورة آلية إلى مصدر الصوت ،كانت عجوزاً سافرة الرأس بلباس قصير وشعر نصف أشيب،وقبل أن أعرض زاهداً لأواصل مشواري،هرعت ريتا لتلبية نداء جدتها على ما يبدو من فارق السن،وهنا تسمّرت عيناي عليها،التنورة القصيرة والعينان الكستنائيتان،وهنا بدأت في همز ذهني ليتفتّق عن حيلة أتقرب بها إليها وأتكلم معها،وحين أعياني البحث لم أجد بُدّاً من أن أشير إليها بيدي لتتبعني،ابتسمت فيما ينمّ عن الموافقة،وفعلاً درت حول المكان وانتحيت زاوية قصية،ولم تخيّب ريتا ظني،وما هي لحظات حتى حضرت،وقفت قبالتي وسألت في طفوليّةٍ فجّة مفعمة بالبراءة:
-إيش بدّك؟
نطقت ملامحها بالرضا والطمأنينة فقد كنت حسن الهندام بما يوحي بالثقة،ويتناغم مع مظهرها الأنيق،ويوحي للمتطفل على هيأتنا أننا قريبين!
ووجدت نفسي أجيب بتلقائية ودون لف ولا دوران:
-بدي أتعرف عليك!
وتجيبني بدلال مشاكس:
-هياتك تعرفت!
أنا اسمي ريتا وانت شو اسمك!
وكنت على وشك أن اخترع اسماً ولكني فضلت الصدق:
-محمد!
-أي صف ؟
-ثامن!
-أنا سادس!
ولم تكد تنهي عبارتها،حتى ارتفع صوت الجدّة منادياً من جديد!
اضطربت ريتا ورفعت يدها في تحية الوداع راسمة ابتسامة كبيرة!
وقبل أن تستدير قلت:
- تعالي مع جدتك الشهر الجاي أوعي ما تيجي بدي أشوفك!
هزت راسها بالموافقة وهرولت مبتعدة!
حين وافيت أمي كانت قد استلمت مؤنها ودفعت شلن للعتال لينقلها إلى موقف البك ابات!
ونهرتني معاتبة:
- وين كنت؟
لم يكن لدي جواب وبقيت صامتاً.
-مالك وين سارح، يا الله ارفع الأغراض لظهر البيك اب وللا بدك أدفع كمان شلن!
ادّيت مهمتي بصمت وبقيت مستغرقاً في أفكاري طوال الطريق،والنساء الجالسات على ظهر البك وأغراضهن بين أرجلهن يحدّجنني باستغراب او هكذا هيّيء إلي!
وما إن أنهيت عملية التنزيل وحمل الأغراض للبيت،وانتهيت من مهمتي بقدر ما أتاحت قوتي البدنية من استعجال،حتى طوّحت بجسدي تحت توتة الحوش،ووجدتني أترنّم بقصيدة محمود درويش التي كنت أحفظها غيباً محرّفاً إياها قليلاً:
بين ريتا وعيوني أغنيّة
والذي يعرف ريتا ينحني لملاكٍ
في العيون العربية!
وابتسمت مغتبطاً من نفسي أنني حذفت ببراعة التضمينات الكفرية وغنيت للعيون العربية!
نزار حسين راشد
كان طابور الرجال أطول كثيراً من طابور النساء، ولذا فقد اصطفت أمي في الطابور، وذهبت أنا للعب حتى يحين دورها لأتولى أمور النقل والعتالة!
أدرت ظهري للطابور وقبل أن أغذّ الخطا نحو مكان تجمع بائعي الكعك والمرطبات نادى صوت حادٌّ:ريتا!
التفتُّ بصورة آلية إلى مصدر الصوت ،كانت عجوزاً سافرة الرأس بلباس قصير وشعر نصف أشيب،وقبل أن أعرض زاهداً لأواصل مشواري،هرعت ريتا لتلبية نداء جدتها على ما يبدو من فارق السن،وهنا تسمّرت عيناي عليها،التنورة القصيرة والعينان الكستنائيتان،وهنا بدأت في همز ذهني ليتفتّق عن حيلة أتقرب بها إليها وأتكلم معها،وحين أعياني البحث لم أجد بُدّاً من أن أشير إليها بيدي لتتبعني،ابتسمت فيما ينمّ عن الموافقة،وفعلاً درت حول المكان وانتحيت زاوية قصية،ولم تخيّب ريتا ظني،وما هي لحظات حتى حضرت،وقفت قبالتي وسألت في طفوليّةٍ فجّة مفعمة بالبراءة:
-إيش بدّك؟
نطقت ملامحها بالرضا والطمأنينة فقد كنت حسن الهندام بما يوحي بالثقة،ويتناغم مع مظهرها الأنيق،ويوحي للمتطفل على هيأتنا أننا قريبين!
ووجدت نفسي أجيب بتلقائية ودون لف ولا دوران:
-بدي أتعرف عليك!
وتجيبني بدلال مشاكس:
-هياتك تعرفت!
أنا اسمي ريتا وانت شو اسمك!
وكنت على وشك أن اخترع اسماً ولكني فضلت الصدق:
-محمد!
-أي صف ؟
-ثامن!
-أنا سادس!
ولم تكد تنهي عبارتها،حتى ارتفع صوت الجدّة منادياً من جديد!
اضطربت ريتا ورفعت يدها في تحية الوداع راسمة ابتسامة كبيرة!
وقبل أن تستدير قلت:
- تعالي مع جدتك الشهر الجاي أوعي ما تيجي بدي أشوفك!
هزت راسها بالموافقة وهرولت مبتعدة!
حين وافيت أمي كانت قد استلمت مؤنها ودفعت شلن للعتال لينقلها إلى موقف البك ابات!
ونهرتني معاتبة:
- وين كنت؟
لم يكن لدي جواب وبقيت صامتاً.
-مالك وين سارح، يا الله ارفع الأغراض لظهر البيك اب وللا بدك أدفع كمان شلن!
ادّيت مهمتي بصمت وبقيت مستغرقاً في أفكاري طوال الطريق،والنساء الجالسات على ظهر البك وأغراضهن بين أرجلهن يحدّجنني باستغراب او هكذا هيّيء إلي!
وما إن أنهيت عملية التنزيل وحمل الأغراض للبيت،وانتهيت من مهمتي بقدر ما أتاحت قوتي البدنية من استعجال،حتى طوّحت بجسدي تحت توتة الحوش،ووجدتني أترنّم بقصيدة محمود درويش التي كنت أحفظها غيباً محرّفاً إياها قليلاً:
بين ريتا وعيوني أغنيّة
والذي يعرف ريتا ينحني لملاكٍ
في العيون العربية!
وابتسمت مغتبطاً من نفسي أنني حذفت ببراعة التضمينات الكفرية وغنيت للعيون العربية!
نزار حسين راشد