حضرت الصغيرةُ ويدُها خلفَ ظهرها ، من عادتها إذا صحت من نومها أن تأتي لترتمي على صدري لأقبِّلها على رائحةِ النوم الذي لايزال يكتبُ على ملامحِها أحلامَ الطفولة ،كنتُ مشغولًا بالنظرِ إلى طلاءِ الجدران الرمادي الجديد تارةً وأحرِّك بصري نحو السجادة المزركشة المبسوطة على الأرض ، وإلى الثُّريّاتِ الملونةِ في السقف، سألتها عن يدها الصغيرة التي تخبئها خلف ظهرها وقد تناست أني أفضِّل أن أضمَّها ثم أقبَّلها عند قيامها من النوم ،قالت بابا : انظر إلى رمضان في كفِّي ، رمضانُ في كفِّك ياصغيرتي ! هذا شهرٌ فيه ثلاثون يومًا ،كيف يحمل كفاك الصغيران هذا الشهر الفريد؟ اقتربت مني ورَسْمُ الهلالِ منقوشًا على كفيْها ،لم أحتمل البقاء على وضعي ، سارعتُ بتقبيل كفها الأيمن حدَّ الشبع ثم أنتقل إلى كفها الأيسر فأفعل مثل ذلك والسعادة تغمرني، قلتُ لها: هذا هلالُ الصومِ ياصغيرتي ،غدًا تكبرين ويكبرُ كفاك ويعظمُ الهلالُ عليهما وتصومين كما يفعل الكبار ، وضعتْ يدَها على يدي ، ألصقتُ كفي بكفها ونحن نحتفل بالشهر ، انتظرتُ حتى ظهرَ الهلال أكبر لنراه معا ،جاءت السماءُ صافيةً من حسنِ حظِّنا ، نظرنا إلى السماء والصمتُ يلفًّ الكون ، قلتُ انظري إلى رمضانَ في السماء ، أبصرته وهو يشبه المرسومَ على كفها ،قالت هذا يشبه كفي يابابا ، رفعتُها على كتفي لترى الهلال أكثر ،جعلت تقبِّل الهلالَ عن بعد وتشير إليه وأنا أقبِّل يدَها الصغيرة .