محمد علي عزب - الشعر المُوجَّه للأطفال .. المصطلح والمفهوم والهدف الجمالى المعرفى

فرّق النقد الحديث والمعاصر بين مصطلحى "أدب الأطفال" و"الأدب المُوجَّه للأطفال", فالأول هو أدب يكتبه الأطفال الموهوبون وترعاه المؤسسات الثقافية والتعليمية لتنمية المواهب ووضعها على بداية الطريق الصحيح, كى يكون لدينا أدباء فى المستقبل, أما مصطلح "الأدب الموجه للأطفال" فهو أدب يكتبه الكبار ويُوجّه للأطفال, ويحمل معنيين لكلمة "أدب", المعنى الأول هو أنه أدب : فن لغوى يجسد رؤية فنية بآليات ورؤي معينه, والمعنى الثانى هو المعنى المعروف فى لغتنا العربية لكلمة "أدب" وهو التربية والتعليم والتهذيب, ويتصل المعنيان ببعضها البعض اتصالا لا انفصال فيه, وهذا ما يميِّزه عن الأدب المُوجّه للكبار, فهو أدب نوعى مُوجّه .
وقد عُرف مصلح "الأدب الموجه للأطفال" فى فرنسا منذ القرن السابع عشر الميلادى, ويؤكد الباحثون أن أول من نبَّه اٍلى هذا النوع من الأدب فى ثقافتنا العربية هو رفاعة الطهطاوى "1801 ـ 1873م" عندما ترجم عن الفرنسية "حكايات الأطفال وعقلة الأصبع", أثناء وجوده مع البعثة التعليمية فى فرنسا, وكانت النقلة الحقيقية فى تأسيس أدب وشعر موجه الأطفال فى أدبنا العربى على يد الشاعر أحمد شوقى, ويعد بحق هو المؤسس العربى للشعرالموجه للأطفال, فقد تضمن ديوانه الكبير "الشوقيات" قسما خاص بالشعر الموجه للأطفال سماه "الشوقيات الصغيرة", وأشار أحمد شوقى فى مقدمة "الشوقيات" اٍلى أهمية شعر وأدب الأطفال, ودعا الشعراء العرب لكتابة هذا اللون الشعرى, المرتكز على اللغة والأخيلة البسيطة وقد وَظّف شوقى فى قصائده الموجهة للأطفال شكل الحدوته "حكايات الأطفال فى التراث الشعبى" لتأطير القصيدة باٍطار حكائى مُحبب للطفل كما فى قصائده الشهيرة "الثعلب والديك" و"النيل", و"الحمار" و"الجده" وغيرها, مما يؤكد على أن شوقى لم يكن فقط ناقلا للشعر الموجه للأطفال من الثقافة الفرنسية اٍلى الثقافة العربية, بل قام بتبيئته وتأصيله وصبغه بالروح العربية .
تقول الناقدة الأمريكية "كاريت هيدك" : ( أن الشعر الموجه للأطفال يختلف قليلا عن الشعر للكبار، فهو بالإضافة إلى كونه يعلِّق على الحياة بمستوى يحمل معنى وهدفا للأطفال فإن خاصيته تكمن في لغته الشعرية ومحتواه الذي ينبغي أن يمسّ الأطفال مباشرة )1, والشعر الموجه الأطفال ليس سهلا كما يظن البعض, ويرونه أن مجرد نظم بكلمات مباشرة تحمل هدفا تربويا, ويخلطون فى ذلك بين النظم التعليمى الخالى من الشعرية مثل "ألفية بن مالك", وبين شعر نوعى موجه للأطفال, هو أولا وقبل كل شئ شعر يحمل كل خصائص شعرية الشعر من رؤيا وتشكيل جمالى, فهناك فرق كبير بين صياغة شعرية تعتمد ( فى بنيانها اللغوى على ألفاظ سهلة ميسرة, تتفق والقاموس اللغوى للطفل, بالاٍضافة اٍلى خيال شفاف وغير مركب )2, قريب من فهم مرحلة عمرية معينة وبين المباشرة والسطحية, فاٍن كان شعر الأطفال يقدم هدفا تربويا وأخلاقيا فاٍنه أيضا يحمل هدفا جماليا وهو ترسيخ معرفة وحب الطفل للشعر والأدب والفن, وتوسيع وعيه ومداركه وترقيق اٍحساسه .
ولا بد لمؤلف الأدب والشعر المُوَجَّه الأطفال أن يضع فى اعتباره أن عملية تلقى الشعر حتى مع الأطفال ليست عملية سلبية, يتقبّل فيها الطفل كل ما يقال له وكأن الشاعر مُدرّس والقصيدة نصّ مدرسي, حتى التدريس لم يعد بهذا الشكل فالمُدَرِّس يحاور الطفل ويناقشه ويقنعه, فما بالنا بالشاعر الذى يؤسس وعيا جماليا روحيا فكريا لدى الطفل, لا بد لشاعر الذى يكتب للأطفال أن يعتبر الطفل قارئا فاعلا ـ مثل القارئ الكبير ـ وشريكا له فى اٍعادة اٍنتاج النصّ عبر القراءة الواعية, ولكى يحدث ذلك لا بد أن يكون لدى لشاعر وعيا معرفيا جماليا بلغة الطفل وخيالة وأنماط الصور الخيالية المحببة للطفل, مثل تشخيص المجردات وأنسنة الحيوانات والكائنات وظواهر الطبيعة, وتحويلها اٍلى رموز بسيطة وبعيدة عن المباشرة فى آن واحد توحى للطفل بمضمون النصّ .


محمد علي عزب



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ نقلا عن : د. محمد علي الهرفي ـ أدب الأطفال ـ مؤسسة دار المختار للنشر والتوزيع ـ القاهرة 2001م ص80.
2 ـ أحمد زلط ـ الخطاب الأدبى والطفولة ـ الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة ـ القاهرة 1997م ص 25

* مقتطف من كتابى النقدى "مقاربة مفهومية فى المصطلح الشعرى المعاصر" ـ قيد الكتابة


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى