أدب مغربي قديم دعوة الحق - الأمير الشاعر أبو الربيع الموحدي

تقديم :
تقدم في هذا العدد نص ملخص الرسالة التي تقدم بها الأستاذ عباس الجراري قبل المناقشة صباح يوم السبت 8 ماي 1965 عن "الأمير الشاعر أبي الربيع سليمان الموحدي" الذي نال بها ماجستير في الأدب العربي من كلية الآداب جامعة القاهرة بتقدير جيد جدا.
وقد نوقشت الرسالة التي تناول فيها الأستاذ عباس الجراري عصر وحياة "أبي الربيع سليمان الموحدي" بعد امتحان شفوي دار موضعه حول ابن دحية، وكتابه "المطرب".
وتكونت لجنة المناقشة بإشراف الأستاذ الدكتور عبد العزيز الأهواني وعضوية الدكتور شوقي ضيف، والدكتور يوسف خليف، ودامت المناقشة ثلاث ساعات برز فيها الأستاذ عباس الجراري بما عرف عنه من اضطلاع شامل، وإحاطة بالموضوع....
وقد أثنت اللجنة على المجهود الذي بذله صاحب الرسالة الأستاذ عباس سواء في دراسة الشاعر أو تحقيق ديوانه، وأعجبت بالمنهج الذي سلكه في البحث، وبالدقة والعمق اللذين صار عليهما في تتبع مختلف جوانب الموضوع.
ومع هذا الإعجاب وذلك الثناء، فقد برزت بعض الخلافات حول نقاط لم يتفق فيها أعضاء اللجنة مع الباحث، سيشار إلى مواضعها عند مراجعة الرسالة.
ومجلة "دعوة الحق" إذ تقدم لقرائها المحترمين نص ملخص الرسالة عن "الأمير الشاعر أبي الربيع سليمان الموحدي" تهنئ صديقها الأستاذ عباس الجراري عن بحثه القيم، راجية أن يبعث إليها بفصول من رسالته حتى تعم فائدتها قراء المجلة...

"دعوة الحق"
لا يخفى على كل متتبع لتاريخ الأدب العربي في مجموع سلسلته أن بهذا التاريخ فراغا كبيرا يشكل حلقات مفقودة تتصل ببعض الأقاليم العربية التي أغفلت أدبها كتب التاريخ. ولعل إقليما من هذه الأقاليم لم يصادف إغفالا مطلقا كما صادف المغرب الأقصى، وهي ظاهرة تعزى إلى إهمال مؤرخي الأدب لما ينتج المغاربة من آثار أدبية لا تخلو من روعة وجمال، وإلى إهمال المغاربة أنفسهم لما في تراثهم من إنتاج أدبي وتقصيرهم غاية التقصير في بحثه وتحقيقه والتعريف به. فما صدر عن أبناء المغرب طوال فترة النهوض التي بدأت منذ أكثر من ربع قرن قليل جدا، وهو على قلته لا يعدو كونه من قبل المحاولات التي لا يقصد منها إلى البحث العميق والاستقصاء الشامل بقدر ما يقصد منها إلى التعريف المبسط الوجيز. ولسنا نعني بخس قدر الجهود المبذولة فهي صادرة عن علماء أفاضل حفزتهم الغيرة على الوطن إلى تعريف النشء بما كان لأبائه وأجداده من تراث ما كان ليطلع عليه في هذه الفترة لولا هذه الجهود، وإنما نعني أن الأدب المغربي ما زال في مسيس الحاجة إلى من يبحث عن أعلامه، وينقب عن نصوصه ويكشف عن خصائصه في دراسة متعمقة لا تمل البحث والاستقصاء.
وليس هذا البحث الذي نقدم اليوم عن الشاعر الأمير أبي الربيع سليمان الموحدي غير محاولة أولية في هذا المضمار، صادفنا في إخراجها صعوبات كثيرة بسبب قلة الأخبار التي وصلتنا عن الشاعر نتيجة عدم اهتمام مصادر عصر الموحدين والعصور التي بعدها بالحديث عنه، على الرغم من أنه كان أميرا من أبرز أمراء الدولة بما كان يتمتع به من ثقافة واسعة وحنكة طويلة وبما أسند إليه فيها من مناصب عالية، وعلى الرغم كذلك من أن شعره لم يضع كما ضاع شعره كثير غيره من الشعراء حيث هيأ الله له من كتابه من جمع ديوانه وهو بعد على قيد الحياة.
وقد تسنى لنا بعد أن جمعنا أخبار الشاعر أن نفحص هذه الأخبار ونحللها وننقدها ونستنتج منها ما يمكن استنتاجه ونفسرها بما يجعلنا ننفذ إلى أعماق حياة الرجل بالتفسير النفسي آنا، والتفسير الاجتماعي والتاريخي آنا أخرى، سعيا إلى مد ما بين الأخبار من ثغرات وبالتالي إلى تكميل ملامح صورة هذه الحياة. كذلك لجأنا إلى شعره نحاول من خلاله سبر أغوار الشاعر فوجدناه صورة لنفسيته قد انعكست عليها بعض ملامح عصره ومجتمعه، مما جعلنا نسلك في البحث خطة تقتضي دراسة عصر أبي الربيع وحياته وشعره، فجاء البحث بذلك مقسما إلى أربعة أبواب هي :

الباب الأول : عصر أبي الربيع
ويتكون من خمسة فصول :

الفصل الأول : انقلاب سياسي
ويتناول الثورة الموحدية التي أطاحت بدولة المرابطين محللا أسبابها وإرهاصاتها الكامنة في الانحلال والضعف اللذين أصابا هذه الدولة، وما نتج عن تلك الأسباب والإرهاصات من التفاف الناس حول المهدي الذي أخذ ينشر دعوته بالإقناع تارة وبالسيف تارة أخرى، إلى أن تهيأت له ولخليفته من بعده أسباب القضاء على المرابطين وإنشاء دولة شملت رقعتها بلاد الأندلس والشمال الإفريقي حتى حدود مصر.

الفصل الثاني : تيار مذهبي
ويبحث في الإصلاح الديني الذي دعا إليه المهدي وما سبقه من حركات دينية، سنية في أغلبها، ويحلل مقومات هذه الدعوة التي هي مزيج من الاعتقاد في الإمامة والعصمة والانتصار للعقائد السلفية والدفاع عنها بالحجج العقلية والدعوة إلى تأويل المتشابه من الآيات والأحاديث، ويكشف عما كان يسلك المهدي وخلفاؤه في سبيل نشر الدعوة الموحدية من أمر بالمعروف ونهي عن المنكر وتحريق كتب الفروع ورد الناس إلى كتب الأصول.

الفصل الثالث : صراع لغوي
ويعرض لانتشار اللغة العربية وتمام استغراب المغاربة في هذا العصر بسبب هجرات قبيلتي بني هلال وبني سليم العربيتين إلى المغرب وبسبب تزايد وفود الأندلسيين عليه، مما جعل مجال اللغة البربرية التي لجأ إليها الموحدون في الاتصال بالجماهير والتأثير عليها محدودا لا يتعدى الدعاية الدينية، ولا يحول دون انتشار اللغة العربية التي غدت أداة الدولة في جميع المصالح والمرافق.

الفصل الرابع : نهوض فكري
ويكشف عن النهضة الفكرية التي برزت معالمها في حياة عقلية واعية ناضجة نشطت بها مختلف ألوان العلوم والفنون، وهي نهضة تعزى إلى الدعوة التي ثار بها المهدي على فقهاء عصره الذين حرموا العلوم العقلية وقفلوا باب الاجتهاد وقطعوا كل اتصال بكتب الأصول. وأهم مظهر للتحرر الفكري الذي صاحب هذه النهضة هو انتشار علوم الفلسفة وازدهار دراستها لا سيما على عهد الخليفة يوسف بن عبد المؤمن الذي كان مجلسه يضم ابن رشد وابن طفيل.

الفصل الخامس : ازدهار أدبي
ويصور عناية الخلفاء الموحدين بالأدب عناية فائقة تجلت في ممارستهم للشعر ونقده، وفي الصلات الطائلة التي كانوا يدرونها على الأدباء، وفي الندوات التي كانوا يقيمونها في بعض المناسبات الوطنية والتي كان يشترك فيها أكبر عدد ممكن من الشعراء، كما يصور تأثر الأدب بالدعوة الموحدية وميله إلى البساطة والوضوح وبعده عن الزخرف والتعقيد ومنافسته للأدب الأندلسي وابتعاده عن تقليده بسبب ما كان يبدي أدباء الأندلس من مظاهر المفاخرة والمباهاة وما كانت تبعث هذه المظاهر في نفوس المغاربة من رغبة في إيجاد أدب له كيان خاص يعبر عن شخصيتهم.

الباب الثاني : حياة أبي الربيع
ويضم فصلين :
الفصل الأول : مصادر ترجمته
ويعرض لما ورد في هذه المصادر عن حياة أبي الربيع من أخبار وأشعار مع ملاحظة أنها أغفلت جميعها الإشارة إلى تاريخ ميلاده ونشأته وما قد تلقى على شخصيته من أضواء.
وهي نوعان : قديمة وحديثة.
أما المصادر القديمة فهي :
أولا : "المعجب في تلخيص أخبار العرب" حيث ذكره المراكشي في أماكن متفرقة متهما إياه في شاعريته مدعيا أن كاتبه محمد بن عبد ربه كان ينحله كثيرا من شعره.
ثانيا: "الغصون اليانعة، في شعراء المائة السابعة" وفيه أفرد له ابن سعيد ترجمة هي الترجمة الرابعة من تراجم سنة أربع وستمائة.
ثالثا : "رايات المبرزين" حيث ذكره ابن سعيد بإيجاز ضمن ملوك وشعراء المائة السادسة.
رابعا : "نفح الطيب" وفيه نقل المقري ما كتبه عن أبي الربيع كل من ابن سعيد في "المغرب" والسرخسي في رحلته ورحالة مشرقي آخر هو الفقيه القسطلاني.
وأما المصادر الحديثة فهي1 :
أولا : "العلوم والفنون والآداب على عهد الموحدين" خصه فيه الأستاذ المنوني بترجمة قصيرة أشار فيها إلى بعض مصادر شعره.
ثانيا : "النبوغ المغربي في الأدب العربي" حيث ترجم له الأستاذ جنون في بضعة سطور وحيث أورد له في الجزء الخاص نم الكتاب : المختارات مقتطفات من شعره.
ثالثا : "امراؤنا الشعراء" أورد له فيه الأستاذ جنون مختارات من شعره ذيلها بكلام صاحب المغرب عنه.
رابعا : "ذكريات مشاهير رجال المغرب" حيث خص الأستاذ جنون أبا الربيع بجزء صغير جمع فيه بالإضافة إلى مقتطفات من شعره أغلب ما كتب عنه المقري وابن سعيد.

الفصل الثاني : ملامح حياة أبي الربيع
ويتناول البحث في هذه النقط :
أولا : تاريخ ميلاده ومحاولة تحديده.
ثانيا : نشأته في بيت الخلافة واختلافه إلى المدرسة الملكية التي كانت مخصصة لتربية الأمراء والتي كان منهاجها شبيها بمدرسة الحفاظ الموحدين، وكانت تعني بحفظ كتب المهدي.
ثالثا : ملازمته لمجلس عمه يوسف بن عبد المؤمن وسيره على طريقه في جمع الكتب وتقريب العلماء وحثهم على البحث والتأليف.
رابعا : ثقافته، وتتضح ملامحها الأدبية والتاريخية والدينية من تلخيصه لكتاب "الأغاني" وما قد أفاد من أشعاره وأخباره كما تتضح هذه الملامح في استعماله لبعض أسماء الدول والملوك، وإشاراته إلى بعض آيات القرءان الكريم.
خامسا : مشاركته في تسيير شؤون الدولة وولايته على بجاية وسجلماسة وبلنسية.
سادسا : مجلسه الخاص به حيث كان يجتمع إليه أهل الأدب.
سابعا : شخصيته وما تمتاز به من ذكاء ومرح ووداعة وعلو نفس ورقة شعور.
ثامنا : محنته في فترة ولايته على ثغر بجاية وجفوة المنصور له ثم عفوه عنه بعد استعطافه إياه، ومقارنة هذه المحنة بمحنة والده أثناء ولايته على نفس الثغر.
تاسعا : أيامه الأخيرة وتفرغه فيها للأدب وميله إلى شعر الزهد.
عاشرا : تشبيه الشقندي لأبي الربيع بابن المعتز العباسي وتميم بن المعز الفاطمي وتحديد مواطن الاختلاف بينه وبين كل منهما.

الباب الثالث : شعر أبي الربيع
ويشتمل على أربعة فصول :
الفصل الأول : مصادر شعره
وهي نوعان :
أولا : الديــوان
ثانيا : أشعار أخرى وردت موزعة في الكتب التي تناولت حياة أبي الربيع.

الفصل الثاني : صحة شاعرية أبي الربيع
ويتناول القضية التي أثارها المراكشي متهما أبا الربيع في شاعريته ومدعيا أن كاتبه ابن عبد ربه نحله كثيرا نم شعره فنسب إليه، ويعرض لدفاع الأستاذ جنون عن الشاعر وحكمه بأن شعر ابن عبد ربه لا يبلغ في شيء درجة كثيرة من شعر أبي الربيع، ويبحث الفصل بعد ذلك هذه التهمة في مناقشة موضوعية انتهينا منها إلى استبعاد ادعاء المراكشي وإلى أنه إذا كان شعر أبي الربيع يمتاز بالبساطة والوضوح والسلامة، فإن شعر ابن عبد ربه يبدو أرقى أسلوبا وأجمل ديباجة وأكثر رشاقة وأصالة.

الفصل الثالث : موضوعات شعر أبي الربيع
ويشتمل على مقدمة عن موضوعات الشعر في عصر الموحدين تتضمن مناقشتنا للرأي الذي ذهب إليه الأستاذ المنوني من أن الشعر في هذا العصر خلا أو كاد من الغزل والخمريات تأثرا بالطابع الديني الذي كانت عليه الدولة، وردنا على ذلك بأن طابع الدولة أثر في بعض المدائح التي اختلطت بها معان دينية متصلة بالعقيدة ولكن من غير أن يحول دون النظم في موضوعات الخمر والنسيب. والدليل على ذلك واضح عند أبي الربيع فشعر الغزل والخمر يستغرق أكثر من نصف ديوانه، ويعرض الفصل بعد ذلك للموضوعات المختلفة التي تناولها أبو الربيع مستعرضا مختلف المعاني الواردة محاولا ذكر نظائرها في الشعر العربي السابق والموضوعات كالتالي :
أولا : الغزل : وهو رقيق عفيف لا يبتعد عن اللفظ الشريف، والغاية النبيلة، يكشف عن عاطفة عميقة تفتحت لحب وهبه الشاعر قلبه فنعم به حينا وقاسى منه أحيانا كثيرة مما جعله يستخلص ما يشبه نظرية فلسفية ترى أن طريق الحب وعر وأن أمره خفي وأن حقيقته غير معروفة.
ثانيا : شعر المناسبات : ويضم ألوانا من الشعر صدرت عن أبي الربيع في مناسبات عامة وخاصة، وهي :
1- مجالس الشراب، وشعرها على قلته يعطي صورة مكتملة تحددت ملامحها في الوقت المفضل للشرب، والرفاق الذين يضمهم المجلس، ونوع الشراب، ولونه ووصف الساقي، ورأي الشاعر في الشراب.
2- التهاني وهي كلها موجهة للمنصور ولكن لا سعيا وراء الكسب والارتزاق، وإنما تأثرا بمواقفه وإعجابا بشجاعته، مما جعلها صادقة ليس فيها إسراف أو غلو يضعان الخليفة في غير نطاقه الإنساني، وهي بمعانيها التي تتم منها رائحة مذهب المهدي ورأيه في الخلافة والإمامة تدخل في نطاق التيار المذهبي الذي ساد العصر فبدا تأثيره في أمداح بعض الشعراء.
3- الاستعطاف، وهو صادر عنه أيام محنته، وجهه إلى المنصور يطلب صفحه ويحاول تبرئة نفسه بتوضيح موقفه في غير تعال أو تهديد أو يأس.
4- الرثاء ولم يصدر عنه فيه غير قصيدة واحدة رثى بها أخاه أبا حفص معبرا عن حزنه في وضوح وصدق، ومستخلصا من موقف الموت عبرة لا يرى من خلالها في الحياة غير الغدر والخداع، على الرغم من اغترار الناس بها وركونهم منها للوفاء.
ثالثا : الوصف : وهو نوعان : صريح وألغاز
1- أما الوصف الصريح فقد تناول فيه الشاعر مناظر مما حوله وألوانا من الطبيعة جامدة ومتحركة لونها في الغالب بأحاسيسه ومشاعره.
2- وأما الأحاجي والألغاز فقطع قصيرة رسم فيها الشاعر صور بعض الأشياء التي لا شك اقترح وصفها في مجلسه، معتمدا في إخراجها على الجمع بين المتباعدات والتلاعب بالحروف وقلبها ترويضا للذهن واختبارا للذكاء.
رابعا : موضوعات أخرى، وتشمل :
1- الزهد، وأبياته على قلتها تكشف عن عاطفة دينية صادقة وتقوى حقيقية، وإيمان راسخ.
2- معاملة الناس وهي أبيات في رد الإحسان بالسوء.

الفصل الرابع : خصائص شعر أبي الربيع
وهي ضربان : معنوية ولفظية :
أما الخصائص المعنوية فتتمثل في هذه النقط :
أولا : طغيان العاطفة عليه، وهي عاطفة سامية وصادقة صورها في أمانة وإخلاص، سواء نحو نفسه أو نحو غيره.
ثانيا : عدم إسرافه في الخيال لدرجة إعادة خلق الأشياء من جديد والارتفاع بها إلى أعلى مما هي عليه في الواقع، وإنما هو يلاحظ الأشياء بدقة وعمق يجعلانه بتصورها بعد في ذهنه مدركا ما بينها من علاقات قد يتخطاها ليصل منها إلى صفات متباعدة.
ثالثا : أفكار واضحة ممزوجة في الغالب بأحاسيسه ومشاعره، وهي ظاهرة تعني أن ثقافته لم تتخمر في ذهنه بقدر ما تخمرت انفعالاته في وجدانه وأن الفكر اختفى ليبرز الانفعال متطورا إلى عاطفة أصبحت تدفع الشاعر إلى القول أكثر مما يدفعه الفكر.
رابعا : معان مألوفة ولكنها أصيلة صادرة عن إحساس صادق عميق، وفي تعبير تلقائي سهل.
وأما الخصائص اللفظية فتتضح في التالي :
أولا : استعماله بعض الألفاظ التي تشم منها رائحة الشعر الجاهلي وصحراء الجزيرة العربية.
ثانيا : قوة ألفاظه وإيحاءها وتناسقها مع التعبير بما يخلق نوعا من الموسيقى الداخلية يزيد في تمويجها تآلف الحروف والألفاظ وتجاوبها جميعا مع التركيب.
ثالثا : قلة استعماله للمحسنات البديعية من جناس وطباق ومقابلة.
رابعا : سلامة لغته التي لم تشبها أخطاء اللغة أو كلمات العامة على الرغم من وجود ظاهرة الازدواج اللغوي في المجتمع وعند الشاعر نفسه، والسبب إتقانه للغة العربية إتقانا لم يدع مجالا لهذا الازدواج أن يظهر في شعره.
خامسا : استعماله لآيات قرآنية وأسماء تاريخية تأثرا بثقافته وبجو جمهور العلماء والفقهاء الذي كان يضمهم مجلسه.
سادسا : عدم تحرره من القافية ونظمه في أوزان القدماء وميله إلى تنويع هذه الأوزان وعدم نظمه في فن التوشيح والزجل.

الباب الرابع : تحقيق الديوان
وقد جمعه كاتب أبي الربيع، محمد ابن عبد الحق الغساني، وتوجد منه نسختان خطيتان2 مؤرختان في سنة واحدة هي ثمانية وثمانون وخمسمائة هجرية.
الأولى : في خزانة الرباط العامة، وهي مكتوبة بخط أندلسي ومسجلة تحت رقم 1310 في مجموع من ورقة 77/1 إلى 101 / ب مسطرته 20 مقياسه 270/205.
الثانية : في خزانة الإسكوريال وهي مكتوبة بخط مشرقي جيد وفي 33 ورقة صغيرة، وتسمى "نظم العقود ورقم الحلل والبرود". وعلى الرغم من أنا لا نعرف أي النسختين تكون الأصل فنم المرجح أن نسخة الرباط منقولة عن نسخة الإسكوريال، وذلك لسببين.
الأول : أن نسخة الإسكوريال اكثى ضبطا وصوابا من نسخة الرباط.
الثاني : أن بعض أخطاء نسخة الرباط ترجع إلى عدم تنبه الناسخ لما بين الخطين – الأندلسي والمشرقي من فوارق في التعجيم كما في حرفي الفاء والقاف مثلا، مما يؤكد أن نسخة الرباط منقولة عن نسخة الإسكوريال.
لذلك، فقد اعتمدنا نسخة الإسكوريال أساسا لتحقيق الديوان مع مقابلتها بالنسخة الأخرى وبما ورد من شعر موزع في الكتب التي تناولت حياة أبي الربيع.
والديوان بعد هذا يشمل سبعة وسبعين وستمائة بيت وهو كما قسمه جامعه، مجزء إلى خمسة أبواب :
الأول : في المدح وما يتعلق به، ويضم ثمانين بيتا موزعة على خمسة قصائد ومقطوعات.
الثاني : في الرثاء والتأبين ليس فيه غير قصيدة واحدة عدد أبياتها سبعة وعشرون.
الثالث : في التسيب، ويشمل خمسة وأربعمائة بيت موزعة على إحدى وخمسين قصيدة ومقطوعة.
الرابع : في الألغاز وما ينحو من التشبيه ويضم إحدى وثلاثين قصيدة ومقطوعة مجموع أبياتها ستة وأربعون ومائة.
الخامس : في الزهد، وعدد أبياته تسعة تشملها خمس مقطوعات.
هذه هي أبواب البحث الأربعة، وقد ختمتها بثلاثة ملاحق.
الأول : يضم الأشعار التي لم ترد في الديوان وعددها واحد وعشرون بيتا وردت موزعة في الكتب التي تناولت حياة أبي الربيع.
الثاني : يحوي ترجمتين من "مختصر الأغاني" أوردناهما نموذجا لطريقة أبي الربيع في تلخيص هذا الكتاب، كما أوردنا بها مشهما ما بينهما وبين الأصل من فوارق.
الثالث : يشمل : أبي الربيع
1- خريطة تمثل امتداد رقعة الدولة الموحدية.
2- صور بعض الآثار الموحدية.
3- صور بعض صفحات نسختي الرباط والإسكوريال.
وبعد، فلعلي أكون وفقت بعض التوفيق في هذه المحاولة وشكرا، والسلام عليكم ورحمة الله.

1 توجد باستانبول نسخة أخرى من الديوان لم أتمكن من الاطلاع عليها على الرغم من المحاولات التي سعيت بها إلى ذلك والتي لا مجال لذكرها في هذه العجالة.
2 كذلك عني الأستاذ محمد الفاسي بدراسة أبي الربيع حيث تناوله في حديثين ألقى أحدهما من إذاعة الرباط في 8 يونيه 1941 والثاني من إذاعة فاس في 24 من نفس الشهر والسنة، وقد تفضل حين علم بتحضيري رسالة عن الشاعر، فقدم لي نسخة من هذين الحديثين.
وعلى الرغم من أني لم أتمكن من أدراجهما ضمن مصادر حياة أبي الربيع وتناولهما بالبحث والتحليل حيث كنت انتهيت من طبع الرسالة وتقديم النسخ المطلوبة منها إلى الكلية في انتظار تحديد موعد المناقشة، فقد وجدت فيهما إشارات قيمة سأفيد منها لا شك عند مراجعة الرسالة لاستكمال ما فاتني أثناء البحث.


دعوة الحق
العددان 78 و79


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى