(الحياة مستشفى ، كل نزلائها تتملكهم رغبة تغيير الأسّرة)*
بعد اكتشاف إصابات محلية خصصت المدينة جناحا بأحد المستشفيات العمومية للحالات التي ظهرت عليها الأعراض الأولى لفيروس كورونا .
كيف أصابت الحُمّى الحاج عامر واحتدّ سُعاله ، وهو الذي اتخذ كل الاحتياطات ؟. قبل الحظر الصحي اقتنت الحاجة زوجته كل ما يحتاج إليه البيت من لوازم تنظيف ومواد غذائية ، تكفي لإطعام قرية بكاملها . بعد الحظر أغلق كل شركاته ، وسرّح العمال ، وتفرّغ للعمل بين البيت والمكتب لمراجعة حساباته ، ومعرفة الحد الذي ستقف عنده الخسارة . حتى لقب الحاج الذي اقتسمه مع زوجته خلق له بعض المضايقات مع النساء من خليلاته ، لكن فرضته عليه ظروف سياسية اضطر للتكيف معها تطويرا لتجارته ، وحفاظا على مكانتها في السوق . الاقتصاد لكي يتقدم يحتاج إلى وقود سياسي . وجد هذا الوقود ، حسب متطلبات المرحة ، في لقب الحاج مع الاعتناء بلحية خفيفة . لا يثق في مؤسسات البلد الصحية . أصدقاء وزبناء في مناصب عليا يحكون له عن فضائح جرت في مصحات لا تًصدّق حتى في الخيال . لذلك كلما أحس بوعكة صحية تتطلب إجراء فحوص قد تنتهي بعملية جراحية ، اختار فرنسا أو اسبانيا . لكن الآن لا يمكنه فعل ذلك . الحدود مغلقة . ومستشفيات فرنسا و اسبانيا مكتظة ، ولا تقبل استقبال مرضى وافدين من مستعمرات قديمة في هذا الظرف الموبوء ! بلغ إلى علمه أن مستشفى بسويسرا طرد جنرالا جزائريا رفيع المستوى ، وطلب منه العودة إلى بلده لقضاء ما تبقى له من فترة النقاهة !. بل سمع هذه الأيام قصصا أغرب من الخيال . سياح من أوروبا يرفضون نقلهم إلى بلدانهم ، ويفضلون البقاء في المغرب هربا من كورونا !. من يصدق بأن العديد من الشبان الذين هاجروا سرا إلى بعض الدول الأوروبية مستعدين لتقديم رشاوى كبيرة مقابل مساعدتهم في العودة إلى بلدانهم الأصلية !. كل شيء انقلب إلى ضده !.
رغم التدخلات على أعلى مستوى ، وجد نفسه في الجناح المخصص للمرضى المشكوك في إصابتهم بكورونا في سرير بغرفة مجاورة لغرفة بقال ينحدر من الجنوب . كل ما يستطيع أصدقاؤه فعله من أجله هو تسريع الفحص . المستشفيات العمومية في المغرب ليست مصنفة مثل الفنادق . الفرق بينها موجود في التجهيز والموارد البشرية فقط . لم يصدق ما يراه . غرفة كبيرة بطلاء قديم بالأبيض والأزرق تملؤه بقع من الإسمنت بلونها الرمادي ، وسرير موحش في الركن الأيمن ، ومرحاض على اليسار ، وما تبقى يملأه الفراغ . لعن الفيروس الذي أذله ، ووضعه جنبا لجنب مع البقال وبائع اللبن والبواب وسائق الطاكسي . لم يسبق له أن تواصل من قبل مع هذا النوع من الكائنات . حسنا فعلوا بعزلهم عن بعضهم . يستطيع أن يستعمل هاتفه ، ويشكو لزوجته التي لا تكف عن الاتصال به كل لحظة لتطمئن على حاله . لم يكن يعتقد بأنها تهتم به إلى هذه الدرجة . غزته الشكوك وتساءل مع نفسه هل اهتمامها نابع من حب صادق أم من طمع غادر ؟ لعن الشيطان . وقرأ سورة الكرسي . وردد عبارة شهيرة من إحدى الآيات الكريمة التي يتقبل بها الناس ما يُخبئه لهم القدر من مفاجآت غير سارة لا قدرة لهم على مواجهتها : "لن يُصيبنا إلا ما كتب الله لنا" .
كل يوم يتطلع إلى وصول نتائج الفحص . الوسواس والسُّعال يمنعانه من النوم بشكل طبيعي . في الأيام الأخيرة أصبح لا يجيب على العديد من المكالمات . مَلّ من سماع الناس يدعون له بالشفاء والعودة إلى بيته . بدأ يركن إلى الصمت مثل بطل من أبطال صامويل بيكيت في مسرحياته العبثية ، ولا تصدر عنه إلا كلمات قلية . مذاق الطعام لا يعجبه . استغرب أن يتناول نفس الطبق الذي يُقدم للبقال وبائع اللبن والبواب وسائق الطاكسي . المهم عليه أن يتكيف مع الوضع الجديد ، حفاظا على سلامته . الطبيب الذي زاره بالأمس نصحه بتجنب الاكتئاب والحزن ، كأنه قرأ ما يجول في خاطره .
بعد أسبوع توصل بنتيجة الفحص أحس كمن أفرغوا على جسده سطلا من الماء البارد في يوم صقيع . لم يصدق بأنه مصاب بالفيروس . لماذا يختاره كورونا دون غيره . فهو يذهب كل يوم جمعة إلى المسجد الكبير ، ويجلس بجانب علية القوم قريبا من الإمام ، ويستمع بتمعن وخشوع للخطبة وما تتضمنه من توجيهات ونصائح ، ولا يلغو حتى مع نفسه ، ويُرسل قصعة كبيرة من الكسكس إلى الفقراء الذين يحيطون بسور المسجد مثل الجراد ، ويصوم شهر رمضان ، ويحج بيت الله ، ويقدم الهدايا للشيوخ الجدد ليدعون له بالتوفيق في تجارته ..
طار النوم من جفنيه . علم أنهم سينقلونه غدا إلى جناح جديد بالمستشفى الجامعي ، وسيستفيد من جهاز تنفس اصطناعي ، وهو جهاز لا يتوفر حتى للأغنياء وكبار المسؤولين في إيطاليا وفرنسا واسبانيا . هذا الجناح حسب البيانات التي تنشرها وزارة الصحة نسبة الوفيات في سباق سريع مع نسبة المتعافين . الوضع الصحي للمريض ، والعناية الإلهية ، ونوعية الخدمة التي تُقدّم إليه عوامل أصبحت مثل لُعبة سباق الخيل .
تذكر صديقه إسماعيل الذي خسر كل ثروته في هذه اللعبة الملعونة ، وكيف جُنّ المسكين وأصبح يُردد لازمته المشهورة : (زْكَلت عَوْد كُبّة من الشيب أمسكين) والأطفال يسخرون منه في الشارع ويجرونه من ثيابه ويهربون .
الحظ لا يمكن أن يقف دائما إلى جانب الإنسان . لقد وقف معه في كسب الكثير من المال . وقف معه وهو يسرق عرق العمال ، ويتهرب من الضرائب ، وقف معه عندما انقلبت به السيارة وهو سكران . وقف معه في التعرف على نساء جميلات يخففن عليه ما يشعر به من تعب وسط الأسبوع الذي حوله إلى عطلة بديلة عن السبت والأحد حتى لا يثير شكوك الحاجة . وقف معه وهو يكذب على الحاجة ، وهي تعرف بأنه يكذب عليها ، ورغم ذلك تتظاهر بتصديقه ، وتجهز له حقيبة السفر إلى مدينة الدار البيضاء ، وهو في الحقيقة سيقضي أمسية رفقة خليلته ريحانة في علبة ليلية يستمتعان بالغناء والرقص الشعبيين إلى ساعة متأخرة من الليل . أحيانا تنتابه شكوك من رد فعلها البارد ، وتأديتها لدور المرأة البلهاء التي تُصدق كل ما يُقال لها . غدا بعد إعلان وفاته ودفنه ، من يضمن له ألا يظهر لها عشيق ، تأتي به إلى المنزل ليحل محله ، ويستولي على جزء من ثروته !.
أحس بأنه يعيش آخر أيامه مثل كلب أجرب منسي في ذلك الركن من الغرفة ، وهو يتنفس بصعوبة ، قال لنفسه :
ـ تُراهن على تخصيص زيادة مهمة في أجور عمالك تتجاوز الضعف ، وتعويضات الأعياد ، والشهر الثالث عشر، وعدم التهرب من أداء الضرائب ، وقيام الصلوات الخمس بالمسجد وطلب الغفران من الحاجة ، والقطع مع ريحانة والعلب الليلية ، إذا خرجت منها سالما . لكن هل سيصدقك ملكُ الكتف الأيمن أم يترك القاضي كورونا يخنقك بحكمه النهائي ثم يعلنون وفاتك ؟ لو كنت مكان كورونا لقبلت العرض ، وطلبت توقيع ميثاق شرف بينكما مثل ما فعل الشيطان مع فاوست .
ما أصعب أن تخنقك يد معدنية لا تراها ، ولا تستطيع أن تدفعها عن عنقك ! ما أقسى ألا يقف بجانب سريرك أحد في يوم موتك !. نعم سرقتَ ، ذهبتَ إلى الحج ، زنيتَ ، كذبت ، صليت ، سكرت ، صمت مثل باقي الناس ، لكنك تتمنى على الأقل الآن أن تموت مثلهم .
بعد أسبوعين قضاها في الجحيم زَفّ إليه أحد الأطباء خبر تحسن حالته الصحية وإمكانية شفائه من المرض . وأنهم ينتظرون فحصا جديدا يؤكد ذلك .
أعاد إليه الأمل من جديد . لم يصدق نفسه . كاد قلبه يُنزع من مكانه من شدة الفرح . ردد على زوجته في الهاتف ما قال له الطبيب بالحرف ، ودموع الفرح تسيل على خديه ، وكأنه يشهدها على ذلك :
ـ أنت محظوظ يا حاج لولا هذا الجهاز القادم من وراء البحار (وهو يشير إلى جهاز التنفس الاصطناعي) ، ومناعة جسمك ، وبعض الأدوية ، والطبيب الذي سهر على حالتك ، والتزام أغلب الناس بالبقاء في بيوتهم لسرق كورونا الروح من جسدك .
*شارل بودلير
مراكش 06 أبريل 2020
بعد اكتشاف إصابات محلية خصصت المدينة جناحا بأحد المستشفيات العمومية للحالات التي ظهرت عليها الأعراض الأولى لفيروس كورونا .
كيف أصابت الحُمّى الحاج عامر واحتدّ سُعاله ، وهو الذي اتخذ كل الاحتياطات ؟. قبل الحظر الصحي اقتنت الحاجة زوجته كل ما يحتاج إليه البيت من لوازم تنظيف ومواد غذائية ، تكفي لإطعام قرية بكاملها . بعد الحظر أغلق كل شركاته ، وسرّح العمال ، وتفرّغ للعمل بين البيت والمكتب لمراجعة حساباته ، ومعرفة الحد الذي ستقف عنده الخسارة . حتى لقب الحاج الذي اقتسمه مع زوجته خلق له بعض المضايقات مع النساء من خليلاته ، لكن فرضته عليه ظروف سياسية اضطر للتكيف معها تطويرا لتجارته ، وحفاظا على مكانتها في السوق . الاقتصاد لكي يتقدم يحتاج إلى وقود سياسي . وجد هذا الوقود ، حسب متطلبات المرحة ، في لقب الحاج مع الاعتناء بلحية خفيفة . لا يثق في مؤسسات البلد الصحية . أصدقاء وزبناء في مناصب عليا يحكون له عن فضائح جرت في مصحات لا تًصدّق حتى في الخيال . لذلك كلما أحس بوعكة صحية تتطلب إجراء فحوص قد تنتهي بعملية جراحية ، اختار فرنسا أو اسبانيا . لكن الآن لا يمكنه فعل ذلك . الحدود مغلقة . ومستشفيات فرنسا و اسبانيا مكتظة ، ولا تقبل استقبال مرضى وافدين من مستعمرات قديمة في هذا الظرف الموبوء ! بلغ إلى علمه أن مستشفى بسويسرا طرد جنرالا جزائريا رفيع المستوى ، وطلب منه العودة إلى بلده لقضاء ما تبقى له من فترة النقاهة !. بل سمع هذه الأيام قصصا أغرب من الخيال . سياح من أوروبا يرفضون نقلهم إلى بلدانهم ، ويفضلون البقاء في المغرب هربا من كورونا !. من يصدق بأن العديد من الشبان الذين هاجروا سرا إلى بعض الدول الأوروبية مستعدين لتقديم رشاوى كبيرة مقابل مساعدتهم في العودة إلى بلدانهم الأصلية !. كل شيء انقلب إلى ضده !.
رغم التدخلات على أعلى مستوى ، وجد نفسه في الجناح المخصص للمرضى المشكوك في إصابتهم بكورونا في سرير بغرفة مجاورة لغرفة بقال ينحدر من الجنوب . كل ما يستطيع أصدقاؤه فعله من أجله هو تسريع الفحص . المستشفيات العمومية في المغرب ليست مصنفة مثل الفنادق . الفرق بينها موجود في التجهيز والموارد البشرية فقط . لم يصدق ما يراه . غرفة كبيرة بطلاء قديم بالأبيض والأزرق تملؤه بقع من الإسمنت بلونها الرمادي ، وسرير موحش في الركن الأيمن ، ومرحاض على اليسار ، وما تبقى يملأه الفراغ . لعن الفيروس الذي أذله ، ووضعه جنبا لجنب مع البقال وبائع اللبن والبواب وسائق الطاكسي . لم يسبق له أن تواصل من قبل مع هذا النوع من الكائنات . حسنا فعلوا بعزلهم عن بعضهم . يستطيع أن يستعمل هاتفه ، ويشكو لزوجته التي لا تكف عن الاتصال به كل لحظة لتطمئن على حاله . لم يكن يعتقد بأنها تهتم به إلى هذه الدرجة . غزته الشكوك وتساءل مع نفسه هل اهتمامها نابع من حب صادق أم من طمع غادر ؟ لعن الشيطان . وقرأ سورة الكرسي . وردد عبارة شهيرة من إحدى الآيات الكريمة التي يتقبل بها الناس ما يُخبئه لهم القدر من مفاجآت غير سارة لا قدرة لهم على مواجهتها : "لن يُصيبنا إلا ما كتب الله لنا" .
كل يوم يتطلع إلى وصول نتائج الفحص . الوسواس والسُّعال يمنعانه من النوم بشكل طبيعي . في الأيام الأخيرة أصبح لا يجيب على العديد من المكالمات . مَلّ من سماع الناس يدعون له بالشفاء والعودة إلى بيته . بدأ يركن إلى الصمت مثل بطل من أبطال صامويل بيكيت في مسرحياته العبثية ، ولا تصدر عنه إلا كلمات قلية . مذاق الطعام لا يعجبه . استغرب أن يتناول نفس الطبق الذي يُقدم للبقال وبائع اللبن والبواب وسائق الطاكسي . المهم عليه أن يتكيف مع الوضع الجديد ، حفاظا على سلامته . الطبيب الذي زاره بالأمس نصحه بتجنب الاكتئاب والحزن ، كأنه قرأ ما يجول في خاطره .
بعد أسبوع توصل بنتيجة الفحص أحس كمن أفرغوا على جسده سطلا من الماء البارد في يوم صقيع . لم يصدق بأنه مصاب بالفيروس . لماذا يختاره كورونا دون غيره . فهو يذهب كل يوم جمعة إلى المسجد الكبير ، ويجلس بجانب علية القوم قريبا من الإمام ، ويستمع بتمعن وخشوع للخطبة وما تتضمنه من توجيهات ونصائح ، ولا يلغو حتى مع نفسه ، ويُرسل قصعة كبيرة من الكسكس إلى الفقراء الذين يحيطون بسور المسجد مثل الجراد ، ويصوم شهر رمضان ، ويحج بيت الله ، ويقدم الهدايا للشيوخ الجدد ليدعون له بالتوفيق في تجارته ..
طار النوم من جفنيه . علم أنهم سينقلونه غدا إلى جناح جديد بالمستشفى الجامعي ، وسيستفيد من جهاز تنفس اصطناعي ، وهو جهاز لا يتوفر حتى للأغنياء وكبار المسؤولين في إيطاليا وفرنسا واسبانيا . هذا الجناح حسب البيانات التي تنشرها وزارة الصحة نسبة الوفيات في سباق سريع مع نسبة المتعافين . الوضع الصحي للمريض ، والعناية الإلهية ، ونوعية الخدمة التي تُقدّم إليه عوامل أصبحت مثل لُعبة سباق الخيل .
تذكر صديقه إسماعيل الذي خسر كل ثروته في هذه اللعبة الملعونة ، وكيف جُنّ المسكين وأصبح يُردد لازمته المشهورة : (زْكَلت عَوْد كُبّة من الشيب أمسكين) والأطفال يسخرون منه في الشارع ويجرونه من ثيابه ويهربون .
الحظ لا يمكن أن يقف دائما إلى جانب الإنسان . لقد وقف معه في كسب الكثير من المال . وقف معه وهو يسرق عرق العمال ، ويتهرب من الضرائب ، وقف معه عندما انقلبت به السيارة وهو سكران . وقف معه في التعرف على نساء جميلات يخففن عليه ما يشعر به من تعب وسط الأسبوع الذي حوله إلى عطلة بديلة عن السبت والأحد حتى لا يثير شكوك الحاجة . وقف معه وهو يكذب على الحاجة ، وهي تعرف بأنه يكذب عليها ، ورغم ذلك تتظاهر بتصديقه ، وتجهز له حقيبة السفر إلى مدينة الدار البيضاء ، وهو في الحقيقة سيقضي أمسية رفقة خليلته ريحانة في علبة ليلية يستمتعان بالغناء والرقص الشعبيين إلى ساعة متأخرة من الليل . أحيانا تنتابه شكوك من رد فعلها البارد ، وتأديتها لدور المرأة البلهاء التي تُصدق كل ما يُقال لها . غدا بعد إعلان وفاته ودفنه ، من يضمن له ألا يظهر لها عشيق ، تأتي به إلى المنزل ليحل محله ، ويستولي على جزء من ثروته !.
أحس بأنه يعيش آخر أيامه مثل كلب أجرب منسي في ذلك الركن من الغرفة ، وهو يتنفس بصعوبة ، قال لنفسه :
ـ تُراهن على تخصيص زيادة مهمة في أجور عمالك تتجاوز الضعف ، وتعويضات الأعياد ، والشهر الثالث عشر، وعدم التهرب من أداء الضرائب ، وقيام الصلوات الخمس بالمسجد وطلب الغفران من الحاجة ، والقطع مع ريحانة والعلب الليلية ، إذا خرجت منها سالما . لكن هل سيصدقك ملكُ الكتف الأيمن أم يترك القاضي كورونا يخنقك بحكمه النهائي ثم يعلنون وفاتك ؟ لو كنت مكان كورونا لقبلت العرض ، وطلبت توقيع ميثاق شرف بينكما مثل ما فعل الشيطان مع فاوست .
ما أصعب أن تخنقك يد معدنية لا تراها ، ولا تستطيع أن تدفعها عن عنقك ! ما أقسى ألا يقف بجانب سريرك أحد في يوم موتك !. نعم سرقتَ ، ذهبتَ إلى الحج ، زنيتَ ، كذبت ، صليت ، سكرت ، صمت مثل باقي الناس ، لكنك تتمنى على الأقل الآن أن تموت مثلهم .
بعد أسبوعين قضاها في الجحيم زَفّ إليه أحد الأطباء خبر تحسن حالته الصحية وإمكانية شفائه من المرض . وأنهم ينتظرون فحصا جديدا يؤكد ذلك .
أعاد إليه الأمل من جديد . لم يصدق نفسه . كاد قلبه يُنزع من مكانه من شدة الفرح . ردد على زوجته في الهاتف ما قال له الطبيب بالحرف ، ودموع الفرح تسيل على خديه ، وكأنه يشهدها على ذلك :
ـ أنت محظوظ يا حاج لولا هذا الجهاز القادم من وراء البحار (وهو يشير إلى جهاز التنفس الاصطناعي) ، ومناعة جسمك ، وبعض الأدوية ، والطبيب الذي سهر على حالتك ، والتزام أغلب الناس بالبقاء في بيوتهم لسرق كورونا الروح من جسدك .
*شارل بودلير
مراكش 06 أبريل 2020