منذر الحمد - قراءة نص (صراط الفضيلة) للشاعر مهدي سهم الربيعي

- النص:

صراط الفضيلة

الوالغون في إناء الرذيلة
لايملكون مرآة
لرؤية بشاعة قبحهم
فتش عنها فيهم
تجدها
أنت أدرى ..
أنت ادرى بالذي حدث
بالناحرين حلم الحقيقة
بزمان السحر ..
بالمحنة ..
السكوت لونٌ ابيضٌ لايُحتمل
ما الذي أبقيه ..
ما الذي أشهره ..
وجهي يختفي كالسرِّ
في خياناتِ الحياد
في بياضٍ أدمن خطاياهم
خطاياهم ..
أتعلمها..
أنت أدرى ..
بالأصوات المختلة
عقلا وجسداً..
خوفي ثيبٌ يوحي إلي
كل ماخلفي مرايا فُتشت
لم تقترح شكلا
غير إقحوانة
بصمتها إبهام أبي
(الحظ والبخت )
حراسه باعوه
يوم أفشوا بسره
……..
أنت أدرى
ما الذي أنتظر ..
يحدث شيء ما
أرى خارطة مقلوبة
هكذا ..
لاطائر يُسكن هول الريح
أنت أدرى ..
حاضراً أم غائبا ..لافرق
فلا حكمة في أن تسكن
غيمة سوداء مزمجرة ..
أن تسكن لغط المارقين
أو بيت باغية انهت للتو
دعوتك لعبادتها الخضراء
…………..
أنت أدرى
بالذين أحترفوا الشوطِ
لم يستفهموا سرعة العابر فجأة ؟
طلقة لكم
طلقة لي ..
للحب السائر بلا رأس
للموت العابر للمسافات
للشارع إذ يخلو
إلا من بعض نباحٍ
لحملة جثمان الحق
على أكتافهم
يدورون بحثا
عن ..
ما بين لساني ومقلتي
قبرا لدفنه
طلقة لايسمع صداها
قبل أن توصد بوابة الريح .

مهدي سهم الربيعي \\العراق \\

*******

- القراءة:

يستمر الجدل حول قصيدة النثر هل هي قصيدة شعرية ام نوع من الشعر الذي ارسل بلا قيود التفعيلة والايقاع واوزان الشعر المعروفة، ولكي نختصر ولا نخوض بعيدًا في بحر لا قرار له علينا ان نقول ما تحرر من قيود وشروط الشعر المعروفة هو ضمن النثر سواء كان نصا نثريًا خالصًا او متضمنا احدى او اكثر قوانين الشعر وركائزه المعروفة، ولو اردنا ان نضع خطًا واضحا بين النثر والشعر فأننا يجب ان نضع شروط اخرى لقصيدة النثر او النص النثري بعيدًا عن القوالب التفعيلة المعروفة وهذا ما حدث فعلًا حيث اشترط النقاد ان يكون النص النصري يحمل عناصر الجمال النثري ويبتعد عن إقحام الوزن او القافية على النص النثري..
هذه المقدمة استعرضها وانا اقف على نص نثري بإمتياز حمل عناصر الجمال وابتعد عن حشو النص بما لا محل له في النثر من شروط الشعر..
اكتمل النص بتجزئته الى ترانيم تتبع بعضها بتناغم نسقي رائع وتتكامل من صورة الى اخرى تدل على امكانية الشاعر في القدرة على امساك زمام النص والسير نحو اعماق القارئ وملامسة اللاوعي فيه لاستنهاض التفاعل الذاتي الخفي على خلفية مشوبة بالتداخل الصوري اللوني ونغم كأنه يأتي من خفايا بعيدة تتهادى نحو شغف القارئ وعطشه لموسيقى السماء التي تدلك على ملامح ارض وقف عليها الأنبياء والمنافقون على حد سواء وتجردنا من الواعز الإنساني الذي يعرينا من المرايا المزيفة التي لا ترينا غير سذاجتنا وزيفنا الخادع، ويدعونا الشاعر الى الذات المجردة والبحث عن الانسان في الأنسان لا من خلال معطيات وهمية وتبريرات سطحية ويردد في سمع المتجاهل والواعي (( انت ادرى)) ليشير الى وعي الانسان في كشف الحقيقة العميقة..
وتستفز الشاعر وعينا القريب بصورة رمزية ولا اعمق منها..
((السكوت لون ابيض لا يحتمل))
ليثير فينا تساؤل أعمق حول المبهم من ذاتنا التي أوكلناها لصوت اكثر ايهاما وغموضًا..
"انت أدرى"
هكذا يحيل الكاتب كل التساؤلات والإيهامات والأسرار في الذات الإنسانية لَيس لفك الرمزية والشفرة والإجابة عن التساؤل بل ليثير تساؤل اكثر عمقًا لاستنهاض الوعي العميق حول وجود ووجودية الانسان وتفاعله وإدمانه الوجود المجهول النهايات والبدايات وما بين الذات والجسد وما بينهما..
" انت ادرى..
مالذي انتظر..
لا طائر يسكن هول الريح
لا حكمة في ان تسكن غيمة سوداء مزمجرة"
اين يقف الشاعر من القضية الكبرى في فلسفة وجوده ودينونته وصيرورته المجهولة ونهاية انغماسه الحياتي.!؟
بلا شك لن يقف موقف حياد سلبي تجاه هذا الهاجس الذي يناديه من اعماقه ويتردد صداه في ابجدية كلماته وتفاعلاته الانسانية وتفاصل همومه التي تضيع في عموميات لا قيمة لها تحت وخزة وعي تسقط في الاعماق وتثير تلاطم فكري يغرق فيه الشاعر بوعي ام بلا وعي..
"انت ادرى..
الذين احترفوا الشوط
لم يستفهموا سرعة العابر فجأة"
عن ماذا يستفهم الشاعر.!؟
هل يبحث عن اجابة.!؟
هل كانت متاهته الفلسفية اعمق من ادراكه..!؟
يجيب الشاعر في مقدمة نصه الرائع ((صراط الفضيلة)) بإثارة القارئ وإحالة الاجابة الواضحة له "انت ادرى" ليس تهربا ولا تجاهلا لرغبة القارئ في الوصول لروح النص التساؤلي العميق بل ليترك القارئ ذاته في البحث داخل نفسه عن كينوته وذاته حيث لا حقيقة غير الحقيقة ولا وهم غير الوهم حيث يعلن؛
"الشارع يخلو الا من بعض نباح
لحملة جثمان الحق"
..
هنا نعود للمقدمة التي استدللت بها وهي ان النص النثري يكتمل بالابتعاد عن القصيدة الشعرية الموزونة والانتماء الحقيقي للنثر وهذا ما فعله الشاعر مهدي الربيعي في نصه الرائع العميق الحامل لفلسفة تحتاج تأمل اكثر من تضمينها في تعليق عجول..
كل الود ، مع الاعتذار عن الاطالة



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى