كان من الممكن أن ينصحه بطريقة لطيفة ..يستسمحه من أجل حسن تقدير الموقف ..ذاكرا له حق الجار ..وكلمات من ضمنها أن الحرية الشخصية تنتهي عند الاضرار بالآخرين ..لكن عجرفة المعلم عبد القادر العبادي كونه جزار ويسكن اقاربه بالجوار ..وله من أبناء العمومة الكثير ..لو حدثت مشادة وارتفعت الشوم والعصي والسكاكين والجنازير والقيت الأحجار ..وربما اطلقت البنادق أعيرتها النارية ..بينما رأى عم حسن البقال أن طيبة جابر ابو محمود هي التي أدت إلى كل هذا الصراع الدامي ..ربما لو كان أوقف تجاوزات المعلم عبد القادر في حقه منذ أن كان يعترض على تجاوزات لا بد منها كأن يزعق ويشتم في الناس سكان الطابق الثالث ..لأن غسيلهم يخر الماء على غسيل أهل بيته ..وقالت زوجة المعلم عبد القادر ..الموضوع في قصد !..
يعني الست أم محمود لازم تنشر غسيلها وأنا ناشره غسيلي !..دي غيرانه مني عشان هدومي جديدة وغالية وهي مشترتش طقم جديد على العيد الكبير ولا حتى في فرح أخوها ..دي عايزة توسخ غسيلي ..قاصدة والله يا سيد المنطقة والبلد كلها ..
ولما صار المعلم عبد القادر في حالة هياج وانتفخت مشاعره الغاضبة في لطم أبو محمود على خده وقال بعد أن دار السيد جابر حول نفسه من هول الصدمة ..حول دربزين السلم يكرر لطمة المعلم عبد القادر على خده مرة وراء مرة حتى سقط على الأرض مغشيا عليه فاجتمع الناس ولاموا المعلم عبد القادر ذاكرين له طيبة جابر ووداعته وقلة حيلته ودائما هو رجل مسالم من البيت للجامع ومن الجامع للبيت ومن عمله الى منزله لا يذكر أحد ولا يعامل أحد إلا في حدود المعقول…فكيف تهينه يا سيد الناس وتلطمه على خده وهو ماله ومال الغسيل والمية اللي بتنقط ..
وكانت حالة جابر تستدعي الاسعاف والاهتمام والشفقة وكان هذا حافزا لتحسين العلاقة بين المعلم عبد القادر والسيد جابر ..وبدا له أنه ليس من الرجولة والجدعنة أن يسمع كلام مراته ويوبخ هذا الرجل المسالم الذي ليس له صوت ولا خبر ..ودائما ما يلقي التحية مبتسما ولا يشتري اللحم إلا من عنده كل اسبوع كيلو ونصف وهذا يدل على انه ذبون محترم بخلاف الكوارع والكرشه ولحمة الراس ..ونادرا ما يذهب للفرارجي بديلا عن لحمة المعلم عبد القادر ..كما أن اخو زوجته وزوج أخته زبونان دائمان عند المعلم عبد القادر ..ودي ناس نزيهة بيشتروا بالاتنين كيلو لحمة اسبوعيا ..فلا بد من أن يستسمحه ويكون على علاقة جيدة به ..
لكن الأيام الغبرة جاءت بسوق كاسد ..ولم يعد باستطاعة السيد جابر أن يتقاضى جنيها واحدا لمدة ثلاث أشهر متتالية بعدما استغنت شركة جهينة لإنتاج الزبادي والألبان عن خدماته بشكل مؤقت ولحين انتهاء أزمة كورونا ..وأخذوا منه مفاتيح سيارة التوزيع على التجار فصارت حياته بين جدران الشقة ينتقل من البلكونة إلى الصالة ومن الصالة لغرفة النوم ومن غرفة النوم للمطبخ ..للحمام ..ونادرا ما يجالس أهالي المنطقة على مسطبة عم حسن البقال ..فما كان منه إلا أن يشارك ابنه محمود حب مشاهدة مباريات كرة القدم ..ماتشات الدوري المصري وماتشات الدوري الانجليزي ..وبدأ يهتم بشدة بأسماء اللعيبة والمحترفين من مصر ..وبدأ يجمع كثيرا من تفاصيل حياتهم الكروية كما أنه لم يجد أمامه بد من أن يشارك زوجته وابنته وفاء ..إما مشاهدة كرتون الأطفال ويبدي رأيه في الأفضل والأسوأ ..وينصحها ويقترح عليها قنوات قام بتنزيلها خصيصا وهي ذات التسعة أعوام قد وجدت فيه صديقا حميما أفضل من أخيها الذي كثيرا ما يضربها ويتشاجر معها لو اعترضت على قناة كروية وأرادت استبدال القناة ..
أتقن جابر مهارات الطبخ وقدم لزوجته نصائح عديدة في تحسين جودة الطعام واقترح عليها أصنافا جديدة لم تقم بطبخها وهو في ذلك قد أنفق مدخرات عام كامل على شراء خامات فاخرة لإنتاج الحلوى الشرقية والغربية وتوزيع بعضا منها على سكان العمارة …حتى أن زوجته أثناء المعركة الأخيرة بين زوجها وناس المعلم عبد القادر الجزار ذكرت في أسف كرمها عليهم وأنها دوقتهم الحلو كله ! ..بسبوسة وكنافة وبلح الشام والجاتوه اللي مش بيدخل بيتهم إلا في المناسبات وقالت ناس ناكرة للجميل ! ذي العرسه تاكل وتنكر ..
لكن جابر ظل رغم غضبه وثورته التي قلبت موازين القوة ..محترما ولا تطلع العيبة من بقه ..وقال للجيران والأقارب الذين اجتمعوا للسلم والوئام بين الجارين : أنا سكت كتير والله ! مرة متنشرش غسيلك لما ننشر احنا ! مرة متشغلش التليفزيون بعد الساعة 10 مساء ..لكن تيجي للشيشة ! ورفع يده وأطلقها كالسيف المحارب وكالحربة القافزة إلى صدر العدو ..لا والله ..مش كفاية القهاوي مقفولة !
أشرب فين أنا !
وزعق أكثر مما زعق قبل ذلك حتى خرج الزبد من فمه وقال والله لو جات على موتي ! ولم يهمه الرجل المصاب وأبناءه الثلاثة شاهرين في وجهه السكاكين والسواطير ثم استطرد في لومه الغاضب ..يعني إيه مشربش شيشة في الشقة ! يعني إيه دخان الشيشة بينزل عندهم ..هي مدخنة مقلة وله فرن عيش ..عيب والله اللي بيحصل دا ! عشان سكت مرة واتنين ..
ورمى كيس الزبالة في وجه أبناء المعلم عبد القادر فتناثرت على ملابسهم ووجوههم قمامة أسبوع كامل ..فضحك بحرص ابنه محمود وأراد أن يخرج لسانه فخاف أن يقطعه أحدهم ! ..ورغم إصابات عديدة في رأس وجسد المعلم عبد القادر إلا أنه لم يجرؤ على عمل محضر ..وقرر أن يحترم رغبة جاره وثورته ..خاصة وأنه فكر في الكيف وخطورة نهشه لأعصاب البشر ..فهو مدمن حشيش ..وهذا الجار الطيب ليس له كيف إلا المعسل ينهي في اليوم الواحد باكو ربع كيلو وإن كان ابنه محمود وزوجته أيضا في الخفاء يتبادلان الأنفاس الساخنة حتى أنهم شاركوا رب أسرتهم الحرب الأهلية وكان محمود هو حجر الزاوية والفتيل المفجر عندما وجد والده يقفز من مكانه يحدث دربزين السلم ويضرب على الحائط والباب حتى اهتز إهتزازا عنيفا وكاد أن يخلعه رغم تجذره بالحلوق الحديدية في جدران البيت ..إلا أن محمود الفتى ذو الصدر الساخن أمسك بالشيشة وألقاها بشدة وسرعة مذهلة على رأس المعلم عبد القادر ..
تهشمت وسالت الدماء والماء المحجوز ببطن الشيشة وكذلك الجمرة التي كانت فاتحة أجنحة الدخان في أرجاء البلكونة ..وهنا سقط المعلم عبد القادر شبه فاقد للوعي ..الصدمة والدماء ورد الفعل العجيب حتى أن جابر أكمل هجوم ابنه وأخذ يركل بقدميه جسد المعلم عبد القادر وبعد أن اجتمع الناس وجاء أقارب أبو محمود كما جاء رجال عبد القادر ..كان لا بد من إنهاء الصراع وتلطيف الجو حتى لا تتفرع وتعمم الأزمة ورغم فرحة جابر بانتصاره إلا أنه لم يجد حيلة وقد افلس تماما ولم يعد قادرا على شراء شيشة أخرى ..هذا إن وجد محلا يبيعها في تلك الأيام الكاسدة ..فقرر أن ينتقم من ابنه محمود وكان شجاره وزعيقه يوميا ..ولم يلطف الجو إلا فوز نادي ليفربول بلقب الدوري الممتاز رغم تبقي 7 جولات على نهاية المسابقة ..وظل سعيدا يهذي من الضحك ويلطم خد ابنه محمود المراهن على فوز مانشستر ..يا خاسر ..يا حمار ..رغم أنني حديث عهد بالكرة إلا أنني أحسنت الاختيار ..وانشكح وانبطح على مخدة الكنبة وتمنى أن يعود إلى سيارته والتجار الذين انقطع سؤالهم عنه منذ أن استغنت عن خدماته شركة جهينة .
يعني الست أم محمود لازم تنشر غسيلها وأنا ناشره غسيلي !..دي غيرانه مني عشان هدومي جديدة وغالية وهي مشترتش طقم جديد على العيد الكبير ولا حتى في فرح أخوها ..دي عايزة توسخ غسيلي ..قاصدة والله يا سيد المنطقة والبلد كلها ..
ولما صار المعلم عبد القادر في حالة هياج وانتفخت مشاعره الغاضبة في لطم أبو محمود على خده وقال بعد أن دار السيد جابر حول نفسه من هول الصدمة ..حول دربزين السلم يكرر لطمة المعلم عبد القادر على خده مرة وراء مرة حتى سقط على الأرض مغشيا عليه فاجتمع الناس ولاموا المعلم عبد القادر ذاكرين له طيبة جابر ووداعته وقلة حيلته ودائما هو رجل مسالم من البيت للجامع ومن الجامع للبيت ومن عمله الى منزله لا يذكر أحد ولا يعامل أحد إلا في حدود المعقول…فكيف تهينه يا سيد الناس وتلطمه على خده وهو ماله ومال الغسيل والمية اللي بتنقط ..
وكانت حالة جابر تستدعي الاسعاف والاهتمام والشفقة وكان هذا حافزا لتحسين العلاقة بين المعلم عبد القادر والسيد جابر ..وبدا له أنه ليس من الرجولة والجدعنة أن يسمع كلام مراته ويوبخ هذا الرجل المسالم الذي ليس له صوت ولا خبر ..ودائما ما يلقي التحية مبتسما ولا يشتري اللحم إلا من عنده كل اسبوع كيلو ونصف وهذا يدل على انه ذبون محترم بخلاف الكوارع والكرشه ولحمة الراس ..ونادرا ما يذهب للفرارجي بديلا عن لحمة المعلم عبد القادر ..كما أن اخو زوجته وزوج أخته زبونان دائمان عند المعلم عبد القادر ..ودي ناس نزيهة بيشتروا بالاتنين كيلو لحمة اسبوعيا ..فلا بد من أن يستسمحه ويكون على علاقة جيدة به ..
لكن الأيام الغبرة جاءت بسوق كاسد ..ولم يعد باستطاعة السيد جابر أن يتقاضى جنيها واحدا لمدة ثلاث أشهر متتالية بعدما استغنت شركة جهينة لإنتاج الزبادي والألبان عن خدماته بشكل مؤقت ولحين انتهاء أزمة كورونا ..وأخذوا منه مفاتيح سيارة التوزيع على التجار فصارت حياته بين جدران الشقة ينتقل من البلكونة إلى الصالة ومن الصالة لغرفة النوم ومن غرفة النوم للمطبخ ..للحمام ..ونادرا ما يجالس أهالي المنطقة على مسطبة عم حسن البقال ..فما كان منه إلا أن يشارك ابنه محمود حب مشاهدة مباريات كرة القدم ..ماتشات الدوري المصري وماتشات الدوري الانجليزي ..وبدأ يهتم بشدة بأسماء اللعيبة والمحترفين من مصر ..وبدأ يجمع كثيرا من تفاصيل حياتهم الكروية كما أنه لم يجد أمامه بد من أن يشارك زوجته وابنته وفاء ..إما مشاهدة كرتون الأطفال ويبدي رأيه في الأفضل والأسوأ ..وينصحها ويقترح عليها قنوات قام بتنزيلها خصيصا وهي ذات التسعة أعوام قد وجدت فيه صديقا حميما أفضل من أخيها الذي كثيرا ما يضربها ويتشاجر معها لو اعترضت على قناة كروية وأرادت استبدال القناة ..
أتقن جابر مهارات الطبخ وقدم لزوجته نصائح عديدة في تحسين جودة الطعام واقترح عليها أصنافا جديدة لم تقم بطبخها وهو في ذلك قد أنفق مدخرات عام كامل على شراء خامات فاخرة لإنتاج الحلوى الشرقية والغربية وتوزيع بعضا منها على سكان العمارة …حتى أن زوجته أثناء المعركة الأخيرة بين زوجها وناس المعلم عبد القادر الجزار ذكرت في أسف كرمها عليهم وأنها دوقتهم الحلو كله ! ..بسبوسة وكنافة وبلح الشام والجاتوه اللي مش بيدخل بيتهم إلا في المناسبات وقالت ناس ناكرة للجميل ! ذي العرسه تاكل وتنكر ..
لكن جابر ظل رغم غضبه وثورته التي قلبت موازين القوة ..محترما ولا تطلع العيبة من بقه ..وقال للجيران والأقارب الذين اجتمعوا للسلم والوئام بين الجارين : أنا سكت كتير والله ! مرة متنشرش غسيلك لما ننشر احنا ! مرة متشغلش التليفزيون بعد الساعة 10 مساء ..لكن تيجي للشيشة ! ورفع يده وأطلقها كالسيف المحارب وكالحربة القافزة إلى صدر العدو ..لا والله ..مش كفاية القهاوي مقفولة !
أشرب فين أنا !
وزعق أكثر مما زعق قبل ذلك حتى خرج الزبد من فمه وقال والله لو جات على موتي ! ولم يهمه الرجل المصاب وأبناءه الثلاثة شاهرين في وجهه السكاكين والسواطير ثم استطرد في لومه الغاضب ..يعني إيه مشربش شيشة في الشقة ! يعني إيه دخان الشيشة بينزل عندهم ..هي مدخنة مقلة وله فرن عيش ..عيب والله اللي بيحصل دا ! عشان سكت مرة واتنين ..
ورمى كيس الزبالة في وجه أبناء المعلم عبد القادر فتناثرت على ملابسهم ووجوههم قمامة أسبوع كامل ..فضحك بحرص ابنه محمود وأراد أن يخرج لسانه فخاف أن يقطعه أحدهم ! ..ورغم إصابات عديدة في رأس وجسد المعلم عبد القادر إلا أنه لم يجرؤ على عمل محضر ..وقرر أن يحترم رغبة جاره وثورته ..خاصة وأنه فكر في الكيف وخطورة نهشه لأعصاب البشر ..فهو مدمن حشيش ..وهذا الجار الطيب ليس له كيف إلا المعسل ينهي في اليوم الواحد باكو ربع كيلو وإن كان ابنه محمود وزوجته أيضا في الخفاء يتبادلان الأنفاس الساخنة حتى أنهم شاركوا رب أسرتهم الحرب الأهلية وكان محمود هو حجر الزاوية والفتيل المفجر عندما وجد والده يقفز من مكانه يحدث دربزين السلم ويضرب على الحائط والباب حتى اهتز إهتزازا عنيفا وكاد أن يخلعه رغم تجذره بالحلوق الحديدية في جدران البيت ..إلا أن محمود الفتى ذو الصدر الساخن أمسك بالشيشة وألقاها بشدة وسرعة مذهلة على رأس المعلم عبد القادر ..
تهشمت وسالت الدماء والماء المحجوز ببطن الشيشة وكذلك الجمرة التي كانت فاتحة أجنحة الدخان في أرجاء البلكونة ..وهنا سقط المعلم عبد القادر شبه فاقد للوعي ..الصدمة والدماء ورد الفعل العجيب حتى أن جابر أكمل هجوم ابنه وأخذ يركل بقدميه جسد المعلم عبد القادر وبعد أن اجتمع الناس وجاء أقارب أبو محمود كما جاء رجال عبد القادر ..كان لا بد من إنهاء الصراع وتلطيف الجو حتى لا تتفرع وتعمم الأزمة ورغم فرحة جابر بانتصاره إلا أنه لم يجد حيلة وقد افلس تماما ولم يعد قادرا على شراء شيشة أخرى ..هذا إن وجد محلا يبيعها في تلك الأيام الكاسدة ..فقرر أن ينتقم من ابنه محمود وكان شجاره وزعيقه يوميا ..ولم يلطف الجو إلا فوز نادي ليفربول بلقب الدوري الممتاز رغم تبقي 7 جولات على نهاية المسابقة ..وظل سعيدا يهذي من الضحك ويلطم خد ابنه محمود المراهن على فوز مانشستر ..يا خاسر ..يا حمار ..رغم أنني حديث عهد بالكرة إلا أنني أحسنت الاختيار ..وانشكح وانبطح على مخدة الكنبة وتمنى أن يعود إلى سيارته والتجار الذين انقطع سؤالهم عنه منذ أن استغنت عن خدماته شركة جهينة .
ثورة الضحية …قصة: محمود السانوسي عبادي
كان من الممكن أن ينصحه بطريقة لطيفة ..يستسمحه من أجل حسن تقدير الموقف ..ذاكرا له حق الجار ..وكلمات من ضمنها أن الحرية الشخصية تنتهي عند الاضرار بالآخرين ..لكن عجرفة المعلم عبد القادر العبادي كونه ج…
sadazakera.wordpress.com