1- التصعيد:
2/8/2012 الاربعاء… حمص ..
ما يزالُ التّصعيدُ مستمراً...في مدينتي... وفي بيتي...وما يزال الحقدُ ينمو في الصدور...ويتكاثر وينتشر كالسّرطان...
وعلى وقعِ أصواتِ الرّصاص وقذائف الهاون المسموعة من بعيد... تستمرّ زوجتي في تحطيم ما تبقى من حياتنا الزوجية...وكما تردّد القنوات الفضائية المتعاركة عبارات التّحريض والوعيد على شاكلة (لن ننسى)... تجترّ زوجتي نفسَ العبارة وتنفثها في وجهي كسمّ زُعاف...
قلت لها:
-ألا يوجد مجالٌ للمصالحة؟ ألا ترين أنّ الأطراف المتقاتلة قد تجنح إلى الصلح بالرّغم من الدّماء النازفة...لماذا لا نحاولُ الحفاظَ على بُنيان بيتنا إكراماً للزّهراتِ الثلاث التي ترعرعتْ في حناياه؟
تجيبُ بإصرار:
-لابدّ من إسقاط النظام أي ...الطّلاق.....
2-حظر التجوّل:
الخميس 9/2/2012
الأجواءُ باردة كما العواطفْ....والرّياح ثائرةٌ كما النفوسْ...وحظرُ التجوّلِ مفروضٌ في الشارع كذلك في بيتي...حيثَ أنّ متاريسَ الكراهيةِ منصوبةٌ أمام كل غرفة...تتكدّس من ورائها نظراتُ الازدراء وعلامات الرّفض...التي تتكوّم ثمّ تنقذف عباراتٍ جارحة
وشتائمَ مُهينة.. فتجرحُ الكرامةَ وتنطوي النفوس لتضمّد ما يمكن تضميده...
ويبقى السؤال:
-ألا يمكنُ إعادة المياه إلى مجاريها؟ ألا يمكن ترميم ما تمّ هدمه والانطلاق في مسيرةِ الإصلاح تفادياً لإسقاط النظام أي .. الطلاق !
3-جمعة التحدّي:
الجمعة10/2/2012
التوتّر يسود في كلّ مكان...إنّه يوم الجمعة الذي عادة ما يكون له حسابات خاصّة في (الثوراتِ ) العربية وفي..الحياة الزوجية..
في الصباح ...حيّيتها – وكانتْ في المطبخ – فردّت بعبارةٍ غير موجودةٍ في قاموس اللّطافة...وأجبتُها بعبارةٍ أشدّ وطأة وأكثر ثقلاً ... ثمّ توارى كلّ منا عن ناظرِ الآخر..
وعند الظهيرة ذهبتْ إلى صديقتها...تحدّثتْ هناكَ عن بؤسها .. وحمّلتها تلك الصّديقة الكثيرَ من عِباراتِ التحدّي التي حفِظتْها من القنواتِ الفضائية..ثمّ عادتْ إلى البيت مسرعةً بعد أن خرجت مظاهرة ما في إحدى الساحاتْ ...صفقتْ البابَ بعنف ..وكان وقع خطواتها على البلاط يصدرُ قعقعةً كموسيقى الثورة...
رمتْ المزهرية التي كانت بجانبها فتحطّمتْ قطعاً ..فرميتُ الكأسَ الذي كان بيدي فتطايرَ رذاذاً....وتردّدتْ عباراتُ التحدّي من الجانبين....على شاكلةِ ( لن نركع ) و ( بلغَ السيل الزبى ) و(سبق السّيف العذل) و(لن تدخل غرفة نومي إلا على جسدي) وغيرها .... سكتْنا بعدها معاً لنستمع للتكبير وعبارات التحدّي المنبعثة من مظاهرةٍ في الشارع المجاور....
4- التدويل:
السبت 11/2/2012
اليوم استيقظتُ مذعوراً إثرَ تحطّمِ زجاج النافذة بفعل طلقة طائشة...انطلقتُ لأشتري زجاجاً بديلاً....بينما كانتْ هي تلملم شظايا البلّور المكسور....
نظراتُ الجيران الغريبة كانت تنهشُني وتدهِشُني...قال أحدهم :
-لقد أصبحتم سيرةً بين الأمم...وأنا سأتقدّمُ إليكم بمبادرةٍ لإصلاح ذات البين..
رميتُ رأسي بين كتفي وأطرقتُ وسرتُ واجماُ....
وبينما كان الصناعيّ يقصّ الزّجاج وفق القياسِ المطلوب...كنت أرقبُ محطات التلفزة وهي تحكي تدويل قضية بلدي في مجلس الأمن...
وبعد أن استبدلْنا الزجاج قلتَ لها:
-ألسنُ الجيران تلوك سمعتنا...و تحيكُ السيناريوهات لمستقبلنا فتعالَي نُخرسُ الجميع ونجترحُ حلّاً توافقياً ...
فتجيبْ:
-الحلّ معروف...إسقاط النظام أي ....الطلاق ...
5- المنطقة العازلة والممرات الإنسانية:
الأحد 12/2/2012
الإهمال هو السيّد في بيتنا...والفوضى هي المسيطرة...والنظافة معدومة...الملابس المتسخة متراكمة... وجبلٌ من الصحون القذرة يقبعُ في المطبخ...وكلّ منّا يتحيّن الفرص للإيقاع بالآخر....
كذلك الأمر في حيّنا ...فالكهرباء مقطوعة والمحالّ مغلقة..وأكوام القمامة مزروعة على باب كل بيت...والكلّ هنا يغنّي على ليلاه....
جاءت جارتنا تحمل الخبز وبعض الألعاب للأطفال..وقالت:
-سوف نعتبر المطبخ منطقة عازلة أضعُ فيها الطعام كلّ يوم...وسأقوم بالتنظيف يومياً...فقط اتركوا لي مُفتاح المنزل لكي أقوم بواجبي نحوكم...
رفضتُ عرضها ..وقلت:
-اتركينا نحلّ مشاكلنا لوحدنا فمكّة أدرى بشعابها....
قالت:
-فاستمرّوا إذن في هذا الخِصام الذي سينتهي حتماً بإسقاط النظام..أي...الطلاق....
6-عيد الحبّ
الاثنين 13/2/2012
ابني الصغير يبكي منذ ساعات....وكلّ منّا ينتظر الآخر لعلّه يتنازل عن اعتصامه ليلبّي استغاثة الرضيع....
جاء ابني الأكبر وقد ارتسمت على وجهه أمارات الهلع:
-وماذا أفعل يا أبي..أخي الصغير يبكي بشكل متواصل وأعطيته كلّ ألعابي ولم يسكتْ ...
-وماذا قالت أمك؟
-أرسلتني إليك
-أرأيت يا بني...بئسَ الأمّهات
وبعد هنيهة...عاد الفتى ووقف بباب الغرفة وتمتم قائلاً:
-رجاءً يا أبي..أمي تقول إنّ حرارته مرتفعة ولابدّ من طبيب أطفال..
-وأين أجد طبيباً في هذه الأزمة؟ألا تعلمون أنّ هناك حظرٌ للتجوّل؟... عادةً كانتْ تجرّب بعضَ الأدوية ...لكنّه الحقدُ الذي يعمي بصيرتها...قلْ لها أن تجهّزه ببعض الملابس والأغطية ...لابأس...سأنزل وأمري لله...
-سآتي معك
السيارة باردة كما الجوّ في هذا الشتاء المريض...ومحرّكها يأبى أن يدور...والرضيع في حضني يرتجفُ من البرد ..ويبدو وجهه الصغير شاحباً تفوح منه رائحة الحمّى...وابني الأكبر بجانبي يأمل أن يدور المحرّك البارد...وفوق ذلك مايزال تبادل إطلاق النار مسموعا من الأحياء – الساخنة –
-لافائدة يابني ...سأنزل وأبحث عن طبيب سيراً على الأقدام وعوضي على الله...كم ستفرح أمك لو طالتني رصاصة طائشة في هذه المعمعة..
-سآتي معك
وبعد بضع خطوات..قال الفتى:
-أبي ..ما رأيك أن نذهب مباشرة إلى الصيدلية ...أنا أعرف الدواء الذي عادة ما نشتريه كخافض للحرارة...
وبتوفيق من الله..وجدنا صيدلية قريبة..وكان بابُها مفتوحاً بشكلٍ جزئي ...اشترينا بعض الأدوية...وقال ابني:
-بقيَ شيء واحد لنشتريه ....هدية لأمي فاليوم عيد الحب....ألا تذكرْ في السنة الماضية وفي مثل هذا اليوم كم بحثنا سوية عن هدية للماما وأنا تعبتُ من السير وأنت كنت مصرّا على ذلك...
-نعم يابني...هديتها موجودة لديّ...هلمّ بنا نسرع لإنقاذ أخيك..
وعندما أقبل المساء كانت السكينة تخيّم على أحياء المدينة...وبدأت علامات الشفاء تكلّل الرضيع...وكان الصّحن أمامي قد امتلأ بأعقاب السجائر....
ووقف ابني بباب الغرفة وقال بصوت ملائكي:
-أمي تنتظرك من أجل الهدية ...
ساقني خلفه وكنت أجرّ قدميّ جرّاً...وبابُ غرفتها مقفلٌ لكن يمكن سماعُ مناغاةِ الرّضيع وضحكاته....رميتُ السيجارة من يدي ووطئتها بقسوة...وتهيّأت لجولة جديدة من الصراع..قال:
-افتحي الباب يا أمي لقد أحضرنا هدية العيد...
أحسستُ بالرّاحة لأنها لن تفتح الباب..وقلت :
-لابأسَ يا بني ..إنها نائمة ..ما رأيك أن نؤجّل ذلك للصباح؟
وهمَمتُ بالتراجع لكنّ الباب انشقّ لتظهرَ سيدةٌ أخرى-مختلفة عن تلك المتمرّدة-كانت مغسولةً بالدّموع ومهيضةَ الجناح ومكسورة الوجدان...واختطفَتْ الفتى من أمامي ليضيعَ بين حناياها ..وقالت:
-أنتَ أجملُ هديّة يابني...
كلماتٌ هزّت كياني...وزلزلتْ أركاني..وأطاحتْ بما تبقى من عنفوانٍ كاذب..ورجولةٍ زائفة...لحظة ٌتشعرُ بأنّك لستَ سوى ابنٍ ضالّ يشعر بالخجل أمام أمّهِ العظيمة...
ومدّ ابني يدهُ الصغيرة إلى الخلف ليلتقطني كمن ينتشلُ غريقاً من لجّة اليم...وانضممتُ إليهم في لحظةِ عناقٍ غسَلتْ كل ما تبقّى في نفوسنا من آياتٍ شيطانية ..وكانت أذنها قريبة من فمي فهمستُ :
-أما زلتِ مصرّة على إسقاط النظام؟
-نعم سأسقط كل الأنظمة والقوانين والدساتير ..ولكن في فراش الحب ..أنا فعلاً مشتاقة إلى مصالحتك بكل فنون الحب التي عهدناها والتي سنبتكرها .
قلت وقد علا صوتي وما خجلت من ابني :
-أهلاً وسهلاً بكم في حضن الوطن.........
-----------------------------------------------
2/8/2012 الاربعاء… حمص ..
ما يزالُ التّصعيدُ مستمراً...في مدينتي... وفي بيتي...وما يزال الحقدُ ينمو في الصدور...ويتكاثر وينتشر كالسّرطان...
وعلى وقعِ أصواتِ الرّصاص وقذائف الهاون المسموعة من بعيد... تستمرّ زوجتي في تحطيم ما تبقى من حياتنا الزوجية...وكما تردّد القنوات الفضائية المتعاركة عبارات التّحريض والوعيد على شاكلة (لن ننسى)... تجترّ زوجتي نفسَ العبارة وتنفثها في وجهي كسمّ زُعاف...
قلت لها:
-ألا يوجد مجالٌ للمصالحة؟ ألا ترين أنّ الأطراف المتقاتلة قد تجنح إلى الصلح بالرّغم من الدّماء النازفة...لماذا لا نحاولُ الحفاظَ على بُنيان بيتنا إكراماً للزّهراتِ الثلاث التي ترعرعتْ في حناياه؟
تجيبُ بإصرار:
-لابدّ من إسقاط النظام أي ...الطّلاق.....
2-حظر التجوّل:
الخميس 9/2/2012
الأجواءُ باردة كما العواطفْ....والرّياح ثائرةٌ كما النفوسْ...وحظرُ التجوّلِ مفروضٌ في الشارع كذلك في بيتي...حيثَ أنّ متاريسَ الكراهيةِ منصوبةٌ أمام كل غرفة...تتكدّس من ورائها نظراتُ الازدراء وعلامات الرّفض...التي تتكوّم ثمّ تنقذف عباراتٍ جارحة
وشتائمَ مُهينة.. فتجرحُ الكرامةَ وتنطوي النفوس لتضمّد ما يمكن تضميده...
ويبقى السؤال:
-ألا يمكنُ إعادة المياه إلى مجاريها؟ ألا يمكن ترميم ما تمّ هدمه والانطلاق في مسيرةِ الإصلاح تفادياً لإسقاط النظام أي .. الطلاق !
3-جمعة التحدّي:
الجمعة10/2/2012
التوتّر يسود في كلّ مكان...إنّه يوم الجمعة الذي عادة ما يكون له حسابات خاصّة في (الثوراتِ ) العربية وفي..الحياة الزوجية..
في الصباح ...حيّيتها – وكانتْ في المطبخ – فردّت بعبارةٍ غير موجودةٍ في قاموس اللّطافة...وأجبتُها بعبارةٍ أشدّ وطأة وأكثر ثقلاً ... ثمّ توارى كلّ منا عن ناظرِ الآخر..
وعند الظهيرة ذهبتْ إلى صديقتها...تحدّثتْ هناكَ عن بؤسها .. وحمّلتها تلك الصّديقة الكثيرَ من عِباراتِ التحدّي التي حفِظتْها من القنواتِ الفضائية..ثمّ عادتْ إلى البيت مسرعةً بعد أن خرجت مظاهرة ما في إحدى الساحاتْ ...صفقتْ البابَ بعنف ..وكان وقع خطواتها على البلاط يصدرُ قعقعةً كموسيقى الثورة...
رمتْ المزهرية التي كانت بجانبها فتحطّمتْ قطعاً ..فرميتُ الكأسَ الذي كان بيدي فتطايرَ رذاذاً....وتردّدتْ عباراتُ التحدّي من الجانبين....على شاكلةِ ( لن نركع ) و ( بلغَ السيل الزبى ) و(سبق السّيف العذل) و(لن تدخل غرفة نومي إلا على جسدي) وغيرها .... سكتْنا بعدها معاً لنستمع للتكبير وعبارات التحدّي المنبعثة من مظاهرةٍ في الشارع المجاور....
4- التدويل:
السبت 11/2/2012
اليوم استيقظتُ مذعوراً إثرَ تحطّمِ زجاج النافذة بفعل طلقة طائشة...انطلقتُ لأشتري زجاجاً بديلاً....بينما كانتْ هي تلملم شظايا البلّور المكسور....
نظراتُ الجيران الغريبة كانت تنهشُني وتدهِشُني...قال أحدهم :
-لقد أصبحتم سيرةً بين الأمم...وأنا سأتقدّمُ إليكم بمبادرةٍ لإصلاح ذات البين..
رميتُ رأسي بين كتفي وأطرقتُ وسرتُ واجماُ....
وبينما كان الصناعيّ يقصّ الزّجاج وفق القياسِ المطلوب...كنت أرقبُ محطات التلفزة وهي تحكي تدويل قضية بلدي في مجلس الأمن...
وبعد أن استبدلْنا الزجاج قلتَ لها:
-ألسنُ الجيران تلوك سمعتنا...و تحيكُ السيناريوهات لمستقبلنا فتعالَي نُخرسُ الجميع ونجترحُ حلّاً توافقياً ...
فتجيبْ:
-الحلّ معروف...إسقاط النظام أي ....الطلاق ...
5- المنطقة العازلة والممرات الإنسانية:
الأحد 12/2/2012
الإهمال هو السيّد في بيتنا...والفوضى هي المسيطرة...والنظافة معدومة...الملابس المتسخة متراكمة... وجبلٌ من الصحون القذرة يقبعُ في المطبخ...وكلّ منّا يتحيّن الفرص للإيقاع بالآخر....
كذلك الأمر في حيّنا ...فالكهرباء مقطوعة والمحالّ مغلقة..وأكوام القمامة مزروعة على باب كل بيت...والكلّ هنا يغنّي على ليلاه....
جاءت جارتنا تحمل الخبز وبعض الألعاب للأطفال..وقالت:
-سوف نعتبر المطبخ منطقة عازلة أضعُ فيها الطعام كلّ يوم...وسأقوم بالتنظيف يومياً...فقط اتركوا لي مُفتاح المنزل لكي أقوم بواجبي نحوكم...
رفضتُ عرضها ..وقلت:
-اتركينا نحلّ مشاكلنا لوحدنا فمكّة أدرى بشعابها....
قالت:
-فاستمرّوا إذن في هذا الخِصام الذي سينتهي حتماً بإسقاط النظام..أي...الطلاق....
6-عيد الحبّ
الاثنين 13/2/2012
ابني الصغير يبكي منذ ساعات....وكلّ منّا ينتظر الآخر لعلّه يتنازل عن اعتصامه ليلبّي استغاثة الرضيع....
جاء ابني الأكبر وقد ارتسمت على وجهه أمارات الهلع:
-وماذا أفعل يا أبي..أخي الصغير يبكي بشكل متواصل وأعطيته كلّ ألعابي ولم يسكتْ ...
-وماذا قالت أمك؟
-أرسلتني إليك
-أرأيت يا بني...بئسَ الأمّهات
وبعد هنيهة...عاد الفتى ووقف بباب الغرفة وتمتم قائلاً:
-رجاءً يا أبي..أمي تقول إنّ حرارته مرتفعة ولابدّ من طبيب أطفال..
-وأين أجد طبيباً في هذه الأزمة؟ألا تعلمون أنّ هناك حظرٌ للتجوّل؟... عادةً كانتْ تجرّب بعضَ الأدوية ...لكنّه الحقدُ الذي يعمي بصيرتها...قلْ لها أن تجهّزه ببعض الملابس والأغطية ...لابأس...سأنزل وأمري لله...
-سآتي معك
السيارة باردة كما الجوّ في هذا الشتاء المريض...ومحرّكها يأبى أن يدور...والرضيع في حضني يرتجفُ من البرد ..ويبدو وجهه الصغير شاحباً تفوح منه رائحة الحمّى...وابني الأكبر بجانبي يأمل أن يدور المحرّك البارد...وفوق ذلك مايزال تبادل إطلاق النار مسموعا من الأحياء – الساخنة –
-لافائدة يابني ...سأنزل وأبحث عن طبيب سيراً على الأقدام وعوضي على الله...كم ستفرح أمك لو طالتني رصاصة طائشة في هذه المعمعة..
-سآتي معك
وبعد بضع خطوات..قال الفتى:
-أبي ..ما رأيك أن نذهب مباشرة إلى الصيدلية ...أنا أعرف الدواء الذي عادة ما نشتريه كخافض للحرارة...
وبتوفيق من الله..وجدنا صيدلية قريبة..وكان بابُها مفتوحاً بشكلٍ جزئي ...اشترينا بعض الأدوية...وقال ابني:
-بقيَ شيء واحد لنشتريه ....هدية لأمي فاليوم عيد الحب....ألا تذكرْ في السنة الماضية وفي مثل هذا اليوم كم بحثنا سوية عن هدية للماما وأنا تعبتُ من السير وأنت كنت مصرّا على ذلك...
-نعم يابني...هديتها موجودة لديّ...هلمّ بنا نسرع لإنقاذ أخيك..
وعندما أقبل المساء كانت السكينة تخيّم على أحياء المدينة...وبدأت علامات الشفاء تكلّل الرضيع...وكان الصّحن أمامي قد امتلأ بأعقاب السجائر....
ووقف ابني بباب الغرفة وقال بصوت ملائكي:
-أمي تنتظرك من أجل الهدية ...
ساقني خلفه وكنت أجرّ قدميّ جرّاً...وبابُ غرفتها مقفلٌ لكن يمكن سماعُ مناغاةِ الرّضيع وضحكاته....رميتُ السيجارة من يدي ووطئتها بقسوة...وتهيّأت لجولة جديدة من الصراع..قال:
-افتحي الباب يا أمي لقد أحضرنا هدية العيد...
أحسستُ بالرّاحة لأنها لن تفتح الباب..وقلت :
-لابأسَ يا بني ..إنها نائمة ..ما رأيك أن نؤجّل ذلك للصباح؟
وهمَمتُ بالتراجع لكنّ الباب انشقّ لتظهرَ سيدةٌ أخرى-مختلفة عن تلك المتمرّدة-كانت مغسولةً بالدّموع ومهيضةَ الجناح ومكسورة الوجدان...واختطفَتْ الفتى من أمامي ليضيعَ بين حناياها ..وقالت:
-أنتَ أجملُ هديّة يابني...
كلماتٌ هزّت كياني...وزلزلتْ أركاني..وأطاحتْ بما تبقى من عنفوانٍ كاذب..ورجولةٍ زائفة...لحظة ٌتشعرُ بأنّك لستَ سوى ابنٍ ضالّ يشعر بالخجل أمام أمّهِ العظيمة...
ومدّ ابني يدهُ الصغيرة إلى الخلف ليلتقطني كمن ينتشلُ غريقاً من لجّة اليم...وانضممتُ إليهم في لحظةِ عناقٍ غسَلتْ كل ما تبقّى في نفوسنا من آياتٍ شيطانية ..وكانت أذنها قريبة من فمي فهمستُ :
-أما زلتِ مصرّة على إسقاط النظام؟
-نعم سأسقط كل الأنظمة والقوانين والدساتير ..ولكن في فراش الحب ..أنا فعلاً مشتاقة إلى مصالحتك بكل فنون الحب التي عهدناها والتي سنبتكرها .
قلت وقد علا صوتي وما خجلت من ابني :
-أهلاً وسهلاً بكم في حضن الوطن.........
-----------------------------------------------