أشرف البولاقي - أحمدالدقر (18 أكتوبر) مات ليحيا

لستُ ميالاً لقصائد الرثاء في الثقافة العربية، ولا أحِب الكتابةَ عن الأموات كثيرًا؛ لهذا أكتبُ عن أصدقائي وأحبابي وهُم على قيد الحياة؛ ولهذا أكتب الليلةَ عن أحمد حسين عاشور، "أحمدالدقر" الذي لو كان بيننا لاحتفلنا به في ذكرى مولده 18 أكتوبر، وحاشا أن أنسى عتابَه لي العام الماضي عندما كتبَ لي مِن العالم الآخر يسخر كعادته مما أفعل ومما أكتب عن الكثيرين، ناسيًا أو متناسيًا الكتابةَ عنه.
كان لأحمد الدقر حضورٌ قوي في أرائه وفي شخصيته، وكان يميل إلى المخالَفة والاعتراض، وكان لسانه حادًا أيضًا، لكنه كان يمتلك ابتسامة ساحرة وساخرة دائمًا وأبدًا، دون أن يعرف أحدٌ مما كان يسخر – رحِمه الله!
وكان هو سببًا رئيسًا في تركي للعمل بقسم الثقافة العامة بفرع ثقافة قنا؛ عندما قام بالتعريض بعملي ووظيفتي، ورغم اعتذاره بعد ذلك بعام إلا أنني لم أعد لعملي إلا بعد رحيله، ولم يكن هناك أكثر غرابةً ولا دهشةً من اقترابه منِّي قبل رحيله وجلوسه معي ومع أسرتي في الأماكن العامة!
ولقد كانت مفاجأة مدوية أن سمِعنا أثناء ندوةٍ لنا في مدينة نجع حمادي بنقلِه للمستشفى على إثر أزمةٍ قلبية، زُرناه جميعًا ولم نكن نعلم أنها نذيرُ رغبتِه في الرحيل ... وكانت المفاجأة الأقسى علينا خبر رحيلِه بغتةً دون أن يودّعه أحد!
أمّا مجموعته القصصية الوحيدة، فإنّ اسمها وعنوانها وحدَه كفيلٌ بالتأمل، (الحياة للحياة) هذا فضلاً عما حَملته المجموعة نفسها من أسلوبٍ جديد في القص والسرد والتقنيات، وهي التي صَدرت عن سلسلة "الجوائز" بالهيئة العامة لقصور الثقافة في ديسمبر 1999 وماأزال محتفظًا بإهدائه بخط يده، حيث يقول تنصيصًا وتقويسًا: "إلى الشاعر (الذي كان) إلى أبي هند (سَقى الله أيامه) إلى أشرف البولاقي".
وهو أحمد الدقر الذي أهدى مجموعتَه القصصية إلى:
"قلمي ذي الخيال الجامح الخصب في حالي صحوه وغفوته، وقد تَعهد بذرتي الكتابية حتى أنبتت قطرةً من الضوء أثمرت الأمل في نهاية لنفقٍ طويل".
وكانت قصته الأولى في المجموعة بعنوان "هناك مَن يعبث بقرآني"، وعشر قصص أخرى، وهو أحمد الدقر الذي لم نحتفل به حتى هذه اللحظة، اللهمّ إلا احتفالا أقامه المنتدى الثقافي بمركز شباب النحّال بمديرية الشباب والرياضة بقنا، أصدر خلاله كُتّيِّبا صغيرًا شاركتْ فيه قصائد لكل من: حسين عبدالله، وعادل حماد سليم، وعبدالحميد أحمدعلي، وعبدالرحيم طايع .. وقراءة لـفتحي عبدالسميع .. حدث هذا بعد رحيله بعامٍ أو عامين تقريبًا ... وهو أحمد الدقر الذي اكتشفنا بعد رحيله أن قصيدتَه التي شارك بها في كتاب الشعراء المُهْدَى إلى عادل لبيب – وهي قصيدة مدحٍ تقليدية تمامًا - مسروقة مِن شاعرٍ خليجي !و كأنه أراد أن يسخر مِن الممدوح، أو مِنا جميعًا، خاصةً وأنه لم يكن شاعرًا، بل كان قاصًا!
لستُ مشغولا بشيء بعد رحيل أحمدالدقر مثلما أنا مشغول بأمرين:
الأول، إلى أي حدٍ كان يمكنه أن يصل بمشروعه القصصي؟
والآخَر، كيف كان يمكن أن يرى الأحداثَ التي آلت إليها مصر الآن؟
وأدعو كل الزملاء والأصدقاء إلى إعادة قراءة مجموعته القصصية "الحياة للحياة"، مرة أخرى؛ ليتذكروا كيف كان الراحل يمتلك أسلوبًا مختلفًا وفريدًا .....
رحِمه الله وغفر له ولنا.

منشور بتاريخ 17/10/2012

تعليقات

يطيب لنا أن نزجي جزيل الشكر للكاتب والمبدع المصري الرائع أشرف البولاقي الذي مدنا بهذا التعريف حول بعض جوانب سيرة أحمد الدقر هذا القاص والمثقف الذي لم ينل حقه من الاهتمام والعناية.. ولعله الوحيد الذي تتطرق الى ذكره في احدى تدويناته، وقد تجشم عناء البحث والتقصي لندرة المعلومات حول حياته القصيرة التي استغرقت حوالي سبع وثلاثين سنة.. والمحفوفة بالنكران من طرف النقاد والباحثين

شكرا مرة أخرى للأستاذ أشرف البولاقي على تعاونه من اجل اماطة الغبار عن هذا القاص الرائع والمجدد
 
أعلى