عصري فياض - محطة تأجيل الانتخابات... نقطة نهاية لحلقة من حلقات الدوامة

وأخيرا اصدر الرئيس قراره بتأجيل الانتخابات التشريعية التي كانت منتظرة في الثاني والعشرين من الشهر الجاري،، وبالتالي تأجيل ما بعدها من رئاسية ومجلس وطني،تأجيل بطعم الإلغاء,والمبرر رفض الجانب الإسرائيلي لكن الحقيقة أبعد من ذلك،قرار أتخذه بوجود مجموعة من الفصائل الفلسطينية التي يشكل اسمها أكبر من ظلها في الشارع،لكنها وحسب النظام السياسي الفلسطيني المتصدع، تملك كلمة توظفها لصالح القيادة دائما وابدأ،معظمها إن لم نقول كلها، وكانت ردة الفعل من باقي الفصائل الرافضة لذلك القرار، وخاصة حماس التي بنت مع فتح خلال الاشهر والسنوات الفائتة مجموعة تفاهمات عبر لقاءت مضنية على امتداد شعاع المنطقة والإقليم بقصد الخروج من الحالة السياسية الفلسطينية البائسة، وقد تماهت الفصائل بكلها مع ذلك للخلاص من هذه الحالة،فجاء قرار الرئيس ليهدم ما بني في سنوات واشهر بجرة قلم، والسؤال المفصلي حقيقة الذي يختصر الرفض والقبول هو: ما هو أقرب وافيد وأكثر مصلحة للشعب الفلسطيني، تنظيم انتخابات بحضور مشبتك مع الجانب الاسرائيلي المحتل ضمن نضال شعبي فرض ويفرض وجوده كل يوم وكسب الشعب الفلسطيني وقوائمة الانتخابية وشرائحه الكبيرة أم تأجيل الانتخابات وإرجاع الحالة الفلسطينية للمربع الاول في تعميق لحالة عدم الثقة والإحباط ؟؟
قطعا تنظيم الانتخابات في القدس على مسرح مشتبك كان سيكون له الاثر والغاية والقوة الكبرى للقضية الفلسطينية، لكن القيادة الفلسطينية، وبعض الانظمة العربية ومنها مصر والاردن والسعودية واسرائيل والولايات المتحدة التي تتخوف من خسارة حركة فتح وكسب حماس للانتخابات وإقتطاع قوائم المستقبل القريبة من محمد دحلان والحرية القريبة من الاسير مروان البرغوثي من حصتها الشعبية، وبالتالي اعطاء الاشارة في امكانية خسارة الرئيس محمود عباس لمنصبة أمام أي مرشح قادم، وبالتالي ربما يأتي رئيس جديد بسياسة مختلفة نوعا ما، قد تسبب عدم التماهي مع بعض الامور السياسية وغيرها مع هذه الدول المذكورة التي ألفت الواقع الفلسطيني بشكله الحالي وتكيفت معه،والذي شكل لها كثيرا من الراحة والهدوء بعد أن نجح في تبريد الحالة الفلسطينية إلى أبعد ما يكون،وبالتالي أطفأ جذوة حالة ممكن أن تسبب في ظل ما يجري في العالم العربي بعض التأثير على الداخل العربي في حال كان الاشتباك مع الاحتلال دائم ومتواصل وعنيف إن جاز التعبير.
وفي الحقيقة أن ما جرى من تأجيل لم يكن حدثا عابرا، بل زلزال اصاب الشارع الفلسطيني برمته حتى من هم مع الرئيس ويحمل بعضهم قناعة عكس ما يقول، والزلزال هذا، لن يعمق الانقسام فقط، بل سيضخم حالة الاحباط وعدم الثقة بكثير من المفاهيم التي اتعبت الجميع من كثرة الالحاح للالتفاف حولها كالوحدة الوطنية المبنية على برنامج سياسي كفاح جامع، يقره الجميع ويعملون على اساسة ضمن شراكة وطنية وإصلاحات واسعة في هياكل منظمة التحرير الفلسطينية،وهذا القرار هدم هذه التوجه الجامع، وأبرز أن ما كان يصرح به الرئيس بموافقته على كل ما تنتج اللقاءت الفصائلية موافق عليه مسبقا،بمعنى انه موافق على تفاهمات لقاءات اسطنبول والقاهرة والدوحة ورام الله وبيروت،وقرارات المجلس المركزي وتوصياته وقراراته السياسية،فلما اعلن تأجيل الانتخابات دعا لتشكيل حكومة وحدة وطنية مشترطا أن تقبل هذه الحكومة مسبقا بقرارات الشرعية الدولية والرباعية الدولية التي تشترط نبذ ما تسميه العنف والاعتراف بإسرائيل قبل فتح التفاوض معها، وهذا لا تقبله كثير من الفصائل المدعوة للمشاركة في حكومة الوحدة سواء من الاتجاهات الاسلامية كحماس، او من التيارات اليسارية الشعبية والديمقراطية، ناهيك عن موقف الجهاد والقيادو العامة والصاعقة وقسم كبير من المستقلين وتيارات الحراك، وبذلك يكون هدف الرئيس هو جر هذه الفصائل لمربعة السياسي بشكل واضح، وجعل تلك الفصائل تقر عمليا ببرنامجه المعلن.
لقد أثبت قرار الرئيس، انه لا زال يحترم اتفاقيات اوسلو وبرتوكولاتها ومنها البروتوكل الذ ةقع في العام 1995 والخاص بعملية تنظيم الانتخابات في القدس، وانه سيوظف هذا الاحترام مستقبلا للدخول في عملية التفاوض مع الجانب الاسرائيلي سواء بشكل مباشر أو من خلال مؤتمر دولي او من خلال اشراف الرباعية الدولية ، لكنه نسي أو تناسى أن عبرة عدم سماح اسرائيل له في إجراء الانتخابات بالقدس بعد أن اعلن ترامب القدس عاصمة موحدة لدولة اسرائيل، هذه العبرة وهذا الدرس أظهر له ان المراهنات على المجتمع الدولي وخاصة المجموعة الاوروبية والولايات المتحدة كان صادما، فأروربا التي طلبت والحت على الانتخابات وقفت عاجزة على اقناع اسرائيل بالسماح للفلسطينيين بالقدس بالمشاركة في الانتخابات، وان الولايات المتحدة جاء موقفها فاترا دون حتى كلمة لوم واحدة بحق اسرائيل، وهذا مؤشر قوي على أن مراهنات القيادة الفلسطينية على ضغط دولي او عالمي على اسرائيل لإعطاء الحد الادنى من الحقوق مراهنات فارغة/ وتكاد تكون مستحيلة، ولن تعطي نتيجة،وأن العالم والمجتمع الدولي العاجز عن ممارسة أي ضغوط على اسرائيل في تفصيل فرعي في القضية الفلسطينية وهو الانتخابات، فكيف سيراهن عليه في القضايا الكبرى؟؟ وهذا ليس جديدا، تعلمه القيادة الفلسطينية وخبرته عقودا طوال ، لكنها تصر عليه بالرغم من فشله،وفراغه، ولا تريد هذه القيادة اجراء تبديلات ولا تعديلات في منهجها السياسي يجعل من العالم الالتفات للقضية الفلسطينية وإعادتها لمكانتها بصفتها قضية اساسية لتحقيق الاستقرارو السلم العالمي.
ما جرى ما هو الا حلقة من حلقات الدوامة التي نعيشها منذ توقيع اتفاقية اوسلو،دوامة تبدأ ثم تكبر، ثم تلتف ثم تعود لنقطها الاولى، وقد أجهدتنا واستنفذت طاقاتنا، بنتيجة صفر، وكأننا نسير وراء سراب.
بالمقابل يبدو ان الفصائل المعارضة لهذا النهج، وخاصة حماس والشعبية والديمقراطية وغيرها،يبدو انها فصائل اعتادت على ما يصدر عن القيادة الفلسطينية من قرارات غير منسحمة ما يتم الاتفاق عليه،فخطاب اسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس مساء أمس الذي بالرغم من نقده للقرار وتأسفه عليه قال "محطة سنمر عنها"، "وأن امور كثيرة وكبيرة لا زالت على الطاولة" بمعنى أن الطاولة بين فتح وحماس لم تنتهي، كما انه لم يأتي على قرار الرئيس بالدعوة لتشكيل حكومة وحدة وطنية،بل دعا لعقد اجتماع وطني موسع لم يستثني منه القيادة وفتح، كما ان نائب الامين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين اللواء أبو احمد فؤاد بالرغم من نقده ورفضه لقرار التأجيل طالب بالعودة لقرارات الامناء العامين في اجتماعات رام الله / بيروت والقاهرة وتفاهمات اسطنمبول.
القيادة الفلسطينية أخطأت خطأ جسيما في قرارها، وذهب لحد ممارسة نوع من التسلط فيه، غير آبه بخمسة وثلاثين قائمة رفضت وما زالت ترفض القرار، وهذا الامر توغل في فرض الرأي وكسر هيبة المؤسسات الفلسطينية وارضية التشارك معها بالقرارات المصيرية، بالمقابل المعارضة وبالرغم من كل ما جرى لا زالت تراهن على امكانية العودة من جديد لبناء شيء يتفق عليه، غير آبهة بظهور انتكاسة جديدة من هدم ما يتم الاجماع عليه مستقبلا، كما أن الدول التي قدمت ضمانات لفظية للسلطة الفلسطينية وهي الدول الاوروبية والدول العربية والاقليمية مثل مصر وتركيا وقطر وغيرها لم تقدم للفلسطينيين في هذا الامر أي اسناد اوخطوات ملموسة للوفاء بضماناتها، بل تركت الفلسطينيين يخسرون امام اسرائيل، وهي في صمت كالمعتاد.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى