يمشي بين أعمدة الهيكل، تتثاقل خطواته، أسمر، عريض المنكبين، شفة غليظة تميز بها أبناء النيل، إضافة إلى السمرة والروح الجميلة، ولكن هذا المساء كان يحمل على أكتافه أعمدة الكرنك بكل ما فيها من ثقل، وكان يجرجر خطواته نحو العتمة، وكأنّه يمشى في اللاوعي، في اللاشيء، عبير الورود اختفى، وصوت الليل وأنين النقوش الفرعونية على الجدران كانت شريطًا سينمائيًّا تحكي قصة أحدهم، مراسيم الأعراس، مراكب الموتى، أنين خفاش الليل، النّاي الذي يتهادى من المقاهي المجاورة كلّها مجتمعة، وكأنّها مركب تحمله الليلة الأخيرة الكرنك، الكلّ يأتي ليسمع قصّة ولادة العشق والحبّ، وما قدّمه العشّاق على مذبح العشق لعشّاقهم الذهب المرمر والرخام، والتاريخ حافل بهم، وهو متثاقل تحت أفكاره، ماذا يقول، وكيف يبادر نهاية الحلم، الكلّ في بداية الزمان، وهو وهي في نهاية الطريق، حاول أن يضحك، أن يسمعها نكاتٍ سخيفة، ليسمع ضجيج ضحكتها البريئة، كي يشرق النور على حياته، سماح قالت له: مهما يكنْ أزل عن كتفيك هذا الحمل الثقيل، وابعث روحك من بين هذا العويل، أيها الغريب، أعرف وتعرف، هنا أردت أن ننقش قصّة العشق في معبد الكرنك، ونختم عليها، ونستودعها صدور الأقدمين في صناديق من الغرانيت، أو الخشب لا يهمّ.
انحنى، وراح يكتب بصمت بإصبع الوجع .......
انحنى، وراح يكتب بصمت بإصبع الوجع .......