كاظم حسوني - رسالة جندي... قصة قصيرة

أنا لن أموت . خضت قلب الجحيم. قاتلت بشراسة في دوامات النار, قيدوني وأطلقوا علي الرصاص , خرجت من دوائر الحرائق والقصف وشظايا الأنفلاقات وكنت أنجو كل مرة . سأعيش طويلاً بعد هذه المعارك الرهيبة . أقسم أنني لن أموت من الجراح أو الظمأ أو الوحل الذي يغرقني . كيف أموت والحياة على بعد خطوات مني ؟ الحياة التي أضحت كطائر هارب وراء التلال والمفازات القريبة , بضع خطوات هي ذي المسافة وينتهي كل شيء .. أنجو أرى النور . .
الهرب . . التسلل يا له من منفذ عجيب . ليس ثمة خيار يقتضيني أن أهرب بسرعة . أني أفكر بالحياة بأقصى ما أملك من طاقة . وهذه ليلة ثالثة والمطر ينهمر دونما إنقطاع مطر أسود راعف يندفع بسيول كاسحة محطمة السدود والسواتر والسدود بعجالة . مطر أطفأ مشاعل التنوير ومطاحن النار والحديد الملتهب وآخر أضواء النجوم , مطر صاخب أمتص أصوات القصف والصراخ والرصاص النازف من سماوات الجحيم وأغرق الجثث والخوذ والأسلحة وأكياس الرمل والأحذية الثقيلة وطوح بها إلى شطوط وبرك معتمة . ثمة مئات من الأشباح تطوق الليل ترمي الموت بكل أتجاه . تطاردني وكنت ألوذ , أغوص في الطين , أطمس فيه تماماً خشية أن يلقي القبض علي أو ينالني الرصاص . . أسمع أصوات قريبة مني , أعقاب بنادق يصطدم بعضها ببعض , خطوات ثقيلة تدور وتتعثر في الأوحال وكان ألمي يتعاظم , يتطاير من رأسي وكل أنحاء جسدي . ألم يعتصرني يعوي بتهور سافل لكني سأهرب سأحفر طريق الوحل والظلام إلى حياتي بما تبقى من أنفاسي . ليتني أعلم مكان أصابتي , أحاول أن أتنفس , لا أطلب أكثر من نسمة هواء تملأ صدري . تخنقني عفونة قاتلة ويملأ فمي وحل متفسخ له طعم الصديد , يطوف الفرح بداخلي حيث أجد نفسي حياً ! يخيفني أن يختاروا هم لي موتي , ما بيني وبينهم مسافة مملوءة بالقلق ورائحة الدم والأصرار على مناورة الزحف , التسلل تحت جنح الظلام ما بين الجثث المنتفخة وأكوام الأوحال . . لا شك أنهم يلاحقونني أنني أسير ومطارد , أسرق في غفلة من الأعداء وقتاً صغيراً بحجم لحظة طائشة من قيد الزمن . لحظة كانت تفصلني عن أن أكون جثة ! لا أريد أن أُدفن حياً . لا أريد أن يُلقى القبض علي أو يجرفني الموج الآسن إلى مواضعهم القريبة مع باقي الجثث الطافية , أفكر بالأصحاب الذين أستحالوا إلى نثار محترق ودخان ! ثمة رصاص يهوي من ظلام فاحم . بصعوبة أرفع رأسي المنقوع بالوحل . أترصد منابع النار وأعب في جوفي هواء عفناً ثم أغوص من جديد في وحل الحفرة ، يأكلني حنقي على خوار جسدي , يخذلني مثل أمرأة خائنة ! والرجل يربض فوقي يخنقني بالقدر الذي يمنحني يقيناً بأني مختف عنهم ويصد عني الرصاص . . لو أملك أن أحرك أي جزء من جسدي . مجرد عضو واحد لأختلف الأمر . تحرقني آلام بشعة ما الذي حدث ؟ أأنا حي حقاً ؟ هل أصدق ؟ ماذا تعني جثتي الغاطسة في الحفرة بين أكوام الجثث العائمة في المياه السوداء ؟ تومض في ذهني حين أضحت الأرض الموحلة ميداناً لصراع أشباح غاطسة في ضباب أسود . أنني أخاف الكابوس , حينما أوثقوا أيدينا وأجبرونا على الوقوف صفاً أمام أحد السواتر ثم أحرقوا وجه الليل بعواصف النار تمزق الظلام وهجم الموت كالرعد تهاوى الرجال وأشتعل كل شيء حتى المطر ! ثم ساد الظلام وظل المطر يهمي , ثمة خطوات لاهثة بقع ظلال وأشباح تترنح تخوض المستنقعات . وهدير عجلات . لا أدري أظنني زحفت , خضت المياه الآسنة في فحمة الليل وكانت تعترضني وتمسك بي كتل الأوحال والأجساد الغارقة وتنغرز في لحمي كالأسلاك الشائكة نباتات الأشواك العالية المتعرشة كالتلال . أوشكت أن اغرق في سواقي الطين ! عشرات من الأقدام الراكضة لجنود تعثرت في جسدي الزاحف في ليل المطر البهيم وكانت تهاجمنا تيارات هادرة . سيول من طين فاحم ! تتقاطع في أتجاهات شتى , جارفة الجثث وحطام الحرائق . ووجدتني أنغمر في هذا الشق الذي صنعته أحدى القذائف الثقيلة . رأيت نفسي لاول مرة سجينا تحت الجثة الراقدة فوقي . . من مجال ضيق تحت الجثة , كنت أرفع رأسي أفتح شقا للرؤية , حيث الحرائق كانت تطلق آخر حشرجات النيران . أثر عنف المطر وتبدد دخان الأجساد الطافية في المياه وزعيق الآليات الغائصة في السواقي . قلت هل نجوت ؟ لقد تخلى عني الموت . بنشوة غريبة أزحت الجثة الجاثمة فوقي . رفعت رأسي من وحل الحفرة , رحت أتفرس في ظلام ممطر غامض . ثمة أشباح تحوم ! ربما سيلقون القبض علي . سيأتي أحدهم ويركل الجثة التي فوق ثم يصرخ ضاحكاً هذا أسير ما زال حياً ! بغتةً أخذت السماء تبرق وترعد أنطلقت كتل معدنية حمراء يرافقها صفير , لحظات وتطايرت الأرض فزعة إلى الأعلى كأنها تريد أن تقفز إلى السماء . لمحت آليات تتحرك , تزمجر بين سواقي الطين , موج رياح يؤرجح الأشياء العائمة . بدأوا يسلطون نور السيارات الحاد مثل وهج ساخن ليكشفوا وجوه الموتى وجهاً وجهاً . من مكمني أفتح جفون عيني المثقلة بلزوجة الطين على هوس الأنوار الكاشفة . عبثاً أتخفى تحت الجثة . . سيلتقطونني . غدت الأضواء تطرد الليل . تفضح أهوال الموت وجوه زرقاء تجمدت على ألتواء مروع . وجوه عفرتها الأوحال ونزيف الدماء , أفواه ملتوية جاهدت وكابدت أن تبوح وثبتت على جزع الموت . أجساد مكورة , أجساد فتية تصارع الموت , أطراف مبتورة نهشتها الشظايا , وثمة رجال يحملون السلاح على أكتافهم ناقعين في الوحل , تأرجح أبدانهم عواصف المطر وتطيش بخوذهم بعيداً , رجال من وحل آسن , تماثيل سود يراقبون الموتى الغارقين لئلا ينهضوا !! أستشاطت في رغبة رهيبة للصراخ , قذفت بقوة الوحل المتعفن في تجويف فمي , تصدمني رائحة جسدي العفنة , رائحة الوحل , بحر متلاطم من وحل أسود كالزيت . فضاء متفسخ , هواء فاسد . أحتشدت برأسي شتائم بذيئة مقذعة . أنني وحيد وسط مقبرة عائمة , تسير تتأرجح في مياه آسنة , يعبق بها موج المطر النازف . . المطر يضرب جثتينا ينهشنا بقوة , ينتزع ملابسنا ويغرقنا عنوة , يغمر الحفرة ويفيض فيداهمني شعور بأننا سنعوم , تجرفنا السيول إلى مستنقعات الموتى . ترى ألا ينقضي الليل ؟ ولكن ماذا سيعني الفجر ؟ سيكون فجراً ضوءه زهرة من دم هائلة . فجراً بلون الحرائق التي ستكشف جرائم الليل , كيف لي أن أزيح عني شبح الموت والخراب ؟ أرتعاشات الأجساد المحشوة بالرصاص , الوجوه البيضاء من الهلع , الحفر التي صنعتها آلاف القنابل الساقطة , الدماء . تلال الجثث البارزة فوق المياه , الصباحات السوداء , المطر المتعفن , الأرواح التي تعاند الفناء , عواصف النار, الكوابيس الفاتكة . . تملكني نزوع مجنون للحياة . قفزت في ذهني حكاية سمعتها حينما كنت طفلاً عن رجل سقط فوق جدار دفنه في حفرة , ظل لأيام ثم سمعوا أنينه في جوف القبر , أزاحوا الحجارة فخرج حياً ! لو سقط فوقي جدار ! ربما ستكون لي فرصة أفضل للنجاة , فهذه الجثة الممدة فوقي أثقل من جدار . ترى هل سأخرج حياً ؟ غمرت رأسي في الطين كالضفدع وأنا أحسب مقدار الأمل في حركة جسدي , مقدار بدا لي بحجم رأس الدبوس . ملأني حنقي , عببت حفنات من الوحل في جوفي المحترق من الظمأ , أطلقت شتائم ماذا يريدون ؟ أولئك الأشباح ؟! أنني لا أعرفهم ! لم ألتقيهم ! ترى كيف أستطاعوا أن يكرهوني ويحقدوا علي إلى هذا الحد ؟ أنني لا أريد أن أموت أرفض أن أُمسك وأُقتل . أبغض ميتة كهذه . أعزل وجريح . الأعوام التي أمضيتها محارباً كان الموت يسير معي دون أن أُمتهن . . أنقذني يا رب . أرحم . أرحم .. أطلق جسدي المدفون في القبر . أبعد عني ثقل الجثة النائمة فوقي . أريد أن تطأ قدماي الأرض الرحبة وأعود إلى بيتي حيث تركت زوجتي وطفلي . وبإيمان عميق رحت أتمتم بخشوع . سأذبح خروفاً إن نجوت هذه المرة . . سأصلي , سأصلي حتما , وأختلطت تنهداتي بدموعي . ثم أزحت الجثة قليلاً وأخذت نفساً عميقاً مشبعاً بروائح مقيتة . الظلام يترنح , يلفظ ظلالاً غريبة وأشباحاً وأصواتاً غامضة تنتظم وتتضخم مثل بقعة دخانية هائلة , اية لعنة جعلت الكون يغطس هكذا في طوفان مظلم ؟ يا آلهي , أعطِني يدك الرحيمة , سأقاوم سأقاوم , حتى تخمد أنفاسي . لو يتأتى لي أبعاد الجثة . لو ينصاع جدسي , يمنحني الفرصة هذه المرة فقط , كيف يمكن أن أبقى كجرذ مرتعد في الوحل والظلام ؟ لا أعلم مكان أصابتي رأسي . يتخبط في قاع الحفرة , ينهش جدران الطين الهشة , أسأل فجأة أين الأصحاب ؟ عيونهم التي تبرق في بالكلمات , أصواتهم , مشاكساتهم ,لقد تناثرتهم ريح الليل الماطر وتبددوا في الفضاء ! بل نزعت عنهم حتى أسمائهم ! حين ينتصب أمامك فجأة فتشعر أنك ستلغى ! العدم , هكذا لا ترى , لا تفكر , كيف يمكن تخيل ذلك ؟ إنما لماذا ؟ لماذا هذا الجنون ؟ لكنما هي ذي الحرب ! يا رب , أية أُعجوبة هي الحياة ؟ الآن علي أن أنتهز الفرصة , أشق عباب الظلام , أتسلل , أهرب قبل أن تهاجمنا تيارات المياه الزاحفة ويقذفني الموج إلى سواترهم ! فها هو ذا المطر غاضب , مطر من زيت أسود , يهطل بإصرار . يبدو كما ليست له القدرة على التوقف ! يلطمني بهوس , ينهش الأجساد بعنف ويشق الجراح . وأنا أنتظر بحماسة كيما يستجيب جسدي لأستغاثتي إذ يقتضيني الهرب بسرعة . أن لا أضيع الوقت . فكل دقيقة تمضي كأنما تثبت لها كلابيب تسحبني إلى أسفل القبر . ثمة ظمأ يحرقني . أختنق أرفع رأسي فوق المياه . أشرب من الوحل الأسود , أحس بغتة على جرذ يقرض أذني , يقتات من جثتي النتنة . أطلق صرخة واهنة , أرتعش كلي , أقذف من فمي سائلاً أسوداً عفناً . قلت أأنتظر خلاصاً لن يجيء ؟ من يسمعني ؟ سأموت مع الفجر تدفني المياه مع أكوام الجثث في البرك إلى أنياب الجرذان . ها هو صوت المطر يضرب في أنحاء الليل , يشتد , يصفع جلدي بقسوة , أشعر أن ملابسي قد نزعت عني تماماً , صرت أسود كالقار , بلون الطين . لا يوجد مكان التجئ إليه ؟ أيمكن أن أبقى هادئاً لأموت في لجة المياه ؟ اف , ما من شيء يؤلمني الساعة ! إنما سيقتلني غضبي إن لم أطلق جسدي , من يدري , ربما تفسخت وخمدت الحياة في ؟ من بين جفوني المثقلة بالطين التي التفت الظلام أرى أشباحاً تتحرك تتعثر في البرك . أصوات تقترب , نصال تبرق تتقاطع.
ويلاه . سيقرع ناقوس موتي . لقد أزفت ساعتي . أفقت فجأة على شبح سابح في طين قاتم , كمن طلى جسمه بقار أسود يقف فوق رأسي بالضبط في الظلمة العمياء , برك في الطين ودق سكينه في جثة الرجل الرابض فوقي . هالني المنظر المظلم . صرخة عظيمة تختنق بجوفي , يشب في صدري ألم هائل , كانت الحربة تغور ما بين ضلوعي , تفتح لحم صدري بعد أن أخترقت جسد الرجل الراقد فوقي !! خلت أنه سيجرني في أيما لحظة من حفرتي ويطلق علي رصاص الرحمة . فقدت كل طاقة على الخوف أو الأحتجاج . كنت أنزلق إلى الموت . قلت في ذهولي , هل هذا عالم حقيقي ؟ كان الموت يطوف في أماكن عدة من جسدي , يقطع لحمي , حريق يشعلني وأنا أرتعد في حفرتي . تهياً لي أن الجثة التي فوقي ترتعد وتتحرك وتلهث مثلي . تقاسني الموت . تنبهت فجأة على صوت أنيني , كنت أطلق صراخاً واهناً كالبكاء , صراخ طويل وهذيان , إني أخشى الصمت , أضحيت مهرج موتى ! أهذي , أثرثر , لعل ذلك يؤنسني , أنني مستوحش ومقهور ووحيد في هذا الليل , ترى هل ذهب الشبح ؟ أنتفضت بمكاني بغتة مع أرتجاج المكان حيث أنطلقت موجات البرق من الأرض إلى السماء . وتهاوت فوقنا كتل الأوحال والأشلاء والحطام , دفعت رأسي وكتفي خارج الحفرة بأرادة غريبة . أشتعلت لهفتي للهرب . أريد أن أركض . أطلق ساقي . جسدي تخلى عني ! أكتسب الأستقال التام عن أرادتي . أغمض عيني . هذا أرحم . ألا يمكن الحياة بلا جسد خائن ؟ ما هذه الأصوات ؟ هل أشرعت أبواب الجحيم من جديد ؟ جسدي العاري يستشعر برودة المياه . الرياح غدت تصفر تدفع الموج تغرق الموتى والأحياء المختفين . الأحياء العاجزين عن الهرب . ستاكلهم الجرذان , ستقرض اذانهم وانونفهم وتضحك منهم . أدرك أني سأتعفن بحفرتي . ستلتهمني الجرذان أنا والرجل الذي فوق . إنما من يدري لعله مثلي يحيا بصمت ؟ وقد خذلته قواه أيضاً . لقد كانت الحربة تشق لحمه . تخترق جسده وتنفذ بصدري وتهيأ لي أني سمعت صراخه ينزف مع دمه . أحسست جسده يختلج . يتحرك أثر طعنات , ولكن ألا ترى أننا نبدد الوقت ؟ ما المتعة في أن نراقب موتنا ونتعفن في المقبرة ؟ ما بات يهددنا القصف والرصاص أيها الصديق إنما حياتنا غدت مرهونة بحصار المطر الجارف . ألا ترى الحفر العائمة بالأجساد ؟ يلزمنا أن نغادر المقبرة قبل أن تُغلق أمامنا المسالك . لا مجال , حياتنا معلقة في الدقائق القادمة . نحن أحياء هنا وما عدانا الموت . أنهض لا تسمح للموت أن يستغفلك . فكر أية سعادة ستكون في العودة إلى بيوتنا ؟ بهذه المسافة اليسيرة تكمن الحياة . نعم بمجرد أن نجتاز المقبرة . سنحتمي بالظلام, فإذا عبرنا أمكننا التسلل والأنسحاب . هيا جرب أن تنهض . أنفض عنك الأوحال وغبار الموت أنني أعرف رباطة جأشك . كنت أجدر مني وأنت تصد عني الرصاص والحراب بجسدك وتمدني بالحياة . حاول أن تنهض . سأساعدك لن أتخلى عنك . كما ترى غداً مصيرنا مرهوناً كلٌ بالآخر. لقد أختلط صراخنا وآلامنا ودماؤنا وها أننا نلتصق ببعض في حفرة واحدة كجنينين . كتوأم ! أعطني يدك . عدني أنك ستهرب معي دون إبطاء لنريهم للذين ينتظروننا أننا ما زلنا أحياء . هربنا من الأسر ببسالة قبل أن تغرقنا المياه القذرة ..
لكنك القيت بسمعي كلمات واهنة . تقول أحتمِ بجسدي أيها الصديق أنقذ نفسك ! أدركت بالهمهمات والكلمات الخاطفة أنك تعتذر . لم تقوَ على الحركة وأنت تقرأ لي شيئاً . ربما وصيتك . . إنما عليك أن تعلم يا صديق بأني ميت مثلك . جثة مكورة مزقتها الحراب ونيران الرصاص ! من يعلم , ربما أنتهت المعركة وأغلقت أبواب الجحيم وتوقفت الحرب.
ها أنا أرقد معك في قبر واحد , وهذه خوذتي خلعتها عن رأسي ووضعتها إلى جانب خوذتك , فوق قبرنا..



كاظم حسوني

https://www.facebook.com/friends/?profile_id=1311794360
facebook.com
www.facebook.com

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى